Trending Events - Future Concepts

تصاعد أشكال عمليات الإرهاب ”بلا قيادة“في العالم

-

شهدت الآونة الأخيرة تنامياً واضحاً في العمليات الإرهابية على مستوى العالم، وبينما كان الخطر الأساسي الذي تواجهه الدول العربية، هو الإرهاب التنظيمي، أي الذي تقوم به تنظيمات إرهابية، فإن أبرز التهديدات التي شهدتها أوروبا كانت نابعة من ظاهرة الإرهاب الفردي بصورة أساسية، وقد ارتبط تنامي نمط الإرهاب الفردي بعاملين أساسيين هما: لجوء معتنقي الفكر اليميني المتطرف في أوروبا والولايات المتحدة إلى تبني هذا الأسلوب، خاصة مع تصاعد الأزمات التي تعانيها الدول الأوروبية، خاصة أزمتي الاقتصاد واللاجئين، مثل اليميني المتشدد، النرويجي اندريس بريفيك الذي قتل 77 شخصاً في عام 2001.

وثانيهما: قيام تنظيم "داعش" بتبني هذا النمط، ونجاحه في استقطاب المتطرفين لتنفيذ مثل هذه العمليات، وهو ما ارتبط بصورة أساسية بصعود تنظيم "داعش" الإرهابي، في سوريا والعراق، ونجاحه في السيطرة على مناطق واسعة فيهما، وإعلانه إقامة "الخلافة الإسلامية"، وهو ما جعله يتصدر المشهد الجهادي، على حساب التنظيمات الإرهابية الأخرى، وفي مقدمتها القاعدة.

ونظراً لنجاح التنظيم في إقامة "دويلته المتوهمة" في مناطق تتمتع بأهمية دينية في سوريا والعراق، فإنه صار ملهماً للذئاب المنفردة حول العالم لتنفيذ العمليات الإرهابية، خاصة عقب دعوة التنظيم صراحة للمتطرفين المتعاطفين معه لتنفيذ عمليات إرهاب فردية، إذا ما فشلوا في الالتحاق بالتنظيم في سوريا والعراق.

وقد عكست تصريحات المسؤولين الأمنيين إدراكاً واضحاً لأبعاد هذ التهديد، فقد أشار ليون بانيتا مدير الاستخبارا­ت المركزية الأمريكية في حديثه أمام الكونجرس الأمريكي في عام 2010، إلى أنه يجب النظر إلى استراتيجية الذئب المنفرد على أنها أكبر تهديد للولايات المتحدة.

وبخلاف الاعتقاد السائد بأن الهجمات الإرهابية التي ينفذها الإرهابيون المسلمون أشد ضرراً من تلك التي يرتكبها أنصار اليمين المتطرف في أوروبا والولايات المتحدة، فإن المعهد الملكي للخدمات المتحدة ‪)Royal United Services Institute(‬ يدحض هذا الاعتقاد، إذ أوضح أنه في الفترة الممتدة من عام 2000 وحتى عام 2014، قتل حوالي 94 شخصاً، وجُرح حوالي 260 آخرون بهجمات لذئاب منفردة ينتمون إلى اليمين المتطرف، في حين أن الإرهابيين الإسلاميين قتلوا حوالي 16 فرداً وجرحوا 65 آخرين خلال الفترة نفسها.

ومن جهة ثانية، ينبغي التقييم الدقيق لمدى خطر الذئاب المنفردة مقارنة بالتنظيمات الإرهابية، إذ إن الأخيرة تتمتع بكفاءة أكبر من الذئاب المنفردة في تنفيذ العمليات الإرهابية، سواء فيما يتعلق بالإعداد والتخطيط أو عدد الضحايا الذين يسقطون جراء تنفيذها، ولكن على الجانب الآخر، فإن قدرة الأجهزة الأمنية على اكتشاف التنظيمات الإرهابية وتفكيكها أكبر مقارنة بالذئاب المنفردة، إذ إن المنظمة الإرهابية قد تتعرض للاختراق، أو تقوم الأجهزة الأمنية برصد الاتصالات التي تتم بين أعضائها، وهو ما لا يتوفر في حالة الذئاب المنفردة، خاصة إذا لم يمتلكوا سوابق إجرامية أو إرهابية.

ولكن على الجانب الآخر، فإن الخسائر المترتبة على الإرهاب الفردي تظل محدودة، مقارنة بالهجمات الإرهابية التي يقوم بها تنظيم إرهابي أو خلية إرهابية، وحتى في الحالات التي سقط فيها عدد كبير من الضحايا، كما في حالة أندريس بريفيك الذي قتل حوالي 77 شخصاً في هجومين إرهابيين في النرويج في 2011، وكذلك نضال حسن المتهم بقتل 13 شخصاً في قاعدة فورت هود العسكرية، في جنوب تكساس جنوب في 2009، فإنها تمثل استثناءً، وليست القاعدة، وكان السبب الرئيسي وراء قدرتهم على إسقاط عدد كبير من الضحايا هو قدرة الأول على تصنيع المتفجرات، أما الثاني فكان عسكرياً في الجيش الأمريكي، وبالتالي يتمتع بخبرات قتالية.

وعلى الرغم مما سبق، فإن التأثير الإعلامي والنفسي، الذي يترتب على عمليات الإرهاب الفردي يظل كبيراً جداً، إذ إنه يشعر المجتمعات المستهدفة بعجز أجهزتها الأمنية، وسهولة اختراق تدابيرها الأمنية.

وعلى الرغم من هذا الإدراك للتهديدات التي تمثلها الذئاب المنفردة، فإن الأجهزة الأمنية عجزت عن التعامل مع هذا التهديد،

وتحجيم آثاره، وهو ما وضح في وقوع العديد من عمليات الإرهاب الفردي، بل وتكرارها في الدولة نفسها في مدى زمني متقارب، على نحو ما يتضح في الحالتين الفرنسية والألمانية.

وقد تنامت التهديدات النابعة من الإرهاب الفردي، بسبب التحول في طبيعة الأهداف المراد مهاجمتها، فقد أدركت الذئاب المنفردة أن مهاجمة أفراد الشرطة أو الجيش سوف تكون نتائجها محدودة، نظراً للخبرات القتالية التي يتمتعون بها، ولذلك عمدت الذئاب المنفردة إلى استهداف المدنيين في المناطق العامة، التي يصعب، إن لم يكن من المستحيل تأمينها، وذلك من أجل إظهار عجز الأجهزة الأمنية، وتعزيز الشعور بفقدان الأمن لدى المواطن العادي.

وتشير العديد من المؤشرات إلى أن هذا النمط من الإرهاب في تصاعد، أولها: الضغط العسكري الذي يواجه التنظيمات الإرهابية الكبرى، خاصة "داعش"، وهو الأمر الذي أدى إلى فقدانه جانباً من الأراضي التي يسيطر عليها، ودفعه إلى استخدام نمط الإرهاب الفردي للرد على الدول الغربية التي تسعى للقضاء عليه، وهو ما وضح في دعوة التنظيم للمتعاطفين معه للقيام بهجمات إرهابية فردية، بل ويرجح العديد من الخبراء والمحللين أن يؤدي فقدان تنظيم "داعش" الأراضي التي يسيطر عليها إلى لجوئه إلى نمط الإرهاب الفردي كوسيلة للانتقام.

أما ثانيها، فيرتبط بالتحديات التي تواجه الأجهزة الأمنية في وقف مثل هذه العمليات، خاصة مع سرعة التحوّل من فئة المتعاطف مع الأفكار المتطرفة إلى تنفيذ العمليات الإرهابية، بالإضافة إلى صعوبة تحديد ملامح عامة للفئات التي تتحول إلى الإرهاب الفردي، خاصة مع انتمائهم لخلفيات اجتماعية وتعليمية مختلفة.

ويتمثل ثالث هذه الأسباب في أن الإرهاب الفردي لجأ إلى تنويع الأدوات المستخدمة في القيام بعمليات إرهابية، فقد بدأت الذئاب المنفردة تقلل من الاعتماد على أسلوب العبوات الناسفة، والتي تحتاج إلى خبرة فنية، بالإضافة إلى صعوبة الحصول على المواد الأساسية لتصنيعها إلى استخدام المسدسات، والسكين، بل واللجوء أحياناً إلى وسائل مبتكرة كما في استخدام حافلة لدهش المواطنين في الشارع، وقد عزز من هذا التوجه ما تصدره التنظيمات الإرهابية، ك"داعش" والقاعدة، من كتيبات إرشادية تعدد فيها كيفية القيام بعمليات الإرهاب الفردي، وأدواته، والأهداف التي ينبغي استهدافها، بل وكيفية الهرب بعد تنفيذ العملية تمهيداً لتنفيذ عمليات إرهابية أخرى.

أما رابع هذه الأسباب، فيتمثل في أن نجاح ذئب منفرد في تنفيذ عملية إرهابية يغري مزيداً من المتطرفين على محاكاته، وتنفيذ عمليات إرهابية متتالية، كما حدث في أوروبا، فقد قام لاجئ أفغاني شاب بمهاجمة ركاب في قطار ألماني باستخدام سكين في أوائل يوليو، وتلا ذلك تفجير انتحاري لنفسه في مدينة آنسباخ الألمانية في 24 يوليو.

وفي هذا الإطار، يسعى ملحق مفاهيم المستقبل الحالي إلى إلقاء الضوء على ظاهرة الإرهاب الفردي، ويركز الموضوع الأول "الإرهاب الفردي: التعريف.. الأنماط.. الخصائص الأساسية" على أبعاد تطور ظاهرة الإرهاب الفردي، والإشكاليا­ت التي تواجه تعريف هذا المفهوم، فضلاً عن أنماط الذئاب المنفردة، وأسباب تصاعد اللجوء إلى هذا النمط من الإرهاب في الآونة الأخيرة، وأخيراً السمات الأساسية المميزة له.

أما الموضوع الثاني، فقد جاء بعنوان "جهاد الممكن: أسباب لجوء التنظيمات الإرهابية إلى الإرهاب غير المنظم"، ويسعى إلى رصد بدايات تبني التنظيمات الإرهابية المتطرفة كالقاعدة و"داعش" لنمط الإرهاب الفردي، والترويج له من خلال منصاتهم الإعلامية المختلفة، ثم الإشارة بعد ذلك إلى تعريف "جهاد الممكن" باعتباره أحد المفاهيم الرئيسية التي اعتمدت عليها التنظيمات الإرهابية المتطرفة لتبرير هذا النمط من العنف، فضلاً عن الإشارة إلى المنطلقات الشرعية له، وأسباب تبنيه الواسع.

ويناقش الموضوع الثالث والمعنون ‪Black Widow"‬ : توظيف النساء “الجهاديات” في عمليات الإرهاب الفردي"، أسباب إحجام السيدات عن القيام بعمليات الإرهاب الفردي، وتفضيلهن الإنضمام إلى التنظيمات الإرهابية، وأسباب ذلك.

ويسعى الموضوع الرابع، والذي جاء بعنوان: ‪Lone Wolf"‬ : المداخل الأساسية لمواجهة ظاهرة “الذئاب المنفردة”"، فيهدف إلى تقديم أبرز الطرق والوسائل المعتمدة في مواجهة نمط الإرهاب الفردي، والتي تتمثل بصورة أساسية في رصد العلامات السلوكية للأشخاص المتطرفين المحتمل قيامهم بشن عمليات إرهابية، ثم مواجهة الأفكار المتطرفة التي يتم الترويج لها، وأخيراً الاعتماد على إشراك المجتمع في مواجهة الإرهاب الفردي.

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates