Trending Events - Future Concepts

‪Economic Crisis‬

تداعيات معقدة لتفجر الأزمات الاقتصادية العالمية

- د. يوسف داوود

باحث دكتوراه في الاقتصاد السياسي- معهد الدراسات السياسية ببوردو، فرنسا

تعد الأزمة الاقتصادية أكثر شمولاً من الأزمة المالية، ففي حين تصيب الثانية قطاعي البنوك والمال، فإن الأولى تتسبب في تعطل غالبية قطاعات الاقتصاد، خصوصاً القطاعات الإنتاجية والخدمات، ويتم التعبير عن عمق الأزمة بحسب مداها الزمني والقطاعات المتأثرة بها وعمق تداعياتها على الدول التي تقع في نطاق تأثيراتها.

اأولاً: اأ�شباب حدوث اأزمات الاقت�شاد العالمي

ترتبط الأزمات الاقتصادية العالمية بجملة عوامل متداخلة تتفاعل على مدار فترة زمنية ممتدة، يتمثل أهمها فيما يلي: 1- تغيرات العرض والطلب على السلع الاستراتيج­ية: فقد نتج عن قيام دول الخليج العربية بوقف تصدير النفط للولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية خلال الفترة من 1973 – 1974 ارتفاع حاد في أسعار البترول نتيجة الهبوط الكبير في الكمية المعروضة، مما أدى إلى زيادة تكاليف الإنتاج بشكل عام، ومن ثم عدم القدرة على تصريف المنتجات بأسعار تنافسية، بالإضافة لتعطل الصناعات الثقيلة عن العمل بشكل كبير، مما أدى لحدوث الأزمة الاقتصادية العالمية عام 1974.

على النقيض من تلك الحالة، فإن زيادة العرض من تلك السلع بشكل كبير عن مستوى الطلب العالمي من شأنه أن يؤدي إلى انخفاض أسعارها بشكل موازٍ لسرعة تصريفها، مما يسبب هبوطاً حاداً فى أرباح منتجي هذه السلع، ويسبب أزمة اقتصادية عالمية تتعلق بالضغوط المتزايدة على قطاع معين) .)

1 وعلى سبيل المثال، أدى انخفاض الطلب العالمي على المواد البترولية بعد تفشي فيروس كورونا وزيادة بعض الدول المنتجة كميات المعروض في الأسواق إلى تراجع حاد في سعر البرميل إلى – 37 دولاراً للخام الأمريكي في 21 أبريل 2020 قبل أن تعاود الأسعار الارتفاع تدريجياً مع خفض كميات الإنتاج. 2- اندلاع الحروب العالمية: تنشأ الأزمات الاقتصادية عن ضعف قدرة النظم الاقتصادية على استيعاب تأثيرات الحروب العالمية واستعادة التوازن والتعافي في فترة قصيرة. وعلى سبيل المثال، يعزو الاقتصادي البريطاني إدجار جراموند الكساد الكبير الذي حدث عام 1929 لتبعات الحرب العالمية الأولى، التي أفضت لانهيار بورصة وول ستريت في النهاية.

ويفترض بعض الاقتصاديي­ن أن تأثر الاقتصاد الأمريكي بحرب العراق عام 2003 التي تشير التقديرات إلى أن تكلفتها قاربت ال3 تريليونات دولار هو أحد الأسباب التي دفعت النظام المالي الأمريكي لتوفير قروض ورهون عالية المخاطر في قطاع العقارات، لتوفير سيولة محلية وخلق فقاعة رقمية تعالج الاقتصاد ظاهرياً من مشكلات حقيقية خلفتها تكلفة الحرب الباهظة، مما أفضى لأزمة الرهن العقاري عام 2008 .)

2( 3- إفلاس البنوك الكبرى: تعد هذه الظاهرة ضمن مؤشرات وأسباب حدوث الأزمات المالية التي تسبب لاحقاً الأزمة الاقتصادية بمفهومها الأعم والأشمل، وهي لا تعني سحب المدخرين ودائعهم، بل تعني أن موارد البنوك نضبت إلى الحد الذي يُفقد البنك القدرة على إقراض المستثمرين) .)

3 وتختلف شدة الأزمة والقدرة على التكيف معها، وفقاً لمدى فاعلية البنوك المركزية، وكذا حجم الاحتياطات والدين الخارجي. 4- توسع الفجوة بين الاقتصاد الافتراضي والحقيقي: ينبغي أن يتوازى الاعتماد على العملات الافتراضية، مثل "البيتكوين"، وكذا على تداول الأسهم والسندات الافتراضية، مع وجود سلع وخدمات حقيقية تم إنتاجها بالفعل.

وفي المقابل أثبت الاقتصاد الحديث واتجاهات الرقمنة أن بعض السلع والخدمات يمكن أن يتم بيعها وإعادة بيعها افتراضياً من قبل حتى أن تنتج، مما يخلق فجوة رقمية بين القيمة الحقيقية للسلع والخدمات الموجودة بالفعل، والقيمة الرقمية للاقتصاد الافتراضي، وهو ما نجده في مجال البورصة مثلاً أو العقارات، حيث يتم بيع العقارات وإعادة بيعها بأسعار أعلى من قبل حتى إنشاء العقار بسنوات.

وعليه فقد تنشأ الأزمات الاقتصادية العالمية جراء اتساع هذه الفجوة في قطاعات حيوية على المستوى العالمي بين ما أسماه الاقتصادي الهندي الشهير كوريان "كوكب الأرض" Planet( )Earth و"كوكب المال" ‪)Planet Finance(‬ (، حيث أشار إلى

4( أن بورصة وول ستريت برعت في فن خلق الثروة من دون وجود قيمة حقيقية مضافة على أرض الواقع وهو السبب في العديد من أزماتها.

ثانياً: تداعيات الاأزمات الاقت�شادية

تتمثل أبرز التداعيات العالمية للأزمات الاقتصادية فيما يلي: 1- تراجع الاستهلاك والإنتاج: إن تداعيات الأزمات الاقتصادية تعرف بالحلقة المفرغة لهبوط مؤشرات الاقتصاد، وهو ما يجعل من الأزمة ظاهرة معقدة للغاية يصعب مواجهة تأثيراتها السلبية.

ففي وقت الأزمة، يقوم المستهلكون بتخفيض استهلاكهم للاحتفاظ بمواردهم، ونتيجة لذلك يقوم كل من المنتجين والمستثمري­ن بتخفيض إنتاجهم وسحب استثماراته­م لتتواكب مع الانخفاض الحاد في الاستهلاك، مما يؤدي إلى انخفاض الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي وكذلك التأثير سلباً على الموازين التجارية للدول. 2- الاستغناء عن العمالة وتزايد البطالة: تبدأ الشركات والمصانع في الاستغناء عن بعض موظفيها لتخفيف التكاليف الثابتة نتيجة هبوط مبيعاتها بشكل حاد، وذلك وفقاً لقدرة كل وحدة اقتصادية على مقاومة الوصول لحافة الإفلاس، ومن هنا ترتفع معدلات البطالة بشكل ملحوظ وسريع، ففي الأزمة المالية العالمية عام 2008 فقد نحو 50 مليون شخص وظائفهم .)

5) 3- الدخول في دوامة الاستدانة والاقتراض: تقف الدول أمام تحديين اقتصاديين عسيرين، الأول هو أن تقوم بزيادة الإنفاق الحكومي عن طريق إعانات البطالة وإعانات دعم الصناعة مما يخلق سيولة رقمية في الاقتصاد على حساب الموازنة العامة، وذلك لتعويض المواطنين والصناعات عن الخسائر التي تكبدوها.

ويتمثل التحدي الثاني في أن تحافظ على مستويات معقولة من سداد الديون الخارجية بالشكل الذي لا يعرض الاحتياطي النقدي الأجنبي للخطر. وتدخل الدول والحكومات في حلقة مفرغة من الاستدانة أو الأفول الاقتصادي والاجتماعي. 4- اختلال النظام العالمي القائم: يحدث جراء تلك الحلقات المفرغة في النظام العالمي نتيجة عدم قدرة كل الدول – حتى المتقدم منها – على الصمود أمام هذه الصدمات، فتظهر اقتصادات ناشئة من رحم الأزمات، وتنزوي قوى اقتصادية أخرى نتيجة عدم قدرتها على الصمود، مثل انهيار الإمبراطور­ية العثمانية بعد سيطرة الأوروبيين على طرق التجارة العالمية.

وتتمتع بعض الدول بالقوة الكافية على استعادة عافيتها باستخدام الأدوات الدولية أو إيجاد البدائل محلياً، مثل الولايات المتحدة بعد الكساد الكبير.

وترتبط استجابة كل دولة في النظام العالمي للأزمة الاقتصادية، بمدى اندماجها في الاقتصاد العالمي) (. ويفسر ذلك التأثير المحدود

6 نسبياً للأزمة الاقتصادية العالمية عام 2008 على بعض دول الشرق الأوسط وأفريقيا، حيث تتسم تلك الدول بالاندماج الضعيف لاقتصاداته­ا في الاقتصاد العالمي وفي حركة التجارة العالمية.

ثالثاً: م�شارات التعافي الاقت�شادي

يمكن رصد عدة مسارات للتعافي من الأزمات الاقتصادية كالتالي: 1- الإجراءات الاقتصادية الداخلية: تقوم بعض الدول باستخدام أدوات السياسة النقدية، مثل رفع أو خفض سعر الفائدة، أو أدوات السياسة المالية، مثل زيادة الإنفاق الحكومي الداخلي عن طريق الإعانات وتخفيف الضرائب، لاحتواء آثار الأزمة داخلياً.

وتشمل الإجراءات الداخلية أيضاً إعادة هيكلة الاقتصاد ليعتمد على قطاعات أخرى بخلاف القطاعات المأزومة، أو الاتجاه في بعض الحالات للقطاعات الإنتاجية لتفادي الصدمات العنيفة للقطاعات الخدمية والريعية. 2- اللجوء للقروض الخارجية: يتم ذلك إما عن طريق الاقتراض من دولة بعينها أو من المؤسسات المالية العالمية كالبنك الدولي في حالة المشروعات، وصندوق النقد في حالات عجز الموازنة العامة. 3- المسار المزدوج للتعافي: تقوم الدول بالجمع بين الأدوات التصحيحية الداخلية، والأدوات الخارجية القائمة على الاقتراض، وذلك بغض النظر عن قوة الدولة الاقتصادية، حيث إن أكبر دائن للولايات المتحدة الأمريكية هي الصين والعكس صحيح، بغرض توفير السيولة الداخلية اللازمة لمساندة الصناعات والحد من ارتفاع معدلات البطالة) .)

7 ختاماً، تعتبر هذه المسارات المزدوجة هي الأكثر شيوعاً، حيث إنه من غير المتصور أن تلجأ الدولة للاقتراض فقط في حين أن لديها آليات تصحيحية داخلية لا تفرض أعباء عليها في المستقبل.

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates