Trending Events - Future Report

مسارات متباينة:

ملامح الاستراتيج­يات العسكرية للقوى المؤثرة دولياً

-

حسام إبراهيم رئيس برنامج الدراسات الأمريكية ـ المركز الإقليمي للدراسات

الاستراتيج­ية ـ القاهرة تعكس الاستراتيج­ية العسكرية لدولة ما طريقة تفكيرها في كيفية التعامل مع المخاطر والتحديات الاستراتيج­ية التي تواجهها، وسبل التعامل معها عبر آليات ووسائل مختلفة توظفها المؤسسة العسكرية في هذه الدولة. وانطلاقاً من أهمية الاستراتيج­يات العسكرية للقوى الدولية بوصفها تعكس الفكر الاستراتيج­ي لها، ترصد هذه الورقة من التقرير الاتجاهات الرئيسية الحاكمة للاستراتيج­يات العسكرية لعدد من القوى الدولية، الكبرى منها وتشمل الولايات المتحدة الأمريكية والصين وروسيا، والمتوسطة منها وتتضمن فرنسا وكندا وأستراليا واليابان، وذلك من خلال المقارنة فيما بينها عبر ستة مؤشرات، تتمثل في: من يضع هذه الاستراتيج­يات؟، ومتى تصدر؟، والنطاقات والأقاليم التي تركز عليها، والأهداف التي تتضمنها، والمخاطر والتهديدات التي تحدد الخصوم والحلفاء، وأخيراً الآليات والوسائل التي يتم توظيفها.

اأولاً:المخططونال­ا�ستراتيجيون

تتبنى الدول في سبيل الدفاع عن وتحقيق مصالحها الجوهرية عدداً من الاستراتيج­يات، تمثل الاستراتيج­ية القومية أو الوطنية أعلى درجاتها، وتتعلق بكيفية تعبئة جميع موارد الدولة السياسية والاقتصادي­ة لتحقيق مصالحها القومية. وتأتي الاستراتيج­ية العسكرية في المرتبة الثانية، حيث تتعلق بكيفية تعبئة موارد الدولة العسكرية وجيشها للدفاع عن هذه المصالح. ويعقب ذلك مستويات أخرى ترتبط باستراتيجي­ات متخصصة مثل استراتيجية مكافحة الحرب الإلكتروني­ة أو استراتيجية القوات البحرية وغيرها، والتي تختص بكيفية تعبئة موارد جهة محددة للتعامل مع ما يرتبط بنطاق عملها أو بتهديد محدد.

ويُنَاط وضع الاستراتيج­يات العسكرية للدول إلى هيئة الأركان فيها، حيث تعكس الفكر والتخطيط العسكري للمؤسسة العسكرية، لكن هناك تباينات بين الدول فيما يتعلق بمدى تدخل المستوى السياسي أو المدني في صياغة الاستراتيج­ية، وذلك حسب العلاقة الحاكمة لتنظيم السلطة ومستوى خضوع القوات المسلحة للمستوى السياسي.

وهنا يلاحظ أنه في النظم الغربية مثل الولايات المتحدة الأمريكية، يقع صياغة الاستراتيج­ية على عاتق هيئة الأركان، وتصدر الوثيقة موقعة باسم رئيس الأركان، وهي وثيقة عسكرية تعكس فكر هيئة الأركان وليس الإدارة الأمريكية.

وتعكس وثيقة الاستراتيج­ية العسكرية لكندا، وكذلك بالنسبة لأستراليا، وجود تعاون وثيق بين الحكومة ووزارة الدفاع، فقبل إصدارها تفتح حكومتا البلدين نقاشاً موسعاً حولها. وفي هذا الاطار تشكل الحكومة الاسترالية لجنة خاصة لوضع تصور حول الاستراتيج­ية العسكرية التي ستصدر قريباً، وتفتح الباب للمشاورات والنقاشات الموسعة مع الوكالات الحكومية والرأي العام الاسترالي والمتخصصين)1 ).

أما الاستراتيج­ية الصينية فتتم صياغتها من هيئة الأركان بالتعاون مع الحزب الشيوعي الصيني)2.( وفيما يتعلق بالاستراتي­جية الروسية تتم صياغتها من عدد من المسؤولين العسكريين والاستخبار­اتيين الذين يرأسهم رئيس مجلس الأمن الوطني، ويوقع الرئيس الروسي على الاستراتيج­ية باعتباره القاعد الأعلى للقوات المسلحة الروسية)3).

ثانياً:متىت�سدرالا�ستراتيجيات­الع�سكرية؟

تصدر الاستراتيج­يات العسكرية لبعض لدول بشكل دوري منتظم، فبعضها يصدرها كل سنتين، والبعض الآخر يصدر كل أربع سنوات. وثمة دول أخرى تصدر وثيقتها بشكل غير دوري بعد مرور عدد من السنوات.

في هذا الإطار تصدر الاستراتيج­ية العسكرية للولايات المتحدة

الأمريكية كل أربع سنوات. وخلال إدارة الرئيس أوباما صدرت استراتيجية عسكرية في عام 2011، وصدرت الأخرى في يوليو عام 2015.

أما الاستراتيج­ية العسكرية الصينية فتصدر كل سنتين، حيث صدرت استراتيجية في عام 2013، ثم الاستراتيج­ية الحديثة التي صدرت في مايو عام (4 2015(.

وتتشابه الاستراتيج­ية العسكرية الروسية مع نظيرتها الأمريكية في أنها تصدر كل أربع سنوات، فقد صدرت الاستراتيج­ية السابقة في فبراير عام 2010، وصدرت الاستراتيج­ية الأخيرة في ديسمبر عام (5 2014 ).

وعلى العكس من الاستراتيج­يات السابقة، تصدر الاستراتيج­ية العسكرية الفرنسية بشكل دوري غير منتظم، فالاستراتي­جيات الثلاث التي صدرت مؤخراً كانت في أعوام 1994 و2008 و2013. فيما تمثل الاستراتيج­ية العسكرية الكندية وضعية خاصة، فقد صدرت أول استراتيجية عسكرية دفاعية للقوات المسلحة الكندية في عام 2013، ثم صدرت تحديثات لها في العام نفسه وفي العام اللاحق 2014.

وفيما يخص الاستراتيج­ية العسكرية لأستراليا، فقد صدرت الورقة البيضاء لوزارة الدفاع الاسترالية في عام 2013، وتجري الآن عملية مشاورات واسعة لإصدار استراتيجية جديدة تمثل تحديثاً للسابقة، وستكون بمنزلة الاستراتيج­ية العسكرية للدولة لعام 2015.

أخيراً وضعت اليابان في ديسمبر عام 2013 للمرة الأولى استراتيجية للأمن القومي، أعقبتها باستراتيجي­ة عسكرية هي المبادئ العامة لبرنامج الدفاع الوطني (National Defense Program Guidelines)، فيما يمثل تطوراً بارزاً في التوجه العسكري الياباني بعيداً عن نمط العزلة والاعتماد على الولايات المتحدة كحليف رئيسي في الدفاع عنها(6).

ثالثاً:النطاقوالا­أقاليمالا�ستراتيجية

يرتبط النطاق والحيز الجغرافي الذي تركز عليه الاستراتيج­ية العسكرية لدولة ما بنطاق مدركات التهديدات والمخاطر التي تواجه هذه الدولة؛ فمعظم الاستراتيج­يات تركز بشكل رئيسي على الإقليم الذي تقع فيه الدولة كمستوى أول للحيز الجغرافي الذي تتحرك فيه، ثم تنتقل بشكل أوسع للمستوى العالمي.

في هذا الإطار تركز استراتيجية الأمن القومي الأمريكي لعام 2015 على العالم كحيز جغرافي لنطاقها، حيث تتعرض للتهديدات والمخاطر التي تواجهها في أقاليم مختلفة. وعلى سبيل المثال فقد أشارت بشكل خاص إلى الصين وسلوكها في منطقة آسيا والباسفيك، وروسيا ومنطقة أوراسيا بعد تدخلها في شبه جزيرة القرم، والحركات المتطرفة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وتنص الاستراتيج­ية على أن الولايات المتحدة لا يجب أن تركز على إقليم واحد أو منطقة واحدة( 7 ).

من جانبها تركز الاستراتيج­ية العسكرية الصينية لعام 2015 بشكل عام على العالم كحيز جغرافي، لكنها تحدد نطاقاً معيناً للاهتمام الخاص، والذي يمثل الدائرة الأهم للأمن القومي الصيني، وهي المناطق البحرية غرب المحيط الهادي.

أما في سياق تركيزها على المناطق، فقد أشارت إلى سياسة إعادة التوازن الاستراتيج­ي الأمريكي نحو آسيا، وتطرقت بشكل مفصل إلى منطقة شرق وجنوب بحر الصين في ظل النزاعات البحرية المرتبطة بهذه المنطقة( 8 ).

وعلى عكس الاستراتيج­يتين الأمريكية والصينية اللتين تعتبران العالم حيزاً جغرافيا واسعاً ثم تنتقل لتحديد مناطق إقليمية معينة، ركزت الاستراتيج­ية الروسية التي صدرت في ديسمبر عام 2014 على أي تهديدات يمكن أن تواجه روسيا على حدودها، وأشارت بشكل خاص إلى حلف "الناتو" كتهديد مباشر، ثم إلى التهديدات الخاصة بعدم الاستقرار في الأقاليم أو المناطق التي يمكن أن تؤثر على الأمن القومي الروسي. واختلفت الاستراتيج­ية العسكرية الكندية في التحديث الثالث لها، والذي صدر عام 2014، عن الاستراتيج­يات الأخرى في تناولها للأقاليم الاستراتيج­ية، حيث تعرضت لأقاليم محددة حينما حددت البيئة الأمنية والاستراتي­جية التي تتعامل معها القوات المسلحة الكندية، إذ يأتي الدفاع عن منطقة شمال أمريكا في سياق التحالف مع واشنطن في المرتبة الأولى، ثم تطرقت إلى التحول الحادث في توازن القوى العالمي وانتقاله من منطقة الأطلسي إلى منطقة آسيا والمحيط الهادي(9).

أما الاستراتيج­ية الفرنسية فقد ركزت على أكثر من منطقة وإقليم استراتيجي، محددةً قضايا مهمة أبرزها تصاعد الإنفاق العسكري الصيني والروسي، وعدم الاستقرار في الشرق الأوسط، ومخاطر الدول الفاشلة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ومناطقياً أكدت الوثيقة الفرنسية على منطقة الخليج كأولوية استراتيجية، مشيرةً إلى ضرورة تطبيق الاتفاقيات الدفاعية مع دول المنطقة وتعزيز المصالح الأمنية والاستراتي­جية، كما حددت منطقة أوروبا وشمال الأطلسي كجزء من أولوياتها الاستراتيج­ية(10).

وتطرقت الاستراتيج­ية اليابانية الجديدة إلى النطاق الاستراتيج­ي الذي يمثل جوار اليابان خاصة مناطق شرق وجنوب بحر الصين في ظل النزاع على عدد من الجزر بينها وبين الصين في هذه المنطقة، وركزت على ضرورة حماية الممرات البحرية في العالم للحفاظ على إمدادات الطاقة لليابان، محددةً الممرات البحرية الرئيسية في منطقة الخليج العربي ومضيق هرمز وخليج عدن والمحيط الهندي ومضيق ملقا وجنوب بحر الصين(11).

يتفـــاوت النطـــاق والحيـــز الجغـــراف­ي الـــذي تركـــز عليـــه الاســـترا­تيجية العســـكري­ة لدولـــة مـــا بتوجهاتهــ­ـا العالميـــ­ة وبنطـــاق التهديـــد­ات والمخاطـــ­ر التـــي تواجههـــا، إذ تركـــز اســـتراتي­جيات القـــوى الكـــرى علـــى كل مـــن المســـتوي­ين العالمـــي والإقليمــ­ـي، فيمـــا تعطـــي اســـتراتي­جيات الـــدول الأخـــرى وزنـــاً أكـــر لجوارهـــا المباشـــر.

رابعاً: الاأهداف الا�ستراتيجية والاأوليات الخا�سة

حددت الاستراتيج­يات العسكرية للقوى الدولية السبع المشار إليها مجموعة من الأهداف الاستراتيج­ية التي يُنَاط بقواتها المسلحة تحقيقها. وتتشارك هذه الاستراتيج­يات في عدد من الأهداف ذات الطبيعية العامة، وتختلف في أهداف أخرى تتعلق برؤية الدولة لمصالحها الاستراتيج­ية.

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates