الحوارات الوطنية:

أسباب تعثر التسويات السياسة في بؤر الصراع العربية د. محمد مجاهد الزيات

على الرغم من تصاعد مساعي تحقيق الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، لم تتمكن الحوارات الوطنية من تسوية الصراعات الأهلية المحتدمة في المنطقة، نتيجة تعقيدات الصراعات الأهلية وتناقضات مصالح الأطراف المنخرطة بها مما جعلها تستعصي على جهود التسوية.

اأولً: اأدبيات ال�سراع ال�سيا�سي

تشير أدبيات الصراع إلى أنه يعكس موقفاً تنافسياً بين طرفين أو أكثر يدركان عدم التوافق في المواقف والرؤى المستقبلية بين كل منهما، ويدركان كذلك أن موقف كل منهما لا يتوافق مع رؤية ومصالح الطرف الآخر بل يتصادم معهما، ويتعمق الهدف هنا وحركة كل طرف من أطراف الصراع ليس لتحقيق مكاسب فقط على حساب الطرف الآخر، ولكن السعي لإفقاد ذلك الطرف المنافس القدرة على تحقيق أية مكاسب والقضاء عليه، والصراع طبقاً لذلك يرتكز على استراتيجيات محورها الأساسي أهداف متعارضة بين أطرافه ومواقف متصادمة، أي أن جوهرها هو تنازع إرادات ومحاولات للهيمنة، كما تكشف أدبيات الصراع ودراساته المختلفة أن تنازع الإرادات قد لا يكون مدمراً للأطراف في جميع الأحوال إذا لم يتم التركيز على الأسلوب العسكري لفرض الإرادات.

وفي هذا السياق يكشف تتبع الصراعات تاريخياً عن أن هناك مسارات أخرى لهذا التنازع وتصادم الإرادات تدرك خلاله هذه الأطراف المتنازعة والمتصارعة أنها مضطرة للبحث عن آليات أخرى للتعامل في ظل العجز عن الحسم العسكري أو عدم القدرة على إزالة الخصوم، أو فرض إرادتها بالكامل على الأطراف الأخرى، أو عندما تصل معادلة القوة فيما بينهما إلى مرحلة التوازن وهو ما يفرض تواصلاً بين الأطراف في محاولة لإيجاد أرضية أو مناخ للتهدئة، وتفهم بعض متطلبات ومواقف الآخرين، وتستجيب لبعض مصالح ومطالب بعض تلك الأطراف حسب أوزانها وثقلها، وما يمتلكه كل منها من عناصر القوة قياساً بالآخرين، تلك الآليات والأدوات يمكن أن تبلور في النهاية فرصاً مناسبة للتفاوض أو الوساطة أو الحوار، تضطر إليها أطراف الصراع للوصول إلى حلول وسط للمشكلة الرئيسية للصراع، وهو ما يندرج في إطار الحوار.

ويتوقف نجاح مثل هذه الآليات على مدى قبول الأطراف، واستعدادها لتقديم تنازلات لصالح الأطراف الأخرى، وقبول المشاركة معها في إدارة العملية السياسية من دون إقصاء وتصفية كاملة للخصوم، وكذلك إذا ما كانت