Trending Events - Future Concepts

‪State Collapse‬

دوافع الاضطرابات الداخلية في مراحل ما بعد انهيار الدول

- محمد بسيوني عبدالحليم

باحث متخصص في العلاقات الإقليمية، مصر

يُصنف تصدع الدول وانهيار مؤسساتها ضمن التحولات الفاصلة في مسار تطور الدول، حيث تتصاعد أدوار الفاعلين من غير الدول بعد تراجع قدرة مؤسسات الدولة القومية على إنفاذ القانون واحتكار العنف، وظهور ما يُعرف "بمناطق خارج سيطرة الدولة" ‪Stateless Areas(‬ ) مع تزايد الكيانات الساعية للإحلال محل الدول في أداء وظائفها.

وتستدعي تلك التحولات جدلاً متزايداً حول العوامل الدافعة لتصدع الدول القومية، وتداعيات هذا التصدع، سواء على المستوى الداخلي أو حتى على مستوى العلاقات الإقليمية والدولية وإمكانية امتداد حالة الاضطراب وعدم الاستقرار الداخلي إلى الدول الأخرى. علاوة على مداخل تعافي الدول المنهارة، واستعادة مقومات الدولة.

اأولاً: محفزات ت�شدع الدول القومية

تُعبر ظاهرة الدولة المتصدعة عن إخفاق تراكمي يفضي إلى انهيار وتفكك مؤسسات الدولة وتقويض قدرتها على ممارسة مهامها ووظائفها، أو بتعبير "روبرت روتبيرج " فإن انهيار الدولة هو "بمنزلة نسخة متطرفة من الإخفاق في فرض السلطة") .)

1 ويشير ويليام زارتمان إلى أن "الدول تنهار وتتصدع لأنها لم تعد قادرة على ممارسة المهام والوظائف المطلوبة منها لكي يتم وصفها بدولة، إذ تتعرض للعجز وانعدام الفاعلية، كما يتم تعطيل القانون، ويتفكك النظام، ويتعرض التماسك الاجتماعي لمأزق فعلي") .)

2 وتفقد الدولة كرمز للهوية ‪Symbol of Identity(‬ ) سلطاتها وقدرتها على التأمين والحماية، وباعتبارها إطاراً للتنظيم الاقتصادي الاجتماعي ‪Socioecono­mic Organizati­on(‬ ) فإن قدرتها على تحقيق التوازن الوظيفي بين مدخلات ومخرجات النظام السياسي والاجتماعي تتعرض للتقويض بسبب العجز عن تلبية الاحتياجات الأساسية) (، وتتمثل أبرز العوامل المحفزة لتصدع

3 الدول فيما يلي: 1- اختلال بنية الدولة وهياكلها: تعاني العديد من الدول المنهارة عدم ترسخ نموذج الدولة القومية وتزايد مظاهر الاختلال الهيكلي في مؤسساتها الرئيسية بسبب فرض نموذج الدولة من جانب قوى خارجية من دون توافق مجتمعي يعبر عنه "عقد اجتماعي" حقيقي، ويفترض كلٌ من "بيير انجليبرت" و"دينيس تال" أن الضعف الهيكلي للدول الأفريقية يعود إلى الحقبة الاستعماري­ة، والمؤسسات السياسية التي فرضها المستعمرون على المجتمعات الأفريقية) .)

4 ويرى محمد عابد الجابري أن أزمة الدولة في العالم العربي تنبع عن الإخفاق في تأسيس "بنية سياسية" تمثل بوتقة صهر للمكونات المجتمعية كافة، مما تسبب في صعود الانتماءات الأولية لتصبح بديلاً عن الانتماء للدولة) .)

5 2- الصراعات على الموارد: تلعب الموارد، سواء كانت نادرة أو متوفرة، دوراً مركزياً في تحفيز تصدع الدول، خاصة أن حالة الضعف والهشاشة البنيوية للدولة ومؤسساتها تدفع بعض النظم لاستغلال موارد الدولة لإدامة شبكات الزبائنية السياسية. وثمة اتجاه في الأدبيات يفترض أن ندرة الموارد يمكن أن تساهم في تفجر العنف الداخلي والصراعات العرقية. وعلى النقيض تفترض عدة أدبيات أن توافر الموارد يؤدي لتفجر العنف بسبب غياب الرشادة السياسية ومساعي السيطرة على العوائد الاقتصادية) .)

6 3- سياسات دول الجوار: تتبنى بعض القوى الإقليمية سياسات لتحفيز تصدع بعض الدول والتحكم في عملية إعادة البناء وفقاً لمصالحها، حيث تستدعي بعض الأدبيات دور إيران في تقويض الاستقرار عقب الحرب الأمريكية على العراق في عام 2003،

بهدف إعادة هندسة الدولة لتصبح متسقة مع المصالح الإيرانية) .)

7 4- تحولات النظام الدولي: أدى تغير بنية النظام الدولي من الثنائية القطبية إلى الأحادية في مطلع تسعينيات القرن العشرين إلى تحفيز حالات تصدع الدول القومية بسبب تراجع مصلحة القوى الكبرى في دعم تماسك واستقرار بعض الدول الحليفة لها في العالم النامي) .)

8 وتقترن الأحادية القطبية بنزعات للتدخل العسكري الذي يؤدي لانهيار بعض الدول على غرار الحرب الأمريكية على أفغانستان والعراق. كما أن التنافس بين القوى الكبرى في فترات تغير بنية النظام الدولي يؤدي لتصاعد حدة الصراعات الداخلية ويعوق عمليات إعادة بناء الدول المنهارة على غرار الحالة السورية.

ثانياً: ملامح التفاعلات ال�شيا�شية في الدول المت�شدعة

أدى صعود نموذج "الدولة المتصدعة" لتغيير العديد من الفرضيات التقليدية لبنية وأدوار الدول القومية الحديثة، إذ يفترض ماكس فيبر احتكارها لاستخدام العنف وسيطرتها الكاملة على مكونات الإقليم كافة الخاضع لها. وتتسم التفاعلات السياسية في الدول المتصدعة بما يلي: 1- تنامي الاحتكام للعنف: يصاحب انهيار الدول انتشار العنف والاحتكام للسلاح بين الفرقاء المتصارعين في إطار صراعات ممتدة بين مكونات وطوائف المجتمع. ويترتب على ذلك تزايد أعداد الضحايا المدنيين وتدمير البنية التحتية للدولة واستنزاف مواردها وثرواتها، فعلى سبيل المثال، أشارت بعض التقديرات إلى أن عدد الضحايا المدنيين في الصراع السوري خلال الفترة من 15 مارس 2011 حتى بداية عام 2020 تجاوز 115 ألف قتيل) .)

9 2- صعود الكيانات البديلة: يُشكل انهيار الدولة القومية فرصة مواتية للكيانات البديلة والفاعلين من غير الدول، حيث تتمدد شبكات المحسوبية الشخصية، وتظهر العديد من القوى الموازية التي تزاحم المؤسسات الرسمية على وظائفها وهو ما يرتبط بأزمات الهوية، وصعود الهويات الفرعية) .)

10 3- تزايد الانكشاف الإقليمي: تواجه دول الجوار المحيطة ببؤرة التصدع والانهيار تهديدات انتقال الاضطرابات إلى داخل حدودها

بسبب التداخلات المجتمعية وامتداد التكوينات الديمغرافي­ة عبر الحدود، وتصاعد أنشطة التنظيمات الإرهابية وشبكات الجريمة المنظمة على امتداد الإقليم.

ثالثاً: م�شارات تعافي الدولة المنهارة

تتمركز مسارات تعافي الدولة المنهارة حول فكرة إعادة بناء مؤسسات الدولة واستعادة وظائفها، وتفكيك الكيانات المسلحة وبسط السيطرة على كامل إقليم الدولة، وتتمثل أبرز مسارات تعافي الدول المنهارة فيما يلي: 1- استراتيجية السيادة ‪Sovereignt­y Strategy(‬ :) تتضمن هذه الاستراتيج­ية توافقاً بين أصحاب المصلحة الداخليين والأطراف الخارجية حول استعادة سيادة الدولة من خلال صياغة معاييرمشتر­كة وقواعد متوافق عليها ووضع خرائط لمجموعات المصالح وكيفية التعامل مع تهديدات بسط سيادة الدولة على إقليمها) .)

11 2- إعادة بناء الدولة: تؤدي تسوية الصراع إلى بدء عمليات إعادة بناء الدولة عبر دمج مختلف الأطراف المتصارعة في مؤسسات الدولة وتقاسم السلطة والالتزام بالتفاوض حول القضايا الخلافية، بحيث يتم تطوير قنوات وأطر مؤسسية للتعبير عن المصالح. ويتم بناء علاقات "ولاء قائم على الالتزام بعملية التسوية" ‪Process Based Loyality(‬ ) بحيث يتعزز ارتباط الفاعلين بمسار التسوية بعد توفير ضمانات للمشاركة في مؤسسات "دولة ما بعد الصراع" والتوصل لصيغة مقبولة لتقاسم السلطة) .)

12 3- الشراكة بين الدولة والمجتمع: كشفت الخبرة التاريخية لعمليات التعافي للدول المنهارة أن استبعاد المجتمع من عملية إعادة بناء الدولة يعرض مسار التعافي لتحديات الحقيقية وربما يفضي إلى تصدع الدولة مجدداً، خاصةً في الدول التي يكون فيها للمؤسسات والقوى المجتمعية حضور بارز. ختاماً، ينبغي تمثيل تكوينات المجتمع ومصالحهم وربط شرعية واستقرار الدولة بتطوير مؤسسات قادرة على "إدارة وتقنين تفاعلات المجتمع وتوزيع الموارد وتلبية الاحتياجات المجتمعية، وحماية المجتمع ضد التهديدات الخارجية") .)

13

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates