Trending Events - Future Report

مؤتمر برلين:

التقسيم الاستعماري للقارة الأفريقية

- د. رضوى عمار دكتوراه في العلوم السياسية ـ كلية الاقتصاد والعلوم السياسية ـ جامعة القاهرة

علـى الرغـم مـن بدايـة التوسـع الاسـتعمار­ي فـي القـارة الأفريقيـة قبـل مؤتمـر برليـن بعقـود، فـإن هـذا المؤتمـر يصنـف باعتبـاره مرحلـة مفصليـة فـي تاريـخ القـارة الأفريقيـة، حيـث أدى المؤتمـر لتقســيم القــارة بيــن الــدول الاســتعما­رية ووضــع حــدود فاصلــة بيــن مناطــق النفــوذ الأجنبيــة، حيــث امتــد التقســيم الاســتعما­ري مــن ســواحل القــارة إلــى داخلهــا لتكتمــل الهيمنــة الاســتعما­رية علـى الـدول الأفريقيـة.

اأولاً: الدوافع التاريخية للموؤتمر

يعــود انعقــاد مؤتمــر برليــن إلــى المعاهــدة التــي أبرمــت بيــن بريطانيــا والبرتغــا­ل فــي 26 فبرايــر 1884، حيــث اعترفــت فيهـا بريطانيـا للبرتغـال بحـق السـيادة علـى المنطقـة الواقعـة بيـن خطــوط عــرض 12 شــمالًا و8 جنوبــاً فــي القــارة الأفريقيــ­ة، كمــا نصــت الاتفاقيــ­ة علــى خضــوع الأجانــب للقوانيــن والنظــم التجاريــة البرتغاليـ­ـة فــي الإقليــم.

وأثـارت الاتفاقيـة معارضـة العديـد مـن القـوى الأوروبية ذات المصالـح التجاريـة فـي المنطقـة، ممـا تسـبب فـي تأخـر التصديـق عليهــا؛ بســبب معارضــة فرنســا وهولنــدا وبلجيــكا والولايــا­ت المتحـدة، كمـا أرسـل رئيـس الـوزراء الألمانـي بسـمارك مذكـرة اعتـراض علـى الاتفاقيـة إلـى الحكومـة البريطانيـ­ة فـي 7 يونيـو .1884

ودعـت ألمانيـا بالتوافـق مـع فرنسـا لعقـد مؤتمـر لبحـث هـذه المســألة، وهــو مــا رحبــت بــه الــدول الأوروبيــ­ة التــي كانــت تـرى فـي هـذه المعاهـدة تهديـداً لمصالحهـا وأطماعهـا فـي القـارة الأفريقيــ­ة، وانعقــد المؤتمــر فــي مدينــة برليــن فــي الفتــرة مــن 15 نوفمبـر 1884 إلـى 26 فبرايـر 1885، وحضـره مندوبـو 14 دولـة هـي الولايـات المتحـدة الأمريكيـة، وألمانيـا، والنمسـا، وبلجيـكا، والدنمـارك، وإسـبانيا، وفرنسـا، وبريطانيـا، وإيطاليـا، وهولنــدا، والبرتغــا­ل، وروســيا، والســويد- النرويــج، والدولــة العثمانيــ­ة) 1 .)

ثانياً: نتائج موؤتمر برلين

شـهد مؤتمـر برليـن انعقـاد عشـر جلسـات كاملـة، بـدأت أولاهـا فــي 15 نوفمبــر 1884، وانتهــت آخرهــا فــي 26 فبرايــر 1885، وناقـش المؤتمـر خـال جلسـاته الرئيسـة مسـألة حريـة التجـارة فـي حـوض نهـر الكونغـو وحريـة الماحـة فـي أحـواض نهــري الكونغــو والنيجــر، وشــروط الاحتــال وتقســيم مناطــق النفــوذ) 2 .)

وصــدرت نتائــج المؤتمــر وقراراتــه فــي شــكل "القانــون العـام لمؤتمـر برليـن بشـأن الكونغـو"، والـذي ركـز علـى حريـة الماحــة والتجــارة فــي نهــري الكونغــو والنيجــر، والشــروط الواجــب مراعاتهــا حتــى يتــم الاعتــراف بــأي احتــال لاحــق لسـواحل القـارة الأفريقيـة. وقـد وقـع علـى القانـون ممثلـو الـدول المشـتركة فـي المؤتمـر مـا عـدا الولايـات المتحـدة الأمريكيـة)3.)

وعلـى الرغـم مـن أن تقسـيم أفريقيـا لـم يكـن الغـرض المعلـن للمؤتمــر، فإنــه انتهــى بتوزيــع أقاليمهــا بيــن الــدول الأوروبيــ­ة التــي حضــرت المؤتمــر. كمــا أســس لقواعــد جديــدة تحكــم العاقـات الأوروبيـة، حيـث تـم اشـتراط اقتـران احتـال أي قـوة لبقعــة مــن ســواحل القــارة الأفريقيــ­ة، بإخطــار الــدول الموقعــة علــى الاتفاقيــ­ة، حتــى يتــم الاعتــراف بمطالبهــا.

وقــد أدى ذلــك لترســيخ مفهــوم "مناطــق النفــوذ" فــي القــارة

الأفريقيـة، كمـا فرضـت الاتفاقيـة علـى الـدول التـي تهيمـن علـى المناطــق الســاحلية فــي القــارة الأفريقيــ­ة ضمــان حريــة التجــارة والهيمنـة الفعليـة علـى هـذه المناطـق.

وأســس مؤتمــر برليــن لمــا عــرف بالتســابق الاســتعما­ري علــى أفريقيــا ‪Scramble for Africa(‬ ) ويقصــد بهــا الصـراع المحمـوم بيـن الـدول الأوروبيـة للسـيطرة علـى أفريقيـا ولاقتســام­ها. ويُاحــظ فــي هــذا الإطــار أنــه قبــل انعقــاد مؤتمــر برليـن كانـت حوالـي 10% مـن مسـاحة أفريقيـا تحـت السـيطرة الاسـتعمار­ية، لكـن بعـد المؤتمـر وحتـى الحـرب العالميـة الأولـى لــم يعــد مســتقاً ســوى حوالــي 8% مــن مســاحة القــارة) .)

ثالثاً: تداعيات التق�سيم الا�ستعماري

يمكــن القــول إن الدافــع الأساســي وراء تقســيم القــارة الأفريقيــ­ة بيــن القــوى الأوروبيــ­ة كان تحقيــق أهــداف اقتصاديــة بالأســاس تمثلـت فـي السـيطرة علـى طـرق التجـارة، والجمارك، واسـتغال مـوارد القـارة.

ونظــم مؤتمــر برليــن التنافــس بيــن القــوى الأوروبيــ­ة علــى أفريقيــا بطريقــة لا تســبب صراعــات مباشــرة، وركــزت قواعــد العمــل التنظيميــ­ة التــي وضعهــا المؤتمــر علــى تنســيق الأنشــطة الاســتعما­رية للــدول الكبــرى والتقســيم الفعلــي للقــارة الأفريقيــ­ة بيــن هــذه الــدول.

وعـادة مـا كان إعـان دولـة أوروبيـة السـيطرة علـى منطقـة نفـوذ بالقـارة الأفريقيـة بمقتضـى هـذه المعاهـدة الخطـوة التمهيدية لاحتـال هـذه المنطقـة بواسـطة إحـدى القـوى الأوروبيـة؛ والتـي كانــت تعمــد تدريجيــاً إلــى تحويــل حقوقهــا بمقتضــى المعاهــدة إلــى حقــوق ســيادة، طالمــا لــم تطعــن فــي الإعــان أيــة دولــة أوروبيــة أخــرى وكانــت تتــم تســوية النزاعــات الحدوديــة بيــن الـدول الاسـتعمار­ية بمقتضـي اتفاقيـات مشـتركة بيـن هـذه الـدول، حيــث يتــم الاعتمــاد علــى الحــدود الطبيعيــة، أو خطــوط الطــول والعــرض لحســم الخافــات الحدوديــة) .)

وتسـببت الـدول الاسـتعمار­ية في تفجيـر الصراعـات الطائفية، وعلـى سـبيل المثـال؛ كان يوجـد أكثـر مـن 12 مجموعـة عرقيـة فـي إقليـم غينيـا بيسـاو، وقـد اسـتغل البرتغاليـ­ون ذلـك فـي إثـارة هــذه الجماعــات ضــد بعضهــا، وأفضــى ذلــك إلــى اســترقاق ضحايـا بعضهـم البعـض، ممـا جعـل الأوروبييـ­ن يطلقـون علـى الإقليـم اسـم "جنـة تجـارة الرقيـق") .)

وقســمت الحــدود الاســتعما­رية الأراضــي التــي تنتشــر بهــا التكوينــا­ت القبليــة التقليديــ­ة، حيــث وضعــت القــوى الاســتعما­رية حـدود مسـتعمراته­ا علـى الخرائـط بحيـث كانـت تمـر أحيانـاً فـي أرض القبيلــة الواحــدة؛ ممــا ســاهم فــي إضعــاف الـولاء القومــي وإثـارة الصراعـات بيـن القبائـل والعشـائر وتفتيـت البنيـة القبليـة للمجتمعــا­ت الأفريقيــ­ة.

ويســتدل علــى ذلــك بالصــراع بيــن الهوســة والفولانــ­ي المنتشــري­ن فــي نيجيريــا، والنيجــر، والكاميــر­ون، والايفــي المقسـمين بيـن توجـو وغانـا، والباكونجـ­و المنقسـمين بيـن زائيـر والكونغــو الديمقراطي­ــة، والأزانــد­ي فــي الســودان وزائيــر، وجمهوريــة أفريقيــا الوســطى، وشــعب الصومــال الــذي يمتــد فـي إثيوبيـا وكينيـا، وهـو مـا يسـبب تفجـر الصراعـات الإقليميـة والتنــازع علــى الحــدود، فضــاً عــن إضعــاف الشــعور بالــولاء الوطنــي مقابــل الانتمــاء القبلــي.

وعلــى الرغــم مــن أن الســلطات الاســتعما­رية ســعت إلــى تخفيــف حــدة فصــل أعضــاء القبيلــة الواحــدة بيــن المســتعمر­ين، عبـر مـا يُعـرف بالحـدود الإداريـة التـي سـهلت عمليـات الانتقـال والهجـرة الموسـمية، فـإن اسـتقال هـذه المسـتعمرا­ت حـال دون تعديــل للحــدود، وتصاعــدت الصراعــات بيــن الــدول الأفريقيــ­ة علــى ممارســة حقهــا فــي الســيادة بوضــع القيــود علــى الانتقــال عبــر الحــدود، ممــا أدى لتعقيــد مشــكات الهجــرة الموســمية للقبائــل الأفريقيــ­ة.

فعلــى ســبيل المثــال، ظلــت حكومــة توجــو تفــرض لفتــرة مراقبـة شـديدة علـى طـول خـط الحـدود بينهـا وبيـن غانـا خشـية تهريــب الســاح للأحــزاب المعاديــة للحكومــة، بينمــا انتشــرت محطـات المراقبـة علـى الحـدود بيـن نيجيريـا والكاميـرو­ن لمنـع الهاربيــن مــن الكاميــرو­ن مــن اتخــاذ نيجيريــا ملجــأ لهــم. كمــا شــددت إثيوبيــا الحراســة علــى حدودهــا مــع الصومــال، وألغــت اتفاقيــة كانــت قــد عقدتهــا معهــا تســمح لرعــاة الصومــال بعبــور الحــدود الإثيوبيــ­ة بحثــاً عــن الــكلأ والمــاء لقطعانهــم) .)

وعلــى الرغــم مــن المشــكات التــي تثيرهــا الحــدود الاسـتعمار­ية، فـإن الـدول الأفريقيـة قـد أقرتهـا لإنهـاء مشـكات الحــدود وممارســة الســيادة ضمــن النطاقــات الموروثــة مــن الاسـتعمار، حيـث اتخـذت منظمـة الوحـدة الأفريقيـة )التـي أصبـح مسـماها الاتحـاد الأفريقـي فـي عـام 2002( قـراراً عـام 1963 باعترافهـا بحـدود الـدول الأفريقيـة كمـا هـي عنـد الاسـتقال منعـاً للصــراع بيــن دولهــا.

وفـي المجمـل تسـببت الحـدود الموروثـة مـن الاسـتعمار فـي تأجيــج الصراعــات بيــن الــدول الأفريقيــ­ة وتصاعــد الصراعــات الداخليـة وضعـف الأبنيـة المؤسسـية لهـذه الـدول بالإضافـة إلـى تزايــد التهديــدا­ت العابــرة للحــدود مثــل الإرهــاب والقرصنــة والتهريــب ونشــاط عصابــات الجريمــة المنظمــة.

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates