Trending Events - Future Concepts

‪Power Transition‬

تفسير انتقال القوة للتحول في بنية النظم الإقليمية

- د. رغدة البهي

مدرس العلوم السياسية، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة

تقدم نظرية انتقال القوة ‪Power Transition Theory(‬ ) تفسيرات متعددة للحظات التغير في النظم الإقليمية، واحتمالات الصراع بين القوى الإقليمية المهيمنة ونظيرتها الصاعدة وتداعيات اختلال توازن القوى الإقليمي والتغيرات في القدرات العسكرية والاقتصادي­ة في النظم الإقليمية.

اأولاً: الاإطار النظري لانتقال القوة في الاأقاليم

يمكن توظيف نظرية انتقال القوة لتحليل فترات التغير في توازن القوى بالنظم الإقليمية من خلال التركيز على عدة أبعاد رئيسية تتمثل فيما يلي: 1- النظم الإقليمية كفروع للنظام الدولي: يجادل منظرو النظرية الواقعية بأن النظم الإقليمية لا تعدو كونها نظماً فرعية هيراركية على شاكلة النظام الدولي، حيث يعتمد الصراع/السلام فيها على التوزيع النسبي للقوة، بجانب الرضا/عدم الرضا عن الوضع الراهن) .)

1 وتتأثر النظم الإقليمية بالنظام العالمي فتزيد التدخلات الخارجية في النظم الإقليمية إذا تناقضت الهيراركية الإقليمية مع تفضيلات القوى الدولية الرئيسية، فتستقر النظم الإقليمية حال توافقها مع مصالح القوى المهيمنة عالمياً، والعكس) .)

2 ويشير ذلك إلى مبدأ "إقليمية الصراعات" التي قد تنخرط فيها القوى الكبرى من دون أن تتصاعد حدتها لتصل إلى أراضيها، كالغزو الأمريكي للعراق، حيث يقتصر تأثير الحروب الإقليمية على توزيع الموارد والقدرات داخلها فحسب) .)

3 2- انتقال القوة والاستقرار الإقليمي: ووفقاً لعاملي تراجع القوة ‪)Power Degradatio­n(‬ والمسافة Distance(،) فإن التشارك في الحدود الجغرافية قد يزيد من فرص الحروب الإقليمية،

مع التأكيد على أن طبيعة العلاقة بين القوى المهيمنة والقوى الصاعدة لا تؤثر بشكل منفرد في النظم الإقليمية؛ فانتقال القوة ليس عملية خطية أو أحادية التأثير بسبب وجود عوامل أخرى مؤثرة في التفاعلات) .)

4 ويمكن فهم ديناميات انتقال القوة الإقليمية في ضوء مساعي الدولة المهيمنة في إقليم محدد لإدارته من خلال تحالف يضم المؤيدين الراضين، وهو ما يدفع صوب عمليات التكامل الإقليمي، حال انتقال القوة بين قوتين راضيتين بإضفاء الطابع المؤسسي على العلاقات، مع أخذ تطابق منظومة القيم وتقارب المجتمعات في الحسبان.

ويسود الاستقرار بشكل عام في الهيراركية الإقليمية إذا زادت قوة الدولة المهيمنة بنسبة 20% على الأقل على أي منافس، وتنشأ الهيراركية منظمة ‪Ordered Hierarchy(‬ ،) بعكس الهيراركية غير المتكافئة ‪Asymmetric Hierarchy(‬ ،) التي تتزايد فيها فرص الصراعات العسكرية نسبياً) .)

5 3- محفزات انتقال القوة الإقليمية: يعد انتقال القوة رهناً بجملة من المحفزات أبرزها؛ الذاكرة التاريخية التي قد تدفع الدولة الصاعدة إلى تحدي الدولة المهيمنة والإحلال محلها) (، وامتلاك القدرة

6 على التأثير في الإقليم، والتزايد السكاني نسبياً، وارتفاع معدلات النمو الاقتصادي على مدى زمني ممتد، بجانب الطفرة الصناعية والتطور التكنولوجي، وامتلاك الموارد الاقتصادية والقدرة على استغلالها لتحقيق الأهداف المرجوة) .)

7

ثانياً: نماذج واأنماط انتقال القوة الاإقليمية

تتعدد أنماط ونماذج انتقال القوة في النظم الإقليمية بحيث تشمل ما يلي:

1- انتقال القوة المدفوع بتحولات خارجية: قد يأتي انتقال القوة في الأقاليم مدفوعاً بتحولات في النظام الدولي، مثل الانتقال من الأحادية القطبية إلى التعددية، إذ ترى بعض الأدبيات أن نشوب صدام بين الولايات المتحدة والصين قد ينعكس على التوازن في القارة الآسيوية بسبب الدعم الأمريكي الواسع للقوى الصاعدة في الإقليم المناوئة للصين، مثل الهند واليابان، بالتوازي مع إجراءات تحجيم الصعود الصيني عالمياً) (، عبر حروب التجارة وفرض

8 القيود على الاستثمارا­ت الصينية وأنشطة الشركات الصينية الكبرى، مثل شركة هواوي. 2- انتقال القوة بين الدول الصغرى: قد يحدث انتقال القوة بين دولتين صغيرتين عالمياً، تمتلكان من القدرات ما يمكنهما من قيادة نظام إقليمي محدود نسبياً، على الرغم من تراجع قدراتهما الاقتصادية، ففي آسيا الوسطى مثلاً، يبقى انتقال القوة في الإقليم مرتبطاً بطبيعة العلاقة بين أوزبكستان وكازاخستان، حيث تتمتع الدولتان بإمكانيات جيوسياسية تمكنهما من أداء دور محوري في النظام الإقليمي على الرغم من محدودية قدراتهما بالمعايير الدولية .)

9) 3- الانتقال السلمي للقوة: قد يشهد النظام الإقليمي انتقالاً سلمياً للقوة من الثنائية القطبية وتوازن القوى إلى الأحادية القطبية، وهو ما تجلى في النظام الإقليمي بأمريكا اللاتينية، بين البرازيل والأرجنتين، في ضوء توقف الأخيرة عن موازنة البرازيل Counterbal­ancing() واختيار التكيف Accommodat­ion() عوضاً عنه، في ضوء التغيرات الهيكلية والتحولات الاجتماعية الأرجنتيني­ة المتراكمة منذ عقد السبعينيات، وقوة البرازيل التي فاقت قوة الأرجنتين ثلاث مرات على الأقل.

ففي ذلك النموذج تصدرت البرازيل إقليمياً بعد أن تخلت الأرجنتين عن رغبتها في الصراع على الصدارة، مقدمة سلسلة من التنازلات المتعلقة بالقدرات النووية، وتكنولوجيا الدفاع، والتجارة،

وغير ذلك، فزاد التعاون الثنائي بينهما في خضم انتقال القوة) .) 10

ثالثاً: التداعيات المحتملة لتغير بنية النظم الاإقليمية

يمكن رصد عدة تداعيات محتملة لانتقال القوة وعملية التغير في بنية وهيكل النظم الإقليمية، يتمثل أبرزها فيما يلي: 1- المواجهات العسكرية: ثمة ارتباط بين انتقال القوة وتزايد احتمالات الحرب بفعل معدلات النمو غير المتكافئة للقوة، فقد تشن الدولة الصاعدة حرباً ضد الدولة المهيمنة، في حين قد تشن الأخيرة حرباً إقليمية لاعتبارات وقائية أو استباقية) (، بحسب نقطة

11 الانتقال‪The Point of Transition(‬ ؛) بين من يرى ضرورة شن الحرب قبل أن تتجاوز القوى الصاعدة تلك النقطة، ومن يرى إمكانية شن الحرب بعد تجاوزها. 2- التكامل الإقليمي: يعد التكامل وسيلة الدولة المهيمنة للسيطرة على الدولة الصاعدة، فيحل التكامل الإقليمي محل الحرب الوقائية، حيث ينشأ حافز الاندماج استجابة للتهديد الخارجي المتمثل في معضلة أمنية إقليمية، لاسيما مع ارتفاع تكلفة الحرب كبديل مُحتمل) .)

12 3- اضطراب توازنات القوى: قد يتسبب انتقال القوة في الإقليم في حدوث اضطراب ممتد في توازنات القوى من دون أن يسفر ذلك عن هيمنة القوة الصاعدة أو تمكن القوة المهيمنة من الحفاظ على مكانتها والتصدي لصعود القوة المتحدية للوضع الراهن، مما يزيد من احتمالات الصدام بسبب التكافؤ في القوة واحتمالات سوء الإدراك للتحركات والسياسات .)

13) وختاماً، يعد انتقال القوة نقطة تحول جوهرية في بنية النظام الإقليمي نظراً للتغير في توازنات القوى واضطراب التفاعلات الإقليمية واحتمالات نشوب الصراعات والصدامات بين القوى المهيمنة ونظيرتها المتحدية للوضع الراهن للنظام الإقليمي.

قد تزيد الحدود الجغرافية المشركة من فرص الحروب الإقليمية، مع التأكيد على أن طبيعة العلاقة بن القوى المهيمنة والقوى الصاعدة لا تؤثر بشكل منفرد في النظم الإقليمية؛ فانتقال القوة ليس عملية خطية أو أُحادية التأثير.

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates