Trending Events

الهيمنة النقدية:

تصاعد توظيف الدولار كأداة للسياسة الخارجية

- د. غادة أنيس البياع

تشير الكثير من الدراسات والتقارير الاقتصادية، بما فيها منشورات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، إلى أن الاحتياطيا­ت الدولارية الأمريكية في الوقت الحالي تقدر بحوالي %62 من إجمالي الاحتياطيا­ت الدولية، وهو ما مكّن الولايات المتحدة من توظيف الدولار كأحد أدوات سياستها الخارجية وتحقيق مصالحها السياسية والاقتصادي­ة والضغط على خصومها.

ويسعى هذا التحليل لتوضيح وضع الدولار في النظام المالي العالمي والعوامل التي ساهمت في احتلاله هذه المكانة، ثم دراسة الكيفية التي توظف الولايات المتحدة بها الدولار كأحد أدوات سياستها الخارجية، وتوظيفه كوسيلة ضغط لتحقيق مصالحها السياسية والاقتصادي­ة، والضغط على خصومها، وأخيراً، رصد الإجراءات التي اتبعتها الدول لمواجهة التوظيف الأمريكي للدولار، وكذلك تحديد البدائل والإجراءات التي يمكن اتخاذها بما يحقق مصالح أطراف النظام النقدي الدولي كافة.

�أولاً: موقع �لدولار في �لنظام �لنقدي �لعالمي

استطاع الدولار الأمريكي الحفاظ على صدارته وهيمنته في جميع الأسواق المالية العالمية منذ ما يقرب من مائة عام، بما أتاح له الاستحواذ على النصيب الأكبر من الاحتياطيا­ت النقدية في دول العالم كافة وفي المؤسسات الدولية، وهو ما يرجع بصورة كبيرة إلى طبيعة النظام النقدي العالمي الذي اتسم بالهيمنة الاقتصادية للولايات المتحدة الأمريكية، إذ إن الحرب العالمية الأولى وما تبعها من مشكلات اقتصادية لأوروبا عامة، وبريطانيا خاصة قد أتاحت للدولار فرصة هائلة للصعود في الأسواق المالية إلى جانب الجنية الاسترليني.

وفي يوليو 1944، ومع قرب انتهاء الحرب العالمية الثانية، تم عقد اتفاقية بريتون وودز، والتي أسست قواعد جديدة للنظام النقدي العالمي، وتم الاتفاق على إقامة مؤسسة مركزية نقدية تم إنشاؤها فيما بعد وهي صندوق النقد الدولي. وقد تأسس النظام النقدي الجديد على أساس ربط عملات الدول الأعضاء بالذهب أو بالدولار من خلال أسعار صرف ثابتة، وهو ما تضمن أيضاً تعهد الولايات المتحدة الأمريكية بقابلية الدولار للتحويل إلى ذهب) .)

وكانت الولايات المتحدة الأمريكية في ذلك الوقت تمتلك وحدها 25 مليار دولار من حجم الأرصدة المالية العالمية البالغة 38 مليار دولار، أي ما يقدر بثلثي ذهب العالم) ،) كما كان يمثل إنتاجها نصف حجم الإنتاج العالمي في مجموعه، وكانت الولايات المتحدة آنذاك هي الدولة الوحيدة القادرة على تصدير السلع الزراعية والغذائية، بالإضافة للمنتجات الصناعية ورؤوس الأموال، وهو ما جعل

اعتبار الدولار العملة الدولية المقبولة هو أمر طبيعي.

وعلى الرغم من إلغاء الرئيس نيكسون الارتباط بين الدولار الأمريكي والذهب في عام 1971، فقد استمر الدولار في الهيمنة على المعاملات الاستراتيج­ية، وحركة التداول المالي في المؤسسات المصرفية العالمية، وقد ساعدت عدة عوامل على احتفاظ الدولار بمركزيته في الأسواق العالمية، وهي: • كثافة التداول: إذ إن الدولار يستخدم في نحو 90% من العقود التجارية على مستوى العالم؛ كما يدخل في تعاملات البورصات العالمية بكثافة قدرها 87% من إجمالي حجم التعاملات، ومن جهة ثانية، فإن الدولار هو عملة التسعير الأساسية للسلع الاستراتيج­ية في العالم مثل النفط، ومن ثم فقد أصبح الدولار هو المكون الأساسي للاحتياطيا­ت النقدية الأجنبية في العالم)3.) • هيمنة الدولار على الاحتياطي النقدي: حيث تقدر نسبة الاحتياطي النقدي من الدولار الأمريكي في البنوك المركزية العالمية بما يزيد على 62.% • سهولة التحويل والثقة العالمية الكبيرة في التعامل بالدولار)4.)

وتتمتع الولايات المتحدة الأمريكية باعتبارها صاحبة العملة الرئيسية في الاحتياطيا­ت الدولية بميزة غير عادلة مقارنة بدول العالم الأخرى، خصوصاً فيما يتعلق بقدرتها على إصدار أدوات دين تتجاوز الحدود الآمنة دولياً، فضلاً عن قدرتها على طباعة المزيد من عملتها من دون أن تصاحب ذلك آثار كبيرة على مستوى اقتصادها الكلي.

ويمكِّن هذا الوضع المتميز الولايات المتحدة من إصدار مئات المليارات من الدولارات المطبوعة من دون أن تكون لذلك تداعيات مؤثرة على عرض النقود والتضخم، حيث إن جانباً كبيراً من هذه الدولارات سيتم تداوله خارج الولايات المتحدة، وهو ما يمكِّنها أيضاً من الاحتفاظ بعجز كبير في ميزان مدفوعاتها وميزانياته­ا العامة، في الوقت الذي يمكن أن تتمتع فيه بدين عام كبير وتكاليف محدودة نسبياً بالنسبة لباقي دول العالم)5 .)

وقد لجأت الحكومة الأمريكية في أعقاب الأزمة المالية العالمية في 2008 لاتخاذ سياسات مالية توسعية، كزيادة الإنفاق العام، وزيادة عجز الموازنة، وتخفيض سعر الفائدة إلى ما يقرب من الصفر، ولم تمنع تلك الإجراءات المستثمرين في الدول ذات الفائض، خاصة الصين من زيادة استثماراته­م في الولايات المتحدة الأمريكية على الرغم من الأزمة الاقتصادية.

وهكذا نجحت الولايات المتحدة بعد أن ضمنت هيمنة الدولار على الاحتياطات الدولية أن تضع دول العالم في وضع المسؤول عن حماية احتياطاتهم واستثمارات­هم الدولارية، وفي الوقت نفسه أصبح بإمكان الولايات المتحدة زيادة الإنفاق من دون أن يتحمل الأمريكيون عبء هذه الزيادة، وبالتالي أصبحت أهم صادرات الولايات المتحدة الأمريكية هي أوراق البنكنوت الدولارية، وأصبح الدولار مصدر ريع للاقتصاد الأمريكي، وبهذه الميزة أصبح الاقتصاد الأمريكي وحده من دون أي اقتصاد في العالم قادر على زيادة الاستهلاك ورفع معدلات الاستثمار على الرغم من انخفاض معدلات الادخار المحلية، والتي تعوضها المدخرات الأجنبية، وبالتالي لم تعد حماية الدولار مشكلة الولايات المتحدة الأمريكية وحدها، بل هي مشكلة العالم في مجموعه)6.)

ومن جهة ثانية، فإن خفض قيمة الدولار، تكون له تداعيات إيجابية على الاقتصاد الأمريكي ممثلة في زيادة الصادرات الأمريكية، وتقليل عجز الميزان التجاري، ومن ثم تخفيض حجم المديونية الخارجية المتزايدة للولايات المتحدة.

وعلى الجانب الآخر، فإن مجلس "الاحتياطي الفيدرالي" )البنك المركزي الأمريكي( يقوم بالتأثير على السياسة النقدية الدولية وأسعار الصرف عن طريق رفع أسعار الفائدة على الدولار، وهو ما يدفع بالاستثمار­ات في الصناديق الأمريكية، مما يزيد الطلب على الدولار ويرفع قيمته، وهو ما يؤدي في الواقع لتراكم في أعباء الديون الدولارية، وهو ما يعد ثقلاً جديداً على الأعباء التي تتحملها تلك الدول، خاصة الدول النامية منها.

ثانياً: �لتوظيف �لاأمريكي للدولار

جعلت الولايات المتحدة الأمريكية من النظام النقدي الدولي سلاحاً فعالاً بفضل هيمنة الدولار من جانب، وبفضل سيطرة الولايات المتحدة الأمريكية على مؤسسات التمويل الدولية من جانب آخر)7(، وفي ظل هذه الأوضاع أصبح بمقدور الولايات المتحدة الأمريكية استغلال هيمنة الدولار وكذلك النظام المصرفي المعولم، لتحقيق مصالحها السياسية والضغط على خصومها.

وقد اتخذت أساليب الضغط الأمريكي عدة أشكال مثل فرض العقوبات المالية على بعض الدول التي تعتبرها دولاً مارقة، مثل فرض العقوبات الاقتصادية على العراق في أعقاب حرب الخليج الثانية، أو العقوبات المفروضة على كوريا الشمالية بسبب برنامجها النووي، أو بهدف معاقبة الدول التي تدعم الإرهاب كما في الحالتين الليبية والإيرانية، أو حتي بهدف معاقبة الدول غير الديمقراطي­ة مثل ماينمار وهايتي)8.)

وتركز العقوبات المالية على فكرة وقف التدفق الدولاري من وإلى الدولة المستهدفة، وهو ما يكون له أثر واسع، حيث لا يتوقف فقط عند حدود تجميد الأصول المالية، وحظر أو تقييد المعاملات الدولارية، ولكن يمتد الأثر أيضاً إلى إعاقة التجارة من خلال ما تخلقه تلك العقوبات من صعوبات للدفع في مقابل الصادرات أو الواردات من السلع والخدمات.

وتقوم الولايات المتحدة بالرقابة على النظام المالي العالمي للتأكد من التزامها بتنفيذها العقوبات الأمريكية أو الدولية، وذلك من خلال إحدى طريقتين، وتتمثل الأولى في قيام المؤسسات المالية الخاصة كالبنوك، بإبلاغ الحكومة الأمريكية بوجود أي انتهاك حقيقي أو محتمل للعقوبات المفروضة مع

قيامها بتجميد الأموال التي تم تحويلها، أو حتى رفض القيام بالتحويل المالي.

أما الطريقة الثانية لاكتشاف المعاملات مع الكيانات الخاضعة للعقوبات، فتتم من خلال الفحص الدوري للبنوك أو من خلال التحقيقيات التي يجريها "مكتب مراقبة الأصول الأجنبية" ‪Office of Foreign Assets control(‬ ،) التابع لوزارة الخزانة الأمريكية، أو من خلال قيام أحد المصادر الموثوق فيها بالإبلاغ عن تورط مؤسسة في عمليات مالية مع كيانات خاضعة للعقوبات.

وفي حالة اكتشاف تورط إحدى المؤسسات المالية في عملية تحويل مالي خاضع للعقوبات، من دون أن يتم تجميدها أو رفض القيام بالتحويل، فإنه يتم استدعاء المؤسسة المعنية، والتحقيق معها، وفرض عقوبات مدنية عليها، أو مقاضاتها جنائياً. وقد قام "مكتب مراقبة الأصول المالية" بفرض مئات الملايين من الدولارات كعقوبات على المؤسسات المالية الأمريكية والأجنبية بسبب قيامها بعمليات تحويل لكيانات خاضعة للعقوبات)9.)

ويحتفظ مكتب مراقبة الأصول الأجنبية بقائمة للأفراد والشركات والكيانات التي يتم حظرها، ويحظر على المواطنين الأمريكيين أيضاً التعامل معها)10(. ومن الجدير بالذكر أن مؤسسات التمويل الدولية تستخدم أيضاً القائمة نفسها، وهي بصدد تقديم المساعدات أو القروض الدولية للدول المختلفة، وهو ما يعد أداة إضافية في ترسانة الولايات المتحدة الأمريكية)11(. وتعيق هذه القوانين والإجراءات الكيانات الخاضعة لهذه العقوبات من التعامل بالدولار وهو ما قد يتسبب في شلل تام لمصالحها الاقتصادية، خاصة أن 90% من المعاملات الدولية تتم بالدولار.

ويأتي من ضمن الأدوات التي تمتلكها الولايات المتحدة المادة 311 من "القانون الوطني الأمريكي" ‪،)Patriot Act(‬ والتي تخول وزارة الخزانة الأمريكية اعتبار مؤسسة مالية أو جهة أو دولة ما بأنها تقوم أو تسهل لعمليات غسيل الأموال، وبناء على هذا الاتهام يتم حظر كافة تعاملاتها المالية الدولارية معها، كما حدث في عام 2005 مع بنك "دلتا آسيا"، وهو بنك صيني، والذي اعتبرته وزارة الخزانة الأمريكية مصدر قلق أساسي في عمليات غسيل الأموال، نظراً لاشتباهها في قيامه بمعاملات تجارية ومالية مع كوريا الشمالية، وهو ما تسبب في فقدانه ما يعادل 34% من ودائعه في غضون أيام، وتم وضعه تحت الحراسة، وجمدت الحكومة الصينية أرصدته المشتبه بها)12 .)

وكانت آخر العقوبات الأمريكية تلك المطبقة على روسيا باتفاق مع الاتحاد الأوروبي بشأن فرض القيود على إقراضها من الخارج، وهو ما أثر على تدفقات رؤوس الأموال إلى روسيا، وأدى لانخفاض حجم النقد الأجنبي المتداول في القطاع الخاص الروسي بحوالي 37 مليار دولار أمريكي في عام 2014 وحده، كذلك زادت الضغوط على روسيا بتطبيق عقوبات تحظر على أفراد وكيانات روسية معينة التعامل بالدولار الأمريكي)13 .)

ومن جهة أخرى، تأثرت البنوك الروسية بما يمكن تسميته "العقوبات الناعمة" ‪Soft Sanctions(‬ ،) والمقصود بها فرض ضوابط أكثر حزماً عند مراجعة المعاملات المالية "الروسية"، وهو ما يبطئ من تنفيذ تلك المعاملات، ويرفع بالتالي تكلفة تنفيذ تلك المعاملة بصورة كبيرة)14.)

وقد تمكنت الولايات المتحدة من عزل إيران من النظام المالي العالمي بدءاً من العام 2006 بسبب أنشطتها النووية، حيث حظرت على إيران القيام بأي أعمال تجارية أو مالية داخل الولايات المتحدة الأمريكية، كما يمتد الحظر إلى التسهيلات المالية والمعاملات الدولارية بين إيران وغيرها من المؤسسات الدولية أو الدول الأخرى)15 .)

وحتى بعد توقيع الاتفاق النووي، والذي أزال العقوبات الدولية المفروضة على إيران في مقابل تجميدها بعض أنشطتها النووية، فإن العديد من الشركات الأجنبية أحجم عن الاستثمار في إيران خوفاً من العقوبات الأمريكية التي لاتزال سارية على إيران، إذ إن هناك عقوبات تحظر المعاملات الدولارية المتصلة بإيران والتي تمر عبر النظام المالي الأمريكي، وكذلك العقوبات المفروضة على أفراد ومؤسسات بعينها كالحرس الثوري الإيراني على أساس أنها تدعم الإرهاب الذي ترعاه الدولة)16،) ومما سبق يتضح أن الدولار يعد من الأدوات الفاعلة في يد الولايات المتحدة الأمريكية لتنفيذ سياستها الخارجية.

تتمتع الولايات المتحدة الأمريكية باعتبارها صاحبة العملة الرئيسية في الاحتياطيا­ت الدولية بميزة غير عادلة مقارنة بدول العالم الأخرى، خصوص فيما يتعلق بقدرتها على إصدار أدوات دين تتجاوز الحدود الآمنة دولي ،ً فضلًا عن قدرتها على طباعة المزيد من عملتها من دون أن تصاحب ذلك آثار كبيرة على مستوى اقتصادها الكلي.

ثالثاً: �لخيار�ت �لبديلة

يرى عدد من المحللين الاقتصاديي­ن أن الأداء الضعيف للاقتصاد الأمريكي يدفع للبحث عن بدائل للدولار، حيث تفقد الاحتياطات النقدية الدولارية لدول العالم نسبة كبيرة من قيمتها مع انهيار قيمة الدولار كما لاحظنا جلياً خلال الأزمة المالية العالمية 2008، وهو ما يهدد مصالح جميع الدول، سواء كانت متقدمة أو نامية، خاصة أن الاقتصاد الأمريكي لايزال يعاني أزمات اقتصادية مع تراجع القوة التصديرية له، فضلاً عن ارتفاع حجم الدين الأمريكي إلى أكثر من 18 تريليون دولار، أي ما يزيد على الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي المقدر بنحو 17 تريليون دولار، وقد دفع ما سبق بعض الدول إلى التفكير في بدائل للدولار الأمريكي، ومن هذه المحاولات: 1- اللجوء لعملات بديلة كاحتياطي أجنبي: إذ إن بعض الدول، وفي مقدمتها الصين وروسيا والهند سعت إلى تقليص احتياطاتها من الدولار بشكل تدريجي لصالح عملات أخرى، مثل اليورو، بالإضافة إلى الذهب)17(. وبالتالي فإنه عوضاً عن الاعتماد على الدولار كاحتياطي أجنبي، فإن هناك توجهاً

للاعتماد على سلة عملات، تتراجع فيها أهمية الدولار لحساب عملات الدول الأخرى ذات الاقتصادات المزدهرة والناشئة مثل الين واليورو واليوان. 2- إقامة مؤسسات مالية بديلة: فقد أقامت الصين والبرازيل والهند وروسيا وجنوب أفريقيا تجمع اقتصادي موازٍ لتجمع الدول الصناعية الكبرى ترفض الهيمنة الغربية على الاقتصاد والسياسة العالمية فيما عرف بمجموعة دول البريكس، والتي تسعى لإنشاء نظام نقدي أكثر عدالة وتوازناً للعلاقات الاقتصادية الدولية بهدف وضع نظام بديل لمواجهة القيود التي يضعها الهيكل الحالي للنظام المالي والنقدي الدولي من خلال تمويل مشاريع البنية الأساسية وحل الأزمات وتقديم القروض بشكل لا يعطي أفضلية للدولار الأمريكي)18.) 3- التعامل الثنائي بالعملات المحلية: ومن ذلك قيام الصين بعقد اتفاقات لتمويل صفقات دولية بالعملة الصينية )اليوان(، ولعل أبرزها اتفاق المقايضة بين الفرنك السويسري واليوان الصيني، كما تعمل روسيا بدورها وبعد فرض العقوبات الغربية عليها في إطار الأزمة الأوكرانية، على تخفيف اعتمادها على الدولار من خلال اتفاقات دفع ثنائية بالعملات الوطنية مع الصين والهند وإيران وغيرها من الدولة)19.)

وقد وقعت السعودية مع الصين اتفاقاً في 26 سبتمبر 2016 تتم بموجبه التعاملات التجارية بين البلدين باليوان الصيني والال السعودي، وهو ما يمثل ضربة قاصمة للدولار، ذلك أن تأسيس نظام لأسعار الصرف المباشرة بين عملتي اليوان الصيني والال السعودي سيتيح للصين شراء النفط السعودي بعملتها مستقبلاً، وهو ما يؤثر على الدولار بالسلب، حيث تعد الصين أكبر مستورد للنفط السعودي في العالم بما يتجاوز 1,1 مليون برميل يومياً أو ما يعادل 15% من صادرات النفط السعودية، كما تعد الصين أكبر شريك تجاري للسعودية في العالم بحجم تبادل يصل إلى 49.2 مليار دولار أو ما يعادل 13% من حجم التجارة السعودية مع العالم خلال عام 20( 2015.)

ويتطلب الأمر في الواقع إيجاد بديل للنظام النقدي الدولي يراعي مصالح أطرافه، وتتصاعد الآراء حول الأخذ بالاقتراح الذي قدمه كينز في مفاوضات بريتون وودز عام 1944 حول النظام النقدي الدولي، والذي يرى ضرورة تنظيم الاحتياطيا­ت الدولية من خلال مؤسسة دولية متعددة الأطراف، مثل صندوق النقد الدولي يمكنها خلق وإدارة وحدات للتسوية والاحتياطي­ات النقدية، مثل حقوق السحب الخاصة، أو أية عملة خاصة يتم الاتفاق عليها بعيداً عن أية عملة تعود لدولة ما، ويبدو أن هذا الاقتراح على الرغم موضوعيته، فإنه يوجه له انتقاد رئيسي مفاده أن المؤسسات الدولية كصندوق النقد الدولي في واقع الأمر تخضع لتأثير الدول المسيطرة عليها، ومن ثم تعمل وفق مصالح هذه القوى. ومن جهة ثانية، فإن هناك صعوبة في إيجاد توافق عام بين الدول التي تتضارب مصالحها وسياستها المالية والنقدية.

ولذلك، فإن البدائل الإقليمية قد تكون ذات جدوى، كأن تضع كل دولة مجموعة من الترتيبات فيما بينها وبين شركائها التجاريين، سواء بشكل ثنائي أو حتي ضمن تجمع إقليمي بالاعتماد على عملاتها المحلية، بالإضافة إلى الذهب في تسوية مبادلاتها التجارية، ومنها التجارب التي سبق سردها كحالة التعاملات التجارية بين الصين واليابان، والصين وتركيا، والصين والبرازيل، والصين وروسيا، ومن ثم يمكن أن يتحول النظام النقدي الدولي من كونه نظاماً دولياً ليأخذ شكل المناطق الإقليمية النقدية، وهو ما يجعل النظام النقدي الدولي أكثر عدالة واستقراراً.

 ??  ??
 ??  ?? د. غادة أنيس البياع مدرس الاقتصاد، معهد البحوث والدراسات الأفريقية – جامعة القاهرة
د. غادة أنيس البياع مدرس الاقتصاد، معهد البحوث والدراسات الأفريقية – جامعة القاهرة

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates