Trending Events - Future Concepts

‪Turning Points‬

كيف تفسر الأطر النظرية التحولات الكبرى في العالم؟

-

"إن عالم ما بعد كورونا لن يكون كسابقه"، تلخص هذه العبارة التي ترددت في العديد من التحليلات عقب تفجر جائحة كورونا مدى مركزية "نقاط التحول" في تفسير التغيرات التي تطرأ على التفاعلات ضمن النظم السياسية والعلاقات الدولية، إذ تعد هذه التحولات فاصلاً زمنياً قصيراً بين مرحلتين على درجة عالية من التمايز والتباين.

ويمكن في هذا الصدد وصف "نقاط التحول" باعتبارها أحداثاً ذات تأثيرات عميقة على مسار التفاعلات التالية لها، حيث تتبعها سلاسل كاملة من التغيرات اللاحقة تؤسس لحقبة جديدة، مثل التغير الذي أحدثته الحروب العالمية في النظام الدولي.

وفي هذا السياق، تدفع "نقاط التحول" حركة التاريخ في مسارات مختلفة تحت وطأة زخم التحولات التي تتبعها في التفاعلات الداخلية والإقليمية والدولية، إذ تقترن هذه المراحل بتغيرات سريعة ومتلاحقة، وحالات من التعقيد والتداخل بين مسارات التفاعلات إلى الحد الذي يجعل توصيفها في فترات حدوثها شديد الصعوبة، ناهيك عن تقديم تفسيرات لأسباب وقوع هذه التحولات.

وتقع ضمن هذه الفئة من الأحداث المحورية عدة تغيرات رئيسية، من بينها الحروب العالمية والأزمات الاقتصادية الكبرى، وانهيار وتصدع القوى العظمى، وانتقال القوة في النظم الإقليمية، وتفشي الأوبئة، وغيرها من الأحداث التي تحدث تغيرات فارقة وتؤدي لتبدل "قواعد اللعبة" وخرائط اللاعبين ومسار التفاعلات.

وعلى المستوى التحليلي، تعد "نقاط التحول" أداة سردية ‪Narrative Tool(‬ ) للتمييز بين نهج الاستمراري­ة ومسارات التغير في الأحداث، وتمييز التحولات التاريخية الكبرى عن الأحداث الجارية التي تتبع مسار الوضع الراهن ‪Status Quo(‬ ) ولا تؤدي لتغيير ملامحه.

وعادةً ما يُثار جدل محتدم بين الاتجاهات النظرية المختلفة حول كيفية تحديد مدى التغير الذي يمكن أن ينتج عن تلك الأحداث الفاصلة، ناهيك عن وصف أحداث معينة بأنها تاريخية في تأثيراتها وقت وقوعها، حيث يرفض تيار بارز في الأدبيات وصف الأحداث بأنها مفصلية فور حدوثها، وضرورة انتظار متابعة التداعيات المترتبة عليها، وتقييم مدى اتصالها أو انقطاعها عن الوضع السائد

في الفترة السابقة على وقوع الأحداث الجوهرية، بما يعني انتظار اكتمال "دورة زمنية كاملة" قبيل وصف الحدث بأنه "نقطة تحول".

ويجادل اتجاه ثان بأن "نقاط التحول" هي مجرد "تكتيك خطابي" يتسم بالذاتية، وينبع من رغبة بعض السياسيين لإكساب بعض الأحداث زخماً على مستوى الدلالة الرمزية والواقعية. وفي رؤية أنصار هذا الاتجاه فإن التاريخ يتغير بتراكم النقاط في مسار متصل وليس نتيجةً لطفرات زمنية منفصلة.

ويرى فريق ثالث أن "نقاط التحول" يمكن تحديدها والتعرف عليها وقت حدوثها نتيجة لكثافة التغيرات المصاحبة لوقوعها، والتي لا تكاد تخطئها عين بسبب وضوحها واتساع نطاق تأثيراتها، ويصبح التنبؤ بواقع جديد يتبع هذه الأحداث نمطاً من المعادلات المنطقية للارتباط بين المقدمات والنتائج. وعلى سبيل المثال، فإن وقوع أزمة اقتصادية تتبعها موجة من التوقعات باتخاذ تدابير التعافي وتغييرات جوهرية في السياسات الاقتصادية لمواجهة تأثيرات الأزمة ومنع تكرارها مستقبلاً.

وفي هذا الإطار، لم يكن تفشي "فيروس كورونا" )Covid-19) في العالم حدثاً عابراً كغيره من موجات انتشار الأوبئة التي ضربت أقاليم العالم خلال العقود الماضية؛ إذ إن التغيرات العميقة على المستويات السياسية والاقتصادي­ة والمجتمعية التي صاحبت الانتشار السريع للفيروس، قد وضعت العالم أمام نقطة تحول فاصلة ستغير أنماط وهيكل وكثافة التفاعلات الدولية، وهو ما يتصل بالجدل الدائر بين التيارات المتعارضة حول مدى عمق أو هامشية التحولات في عالم "ما بعد كورونا".

وفي هذا الإطار، يركز ملحق المفاهيم ضمن العدد 32 من دورية "اتجاهات الأحداث" على "نقاط التحول" والتفسيرات النظرية للتغيرات الكبرى في العالم، حيث يتناول العدد عدة ظواهر يتمثل أهمها في "الحروب النظامية" ودورها في تغيير بنية النظام الدولي و"انتقال القوة" وإسهامه في التحولات بالنظم الإقليمية، وانهيار الدول كنقطة تحول في النظم السياسية، والأزمات الاقتصادية كقوة دافعة للتغيير في التفاعلات الاقتصادية والأوبئة واسعة الانتشار كأحداث محورية في تفسير التغيرات في السياسة والمجتمعات.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates