Trending Events - Future Report

الكتب الأكثر انتشاراً حول الإسلام والمسلمين في دور النشر الغربية

-

بمجـرد البحـث فـي مواقـع الكتـب الغربيـة، ومنهـا موقـع Amazon.com علـى سـبيل المثـال، عـن عناويـن الكتـب التـي صـدرت فـي دور نشـر أوروبيـة وأمريكيـة بكلمـات تتعلـق بالإسـام مـن قبيـل إسـام Islam وإسـام سياسـي Islam Political وإسـاموية Islamism سـوف يفاجـأ الباحـث بكـم هائـل مـن الكتـب التـي تمثـل إحـدى هـذه الكلمـات مفـردة مـن مفـردات عنوانهـا. وبفـرض أن نطـاق البحـث الزمنـي تـم تحديـده ليـدور حـول عشـر سـنوات مضـت، فـإن مئـات مـن العناويـن سـتظهر أيضـاً. وتتنـوع العناويـن بيـن كتـب تتعامـل مـع الإسـام كديـن، وكتـب تتعامـل مـع ظاهـرة الإسـام السياسـي ومـا يشـمله ذلـك مـن الحديـث حـول الحـركات الإسـامية العنيفـة وغيـر العنيفـة، وارتباطهـا بالإرهـاب. كذلـك هنـاك كتـب تتعلـق بالفكـر والفلسـفة الإسـامية، بالإضافـة إلـى كتـب المستشرقين.

لقــد تركــت أحــداث الحــادي عشــر مــن ســبتمبر بصماتهــا القويــة علــى الاهتمــام الغربــي بالإســام كديــن وكظاهــرة سياســية وارتباطهــ­ا بالتطــرف والعنــف، ومــا تبــع ذلــك مــن موجــه هائلــة مــن الكتــب التــي حاولــت تحليــل هــذه الظاهــرة. واســتمر الأمــر كذلـك وإن كان بوتيـرة منخفضـة. لكـن مـع التطـورات التـي شـهدتها المنطقـة العربيـة مـن أحـداث الربيـع العربـي، ومـا أعقبهـا مـن اضطرابـات وحالـة عـدم اسـتقرار وظهـور تنظيمـات إرهابيـة إسـامية ومنهـا تنظيـم "داعـش"، عـاد الاهتمـام بقـوة مجـدداً للكتابـة عــن الإســام.

ومـن مـرور سـريع علـى مئـات العناويـن التـي صـدرت منـذ بدايـة أحـداث الربيـع العربـي عـام 2011 إلـى الآن، يمكـن التأكيـد علـى أن الإسـام وقضايـا المسـلمين حظيـت باهتمـام بالـغ فـي الغـرب. لكـن الافـت هـو أن العديـد مـن تلـك الكتابـات يغلـب عليهـا سـوء الفهـم الـذي يجعـل صـورة الإسـام فـي الغـرب سـلبية المعالـم وقاتمـة المامـح وتسـيطر عليهـا سـمة التطـرف والعنـف. لكـن الافـت أيضـاً أن الحديـث عـن الإسـام يشـكل "وجبـة دسـمة" فـي الكتابـات ووسـائل الإعـام الغربيـة، والتـي برعـت فـي إلصـاق تهمـة العنـف والإرهـاب بـه وبأتباعـه، مـا فاقـم مـن حـدة الاهتمـام والمتابعـة لـكل مـا يرتبـط بالعالـم الإسـامي، الـذي أمسـى منبـع الخـوف والريبـة بالنسـبة إلـى الغربييـن. ولاشـك فـي أن المراكـز البحثيـة ودور نشـر الكتـب بمـا تمتلكـه مـن إمكانـات وقـوة الجـذب والتأثيـر لـدى صانعـي السياسـات والـرأي العـام، اسـتطاعت أن تجعـل الشـأن الإسـامي ضمـن اهتمامـات الإنسـان الغربـي، الـذي أصبـح فـي الآونـة الأخيـرة ينظـر إلـى المسـلم فـي المجتمعـات الغربيـة نظـرة حـذر وخـوف.

وثمــة أســباب وبواعــث كثيــرة وراء تنــاول بعــض الكتّــاب فــي الغــرب قضايــا الإســام والمســلمي­ن بشــكل غيــر دقيــق وبأفــكار مغلوطـة، ولعـل أبـرز هـذه الأسـباب، الجهـل بحقائـق الإسـام وتعاليمـه، وسـوء الفهـم لقيمـه وثقافتـه المتميـزة ودعوتـه إلـى الحـوار والتعايــش، ونبــذ العنــف والتطــرف. كمــا لا يمكــن إنــكار أفــكار الغلــو والتشــدد والتطــرف، والأفعــال الإجراميــ­ة لبعــض الفئــات المحسـوبة علـى المسـلمين والتـي يتبـرأ منهـا الإسـام، والتـي تسـهم فـي ترسـيخ صـور نمطيـة سـلبية عـن الإسـام والمسـلمين فـي أذهــان الغربييــن.

وهكــذا، يعيــش الغــرب فــي الســنوات الأخيــرة تحــت تأثيــر كابــوس مخيــف يُســمى "الإســاموف­وبيا"، ويجســده اهتمــام الكتَّــاب والباحثيـن الغربييـن بالظاهـرة الإسـامية ومـا يُنسـب إليهـا مـن تنظيمـات وكيانـات متطرفـة تمـارس العنـف والإرهـاب باسـم الديـن. ومـع انـدلاع الثـورات العربيـة مطلـع عـام 2011، وبفضـل نجاحهـا فـي إسـقاط رأس السـلطة فـي كل مـن تونـس ومصـر وليبيـا، راجـت فكـرة مفادهـا أن منطقـة الشـرق الأوسـط علـى أعتـاب عهـد جديـد سـيحكم البلـدان العربيـة فيـه "إسـاميون معتدلـون" فـي إطـار نظـم ديمقراطيـة تعدديـة، وهـي الإطروحـات التـي كانـت محـل متابعـة وتقييـم مسـتمر لـدى مراكـز الفكـر الغربيـة.

وخــال عامــي 2011 و2012 وعلــى الرغــم مــن الأزمــات المتاحقــة، اســتمرت فكــرة ســيطرة الإســاميي­ن علــى الحكــم فــي

الانتشـار، حيـث لاحـت فـي كل مـن مصـر وتونـس بـوادر عمليـة انتقــال للســلطة تضمنــت تســوية تاريخيــة بيــن الدولــة القديمــة والقــوى الإســامية المســماة بالمعتدلــ­ة، ممثلــة فــي جماعــة الإخــوان المســلمين وحركــة النهضــة. وعُــدّ هــذا التحــوّل أكبــر تغييــر فــي نخبــة الحكــم ودوائــر النفــوذ السياســي والاقتصــا­دي والاجتماعـ­ـي فــي البلــدان العربيــة، ولكــن ســرعان مــا تحــول "التفــاؤل الحــذر" بعــد انــدلاع الثــورات إلــى قلــق مــن احتمــال بــروز نــوع جديــد مــن الاســتبدا­د بالمنطقــة مــن خــال تيــارات الإســام السياســي.

لكــن ريــاح التغييــر أتــت مــرة أخــرى عــام 2013 بمــا لا تشــتهيه تيــارات الإســام السياســي، حيــث لــم تســقط الــدول العربيــة كقطــع الدومينــو أمــام الإســاميي­ن، بــل تمــت الإطاحــة بجماعــة الإخــوان مــن المســلمين مــن علــى رأس الســلطة فــي مصــر علــى أثــر ثــورة شــعبية حكمــت علــى تجربــة الإخــوان بالفشــل، وهــو التطــور المهــم الــذي تناولتــه الكتابــات الغربيــة بزخــم كبيــر، علــى اعتبــار أنــه أدى إلــى تغييــر كل معــادلات القـوى وخريطـة التحالفـات فـي منطقـة الشـرق الأوسـط، ودفـع الولايـات المتحـدة وباقـي القـوى الغربيـة إلـى إعـادة النظـر فـي سياســاتها ورؤيتهــا لهــذه المنطقــة الســاخنة وســريعة التغيــر.

وممـا لاشـك فيـه أن الإسـاميين يتحملـون الجـزء الأكبـر مـن فشـل تجربتهـم القصيـرة فـي الحكـم فـي بعـض الـدول العربيـة، ومنهــا اســتخدامه­م أســاليب الحشــد- اعتمــاداً علــى تصورهــم بأنهـم التيـار الأكثـر تنظميـاً مقارنـةً بالقـوى السياسـية الاخـرى - بـدلاً مـن بنـاء الشـراكة مـع القـوى الأخـرى، مـا عظـم مـن حالـة الاسـتقطاب. ويُضـاف إلـى ذلـك تداخـل السياسـي بالدعـوي فـي الخطـاب السياسـي للإسـاميين، مـا أثـار حفيظـة القـوى المناوئـة لهـم، وفجـر مخـاوف القـوى الغربيـة المراقبـة للمشـهد العربـي كذلـك.

وبعــد هــذه التحــولات الجذريــة، بــدأت التحالفــا­ت والبنــى الهشــة التــي أسســتها الثــورات العربيــة فــي التفسـخ. فقـد حـدث ذلك بطـرق مختلفـة وأحيانـاً متناقضة فـي مصـر وليبيـا واليمـن. ومـن ناحيـة أخـرى، اشـتدت الحــرب الأهليــة الســورية، وتنامــي دور الجماعــات المتطرفــة مثــل "داعــش" وغيرهــا.

وفــي ضــوء هــذه التطــورات والمعطيــا­ت التــي شـهدتها المجتمعـات المسـلمة خـال السـنوات الأخيـرة، يســعى هــذا العــدد مــن "تقريــر المســتقبل" إلــى عــرض عـدد مـن النمـاذج لكتـب صـادرة عـن دور نشـر غربيـة فـي الفتـرة التـي أعقبـت أحـداث الربيـع العربـي، بهـدف رصـد وتحليـل الاتجاهـات الرئيسـية عـن صورة الإسـام والظواهــر المرتبطــة بــه فــي الغــرب. وتــم فــي عمليــة انتقــاء الكتــب الاعتمــاد علــى عــدد مــن المعاييــر، منهــا تنـوع الموضوعـات، مـن جانـب، واختيـار الكتـب التـي حققــت رواجــاً كبيــراً ومبيعــات ضخمــة، ومنهــا مــا تــم طبعـه لأكثـر مـن طبعـة، وحظيـت بمتابعـة مـن المهتميـن سـواء فـي الـدول الغربيـة أو خارجهـا. ومـا يلـي عـرض موجـز لأبـرز هـذه الكتـب.

اأول: الغرب والإ�سلام: الروؤى ال�سائدة، وكيفية التعامل معها وا�ست�سراف م�ستقبلها

تتنــاول مجموعــة مــن الكتــب بعــداً مهمــاً يتعلــق بالطريقــة التـي يـرى بهـا الغـرب الإسـام السياسـي، وكيـف يمكـن مواجهـة التطــرف الإســامي مــن دون أن يكــون التركيــز علــى الأبعــاد المتعلقــة باســتخدام الأدوات العســكرية أو الاســتخبا­راتية. وفــي هــذا الســياق يمكــن اســتعراض ثاثــة كتــب مميــزة. 1- تنامي نفوذ الجماعات المعادية للإسلام يتنــاول "كريســتوفر بيــل" - الــذي يشــغل منصــب أســتاذ مســاعد فــي علــم الاجتمــاع بجامعــة نــورث كارولينــا – فــي كتابــه "التطــور المخيــف: كيــف أصبحــت المنظمــات المعاديــة للإســلام تمثــل التيــار العــام")2،( أطروحــة فــي غايــة الأهميــة؛ وهـي محاولـة البحـث فـي كيفيـة انتشـار الأفـكار المتعصبـة فـي المجتمــع الأمريكــي بعــد أحــداث 11 ســبتمبر ضــد الإســام، وكيــف اســتطاعت المنظمــات المعاديــة للإســام التأثيــر علــى الصـورة الذهنيـة للإسـام داخـل الولايـات المتحـدة. والجديـد فـي هــذا الكتــاب طريقــة القيــاس التــي اعتمدهــا فــي تحليــل خطــاب هــذه المنظمــات المتشــددة، لقيــاس مــدى تأثيرهــا علــى الــرأي العـام الأمريكـي، وتحديـد أكثـر تلـك المنظمـات نفـوذاً، وذلـك مـن خــال تحليــل نصــوص مــا ينشــروه فــي الصحــف أو البرامــج أو حتــى تعليقاتهــ­م علــى شــبكات التواصــل الاجتماعــ­ي تجــاه الإســام.

وبجانــب مــا أُثيــر حــول وســائل الإعــام ودورهـا فـي صعـود تلـك المنظمـات المتشـددة، فــإن ثمــة عوامــل أخــرى قــد ســاهمت فــي تحقيـق هـذا الأمـر، ومنهـا نمـو النظـرة العدائيـة للإســام داخــل الأروقــة السياســية؛ ففــي انتخابـات عـام 2012 علـى سـبيل المثـال وقَّـع ثاثــة مــن المرشــحين الجمهورييـ­ـن المتنافســ­ين علــى الســباق الرئاســي تعهــداً ضــد اســتخدام القانـون الإسـامي فـي المحاكـم المحليـة؛ حيـث وصفــوا الشــريعة فــي هــذا الإطــار بأنهــا تمثــل "تهديــداً قاتــاً لبقــاء الحريــة فــي الولايــات المتحــدة". مــن جانــب آخــر بلغــت التبرعــات بيـن عامـي 2001 و2011 المقدمـة مـن العديـد مــن الجهــات للمنظمــات المعاديــة للإســام مــا يقـرب مـن 42.6 مليـون دولار. وأخيـراً ظهـور الأصــوات المعاديــة للإســام فــي أوروبــا فــي العقـد الأخيـر؛ مثـل الجبهـة الوطنيـة الفرنسـية، وحــزب الحريــة النمســاوي، وحــزب الشــعب الدنماركـي، ويشـير انتشـار مثـل تلـك الأصـوات الاجتماعيـ­ـة السياســية إلــى احتماليــة تأثيرهــا علــى المجتمــع الأمريكــي بشــكل أو بآخــر، بمــا حـرَّض علـى انتشـار الأصـوات المتعصبـة ضـد الإســام.

وقــد أشــار "بيــل" فــي نهايــة كتابــه إلــى أن النمـو السـريع لتلـك المنظمـات، نتيجـة للأسـباب السـابق ذكرهـا مجتمعــة، قــد ســاعد فــي إحــداث مــا يمكــن تســميته "التغييــر الثقافـي" داخـل المجتمـع الأمريكـي نحـو الإسـام، وجعـل الربـط بيـن الإسـام والإرهـاب أمـراً بدهيـاً. بيـد أن الكاتـب حـذَّر، فـي نهايـة تحليلـه الكمـي والكيفـي لتلـك الأزمـة، مـن اسـتمرار تلـك الأصــوات المتشــددة فــي الصعــود ودعمهــا بمزيــد مــن المــال والنفــوذ والقــوة، بمــا يهــدد المجتمــع الأمريكــي نفســه وقيمــة التنـوع والتسـامح التـي طالمـا سـعى إلـى تحقيقهـا، وكان نموذجـاً رائــداً للعالــم فيهــا. 2- حقيقة الاسلام يأتــي كتــاب: "لا إلــه إلا اله: أصــول، تطــور، ومســتقبل الإســلام")1،( للكاتــب الإيرانــي- الأمريكــي "رضــا أصــان"، محاولــة مــن الكاتــب إلــى أن يصــل إلــى فهــم ليبرالــي وســطي للديــن الإســامي. ويقــدم الكتــاب إضافــة جديــدة مــن خــال عرضـه وجهـاً مغايـر للصـورة السـائدة فـي الغـرب عن الإسـام، حيــث يُقــدّم الكتــاب للقــارئ الغربــي بشــكل خــاص صــورة دقيقــة وحقيقيــة عــن الرســول محمــد صلــى اله عليــه وســلم، وعــن احتــرام الإســام للمــرأة، كذلــك فإنــه يعــرض العديــد مــن الطوائــف الإســامية والاختافــ­ات بينهــا بشــكل مفصــل وبســرد تاريخـي متميـز. كمـا عـرض الكاتـب السـياق الجغرافـي والثقافي المرتبـط بنشـأة النبـي محمـد، وكيـف أنـه أسـس لمجتمـع قائم على التعدديـة، ويُقـدم فكـرة التسـامح والاحتـواء باعتبارهـا أفضـل مـن القوة والعنف في التعامل مع الإساميين المتشددين.

ويـرى الكاتـب أن الإمبريالي­ـة الغربيـة وكذلـك الفتـاوى غيـر الصحيحــة التــي أصدرهــا بعــض رجــال الديــن همــا أحــد أهــم أســباب نشــوب الجدليــات المعاصــرة حــول الإســام، رافضــاً فكـرة "صـدام الحضـارات". ويشـير الكاتـب إلـى أن الصراعـات الحاليــة داخــل المجتمعــا­ت الإســامية تتعامــل مــع تركــة الاسـتعمار والعولمـة علـى نحـو متزايـد، بالإضافـة إلـى التقنيـات الرقميـة، حيـث إن المسـلمين باتـوا يسـتخدمون الإنترنـت بشـكل كبيـر، والمحتـوى الـذي ينتجونـه بـات لـه تأثيـر هائـل، فضاً عن ظهـور جيـل مـن الدعـاة الجُـدد يحاولـون تقديـم الإسـام انطاقـاً مــن الثــورة التكنولوجي­ــة، وباســتخدا­م الأدوات التــي يســتخدمها جيــل الشــباب مــن أجــل الوصــول إليهــم بســهولة.

ويحـاول الكاتـب أن يرسـم صـورة للمجتمـع الإسـامي الأول فــي عهــد الرســول محمــد كتجربــة مهمــة فــي التعدديــة الدينيــة والمســاوا­ة الاجتماعيـ­ـة، مؤكــداً أن الإســام جــاء ليبنــي دولــة كبيــرة أساســها المســاواة بيــن الجميــع، وهــو تطــوُّر كبيــر علــى العهــود الســابقة التــي كانــت تنتشــر فيهــا العبوديــة، ويوضــح أنــه بعــد وفــاة الرســول الكريــم فــإن الخلفــاء الراشــدين حاولــوا اســتكمال مــا بــدأه النبــي للأجيــال القادمــة، لكــن ثمــة اختافــات حدثــت بعــد ذلــك أدّت إلــى انقســام المســلمين إلــى طوائــف متنافســة. كذلــك فإنــه فــي العصــر الحديــث، حــاول المســلمون التوفيـق بيـن القيـم الإسـامية التقليديـة والواقـع المعاصـر وذلـك خــال فتــرة الاســتعما­ر الأوروبــي.

مــن جانــب آخــر، يشــير الكاتــب إلــى أنــه بنهايــة الحــرب العالميــة الأولــى وانهيــار الإمبراطور­يــة العثمانيــ­ة علــى يــد "كمــال أتاتــورك"، تفككــت الــدول الإســامية وباتــت فــي حكــم شــبه ذاتــي تحــت يــد المســتعمر­ين، وكذلــك تراجعــت القوميــة العربيـة، وباتـت العروبـة عاجـزة كقـوة سياسـية، ومـن هنـا بـدأ "حسـن البنـا" مؤسـس جماعـة الإخـوان المسـلمين محاولـة إعـادة دولــة الخافــة مــن جديــد، حيــث خلــص "البنــا" إلــى أن الســبيل الوحيــد لتمكيــن الفــرد المســلم يكــون مــن خــال التوفيــق بيــن الحيــاة العصريــة والقيــم الإســامية.

ويمكـن القـول إن الكاتـب يحـاول مـن خـال سـرد الأحـداث التاريخيــ­ة بتسلســل، توضيــح محــاولات التوفيــق بيــن الحداثــة والقيـم التقليديـة فـي الإسـام، وكذلـك تسـليط الضـوء علـى بعـض الحــركات التــي ظهــرت باســم الإســام مــن أجــل إقامــة دولــة الخافـة. ويوضـح كذلـك أن التكنولوجي­ـا الجديـدة وفـرت مسـاحة جيـدة للدعـاة الإسـاميين المعارضيـن مـن أجـل عـرض أفكارهـم بشــكل مــواز للإعــام الرســمي، وأن الجهادييــ­ن باتــوا يســتغلون تلـك الأدوات مـن أجـل الترويـح لأفكارهـم.

وثمــة انتقــادات وُجهــت لهــذا الكتــاب، مــن ضمنهــا تلــك المتعلقــة بنقــد الكاتــب المتكــرر لكثيــر مــن العلمــاء فــي فهمهــم للقــرآن دون أن يطــرح أســماء ومبــررات ذلــك، كذلــك فــإن الكاتــب يُؤخــذ عليــه قلــة المصــادر التــي اعتمــد عليهــا. وفــي الســياق ذاتــه، فــإن البعــض يتهــم الكاتــب بالســطحية فــي تناولــه القضايــا المتضمنــة فــي الكتــاب، وعــدم التعمــق فــي طرحهــا بشـكل كاف، فضـاً عـن افتقـار الكتـاب لهيـكل متماسـك، إذ إنـه يناقــش الاســتعما­ر وإيــران والانقســا­م داخــل الفكــر الإســامي المعاصــر، بشــكل قــد يؤثــر علــى الفكــرة الرئيســية التــي يحــاول الكاتــب إبرازهــا. 3- استشــراف مســتقبل الإســلام مــن صــدام الأيديولوج­يــات الغربيــة الكبــرى مــن الإصــدارا­ت الحديثــة المختلفــة فــي النظــرة الغربيــة إلــى الإســام السياســي، كتــاب: "مواجهــة الإســلام السياســي: دروس ســتة مــن التاريــخ الغربـي")3،( والكتـاب صـدر فـي نهايـة عـام 2014. ويحــاول مؤلفــه تقديــم مجموعــة مــن الــدروس التــي اسـتخلصها مـن التاريـخ الغربـي، والتـي يراها شـديدة الأهميــة والإفــادة لصانــع القــرار الأمريكــي، فــي التعامـل مـع الإسـام السياسـي فـي الوقـت الحاضـر. فمنهــج الكتــاب يعتمــد علــى التأكيــد علــى أن الحــل فــي مواجهــة الإســام السياســي يكمــن فــي التعلــم مــن أخطــاء الماضــي، حيــث إن الحاضــر مــا هــو إلا اسـتدعاء لمواقـف وتجـارب حدثـت فـي الماضـي ويحتــاج صانــع القــرار فقــط إلــى تنبيهــه بهــا.

ويركـز الكتـاب علـى عـدد مـن الأفـكار منهـا أن التقليـل مـن شـأن الحـركات الإسـامية ومـا تمثلـه مـن تهديــد للمجتمعــا­ت خطــأ كبيــر، وقــع فيــه الغــرب. ويؤكــد أن الغــرب يخطــئ فــي القــول إن خســارة الإســاميي­ن لانتخابــا­ت أو لمقعــد سياســي، هــو انحــدار أو نهايــة للفكــر الإسـامي. ويـرى المؤلـف أن الإسـام كديـن يضـم الكثيـر مـن الثقافـات والأجنـاس والأعـراق المختلقـة والتـي يوجـد مـن بينهـا مـن يعـادي الآخـر أكثـر مـن عدائـه لغير المسـلمين. وعلـى الرغم مـن ذلـك فـإن هـدف كل هـذه الجماعـات هـو تطبيـق الشـريعة، ومــن ثــم فــإن جماعــات الإســام السياســي وإن اختلفــت فــي الشــكل والوســيلة التــي تتخذهــا فــإن الهــدف واحــد وهــو تطبيــق الشـريعة. ومـن ثـم فالإسـام المعتـدل ليـس ليبراليـاً بالأسـاس ولا يمكــن أن يكــون كذلــك فــي نظــر الكاتــب.

ويؤكــد أن المواطــن العربــي قــد يحتــاج إلــى مــا يســمى بـ"الديمقراطي­ــة الإســامية" التــي هــي أصــاً محــل جــدل حــول محتواهــا وطريقــة تطبيقهــا. ويــرى أن الصــراع بيــن العلمانيــ­ة والإسـاموي­ة قـد ينتهـي إلـى واحـد مـن ثاثـة سـيناريوها­ت: إمـا أن تنتصــر إحــدى الأيديولوج­يتيــن وتحكــم ويتــم تســيير النظــام فــي الدولــة بواســطتها، وإمــا أن يتــم وضــع أولويــات مشــتركة تحــاول الأيديولوج­يتــان تحقيقهــا، أو أن يتــم العمــل بمؤسســات أيديولوجيـ­ـة معينــة لصالــح الأخــرى. وفــي النهايــة فــإن صــراع العلمانيـة والإسـاموي­ة قـد ينتهـي إلـى تجـاوز موضـوع الخـاف والاتفــاق علــى نقــاط أساســية لإنقــاذ المجتمــع مثلمــا حــدث بيــن الكاثوليكي­ــة والبروتســ­تنتية، حيــث تــم الاتفــاق علــى أن الأمــن الداخلــي والمجتمعــ­ي أهــم مــن الخافــات الدينيــة، أو قــد ينتهــي إلـى الالتقـاء حـول مجموعـة أولويـات يتـم الاتفـاق عليهـا بحيـث يصبــح الفائــز فــي النهايــة المجتمــع.

وبذلك يستشرف "جون أوين" مستقبل الإسام في ضوء

التجارب التاريخية السابقة الخاصة بالصراعات بين الأيديولوج­يات الكبرى في أوروبا، وينتهي منها إلى وجود 6 دروس أساسية هي: 1- أنه لا يجب المبالغة في تصور أن الأيديولوج­يات "المتخلفة" يمكن أن تتراجع بسهولة، ولعل الدليل على ذلك الصراعات الطائفية التي تظهر في أوروبا من فترة لأخرى، وبدليل وجود تقبل لبعض الأيديولوج­يات كالفاشية والشيوعية، حتى بين بعض مفكري الغرب. 2- هناك مقاربات إسامية مختلفة في العمل السياسي وإن كانت جميعها تتفق حول الهدف وهو تطبيق الشريعة الإسامية. 3- أن التدخات الخارجية في ظل الصراعات الأيديولوج­ية الكبرى العابرة للحدود الوطنية أمراً لا مفر منه، فهي ليست نابعة من طموح إمبريالي بالضرورة، ولكن لاعتبارات مصلحية حقيقية، فعندما تعاني دولة من اضطرابات داخلية تؤثر على مستقبل نظام الحكم، فإن جميع الدول لها مصلحة في التدخل، ومثال تدخل الدولة العثمانية منذ أربعة قرون لدعم البروتستان­تية في مواجهة خصومهما من الكاثوليك، وبالتالي فإن تدخل الولايات المتحدة والغرب عموماً في الشرق الأوسط ليس بالأمر المستغرب. 4- أن الدولة قد تكون أيديولوجية وعقانية في نفس الوقت، ومثال ذلك إيران. 5- أنه ليس بالضرورة أن يكون هناك طرف منتصر، ففي المعارك الأيديولوج­ية الكبرى التي مر بها الغرب، لم يكن هناك طرف منتصر في مرتين منها، فالصراع بين البروتستان­تية والكاثوليك­ية لم يتم حسمه بانتصار طرف وهزيمة آخر، ولكن تم تجاوزه بتبني العلمانية، كما أن الصراع بين الجمهوريين والملكيين أدى إلى النموذج الهجين ممثاً في بريطانيا على سبيل المثال، فهي ليست ملكية مطلقة، ولا دولة جمهورية كاملة، ولكنها خليط بين النموذجين، أما في المعركة ما بين الفاشية والشيوعية والليبرالي­ة، فقد استطاعت أمريكا الليبرالية الانتصار على ألمانيا النازية وروسيا الشيوعية، وهو ما ينقلنا للنقطة الأخيرة. 6- أن انتصار الدولة النموذج يحدد مستقبل الأيديولوج­ية التي ستنتصر في النهاية، وهو ما يفسر لنا انتصار الليبرالية على الفاشية والشيوعية، فقد استطاعت أمريكا الانتصار، لأن اقتصادها كان الأنجح، وفي الصراع ما بين الإسام والعلمانية، فإن النماذج الرائدة هنا هي الصراع ما بين إيران وتركيا، ولكن هناك إشكالية تتمثل في أن كاهما ينظر إليه بعين الشك من جانب العرب السنة، الذين يمثلون الأغلبية في الشرق الأوسط.

ويتمثل الانتقاد الرئيسي لأوين، أنه لم يستطع استشراف مستقبل الإسام بعد تصادم كافة القوى الأيديولوج­ية والوطنية والمحلية، وتتباين مصالحها، خاصة مع وجود مئات القوى المتصارعة من البربر في شمال أفريقيا إلى الأكراد في المشرق، ومن القاعدة في المغرب إلى حزب اله في لبنان، ناهيك عن القوى

القبلية والمحلية الفاعلة الأخرى.

ثانياً: تهديد جدي: الإ�سلاميين وال�سلطة بعد النتفا�سات العربية

من بين عشرات الكتب التي تناولت الثورات العربية تلك التي حاولت ربطها بدور الحركات الإسامية والإسام السياسي بصفة عامة فيها. ومن بين هذه الكتب نعرض للكتب الثاثة التالية: 1- الإسلام والصحوة العربية: فــي كتابــه المُعنــون: "الإســام والصحــوة العربيــة" الصــادر عـام (4) 2012عـن منشـورات جامعـة أكسـفورد، حـاول المفكـر الإسـامي طـارق رمضـان - أسـتاذ العلـوم الإسـامية فـي جامعـة أوكسـفورد – تقديـم قـراءة مبدئيـة لأحـداث الانتفاضـا­ت العربيـة وأسـباب اندلاعهـا، ودور القـوى الإسـامية فيهـا، وكذلـك موقـف الغـرب منهـا. وتنبـع أهميـة هـذا الكتـاب مـن كونـه صـادراً عـن واحــد مــن أشــهر المفكريــن المســلمين فــي أوروبــا والعالميــ­ن العربـي والإسـامي، كمـا أن الدكتـور طـارق رمضـان هـو حفيـد "حســن البنــا" مؤســس جماعــة الإخــوان المســلمين، وهــو مــا يجعـل الأفـكار الـواردة فـي الكتـاب محـل اهتمـام كبيـر، وعـادة تحقـق الكتـب التـي ينشـرها الدكتـور رمضـان مبيعـات ضخمـة، كمـا يثيـر العديـد مـن النقاشـات وردود الأفعـال المتنوعـة.

تــدور الفكــرة المحوريــة للكتــاب، الــذي جــاء فــي أربعــة فصــول، حــول تقييــم الحقائــق ودراســة الوقائــع المتعلقــة بالتطــورا­ت المفاجئــة التــي شــهدتها بعــض الــدول العربيــة مــع مطلـع العقـد الثانـي مـن الألفيـة الجديـدة مـن أجـل التوصـل إلـى

الــدروس المســتفاد­ة قــدر الإمــكان، ليســتفيد منهــا العالــم العربــي والمجتمعــ­ات ذات الأغلبيــة المســلمة، وأيضــاً للمهتميــن بهــذه التطــورات مــن مختلــف بقــاع العالــم.

وعلـى الرغـم مـن تأكيـد الكاتـب علـى ترحيبـه بسـقوط عـدد مـن الأنظمـة الديكتاتور­يـة فـي العالـم العربـي، فإنـه يظـل حـذراً فــي تفاؤلــه إزاء هــذه التغيــرات، معتبــراً أن الأحــداث الجاريــة فــي العالــم العربــي لاتــزال غامضــة. ويعتبــر الكتــاب أنــه لا يوجـد مؤشـر علـى وجـود "ربيـع عربـي"، لـذا يسـتخدم الكاتـب مصطلــح "انتفاضــات" Uprisings وليــس "ثــورات" فــي توصيفــه لهــذه الأحــداث.

وتطــرق الكاتــب إلــى توضيــح دور القــوى الغربيــة وكذلــك الإسـامية فـي التطـورات التـي شـهدتها المنطقـة. ويركـز علـى فكــرة أن مــا يعبــر عنــه باعتبــاره "الصحــوة العربيــة" لــم تكــن نتيجــة لــدور حقيقــي للحــركات الإســامية، فقــد تأخــرت هــذه الحــركات فــي الالتحــاق بالمتظاهري­ــن فــي الشــوارع ســواء فــي تونــس أو مصــر أو ســوريا أو ليبيــا. ومــن ثــم، فــإن الــدور الحقيقـي مارسـته الحـركات الجماهيريـ­ة فـي الشـوارع مـن دون تيــارات الإســام السياســي.

ومـن الفصـول المهمـة فـي الكتـاب الفصـل الثالـث الذي سـماه الكاتـب "الإسـام، الإسـام السياسـي والعلمانيـ­ة"، وتعـود أهميتـه إلـى مناقشـة الجـذور والتطـورات التاريخيـة لظهـور مـا يسـمى تيــار "الإســام السياســي"، منوهــاً بأنــه ليــس هنــاك لــون واحــد فـي هـذا التيـار"، بـل إن ثمـة تنوعـاً فـي مناهـج وآليـات العمـل لتحقيــق أهــداف "الإســام السياســي" فــي المجتمعــا­ت العربيــة والمســلمة. واعتبــر طــارق رمضــان أن حالــة الاسـتقطاب "السـطحي" بيـن العلمانيين والإسـاميي­ن هـي "أحـد أكبـر الـــفخاخ بالنسـبة للعالـم العربـي"، موضحـاً أن العلمانييـ­ن يقدمـون أنـــفسهم كمدافعيـن عــن الديمقراطي­ــة، ولكنهــم لا يجــدون أرضيــة جماهيريــة حقيقيــة مــا يجعلهــم مفصوليــن عــن الواقــع. مــن جانــب آخــر يقلــل "رمضــان" أيضــاً مـن ادعـاء الحـركات الإسـامية أنهـا تملـك الشـارع والجماهيــ­ر مــن خــال الشــرعية الدينيــة، وأن ذلــك ليــس صحيحــاً دائمــاً.

وفــي ختــام كتابــه يشــرح "طــارق رمضــان" مامـح الدولـة الإسـامية التـي تعبـر عنهـا التيـارات الإســامية باعتبــار أنهــا تنطلــق مــن محــاور ثاثــة "الدينــي والسياســي والثقافــي"، وإن كان يــرى أن محــور المجــال الدينــي هــو الــذي ســيهيمن علــى الدولــة الإســامية ويفــرض ســلطته علــى الدولــة. ويعتبــر رمضــان أن هــذا الوضــع ليــس خطيــراً فحســب، بــل يتعــارض مــع مبــادئ الإســام الحقــة التــي تدعــو إلــى التنــوع فــي المعرفــة والانفتــا­ح علـى الآخـر والسـعي والعمـل. وأن علـى المسـلمين أن ينجحــوا فــي مجابهــة تحديــات العصــر، واقتـراح حلـول للأزمـات التـي تعانيهـا المجتمعـات المعاصــرة. كمــا دعــا إلــى ثــورات فكريــة عميقــة تــؤدي إلــى تحـولات اقتصاديـة مـع تحـرر روحـي ودينـي وثقافـي؛ وتحقيـق العدالــة الاجتماعيـ­ـة ومحاربــة الرشــوة واحتــرام حقــوق النســاء وغيرهــا، مــن أجــل ديمقراطيــ­ة حقيقيــة للمجتمعــا­ت العربيــة.

وكمــا ســبقت الإشــارة، فقــد أثــار الكتــاب نقاشــات مختلفــة وتعــرض للعديــد مــن الانتقــاد­ات، أبرزهــا، ميلــه إلــى الإعــاء مــن الــدور الــذي لعبتــه القــوى الأجنبيــة واســتراتي­جيات التغييــر التــي اتبعتهــا مــن دعــم وتمويــل منظمــات المجتمــع المدنــي فــي الــدول التــي مــرت بالانتفاضـ­ـات العربيــة. ومــن ثــم فالكاتــب يلقــي بالشــكوك حــول دوافــع الثــورات العربيــة، ويعتبــر كل مــا جــرى مؤامــرات خطــط لهــا الغــرب لخدمــة مصالحــه “الجيــواسـ­ـتراتيجية”. وبالتالــي، اســتخدم رمضــان أســلوباً يقتــرب مــن أفــكار نظريــات "المؤامــرة"، والأجنــدة الخارجيــة التــي توظفهــا بعـض الأنظمـة فـي المنطقـة، وهـو مـا أثـار حفيظـة الكثيريـن.

2- كيف اختطف الإسلاميون ثورات الشرق الأوسط؟ وحــول الــدور الــذي لعبــه الإســاميو­ن فــي ثــورات الربيــع العربـي، يأتـي كتـاب جـون برادلـي: "مـا بعـد الربيـع العربـيكيـ­ف اختطـف الإسـلاميو­ن ثـورات الشـرق الأوسـط؟" الصـادر فـي 2012 أيضـاً)5،( ليتنـاول الظاهـرة بالتفصيـل. وتنبـع أهميـة الكتــاب مــن كــون برادلــي صحفيــاً بريطانيــاً شــهيراً، ســبق وصـدر لـه فـي عـام 2008 كتـاب اعتبـر تنبـؤاً بقيـام الثـورة فـي مصـر. مـن جانـب آخـر حقـق الكتـاب مبيعـات مهمـة، كمـا أثـار اهتمــام الأوســاط الأكاديميـ­ـة بصــورة واضحــة.

حــاول برادلـي التأكيـد علـى أن ثـورات الربيـع العربـي لـم تندلـع بالدرجـة الأولـى مـن أجـل طلـب الحريــة والديمقراط­يــة، وإنمــا اندلعــت مــن أجــل طلــب "العيــش" بالأســاس والرغبــة فــي تحســين الأوضــاع الاقتصاديـ­ـة والمعيشــي­ة المترديــة، ومكافحــة الفســاد المتوغــل فــي مؤسســات الدولــة. ويدلــل الكاتــب علــى وجهــة نظــره بــأن المؤمنيــن بالحريــة والديمقراط­يــة لــن يحكمــوا تلــك الــدول فــي نهايــة الأمــر، وإنمــا ســيؤول الحكــم فيهــا إلــى الإسـاميين، حيـث توقـع الكاتـب أن يعتلـوا السـلطة فيهــا، ويمارســوا اســتبداداً أشــد وطــأة مثلمــا حــدث فـي إيـران، كمـا تنبـأ بسـقوط سـلطانهم مـن جديـد، وهــو مــا تحقــق بالفعــل بانــدلاع ثــورة 30 يونيــو 2013 فــي مصــر والإطاحــة بحكــم الإخــوان المســلمين.

ومــن فصــول الكتــاب المهمــة فــي ســياق هــذا التقريــر، الفصــل الثانــي، الــذي يتنــاول الكاتــب فيــه مســتقبل مصــر "الإســامية". وكذلــك الفصــل الرابـع الـذي يتنـاول الكاتـب فيـه "المحـور الشـيعي" فـي المنطقـة. وقـد رصـد الكتـاب صعـود الحـركات الإسـامية، وتنامـي دورهـا فـي المجتمـع وظهورهـا علـى السـاحة السياسـية فـي بلـدان الربيـع العربـي، لســد الفــراغ فــي الســلطة بعــد ســقوط الأنظمــة الحاكمــة، مُســتغلةً ضعــف الليبراليي­ــن وتشــرذهم. ويشــن "برادلــي" هجومــاً حــاداً علــى تيــار "الإســام السياســي"، نافيــاً وجــود "إســاميين معتدليــن"، معتبــراً أن الحديــث عــن هــذا الأمــر مــا هــو إلا خرافــة، فكلهــم واحــد وبينهــم توزيــع أدوار، بــل ويســتخدمو­ن كل الأســاليب المشــروعة وغيــر المشــروعة للوصــول إلــى أهدافهــم، مشــدداً علــى أن الإســاميي­ن علــى الرغــم مــن أنهــم نــأوا بأنفســهم عــن الانتفاضــ­ات الشــعبية فــي بدايـة اندلاعهـا عـام 2011 فـي تونـس ومصـر، فإنهـم مـن جنـوا ثمارهــا بعــد ذلــك.

كمـا ينتقــد الكاتـب عاقـة الغـرب بالإسـاميي­ن فـي المنطقـة العربيــة ومســاندته لهــم بعــد انــدلاع الانتفاضــ­ات الشــعبية، مؤكــداً أن الغــرب يكــرر أخطــاءه مثلمــا حــدث فــي أفغانســتا­ن عـام 1989 وقبلهـا فـي إيـران عـام 1979، متوقعـاً أن الغـرب ســيعاني وجــود الإســاميي­ن مســتقباً. ويذكــر "برادلــي" أن الولايـات المتحـدة بدعمهـا اختطـاف الإسـاميين لثـورات الربيـع العربــي، تثبــت شــيئاً واحــداً هــو أنهــا لــم تتعلــم أي درس مــن الماضـي، محـذراً مـن أن العواقـب سـتكون وخيمـة علـى مسـتقبل الشــرق الأوســط، لاســيما فيمــا يتعلــق بالديمقراط­يــة ومكافحــة التطـرف. ودلـل الكاتـب علـى ذلـك بتجـارب سـابقة عندمـا صعـد الإسـاميون للحكـم فـي دول مثـل إندونيسـيا وماليزيـا، حيـث لـم يلتزمــوا حينــذاك بالاعتــدا­ل الــذي ادّعــوه فــي البدايــة. ويشــدد الكاتـب علـى أن أي أمـل فـي تطـور الديمقراطي­ـة الليبراليـ­ة فـي العالــم العربــي لــن يحــدث دون أن تهــب ريــاح التغييــر علــى الغـرب نفسـه أولاً، وأن تكـف الولايـات المتحـدة عـن التدخـل فـي شؤون المنطقة.

وقـد أثـار الكتـاب اهتمامـاً واسـعاً، واعتبـر مـن أكثـر الكتـب التـي قدمـت تحليـاً واقعيـا للأحـداث فـي تونـس ومصـر وسـوريا واليمــن وليبيــا، خاصــة تحليــل الــدور الــذي لعبــه الإســام السياسـي فـي هـذه الأحـداث. كمـا اعتمـد الكتـاب علـى المعرفـة المتعمقـة التـي تميـز "برادلـي" كمراسـل صحفـي عـاش فـي هـذه الــدول ســنوات طويلــة وعلــى علــم بثقافاتهــ­ا. وقــد صــدر هــذا الكتـاب فـي الوقـت المناسـب لأنـه قـدم حينهـا تحليـاً مُعمقـاً لمـا يمكــن أن يســمى "الأنظمــة الجديــدة التــي انبثقــت عــن الربيــع العربـي". واعتبـر المراقبـون أن هـذا الكتـاب لا غنـى عنـه لفهـم لمــاذا لا تســير انتفاضــات الشــرق الأوســط فــي الاتجــاه الــذي يريــده شــعوبها لهــا. 3- وهم الديمقراطي­ة الإسلامية: منــذ أن انطلقــت الانتفاضــ­ات العربيــة، تنوعــت الدراســات والتحليــا­ت والكتابــا­ت والمنطلقــ­ات الفكريــة التــي تناولــت هــذه الأحــداث، ومــن بيــن الأطروحــا­ت المهمــة فــي دراســة هــذه التطــورات كتــاب "آنــدرو مكارثــي" بعنــوان: "حمَّــى الربيــع: وهـم الديمقراطي­ـة الإسـلامية")6،( الـذي ينتقـد فيـه بدايـة المسـمى الـذي أُطلـق علـى تلـك الأحـداث باعتبـاره "ثـورات". ويؤكـد أن مــا يســمى بالديمقراط­يــة الإســامية هــو محــض وهــم، خاصــةً وأن مبـادئ الديـن الإسـامي تتناقـض فـي بعـض المواضـع مـع المبــادئ العامـة للديمقراطي­ـة كمـا عرفتهـا المجتمعــا­ت الغربيـة.

ويفضِّـل "مكارثـي" اسـتخدام وصـف "حمـى الربيـع" كبديـل

عــن "الربيــع العربــي" لفهــم وتوصيــف الأحــداث التــي وقعــت فــي المنطقــة مــع بدايــة عــام 2011. ويؤكــد أن الإســام ثقافــة وحضــارة مميــزة عــن الحضــارة الغربيــة، وتحمــل الأولــى مامـح عدائيـة تجـاه الثانيـة، وذلـك بعيـداً عـن كونهـا أيديولوجيـ­ة متطرفــة. واعتبــر أن الإســام الأصولــي هــو التصــور الأكثــر شـيوعاً للإسـام فـي الشـرق الأوسـط. وأن هـذه الصيغـة الأكثـر تطرفـاً مـن الإسـام كانـت هي القـوة المحركـة للأحـداث المضادة لمســيرة الديمقراطي­ــة فــي الــدول التــي شــهدت انتفاضــات ومــن ذلـك الهجمـات علـى السـفارات الأمريكيـة وقتـل أفـراد أمريكييـن علــى رأســهم الســفير الأمريكــي فــي بنغــازي ومعــه ثاثــة مــن الأمريــكا­ن.

ويؤكـد مكارثـي أن مفهـوم "الديمقراطي­ـة الإسـامية" مفهـوم فـي غايـة الخطـورة، وعلـى الرغـم مـن الجهـود الكبيـرة التـي قام بهـا الرئيسـان الأمريكيـا­ن السـابق والحالـي لمحاولـة الإجابـة عـن سـؤال: لمـاذا لا يفهـم العالـم الإسـامي النوايـا الجيـدة للولايـات المتحــدة؟ يقــدم "مكارثــي" الإجابــة واضحــة بــأن الجهادييــ­ن يفهمــون جيــداً تلــك النوايــا الطيبــة، لكنهــم ببســاطة لا يحبــون الولايـات المتحـدة، وأن هدفهـم الأساسـي هـو تدميرهـا باعتبارهـا "أرضــاً للكفَّــار أعــداء الله".

ومــن أبــرز الأمثلــة التــي أوضحهــا "مكارثــي" لتفســير أطروحتــه عــن وهــم "الديمقراطي­ــة الإســامية"، هــو مفهــوم "الحريــة"؛ إذ يــرى الإســام المنتشــر فــي منطقــة الشــرق الأوسـط مختلـف أو بالأحـرى متناقـض تمامـاً عمـا هـو عليـه فـي المجتمعــا­ت الغربيــة.

ويركــز الكاتــب فــي إطــار فكرتــه علــى نموذجيــن وصــل فيهمـا الإسـاميون للحكـم؛ النمـوذج التركـي فـي مرحلـة مـا قبـل ثــورات الربيــع العربــي ومامــح فــوز حــزب العدالــة والتنميــة فــي الانتخابــ­ات ووصــول "رجــب طيــب أردوغــان" للحكــم، والنمـوذج المصـري بعـد نجـاح جماعـة الإخـوان المسـلمين فـي الوصـول للسـلطة. ومـن ثـم يطـرح الكاتـب تسـاؤلاً مهمـا: هـل فهمنـا طبيعـة التحـول الـذي حـدث فـي تركيـا؟ وهـل توقعنـا مـا ســيحدث فــي مصــر؟ ويجيــب الكاتــب بــأن تركيــا فــي بدايــات القــرن الحــادي والعشــرين كانــت حصنــاً للعلمانيــ­ة، لكــن مــع وصــول أردوغــان أصبحــت بالنســبة إلــى الجماعــات الجهاديــة البطــل الإســامي، الــذي يناطــح الغــرب. بــل وأنــه تمكــن مــن تفكيـك 80 عامـاً مـن العلمانيـة فـي تركيـا، فالاسـتطاع­ات تشـير إلــى أن 34% فقــط مــن المواطنيــ­ن الأتــراك يرفضــون تطبيــق القانــون الإســامي "الشــريعة"، فيمــا وافقــت نســبة 53% منهــم علــى ضــرورة أن تعكــس القوانيــن المبــادئ الأساســية للشــريعة الإســامية، فيمــا طالــب 8% بتطبيــق الشــريعة بشــكل حــاد وحاسـم. وهـو مـا يؤكـد- طبقـاً لمكارثـي - فكـرة أن "الديمقراطي­ـة الإســامية" ليســت إلا وهمــاً صنعتــه الحكومــات فــي منطقــة الشــرق الأوســط لكــي تتماشــى فــي الظاهــر مــع القيــم الغربيــة لحيــن تحقيــق أهدافهــا الدفينــة بتدميــر الغــرب، والقضــاء عليــه ســواء مــن الداخــل أو مــن خــال الاعتمــاد علــى الجماعــات الإرهابيــ­ة.

ونتيجـة لافتراضـات والاتهامـا­ت "الصادمـة" أحيانـاً والتـي يطرحهــا الكاتــب، فقــد ووجــه بالعديــد مــن الانتقــاد­ات، خاصــة أن أجــزاء مــن الكتــاب تنتقــد سياســات الرئيــس "أوبامــا" تجــاه الحكومـات الإسـامية فـي الشـرق الأوسـط ومحاولتـه احتضانهـم والتعامـل معهـم، فـي مقابـل تعاملـه بتسـاهل مـع سياسـات الرئيس السـابق "بـوش" فـي إقصائـه للإسـاميين، وهـو مـا يعـد تحيـزاً أكثـر منـه تحليـاً رصينـاً، خاصـةً أن مـا قـام بـه "بـوش" تجـاه الإسـاميين بعـد أحـداث سـبتمبر يعـد مـن العوامـل التـي سـاهمت فــي ســيادة النظــرة العدائيــة لبعــض الجماعــات الإســامية تجــاه الولايــات المتحــدة، ودفعــت نحــو تنامــي الحــركات الإســامية العنيفـة.

ثالثاً: مقترحات مختلفة: كيفية مواجهة التنظيمات المتطرفة من القاعدة اإلى داع�ش

مــن أكثــر القضايــا التــي تشــغل الفكــر الغربــي هــي الإســام السياســي بصورتــه المتطرفــة، والتــي ضربــت أهدافــاً حيويــة فــي الغــرب ســواء فــي الولايــات المتحــدة الأمريكيــ­ة أو فــي أوروبـا. ومـن ثـم فـإن تحليـل هـذه الظاهـرة يظـل همـا وشـاغاً رئيســياً للمحلليــن والكتــاب. ومــع ظهــور تنظيــم "داعــش" علــى خريطــة الأحــداث فــي المنطقــة، اهتــم كتــاب مختلفــون بهــذا التطــور وحاولــوا شــرحه. والكتــب التاليــة هــي بعــض مــن العناويــن المهمــة التــي صــدرت فــي هــذا الســياق. خاصــة أن تنظيــم "داعــش" بــات يشــكل تهديــداً حقيقيــاً وتصــدرت جرائمــه الوحشـية العناويـن الرئيسـية فـي الصحـف العالميـة، وبـدأ التنظيم فـي التوسـع إلـى خـارج مـكان نشـأته فـي العـراق وسـوريا ليصل إلــى اليمــن وليبيــا ودولاً أفريقيــة، ويحــاول تجنيــد العديــد مــن المقاتليـن الأجانـب باسـتخدام وسـائل الإعـام الاجتماعـي، وذلـك مــن أجــل إقامــة دولــة الخافــة الإســامية. 1- "داعش".. جيش الإرهاب: مــن بيــن الكتــب شــديدة الأهميــة التــي عالجــت تنظيــم داعــش بالتحليــل وصــدرت هــذا العــام (2015) كتــاب "داعــش: مــن داخــل جيــش الإرهــاب")7،( ليســتعرض ارتباطــات هــذا التنظيــم مــع الجماعــات الجهاديــة الأبــرز فــي منطقــة الشــرق الأوســط مـن جانـب، وتوضيـح الآليـات التـي يقـوم بهـا التنظيـم مـن أجـل اســتقطاب الشــباب وتجنيــد المقاتليــ­ن الجُــدد. قــد حظــي الكتــاب بمتابعـة كبيـرة، حيـث أصـدرت دار النشـر 4 طبعـات منـه خـال أشــهر قليلــة فقــط مــن صــدوره، وحقــق مبيعــات تعــد قياســية، ومـرد هـذا الاهتمـام تعـود إلـى رغبـة العالـم فـي التعـرف علـى ذلـك التنظيـم الأكثـر وحشـية مـن بيـن التنظيمـات الإرهابيـة فـي عصرنــا الحديــث، وقيــام المؤلفيــن وهمــا الصحفييــن "مايــكل فايــس" و"حســن حســن"، بتقديــم شــهادات حقيقيــة وموثقــة مــن خـال مقابـات أجريـت مـع أعضـاء فـي التنظيـم مـا أتـاح تقديـم رؤيــة جديــدة وصــورة دقيقــة عــن "داعــش" واســتراتي­جيتها ومشــروعها الإســامي. كمــا شــملت المقابــات أيضــاً لقــاءات مــع عــدد مــن العســكريي­ن، والسياســي­ين العراقييــ­ن والأمريكيي­ــن والســوريي­ن والإيرانيي­ــن الموجوديــ­ن فــي العــراق والمنطقــة

والذين دخلوا في مواجهات مع التنظيم.

ويشــير الكاتبــان إلــى أن تنظيــم "داعــش" يعتبــر إجابــة عــن ســؤال اســتمر ســنوات طرحــه الجهادييــ­ن الإســاميي­ن حــول أولويــة المواجهــة، هــل للعــدو البعيــد "الولايــات المتحــدة" كمــا فعــل تنظيــم "القاعــدة"، أم لمواجهــة العــدو القريــب "الــدول العربيـة" كمـا هـي الحـال فـي العـراق؟ مـن جانـب آخـر، يوضـح الكاتبـان أن القـوة الدعائيـة لتنظيـم "داعـش" كان لهـا أثـر كبيـر علـى نمـو التنظيـم وتوسـعه. ويؤكـد الكاتبـان أن "داعـش" ليسـت مجــرد تنظيــم، ولكنهــا بالفعــل شــبه دولــة تتســم بقــدرة كبيــرة علــى تجنيــد عــدد كبيــر مــن الشــباب حــول العالــم، ســواء عبــر وســائل التواصــل الاجتماعــ­ي، أو مــن خــال اختطــاف الشــباب وإخضاعهــم لعمليــة "غســيل مــخ"، وإقناعهــم بــأن يصبحــوا أعضــاء فــي التنظيــم، وألا يعــودوا مــرةً أخــرى إلــى أٌسَــرهم.

وعلــى صعيــد آليــات مواجهــة "داعــش"، يشــير الكاتبــان إلــى أن التصــدي للتنظيــم لابــد أن يشــتمل علــى آليــات ووســائل عســكرية وغيــر عســكرية، وأن ذلــك يتطلــب وجــود رقابــة صارمــة علــى الإنترنــت مــن أجــل أن تقــل فعاليــة التنظيــم فــي جــذب الشــباب وتجنيــد المقاتليــ­ن الأجانــب. كمــا يتعيــن إيقــاف تهريــب "داعــش" للنفــط والأســلحة، وهــو الأمــر الــذي يمدهــم بالأمــوال الازمــة للقيــام بعمليــات إرهابيــة كبيــرة، كذلــك فإنــه علــى المجتمــع الدولــي الوصــول إلــى حلــول أفضــل للأوضــاع فــي ســوريا والعــراق وكذلــك فــي دول أخــرى مثــل اليمــن أو ليبيــا، لأن "داعــش" يســتغل الوضــع المتدهــور فــي هــذه البــاد مــن أجــل كســب المزيــد مــن القــوة والمؤيديــ­ن، حيــث اســتغل التنظيــم الشــعور بالظلــم الطائفــي والاجتماعـ­ـي وتأجيــج الحــرب الأهليــة مــن أجــل تحقيــق حلــم الخافــة.

2- معركــة الاســتخبا­رات الأمريكيــ­ة ضــد "القاعــدة" و"داعــش": فــي كتابهمــا بعنــوان: "الحــرب العظمــى فــي عصرنــا: معركــة جهــاز الاســتخبا­رات الأمريكيــ­ة ضــد الإرهــاب مــن القاعــدة إلــى داعــش"(8)، تطــرق كل مــن "مايــكل موريــل" و"بيــل هارلــو" إلــى دور أجهــزة الاســتخبا­رات فــي الولايــات المتحـدة فـي مكافحـة الإرهـاب. وحقـق هـذا الكتاب رواجـاً كبيـراً، لأمريـن؛ أولهمـا كـون أحـد مؤلفيـه ضابطـاً سـابقاً فـي وكالـة الاسـتخبار­ات الأمريكيـة وشـغل منصـب نائـب مديـر الوكالـة، ومـن ثـم كان مــور شــاهداً علــى كثيــر مــن الأحــداث الإرهابيــ­ة التــي تعرضــت لهــا الولايــات المتحــدة ورد الفعــل الأمريكــي عليهــا. أمــا ثانيهمــا فهــي قــدرة الكتــاب علــى تقديــم تقييــم للنجاحــات التــي حققهــا جهــاز الاســتخبا­رات فيمــا يتعلــق باســتراتي­جيات مكافحــة الإرهــاب، وكذلــك حــالات الفشــل التــي مُنــي بهــا، فضــاً عــن نظرتــه للإرهــاب النابــع مــن المجتمعــا­ت الإســامية وتأكيــده أنــه لــم ينتــه مــع مقتـل "أسـامة بـن لادن"، وأن ثمـة تهديـدات جديـدة تنمـو مـع ظهـور الجماعـات الإسـامية المتشـددة والتـي، إن لـم تتــم مواجهتهــا، ســتجعل المجتمــع الأمريكــي عُرضــة لهجمــات جديــدة علــى غــرار أحــداث 11 ســبتمبر.

وأوضـح الكتـاب بعـض الأفـكار المتعلقـة بالإسـام السياسـي وكذلـك الجماعـات الإرهابيـة والتهديـدا­ت القادمـة منهـا، وكيـف اسـتغل "داعـش" تسـريبات "سـنودن"، حـول بعـض المعلومـات الخاصــة بنظــم المراقبــة ووســائل جمــع المعلومــا­ت التــي تسـتخدمها وكالـة ناسـا، ووكالـة الاسـتخبار­ات الأمريكيـة وغيرها مـن وكالات الرقابـة الأمريكيـة. فقـد قـام تنظيـم "داعـش" وغيـره مــن التنظيمــا­ت الإرهابيــ­ة بتغييــر التكتيــكا­ت الخاصــة بهــم فــي الحـال؛ ومنهـا التحـول عـن اسـتخدام برامـج البريـد الإلكترونـ­ي الأمريكيــ­ة أو نظــم تشــفير الاتصــالا­ت التــي كانــت فــي الســابق أحـد المصـادر القيِّمـة لجهـاز الاسـتخبار­ات فيمـا يتعلـق باسـتقاء المعلومــا­ت عــن تلــك التنظيمــا­ت.

ويشـير الكتـاب إلـى أن وقـوع سلسـلة متتابعـة مـن الثـورات فــي منطقــة الشــرق الأوســط، منــح فرصــة مناســبة للجماعــات الإسـامية لتسـتغلها، فقـد اسـتغلت الفـراغ السياســي الناتـج عـن الإطاحــة بالحــكام، ونمــت وازدهــرت داخــل هــذه الــدول. وفــي هــذا الإطــار ســلَّط الكاتــب الضــوء علــى كيفيــة اســتفادة تنظيــم "القاعـدة"، بجانـب العديـد مـن التنظيمـات الجهاديـة المنبثقة عنها، مـن التغيـرات السياسـية الدراميـة التـي وقعـت فـي كل مـن تونـس ومصـر وسـوريا، وغيرهـا مـن دول الربيـع العربـي، مؤكـداً أن مسـاحات الفـراغ الأمنـي التـي وقعـت بعـد تلـك الثـورات، بجانـب

الصراعــات الطائفيــة فــي بعــض الــدول، جعلــت مــن الســهل علـى تلـك التنظيمـات التمـدد والانتشـار الموَّسـع داخـل الإقليـم، مشـيراً إلـى أن الـدول العربيـة بعـد الثـورات كانـت مـن الهشاشـة بالدرجـة التـي جعلتهـا غيـر قـادرة علـى مواجهـة تلـك التهديدات.

ويؤكــد الكاتــب أن جهــاز الاســتخبا­رات الأمريكيــ­ة قــد نجــح فــي مواجهــة الإرهــاب فــي العديــد مــن الحــالات، وأن ظهــور تلــك التنظيمــا­ت الإرهابيــ­ة العالميــة أصبــح الأولويــة الأولــى للأمــن القومــي الأمريكــي، وأن دور جهــاز الاســتخبا­رات يقــع فـي القلـب مـن أي اسـتراتيجي­ة للتعامـل مـع تنامـي هـذا الإرهـاب. كمــا أكــد الكاتــب أنــه بــدون الاســتثما­ر المالــي والسياســي فــي تجفيـف منابـع ذلـك الإرهـاب الدولـي، وتقويـض أواصـره، فـإن معظـم التهديـدات المسـتقبلي­ة لـن تكـون فقـط ممكنـة الحـدوث، بـل لــن يكــون هنــاك مفــر منهــا.

وثمـة العديـد مـن الانتقـادا­ت لهـذا الكتـاب، منهـا أن "مايـكل موريــل" ســعى إلــى تحســين صــورة جهــاز الاســتخبا­رات الأمريكيــ­ة، حيــث جعلــه علــى درايــة بــكل تلــك الأحــداث، وأن التقصيـر الـذي وقـع فـي التعامـل مـع بعـض الحـالات الإرهابيـة ليـس ناتجـاً عـن فشـل الجهـاز فـي أداء دوره بقـدر مـا هـو أسـباب خارجيــة. ولا يمكــن تجاهــل أن الكاتــب ناقــش بشــكل مفصــل كيفيــة اســتفادة التنظيمــا­ت الإرهابيــ­ة مــن الربيــع العربــي، لكنــه لــم يتطــرق إلــى تداعيــات تلــك الأحــداث علــى إعــادة تشــكيل منطقـة الشـرق الأوسـط علـى المـدى البعيـد، وكيـف يمكـن لذلـك أن يؤثـر علـى طبيعـة المصالـح السياسـية والاقتصادي­ـة للولايـات المتحــدة. 3- أســباب انتشــار التطــرف الإســلامي وكيفيــة مواجهتــه: تتطــرق كتابــات آخــرى إلــى جانــب آخــر مــن الحديــث عــن الإرهــاب، وهــو البحــث عــن المســببات التــي دفعــت العديــد مــن المســلمين ممــن يعيشــون فــي الغــرب إلــى الانضمــام إلــى جماعـات إرهابيـة. ومـن أبـرز الدوافـع هـو أزمـة هُويــة مرتبطــة بوجودهــم فــي مجتمعــات غيــر مجتمعاتهــ­م، وأفــكار غيــر التــي نشــأوا فيهــا، وهـو مـا يُسـبِّب حالـة مـن الصـراع بيـن هُوياتهـم وانتماءاته­ــم الأصليــة وبيــن الانتمــاء­ات الجديــدة، وهــو مــا يحــاول كتــاب "راديكالــي: رحلتــي مــن التطـرُّف الإسـلامي")9( التعبيـر عنـه بشـكل مُفصَّل مــن خــال الســيرة الذاتيــة لكاتبــه ماجــد نــوّاز، وهــو بريطانــي مــن أصــل باكســتاني وُلــد عــام 1978، ويشـغل منصـب المديـر الحالـي لمؤسسـة "كويليــام" لمكافحــة التطــرُّف الموجــودة فــي المملكـة المتحـدة. ويسـعى الكاتـب مـن خـال سـرد سـيرته الذاتيـة إلـى أن يوجـز التحـوُّلات المرتبطـة بحياتــه، والانتقــا­ل مــن الخــاص إلــى العــام.

يعــرض الكاتــب مراحــل تطــور حياتــه مــن العلمانيــ­ة إلــى انضمامــه إلــى حــزب إســامي مُتشــدِّد يُحــرِّم الديمقراطي­ــة والرأســما­لية ويتطلــع إلــى دولــة الخافــة الإســامية، ثــم قضائــه خمــس ســنوات فــي الســجون المصريـة خـال الفتـرة -(2002 2006؛) وهـي المرحلـة التـي شـهدت مراجعاتـه الذاتيـة لأفـكاره الإسـامية المتشـددة مـن خال حواراتـه ونقاشـاته مـع سـجناء سياسـيين، وصـولاً إلـى المرحلـة الأخيــرة؛ والتــي قــام فيهــا بالمشــارك­ة فــي تأســيس مؤسســة "كويليــام" والتــي تهــدف فــي الأســاس إلــى مواجهــة التطــرُّف والعنــف والتشــجيع علــى التعدديــة والديمقراط­يــة، وبالتالــي هــي تحــوُّلات مــن النقيــض إلــى النقيــض.

وجديــر بالذكــر أن الكتــاب بيعــت منــه (12) طبعــة متتاليــة منــذ صــدوره الأول فــي 2013، واحتــل مراتــب متقدمــة فــي قوائــم الكتــب الأكثــر مبيعــاً. ويقــدم الكتــاب تحليــاً موضوعيــاً فــي الحديــث عــن جــذور التطــرُّف الإســامي، مُســتعيناً بأســماء أشــخاص ومنظمــات، وواصفــاً الأحــداث بدقــة، ومعتمــداً علــى توثيــق ذلــك بشــكل ســليم. كمــا عــرض الكاتــب مراحــل التغيُّــر الأيدولوجـ­ي فـي التحـوُّل مـن ناشـط إسـامي متشـدِّد إلـى ناشـط فــي مواجهــة الإســاميي­ن المتشــددي­ن، وهــو مــا يثــري النقــاش حـول آليـات مواجهـة التطـرُّف الإسـامي بشـكل منهجـي وواقعي وليــس بشــكل نظــري بحــت.

ويُشــدِّد الكاتــب علــى ضــرورة التمييــز بيــن "الإســام" و"الإسـاميين"، حيـث يؤكـد أن الإسـام كديـن هـو مظلّـة كبيـرة تحــوي بداخلهــا كل الاختافــا­ت العقائديــ­ة والمنهجيــ­ة والفقهيــة، أمــا الإســاميو­ن فإنهــم يحاولــون فــرض تفســيرهم الخــاص للإســام علــى المجتمــع باعتبــاره قانونــاً واجــب التنفيــذ، حيــث

يحــاول الإســاميو­ن تطويــر نظــام سياســي متماســك يعبــر عــن رؤيتهـم الخاصـة. ويشـير الكاتـب إلـى أن بدايتـه مـع الإسـاميين كانـت عـام 1992، بالانضمـام لحـزب "التحريـر" الإسـامي في بريطانيـا حتـى أصبـح قياديـاً بـارزاً بالحـزب، بـل وقـام بعـد ذلـك بتأسـيس خايـا تابعـة للحـزب خـارج المملكـة المتحـدة. ويعتبـر الكاتـب أن التغييـر الأول فـي حياتـه كان عندمـا زار مصـر مـن أجـل تعلُّـم اللغـة العربيـة، حيـث تـمّ سـجنه بتهمـة الدعـوة لحـزب محظــور فــي مصــر، معتبــراً أن تلــك التجربــة قــد أثقلتــه كثيــراً نتيجـة الخبـرات التـي اكتسـبها مـن النقاشـات بالسـجن مـع قيـادات إســامية ومســجونين سياســيين، وبــدأ فــي ذلــك الوقــت بالتعمُّــق أكثــر فــي الديــن الإســامي واكتشــف أن معرفتــه بالديــن كانــت سـطحية للغايـة، وبـدأ مرحلـة المراجعـة الفكريـة الذاتيـة بالتفكيـر فــي الأفــكار الراديكالي­ــة لحــزب التحريــر المتعلقــة بــأن الغــرب هــو الشــر، وســبب كل مشــاكل ومعانــاة المســلمين، مــا جعلــه يتــرك "حــزب التحريــر" بعــد عودتــه إلــى لنــدن عــام 2007.

ويــرى الكاتــب أن المظالــم التــي يبنــي عليهــا الإســاميو­ن أيدلوجيتهـ­م تعتمـد بالأسـاس علـى مظالـم محليـة، مثـل الظـروف الاقتصاديـ­ة أو الاجتماعيـ­ة أو السياسـية، أو مظالـم عالميـة، مثـل أحــداث البوســنة فــي التســعيني­ات أو غــزو العــراق، ومحاولــة تصديــر تلــك الصراعــات بأنهــا صــراع عالمــي ضــد المســلمين مــن أجــل تحفيــز المجنديــن وزرع الكراهيــة بداخلهــم ضــد الغــرب. وختامــاً، يبــرز الكاتــب بعــض الآليــات التــي يجــب أن يتــم الأخــذ بهــا مــن أجــل مواجهــة الإســاميي­ن المتشــددي­ن، ومـن أهمهـا ضـرورة تقويـض أسـس المظالـم المحليـة وتفنيدهـا، وكذلـك المظالـم العالميـة. وأيضـاً يتعيـن علـى المسـلمين ابتـكار مــا أســماه الكاتــب بـ"إســام غربــي" مــن أجــل أن يتعايــش المســلمون فــي الغــرب مــع تلــك المجتمعــا­ت التــي تختلــف عــن مجتمعاتهــ­م التــي ولــدوا فيهــا.

وعلـى الرغـم مـن الانتشـار الكبيـر لهـذا الكتـاب، فقـد ووجـه ببعــض الانتقــاد­ات مــن أبرزهــا التحفظــات عليــه كونــه عبــارة عــن مذكــرات شــخصية للكاتــب، وبالتالــي فإنــه يُعبِّــر عــن وجهــة نظــر واحــدة ليــس فيهــا مجــال لاســتماع إلــى وجهــة النظـر الأخـرى التـي قـد تكـون لديهـا حجـة أفضـل. كذلـك فـإن البعـض ينتقـد الكاتـب فـي الجـزء الخـاص بتغيُّراتـه الأيدولوجي­ـة فــي مصــر خــال ســنوات ســجنه، وأنهــا لــم تكــن كافيــة كــي يتحـول مـن النقيـض إلـى النقيـض خاصـةً أنـه كان قياديـاً بـارزاً فــي حــزب إســامي متشــدد. وفــي الســياق ذاتــه، فــإن البعــض انتقـد الكتـاب فـي فرضيتـه الأساسـية القائمـة علـى نفيـه للفكـرة القائلـة بـأن الجهـاد العنيـف مـن ضمـن ثوابـت التاريـخ الإسـامي وتأكيــده علــى أنهــا نتيجــة للأحــداث العالميــة والمحليــة الحاليــة أو نتيجــة المظالــم الناتجــة عنهمــا، وبالتالــي هــي فرضيــة تتهــم الكاتــب بعــدم الحيــاد إزاء طــرح قضيــة شــديدة الحساســية مثــل قضيــة التطــرُّف الإســامي.

خاتمة:

تكشــف القــراءة المتأنيــة لمحتــوى نمــاذج مــن الكتــب التــي صــدرت فــي دور نشــر غربيــة الســابق عرضهــا، عــن أن ثمــة اتجاهــات رئيســية تغلــب علــى التعامــل مــع الإســلام والــدول والمجتمعـا­ت المسـلمة والعربيـة، وهـي اتجاهـات بـدأت بصـورة واضحـة فـي أعقـاب أحـداث الحادي عشـر مـن سـبتمبر 2001، وترســخت بصــورة كبيــرة مــع الانتفاضــ­ات التــي شــهدها عــدد مـن هـذه الـدول العربيـة منـذ نحـو خمـس سـنوات، ومـا تبعهـا مـن تطـورات مهمـة فـي قضايـا الإرهـاب والحـركات الإسـلامية المســلحة. وتتمثــل هــذه الاتجاهــا­ت فــي الآتــي: 1- تصاعــد "الإســلامو­فوبيا" فــي الغــرب: فالإســام يواجــه حربـاً شرسـة منـذ أحـداث الحـادي عشـر مـن سـبتمبر 2001، حيــث بــات الغــرب يربــط بينــه وبيــن الإرهــاب، وأصبــح "الإســام الراديكالـ­ـي" هــو التفســير الأكثــر شــيوعاً للإســام، ومـن ثـم تُوجـه إليـه أصابـع الاتهـام عـن جرائـم الإرهـاب التـي تصاعـدت خـال السـنوات الأخيـرة. وقـد تعـززت هـذه النظـرة الخاطئــة وحالــة الخــوف مــن قِبــل الكثيريــن فــي الغــرب تجــاه الإســام، بعــد حالــة الفوضــى وعــدم الاســتقرا­ر التــي تبعــت الثــورات العربيــة، ومــا ترتــب عليهــا مــن انتشــار التنظيمــا­ت الإرهابيـة والمتطرفـة التـي تزعـم ارتباطهـا بالإسـام فـي عـدد مــن دول المنطقــة، وامتــداد تهديداتهــ­ا إلــى مناطــق أخــرى فــي أوروبـا والولايـات المتحـدة. ولاشـك أن ثمـة قصـوراً مـن جانـب المســلمين فــي إيصــال الصــورة الحقيقيــة للإســام بعيــداً عــن الصــورة التــي يحــاول أعــداؤه ترويجهــا باعتبــاره دينــاً يشــجع علـى العنـف والتطـرُّف والإرهـاب. كمـا تبـرز الكتابـات الغربيـة دور "اللوبــي المعــادي للإســام فــي الغــرب" - عبــر عــدد مــن المنظمــات والمؤسســا­ت الأجنبيــة المتشــددة التــي تتلقــى تمويــاً كبيــراً، ووســائل الإعــام غيــر الحياديــة - فــي التأثيــر علــى الصــورة الذهنيــة للإســام لــدى المجتمــع الغربــي.

2- التركيــز علــى "الإســلام" مــن منظــور أمنــي وسياســي وليــس دينيــاً: مــن الماحــظ غلبــة الأبعــاد الأمنيــة والسياســي­ة وليــس الدينيــة علــى تنــاول معظــم الكتــب الغربيــة للإســام، حيــث تُركــز بشــكل كبيــر علــى التنظيمــا­ت الجهاديــة شــديدة التطـرف مثـل "القاعـدة" و"داعـش" مؤخـراً، فضـاً عـن تيـارات الإســام السياســي فــي الــدول العربيــة، مثــل جماعــة الإخــوان المســلمين والتيــارا­ت الســلفية التــي دخلــت المجــال السياســي، دون تركيـز مماثـل علـى شـرح تعاليـم الديـن الإسـامي ومبادئـه الســمحة وغيرهــا مــن الظواهــر الدينيــة ذات الصلــة بالإســام. وإن كانــت هنــاك كتابــات قــد اهتمــت بالتمييــز بيــن "الإســلام" و"الإسـلاميي­ن"، وحرصـت علـى التأكيـد أن الإسـام كديـن هـو مظلّـة كبيـرة تحـوي بداخلهـا كل الاختافـات العقائديـة والمنهجيـة والفقهيــة. أمــا الإســاميو­ن فإنهــم يحاولــون فــرض تفســيرهم الخــاص للشــريعة الإســامية، لتحقيــق أغراضهــم. 4- غيــاب "الديمقراطي­ــة" فــي الإســلام: ثمــة مزاعــم راســخة لــدى بعــض الباحثيــن والكتَّــاب الغربييــن مفادهــا أن مــا يســمى "الديمقراطي­ــة الإســامية" هــو محــض وهــم، حيــث ادعــوا أن مبـادئ الديـن الإسـامي تتناقـض فـي نقـاط معينـة مـع المبـادئ العامــة للديمقراطي­ــة كمــا عرفتهــا المجتمعــا­ت الغربيــة، بــل ويدَّعـي هـؤلاء الكتَّـاب أن بعـض الحكومـات في الشـرق الأوسـط هــي مــن تــروج لفكــرة "الديمقراطي­ــة الإســامية" لكــي تتماشــى فــي الظاهــر مــع القيــم الغربيــة، لحيــن تحقيــق أهدافهــا. 5- الفقــر والأوضــاع الاقتصاديـ­ـة كمســببات للتطــرف: تنظــر الكتابــات الغربيــة إلــى تــردي الظــروف الاقتصاديـ­ـة والمعيشــي­ة وانتشــار الفقــر والتهميــش والفســاد فــي المجتمعــا­ت العربيــة وذات الأغلبيــة المســلمة، باعتبارهــ­ا محفــزات أساســية تســتغلها الجماعــات الإســامية المتطرفــة فــي جــذب مقاتليــن لهــا. كمــا أن ثمــة تحذيــراً مــن اســتغال التنظيمــا­ت الجهاديــة لــلأدوات الإعاميـة والتكنولوج­يـة الحديثـة فـي حشـد التأييـد لهـا، والترويج لممارســته­ا الإرهابيــ­ة. 6- عـدم نجـاح ثـورات "الربيـع العربـي": ثمـة حالـة مـن عـدم التفـاؤل تسـيطر علـى تقييـم الكتَّـاب الغربييـن لمجريـات الأحـداث فـي الـدول العربيـة التـي شـهدت انتفاضـات شـعبية عـام 2011، حيــث يرفــض هــؤلاء الكتَّــاب تســميتها "ثــورات" علــى أســاس أنهـا لـم تحقـق تغييـراً شـاماً فـي مؤسسـات الدولـة وأبنيـة الحكـم بالمفهـوم "الثـوري". ومـن ناحيـة أخـرى، يتجنـب آخـرون إطاق صفــة "الربيــع العربــي" علــى تلــك الأحــداث، علــى اعتبــار أن الانتفاضـا­ت الشـعبية لـم تحـول الـدول العربيـة إلـى "ربيـع"، بـل سـاءت الأحـوال الأمنيـة والاقتصادي­ـة فـي كثيـر منهـا، وعـادت بلــدان عقــوداً إلــى الــوراء. ورأى الكتَّــاب أن عــدم نجــاح هــذه الانتفاضـا­ت امتـدت آثـارة السـلبية إلـى محيـط المنطقـة بأكملهـا، حيــث إن جماعــات الإســام السياســي هــي التــي مــلأت الفــراغ السياسـي الناتـج عـن الإطاحـة بالحـكام، مـا أعطـى فرصـة كبيـرة لنمـو وازدهـار التنظيمـات الإسـامية المتشـددة داخـل الـدول. 8- انتقـادات لاذعـة لتيـارات "الإسـلام السياسـي": ثمـة رفـض لتيـارات الإسـام السياسـي فـي عـدد مـن الكتابـات الغربيـة، بـل وحـذر بعـض الكتَّـاب الحكومـات فـي الغـرب مـن دعـم مثـل هـذه التيـارات أو التعـاون معهـا، لأن ذلـك سـيُلقي بتبعاتـه السـلبية على المجتمعــا­ت الغربيــة مســتقباً.كما اعتبــر الكتــاب أن الإســاميي­ن سـرقوا "الانتفاضـا­ت الشـعبية" فـي الـدول العربيـة علـى الرغـم مـن عـدم مشـاركتهم فيهـا منـذ بدايتهـا، مسـتغلين غيـاب المنافسـة مــن التيــارات السياســية الأخــرى، وضعــف المشــاركة الشــعبية فـي الانتخابـا­ت بهـذه الـدول. 9- نظـرة تشـاؤمية لمسـتقبل الشـرق الأوسـط: تحمـل الكتابـات الغربيـة نظـرة "تشـاؤمية" تجـاه مسـتقبل الأوضـاع فـي المنطقـة وتحديــداً فيمــا يتعلــق بنشــر الديمقراطي­ــة ومكافحــة الإرهــاب، فـي ظـل تنامـي دور الفاعليـن مـن غيـر الـدول ذوي التوجهـات المتطرفــة مثــل "داعــش"، وتصاعــد الصراعــات الطائفيــة. 10- آليــات تحســين الأوضــاع فــي المجتمعــا­ت المســلمة: فــي إطــار تحفظاتهــم علــى الأوضــاع المتدهــور­ة التــي تعانيهــا دول المنطقــة، حــرص الكتَّــاب الغــرب علــى عــرض عــدد مــن التوصيــات للتغلــب علــى التحديــات الأمنيــة والسياســي­ة والاقتصادي­ــة التــي تعانيهــا المجتمعــا­ت ذات الأغلبيــة المســلمة، وفــي مقدمتهــا مواجهــة خطــر التنظميــا­ت المتطرفــة مثــل "داعــش"، وتجفيــف منابــع تمويلهــا، والحــد مــن اســتخدامه­ا أدوات تجنيـد الشـباب لانضمـام إليهـا، وإيجـاد المجتمـع الدولـي حلـول أفضـل للأوضـاع المتدنيـة فـي سـوريا والعـراق واليمـن أو ليبيــا. كمــا يوصــي الكتَّــاب المجتمعــا­ت العربيــة بالانخــرا­ط فــي النقاشـات الحقيقيـة المرتبطـة بالمشـاركة السياسـية والاقتصادي­ـة،

 ??  ??
 ??  ??
 ??  ??
 ??  ??
 ??  ??
 ??  ??
 ??  ??
 ??  ??
 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates