Trending Events - Future Concepts

‪OffShore Balancing‬

”التوازن عن بعد“في استراتيجية الهيمنة الأمريكية

- د. مي درويش مدرس العلاقات الدولية بجامعة دورهام

احتدم الجدل في السنوات الأخيرة في الأوساط الأكاديمية والسياسيين، بل وحتى لدى الرأي العام الأمريكي حول ضرورة تغيير الاستراتيج­ية الأمريكية، فعلى المستوى الأكاديمي، دعا جون ميرشايمر وستيفين والت في مقالتهما المنشورة في مجلة الفورين أفيرز ‪Foreign Affairs(‬ ) في أغسطس 2016 إلى تطبيق سياسة "التوازن عن بُعد" ‪offshore Balancing(‬ ،) والتي قدمت طرحاً مغايراً للحفاظ على أقاليم العالم المختلفة) .)

1 أما على المستوى السياسي، فقد قام الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، أثناء حملته الانتخابية بالتشكيك في الاستراتيج­ية الأمريكية القائمة على نشر الديمقراطي­ة، ودعم الحلفاء، والتدخل العسكري، وأظهر استطلاع رأي أجراه مركز بيو للأبحاث أن 57% من الأمريكيين يرون أن على الولايات المتحدة أن تحل مشاكلها، وتترك للآخرين المجال لحل مشاكلهم) (، في مؤشر يكشف

2 عن سخط شعبي عن الاستراتيج­ية الأمريكية القائمة.

وقد ساهم في تأجيج هذا الجدل الإخفاق الذي أصاب بعض جوانب السياسة الخارجية الأمريكية على مدار العقود الثلاثة الماضية في كل من آسيا وأوروبا والشرق الأوسط، ففي آسيا، أخفقت الولايات المتحدة في دفع الهند وباكستان وكوريا الشمالية إلى التخلي عن برامجها النووية، أو تحقيق الاستقرار في أفغانستان، كما أن النمو الاقتصادي الصيني المتسارع يهدد الهيمنة الأمريكية على المدى البعيد، أما في القارة الأوروبية، فقد فشلت الولايات المتحدة في تحجيم النفوذ الروسي.

وشهد الشرق الأوسط بصفة خاصة إخفاقاً واضحاً للسياسات الأمريكية، خاصة تلك السياسات الرامية إلى نشر الديمقراطي­ة من خلال التدخل العسكري المباشر، كما في حالتي العراق وليبيا، بل وتكبدت الولايات المتحدة الأمريكية خسائر مالية وبشرية طائلة، بل إن ظهور تنظيم "داعش" الإرهابي في سوريا والعراق، يمكن النظر إليه باعتباره أحد تداعيات إخفاق السياسة الأمريكية في العراق.

ويهدف هذا التحليل إلى إلقاء الضوء على مفهوم الاستراتيج­ية الكبرى، وأبعاد استراتيجية التفوق الأمريكية، والتي طبقت في عهد إدارة الرئيسين جورج بوش الابن، وباراك أوباما، ثم التطرق إلى عرض وتحليل استراتيجية "التوازن عن بُعد" باعتبارها استراتيجية بديلة مقترحة، فضلاً عن مناقشة بعض الأطروحات للحفاظ على الهيمنة الأمريكية.

اأولاً: الا�ستراتيجية الكبرى في المنظور الواقعي

تعتبر المدرسة الواقعية من أشهر المقاربات النظرية في دراسة العلاقات الدولية. ولايزال الاقتراب الواقعي بمدارسه المختلفة هو الأقدر على تفسير وتحليل سلوك القوى الكبرى في النظام الدولي. وتعد من الافتراضات الأساسية للمنظور الواقعي أن الدول تتصرف تجاه بعضها البعض برشادة، بما يعنيه ذلك من دراسة البدائل المتاحة لها بشكل عقلاني وبرجماتي، واتخاذ القرارات التي تخدم مصالحها العليا من دون مراعاة لأية اعتبارات أخرى.

ووفقاً لها، فإن هذه المصالح تكون عادة موجهة نحو زيادة قوة الدولة الاقتصادية والعسكرية بما يحقق أمنها الداخلي والخارجي، وذلك نظراً لافتراض المدرسة الواقعية أن النظام الدولي تحكمه الفوضى Anarchy(،) أي غياب سلطة مركزية في النظام الدولي تحتكر استخدام القوة وتفرض إرادتها على وحداته. ومن ثم يقع على عاتق كل دولة تعزيز أمنها بشتى الوسائل.

وتركز أدبيات المدرسة الواقعية بصفة خاصة على الاستراتيج­يات

الكبرى ‪Grand Strategy(‬ ) الحاكمة لسلوك القوى العظمي في العلاقات الدولية) (. ويمكن تعريفها على أنها "السياسات التي تعزز

3 قدرة قادة الدولة على استخدام أو تسخير كل الأدوات العسكرية وغير العسكرية للحفاظ على مصالحها بعيدة المدى وتعزيزها، وذلك في وقت السلم والحرب") (، وقد تكون تلك التهديدات التي

4 تتعرض لها القوى الكبرى عسكرية أو اقتصادية، وتقع بالقرب من القوى العظمي أو في أقاليم بعيدة عنها.

وتقوم الاستراتيج­ية الكبرى على ثلاث مراحل: تحديد المصالح الأساسية للقوى العظمى، ثم تحديد التهديدات التي قد تحول دون تحقيق تلك المصالح، ووضع سياسات من شأنها استخدام وتسخير الموارد العسكرية والاقتصادي­ة للدولة لتحقيق تلك المصالح) (، وقد

5 احتدم الجدل لسنوات بين أنصار المدرسة الواقعية حول الاستراتيج­ية المثلى للحفاظ على هيمنة الدول العظمي وضمان أمنها ومصالحها في أقاليم العالم المختلفة. وقد ارتبط هذا الجدل بالمساعي الأمريكية لإطالة نظام الأحادية القطبية في أعقاب نهاية الحرب الباردة بانهيار الاتحاد السوفييتي.

وقد انقسمت الآراء حيال الاستراتيج­ية المثلى التي يتوجب على الولايات المتحدة اتباعها، ويمكن هنا التمييز بين أنصار استراتيجية التفوق، والذين يرون أنه ينبغي على الولايات المتحدة اتباع سياسة تقوم على التدخل النشط في الأقاليم المختلفة للدفاع عن مصالحها، وضمان عدم ظهور قوى دولية مناوئة لها، في حين أن أنصار الاستراتيج­ية الثانية، وهي "التوازن عن بُعد" يرون أن على واشنطن مقاومة إغراء التدخل في الأقاليم المختلفة لإعادة تشكيلها بما يخدم مصالحها، والتركيز بدلاً من ذلك على السياسات الداخلية، وتعزيز قوتها الذاتية، فضلاً عن التدخل في الخارج في حالات الضرورة القصوى عند تعرض مصالحها للتهديد.

ثانياً: اأبعاد "ا�ستراتيجية التفوق"

يرى بعض الباحثين من أنصار المدرسة الواقعية أنه يتوجب على القوى العظمي اتباع استراتيجية التفوق ‪Strategy of(‬ prepondera­nce،) والتي تقوم على الفرضيات التالية: 1- إقامة نظام عالمي يضمن للولايات المتحدة تحقيق الهيمنة السياسية، والعسكرية، والاقتصادي­ة، وتقوم هذه الفرضية على أن القوة العظمى عليها مسؤولية الحفاظ على الوضع القائم Status( Quo) بما يضمن استمرار هيمنتها على النظام. 2- الحيلولة دون صعود أي قوى عظمى في أوروبا أو شرق آسيا بما قد يهدد المصالح الأمريكية. 3- الحفاظ على سياسات الاعتماد المتبادل اقتصادياً Economic( (Interdepen­dence (، وذلك لضمان سيطرة الولايات

5( المتحدة على كل من اليابان، وألمانيا، والصين، وتقليل رغبة أياً منهم في منافسة الهيمنة الأمريكية.

وقد سيطرت هذه الاستراتيج­ية على السياسة الخارجية الأمريكية في الفترة الممتدة من انتهاء الحرب العالمية الثانية في عام 1945، وحتى فترة ما بعد الحرب الباردة. ووفقاً لهذه السياسة فإن الحفاظ على الوضع القائم يعتمد على التدخل العسكري المباشر لمواجهة التحديات الراهنة والمحتملة التي من شأنها تهديد الهيمنة الأمريكية على الساحة الدولية.

وعلى الرغم من نجاح هذه السياسة في تخفيف وطأة المعضلة الأمنية للولايات المتحدة خلال الحرب الباردة، خاصة مع انضمام كل من اليابان وألمانيا لمساندة الجهود الأمريكية في مواجهة التطرف، فإن استمرار هذه الاستراتيج­ية في فترة ما بعد الحرب الباردة أدى

إلى ظهور العديد من الإشكاليات، خاصة مع بدء الولايات المتحدة حربها العالمية للقضاء على الإرهاب، إذ ترتب على هذه الحرب تورطها في احتلال دولتين، وعجزها عن إعادة الاستقرار إليهما، وهو ما أدى إلى تصاعد الأصوات المعارضة للتدخل، خاصة مع الانتهاكات التي ارتكبتها القوات الأمريكية في البلدين.

ومن جهة ثانية، تكبدت الولايات المتحدة مبالغ طائلة في الحربين، مما أنهك الاقتصاد الأمريكي بسبب ارتفاع الميزانية العسكرية والمساعدات الخارجية المقدمة لدعم الحلفاء لضمان هيمنتها على النظام الدولي، وهو ما مثّل عبئاً اقتصادياً على الولايات المتحدة) .)

6 ومن جانب ثالث، لا يجب إغفال أن الحروب الأمريكية الرامية إلى إدامة سيطرة الولايات المتحدة على النظام الدولي، لم تجعل الولايات المتحدة أكثر أماناً، فقد ترتب عليها زيادة العمليات الإرهابية الموجهة ضدها، سواء في أفغانستان والعراق، أو حتى في الداخل الأمريكي، وعلى مستوى آخر، فقد ترتب على تبني واشنطن سياسات هجومية، ثم انشغالها في مرحلة تالية بإنهاء حروبها في الشرق الأوسط، إعطاء الفرصة للقوى المناوئة لها، إقليمياً ودولياً لتعزيز قوتها، كما في امتلاك إيران قدرات نووية) (، ونجاح الصين

7 في تطوير قدراتها الاقتصادية والعسكرية.

ومن أجل مواجهة التداعيات السلبية لهذه الاستراتيج­ية، دعا بعض أنصار المدرسة الواقعية إلى إعادة النظر في تلك الاستراتيج­ية، التي سيطرت على الفكر المؤسس للسياسية الخارجية الأمريكية منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، وتبني استراتيجية بديلة هي "التوازن عن بُعد") .)

8

ثالثاً: ا�ستراتيجية التوازن عن بُعد

قدمت المدرسة الواقعية استراتيجية "التوازن عن بعد"، والتي تقوم على افتراض رئيسي أن المصلحة الرئيسية للولايات المتحدة تتمثل في منع ظهور قوى مهيمنة في أوروبا أو شرق آسيا )المهيمن الأوراسي(، والذي سيمثل تهديداً وجودياً إلى الولايات المتحدة، بالإضافة إلى منع ظهور قوى مهيمنة إقليمياً في منطقة الشرق الأوسط، تسعى إلى وقف تدفق النفط إلى الاقتصادات الغربية) .)

9 ومن ثم يمكن القول إن تلك الاستراتيج­ية لا تختلف عن سابقتها على مستوى الأهداف، من حيث منع ظهور قوى مناوئة للولايات المتحدة إقليمياً أو دولياً، ولكن "التوازن عن بعد" يتميز عن استراتيجية التفوق، فيما يخص كيفية الحفاظ على هيمنة القوة العظمى ومكانتها في النظام الدولي.

ووفقاً لهذا المفهوم فإن القوة العظمى تستطيع تحقيق مصالحها مع الحفاظ على تفوقها دون اللجوء إلى التدخل المستمر في المناطق الإقليمية المختلفة، حتى تتجنب الأعباء الاقتصادية المترتبة على ذلك. ويمكن للقوة العظمى الحفاظ على مصالحها من خلال بناء شبكة من التحالفات مع القوى الإقليمية بما يحقق التوازن والاستقرار في المناطق الإقليمية ويحول دون صعود قوى منافسة من شأنها تهديد مكانة القوة العظمى. ولدعم هذا السيناريو، فإن القوة العظمى تقدم الدعم المالي والعسكري والتكنولوج­ي لحلفائها من القوى الإقليمية المختلفة ولكن من دون التدخل بشكل مباشر في مناطق الصراع.

ومن هذا المنطلق فإن القوة العظمى لا تتدخل بشكل مباشر، إلا في حالة صعود تهديد مباشر، وعجز القوى الإقليمية المتحالفة معها عن احتوائه، فحينها يصبح التدخل أمراً حتمياً. وبالتالي فإن هذه الاستراتيج­ية تحتل مرتبة وسطاً ما الواقعية الهجومية ‪Offensive Realism(‬ ) والواقعية الدفاعية Defensive( Realism،) فهي تقر تدخل القوى الكبرى عسكرياً، ولكن فقط في الحالات القصوى التي تمثل تهديداً ماساً بمصالحها، ولذلك فهي تدعو إلى تجنب السياسيات الهجومية الاستباقية Preemptive( Strike.) وفي هذا الإطار تقوم استراتيجية التوازن عن بُعد على الفرضيات النظرية التالية: 1- إعطاء الأولوية للتوازنات الإقليمية: في حين تقوم استراتيجية التفوق على فرضية أن القوة العظمى عليها التدخل بشكل مباشر في الأقاليم المختلفة لاستباق صعود أية قوى من شأنها تهديد تفوقها، فإن استراتيجية التوازن عن بُعد تناقض تلك الرؤية، وتشكك في الفرض الأساسي الذي تستند عليه استراتيجية التفوق، والذي يجادل بأن القوى الإقليمية المختلفة لن تقوم بموازنة القوى الصاعدة، وأن القوى الإقليمية في حاجة دائمة إلى حماية من جانب القوة العظمى، إذ ترى استراتيجية "التوازن عن بعد" أن هذا الافتراض خاطئ، نظراً لأن آليات التوازن الإقليمي من شأنها أن تضمن منع صعود قوى مهيمنة، وأن القوى الإقليمية يكون دائماً لديها دافع غريزي لمنع حدوث ذلك، لما يترتب على ذلك من تداعيات سلبية على أمنها القومي، فضلاً عن شعورها بصورة أكبر بالتهديد، نظراً للتقارب الجغرافي مع المهيمن الإقليمي. وفي ضوء ما سبق، فإنه لا يتحتم على القوة العظمى التدخل إلا في حالة فشل القوى الإقليمية في تحقيق التوازن. 2- تجنب إغراء التدخل المباشر: تؤكد استراتيجية التوازن عن بعد على أن سياسة الحفاظ على هيمنة وتفوق القوى العظمى من خلال القوة العسكرية تكون باهظة التكاليف ومحفوفة بالمخاطر، ولذلك ينبغي على القوة العظمى تجنب إغراء الانخراط في الحروب والصراعات الإقليمية التي لا تخدم مصالحها بشكل مباشر، خاصة أن القوة العظمى تستطيع الحفاظ على تفوقها لأن آليات توازنات القوى الإقليمية تحول دون صعود قوى مهيمنة على الساحة الإقليمية ومن ثم الدولية. ومن جهة ثانية، فإن تدخل القوى العظمى بشكل مباشر في الأقاليم المختلفة قد يؤدي إلى اختلال هذه التوازنات الإقليمية ويؤدي إلى استفزاز القوى الإقليمية ودفعها نحو منافسة هيمنة القوى العظمى. 3- تغليب المصالح القومية على الاعتبارات الأيديولوج­ية: إن تبني أيديولوجيا مصاحبة لسياسة التفوق العسكري، كنشر الديمقراطي­ة أو حماية حقوق الإنسان، قد تحمل القوة العظمى مسؤوليات قد لا تخدم مصالحها بالضرورة، إذ إن ذلك يدفعها للتورط في صراعات تحت تأثير الأيديولوج­يا وليس بدافع المصلحة القومية. ومن الأمثلة على الحروب التي يتم شنّها لاعتبارات أيديولوجية التدخل لمنع الدول الفاشلة من الانهيار أو لحماية حقوق الإنسان أو لحفظ السلام، أو التدخل لإسقاط نظام ديكتاتوري. وفي هذه الحالات تتحمل القوة العظمى أعباء مالية واقتصادية تؤدي إلى استنزاف قدراتها الاقتصادية والعسكرية، فضلاً عن تراجع قوتها الناعمة كنتيجة لتدهور صورتها أمام المجتمع الدولي بسبب ما قد يترتب على ذلك

من تدهور الأوضاع الإنسانية في أعقاب التدخل. 4- تجنب "الاعتماد المتبادل": في حين تقوم استراتيجية التفوق على أن القوة العظمى عليها خلق ترابط اقتصادي في النظام الدولي لتقليل التنافس مع القوة الصاعدة من خلال إقامة مصالح مشتركة، فإن استراتيجية التوازن عن بُعد تخالف هذه الفرضية، وترى أن القوة العظمى عليها تنويع صادراتها بحيث لا تعتمد بشكل كلي على العالم الخارجي، خاصة فيما يتعلق بالحصول على المواد الخام، وبالتالي فإن هذه الاستراتيج­ية ترى أن الترابط الاقتصادي قد لا يحقق المصالح المادية المرغوبة بما يتفق مع الأولويات السياسية والعسكرية.

رابعاً: اإجراءات ا�ستعادة التوازن

في ضوء الافتراضات السابقة، يرى أنصار استراتيجية "التوازن عن بعد" أن الولايات المتحدة الأمريكية عليها التخلي عن استراتيجية التفوق، وتبني السياسات التالية: 1- الانسحاب من القارة الأوروبية: وفقاً لأنصار هذه الاستراتيج­ية، ينبغي على الولايات المتحدة أن تنسحب من مهامها الأمنية هناك، وأن تترك أمن القارة للقوى الأوروبية الرئيسية، وأن تحتفظ لنفسها بحق التدخل في حالة صعود قوة تهدد الهيمنة الأمريكية هناك، وتعجز القوى الأوروبية عن تحجيمها وموازنتها، وإن كان أنصار هذا الرأي يرون أنه لا يوجد ما ينذر بصعود قوى مهيمنة هناك على المدى القصير. 2- تحقيق التوازن بين الصين واليابان في شرق آسيا: فالنظام الإقليمي في شرق آسيا يتسم بتعدد القطبية، مع احتدام التنافس بصورة أساسية بين الصين واليابان، وينبغي للولايات المتحدة الأمريكية استغلال هذه المعادلة لصالحها، وذلك من خلال ضمان استمرار وضع التوازن بين الصين واليابان، بما يحول دون صعود إحداهما إلى وضع الهيمنة بما يهدد المصالح الأمريكية. 3- بناء تحالفات شرق أوسطية لمواجهة مشاكل الإقليم: إذ يتوجب على الولايات المتحدة الانسحاب من مناطق الصراع كالعراق وأفغانستان، وإقامة شبكة من التحالفات مع القوى الإقليمية الرئيسية بما يحقق المصالح الأمريكية دون الحاجة إلى التدخل المباشر) .)

10

وأخيراً، يرى أنصار استراتيجية التوازن عن بُعد أن الولايات المتحدة تتمتع بموقع جغرافي متميز يمنحها الحماية ويعزلها عن الصراعات الدولية وكذلك يحجم من تهديد أي قوى صاعدة لها.

وعلى الرغم من أن أنصار هذه الاستراتيج­ية يرون أنها تمثل الحل الأمثل للحفاظ على الهيمنة الأمريكية في العقود القادمة، فإنها قد تعرضت لكثير من الانتقادات.

ويتمثل أول هذه الانتقادات في أنها وإن حققت بعض المكاسب المادية على المستوى القصير، فإنها تزيد من المخاطر التي قد تواجه الولايات المتحدة على المدى البعيد. ففي حالة ظهور قوة صاعدة في أوروبا أو آسيا، فإن تدخل الولايات المتحدة المباشر سوف يكون حتمياً، وحينها ستكون كلفة التدخل عالية. وعلى هذا فإن استراتيجية التفوق قد تكون باهظة التكلفة على المدى القصير ولكنها أقل تكلفة على المستوى البعيد. كما يستدل البعض على نجاح استراتيجية التفوق بقدرة الولايات المتحدة على إقامة نظام ديمقراطي في كل من اليابان وألمانيا، في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وكون الدولتين حليفتين تدعمان الهيمنة الأمريكية.

أما ثاني هذه الانتقادات، فيتمثل في أن استراتيجية التوازن عن بُعد قد تترتب عليها عزلة الولايات المتحدة وتفاقم التهديدات على المستوى الدولي، ويستدلون على ذلك بخبرة عشرينيات وثلاثينيات القرن العشرين عندما اتبعت الولايات المتحدة سياسة مشابهة، وحاولت أن تنأى بنفسها عن صراعات القارة الأوروبية، غير أنها وجدت نفسها مضطرة للتورط في الحرب العالمية الثانية، مع زيادة قوة ألمانيا واليابان، وتهديد الأخيرة للمصالح الأمريكية، وفي ضوء ذلك، فإنه حتى في حالة سعي الولايات المتحدة للانسحاب عن الصراعات الإقليمية، فإنها سوف تضطر إلى التدخل فيها في النهاية.

وفي الختام، يؤكد أنصار المدرسة الواقعية أن القوى العظمى لا يمكنها الحفاظ على هيمنتها على النظام الدولي إلى الأبد، وهو ما يتضح من استقراء تاريخ العلاقات الدولية، والذي يؤكد على أن القوى العظمى في صعود وهبوط مستمرين) (. وفي هذا الإطار

11 تطرح كل من استراتيجيا­ت التفوق والتوازن عن بُعد أفكاراً مختلفة حول كيفية إطالة، وليس إدامة الهيمنة الأمريكية على النظام الدولي.

 ??  ??
 ??  ??
 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates