Future Studies

سادسا: أساليب ومداخل استيعاب “صدمات المستقبل”

-

عـى الرغـم مـن صعوبـة التنبـؤ بصدمـات املسـتقبل والتحـوالت املفاجئـة، فـإن بعـض األدبيـات تركـز عـى كيفيـة االسـتعداد الحتـامالت حـدوث األحـداث غـر املتوقعـة والتكيـف معهـا يف حـال حدوثهـا واالرتـداد للحالـة الطبيعيـة عقـب انتهائهـا .)Resilience( ومبعنـى آخـر فـإن هنـاك اتجاهـاً للتسـليم بعـدم وجـود مناهـج تحليليـة كافيـة للتوقـع الكامـل بالتحـوالت املفاجئـة وصدمـات املسـتقبل بدرجـة يقـن عاليـة، ومـن ثـم بـات الركيـز عـى تطويـر أدوات متعـددة للتقديـر االحتـاميل ورصـد االتجاهـات قيــد التشــكيل، واألهــم االســتعدا­د االســتباق­ي للتعامــل مــع الصدمــات املســتقبل­ية مــن خــالل تعزيــز القـدرة عـى التكيـف(17).

يف هـذا اإلطـار يؤكـد كل مـن “ديفيـد سـنودن” و”مـاري بـون” أن املواقـف الفجائيـة تتطلـب مـن املحللـن وصانعـي القـرار ترقـب اكتـامل املعطيـات الواقعيـة والتطـور الكامـل ألبعـاد املوقـف Emer-( ،)gence حيــث يُعــد املوقــف الفجــايئ مجــرد “قمــة جبــل الجليــد” الــذي ســتتبعه تحــوالت أخــرى ال ميكــن إغفالهــا وإال ســتنتج عنهــا تحليــالت غــر دقيقــة وتوقعــات خاطئــة، ومــن ثــم يجــب تجنــب التوقعـات العشـوائية الرسيعـة القامئـة عـى التقديـرات الشـخصية واالكتفـاء يف هـذه املرحلـة بتتبـع تطـور املوقـف انتظـاراً الكتـامل املعطيـات لطـرح تحليـل عميـق لألبعـاد والـدالالت وترجيحـات متزنـة لســيناريو­هات املســتقبل(27).

وعـى مسـتوى آخـر، ميثـل الركيـز عـى جمـع املعلومـات الدقيقـة مـن مصـادر مبـارشة وتشـجيع التقديـرات املختلفـة والتنـوع يف التوجهـات أمـراً بالـغ األهميـة، ألن الطابـع غـر التقليـدي للمواقـف

املعقــدة يتطلــب قــدراً كبــراً مــن االبتــكار والخــروج عــن املألــوف يف طــرح تقديــرات اســتثنائي­ة وسـيناريوه­ات غـر متوقعـة وخـارج نطـاق املألـوف واملتعـارف عليـه. ويرتبـط ذلـك بالتصـدي لبـوادر التامثـل يف التفكـر الجامعـي )Groupthink( وطـرح أفـكار وأطروحـات تتحـدى السـائد واملتعـارف عليـه بـن املحللـن واملتابعـن يف التعليـق عـى قضيـة معينـة.

وال ينفصـل ذلـك عـن إرسـاء تقاليـد إبداعيـة يف املؤسسـات األكادمييـ­ة والبحثيـة تقـوم عـى طـرح الســيناري­وهات املســتبعد­ة ‪)Black Swans(‬ ومناقشــته­ا بجديــة وإعــداد خيــارات واقعيــة ذات فاعليــة ملواجهتهــ­ا يف حــال حدوثهــا. وقــد تســتعن بعــض املؤسســات ببعــض األفــراد ألداء دور “محامــي الشــيطان” ‪)Devil’s Advocate(‬ بحيــث تكــون وظيفتهــم طــرح مــا هــو مسـتبعد وغـر متخيــل عــى صانعــي القــرار وبنــاء ســيناريوه­ات ملواجهــة هــذه املواقــف(37).

وفيـام يتعلـق بعمليـة صنـع القـرار يف سـياقات التحـوالت غـر املتوقعـة، تطـرح بعــض األدبيـات مداخـل للتغلـب عـى معوقـات التكيـف مـع الصدمـات املفاجئـة، يتمثـل أهمهـا يف االسـتعانة بتقديـرات متعـددة مـن جهـات مختلفـة حـول داللـة وأبعـاد التطـورات الواقعيـة، واالسـتعان­ة بخـرات مـن خـارج املؤسسـات والدوائـر التـي تشـارك عـادًة يف عمليـة صنـع القـرار والركيـز عـى التقييـامت الجامعيـة للبدائــل ‪)Joint Evaluation(‬ واالعتــام­د عــى بعــض االختبــار­ات لطــرح بدائــل جذريــة مثــل اختبــار “اختفـاء الخيـارات” ‪)Vanishing Options(‬ الـذي يقـوم عـى اسـتبعاد كافـة البدائـل املتاحـة ودفـع املشـاركن يف صنـع القـرار للبحـث عـن بدائـل أخـرى. كام ميكـن لصانعـي القرار اسـتخدام اسـراتيجية “مـا قبـل املـوت” )Pre΀mortem( التـي تقـوم عـى افـراض فشـل السياسـة املتبعـة ودعـوة املشـاركن يف صنـع القـرار لوضـع سـيناريوها­ت ملواجهـة التداعيـات وتصحيـح املسـار(47).

كـام ينبغـي عـى صانعـي القـرار أن يركـزوا عـى تهيئـة السـياقات املواتيـة لظهـور تغـرات إيجابيـة عقـب حـدوث التغـرات املفاجئـة، حيـث يشـر بعـض املتخصصـن إىل هـذه اآلليـة باعتبارهـا “تحفيـز لعوامـل الجـذب” ‪،)Stimulatin­g Attractors(‬ التـي تسـتهدف اسـتعادة القـوة الدافعـة )Momentum( وتوجيههـا للتكيـف مـع التحـوالت املفاجئـة، مـام يـؤدي الحتـواء تداعياتهـا. وقـد يكـون مـن املالئـم أن يركـز صانعـو القـرار عـى اسـتغالل الفـرص التـي تنبـع مـن قلـب األزمـة مثـل تعزيـز التضامـن املجتمعـي الـذي ينشـأ عقـب تعـرض الدولـة لهجـوم إرهـايب أو اسـتغالل األزمـات االقتصاديـ­ة لتمريـر خطـة شـاملة لإلصـالح االقتصـادي(57).

ومـن املرجـح أن يدفـع تتابـع صدمـات املسـتقبل والتحـوالت غـر املتوقعـة إىل تحـوالت جوهريـة يف املنظـور اإلرشـادي الحاكـم للعلـوم السياسـية ‪)Paradigm Shift(‬ يقـوم عـى تطويـر مفاهيـم ومناهـج ومداخـل بينيـة عابـرة للتخصصـات )Interdisci­plinary( مـع متاهـي الحـدود الفاصلـة بـن الحقـول املعرفيـة وتصاعـد تعقيـد التحـوالت غـر التقليديـة.

وعـى املـدى القصـر قـد تركـز االجتهـادا­ت النظريـة والتطبيقيـ­ة عـى تطويـر القـدرة عـى التكيـف مــع الصدمــات، ورصــد مالمــح االنتظــام يف التحــوالت غــر املتوقعــة، وتهيئــة الســياقات املواتيــة للتدخـل الفعـال، ومواجهـة هـذه التغـرات والسـعي لإلفـادة مـن بعـض تداعياتهـا اإليجابيـة والحـد مـن تداعياتهـا السـلبية، وتعزيـز القـدرة عـى االرتـداد للحالـة الطبيعيـة.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates