Trending Events

إبعاد التهديدات:

العوامل الدافعة ل "سياسة الإزاحة للخارج" في شمال أفريقيا

- د. خالد حنفي علي

وفي هذا الإطار، يحظى خيار "إبعاد التهديد" بأولوية لدى صانعي السياسات الخارجية للدول، كونه يعنى أساساً بدفع أو ترحيل أي تهديدات قائمة أو محتملة عن النطاق الجغرافي المؤثر للدولة، بغرض منع التشابك بين المخاطر الخارجية المهددة للأمن القومي، ونظيراتها في الداخل، بما يسمح بتعظيم فاعلية الدولة في مواجهة التهديدات الداخلية، والسيطرة عليها نسبياً.

ولا يعني ذلك أن هذا الخيار مجرد ممارسة دفاعية محضة للدول لدرء المخاطر من داخل حدودها، بل يتضمن كذلك أبعاد هجومية "محسوبة" نسبياً فيما وراء الحدود، حيث إن الدول ذاتها قد تمارس نمطاً من السياسات التدخلية بأشكالها، المباشرة وغير مباشرة، وأدواتها المختلفة في مناطق خارجية، ليس بغرض التوسع أو الغزو، لكن لأجل بناء نطاق دفاعي عازل داخل أراضي الخصم، الأمر الذي يوفر مدى جغرافياً أوسع لفاعلية إبعاد التهديد.

�أولاً: منطلقات و�قعية لاإبعاد �لتهديد

ينطلق منطق "إبعاد التهديد" من ثلاثة افتراضات أساسية ترتبط بالنظرة الواقعية التي لاتزال تحكم ممارسات الدول في العلاقات الدولية، الأول، سيادة الدولة القومية على أراضيها، بما يلزمها من القضاء على التهديدات التي تعترض ممارسة السلطة الحاكمة لوظائفها، والثاني، إدراك صانعي القرار في الدول لمحدودية قدرات وموارد بلدانهم لمواجهة التهديدات، خاصة إن كانت تنطوي على تعقيدات وارتفاع كلفة القضاء عليها.

أما الافتراض الثالث، فيتعلق بأن ثمة اتجاهات انعزالية للدول عن العولمة لاسيما بعد أن طرحت تأثيرات سلبية على أمن الدول، حتى لنجد ذلك بازغاً لدى القوة الأكثر هيمنة على العالم، وهي الولايات المتحدة، بعد انتخاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والذي طرح شعار "أمريكا أولاً") .)

هذا المنطق لإبعاد التهديد، ربما يمكن استنباطه من سياسات الدول الأوروبية، خاصة فيما يتعلق بترحيل المهاجرين غير الشرعيين، أو إعادة ملتمسي اللجوء الذين لا تنطبق عليهم الشروط إلى بلدانهم الأصلية،

بالتزامن مع التدخل الخارجي لهذه الدول في الدول المصدرة للهجرة لخلق بيئة تنموية وأمنية مستقرة تمنع تدفق التهديدات الأمنية. وبدورها، عرفت بعض دول شمال أفريقيا، مثل مصر، والجزائر، وتونس، والمغرب، وليبيا، بعضاً من المؤشرات على خيار إبعاد التهديدات المختلطة، خاصة تلك القادمة من الأزمة الليبية، وهو ما سيكون محل مناقشة لهذا التحليل، وذلك من خلال فهم سياقات ذلك الخيار، ومحفزاته، فضلاً عن أنماطه، وما قد يتطلبه من شروط كي يحقق هدفه بدفع المخاطر عن جغرافيات الدول.

ثانياً: �ل�سياقات �لد�فعة للاإبعاد

إذا كانت الأدبيات الأمنية الحديثة تفرق بين تهديد تقليدي )موجه للدولة، ومرتبط بأبعاد عسكرية(، وآخر غير تقليدي )موجه للأفراد والمجتمعات، وتقوم عليه فواعل من غير الدول، ويتضمن تهديدات كالإرهاب العابر للحدود، والعنف العرقي، والجريمة المنظمة، والهجرة غير الشرعية، وغيرها) فإن السياقات الداخلية والإقليمية في شمال أفريقيا قد أفرزت تهديدات مختلطة بعد سقوط الأنظمة الحاكمة في مصر وتونس وليبيا في العام 2011، بات من الصعب على الدول القضاء عليها جذرياً، لتشابكها من حيث العلاقات السببية والفواعل )دول فواعل من غير الدول(، وكذا الخضوع لعمليات "أقلمة" و"تدويل"، بما خلق ظروفاً لتبني خيار إبعاد التهديد.

فمع سقوط نظام القذافي، تحولت أزمة ليبيا إلى المعضلة الأمنية الرئيسة في شمال أفريقيا، إذ إنها شكلت، من جهة، اختباراً "كاشفاً" لأزمة الدولة العربية الأمنية والاقتصادي­ة، ومن جهة أخرى، وفرت بيئة مضطربة لبروز تهديدات عابرة للحدود تعانيها دول الشرق الأوسط وأفريقيا جنوب الصحراء، نظراً لتشابه معضلات البنى السياسية والتنموية والمجتمعية بالمنطقة، فضلاً عن الموقع الجيو– سياسي لليبيا.

فقد عرفت ليبيا توطناً لتهديدات أمنية متنوعة، كما في الجماعات الإرهابية، وشبكات الجريمة المنظمة وتهريب البشر والسلاح والمخدرات، والتي تغذت على ضعف السيطرة الليبية على حدودها مع الدول المجاورة ونشوء مناطق فراغ أمني بالداخل مع سيطرة "داعش" على سرت في العام 2015 .)

وأعطت ظاهرة النفاذية الحدودية التي عززتها الثورات قوة دفع لاتصال تهديدات ليبيا بأخرى مماثلة لها في شمال أفريقيا. فعدم الاستقرار الليبي ترافق مع تصاعد الاضطرابات الأمنية في مصر، سواء بعد ثورة 25 يناير 2011، أو سقوط جماعة الإخوان المسلمين في 30 يونيو 2013، والتي أفرزت بدورها تهديدات أمنية، مثل الجماعات الإرهابية في شمال سيناء، وتنامي شبكات تهريب الأسلحة والبشر عبر الحدود الغربية المصرية مع ليبيا.

ولم يمنع التوافق التونسي على المسار السياسي بعد الثورة من انكشاف أزمة الدولة وبروز تهديدات أمنية على خلفية المعضلات الاقتصادية – الاجتماعية، إذ وجدت أزمة المناطق المهمشة في الجنوب التونسي مغذيات إضافية لها من الجوار الحدودي الليبي، لتفرز تهديداً إرهابياً مختلطاً، كما في الهجمات الإرهابية التي شهدتها العاصمة تونس في العام 2015 بل إن جبال الشعانبي على الحدود التونسية مع الجزائر صارت مخزناً جهادياً لإيواء عناصر لجماعات إرهابية، كأنصار الشريعة وتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي.

وحتى الجزائر التي تلافت مسار الثورات، فقد مسها التهديد الليبي، وهو ما وضح في مهاجمة الإرهابيين لمنشأة الغاز "عين أميناس" الجزائرية في يناير 2013، فضلاً عن محاولة بعض الجماعات الإرهابية، ك"جند الخلافة"– الموالية لتنظيم "داعش"– اختراق شرق البلاد المجاور حدودياً لليبيا، والمهمش كذلك تنموياً، على الرغم من المكافحة الأمنية الصارمة) .)

ومع بزوغ قدر من الانحسار النسبي لتهديد "داعش" في ليبيا نهاية 2016، إثر هزيمته في سرت على يد قوات ميليشياوية موالية لحكومة الوفاق، ومدعومة بغطاء جوي أمريكي، برزت تهديدات ارتدادية أكثر خطورة على شمال أفريقيا، تتعلق بمصير مقاتلي هذا التنظيم. وتعزز هذا التهديد مع ما يشكله شمال أفريقيا من رافد أساسي للتجنيد الجهادي، فوفقاً لدراسة نشرتها مجموعة صوفان في ديسمبر 2015، فإن تونس مثلاً تملك حوالي 6 آلاف مقاتل في صفوف "داعش" في سوريا والعراق، بينما لدى المغرب 1200 مقاتل، فيما يتراجع العدد في حالة الجزائر إلى 170 مقاتلاً) .)

ومن جهة ثانية، تمددت تهديدات شمال أفريقيا نحو دول أوروبا عبر البحر المتوسط، كجزء من انعكاسات انحسار "داعش" شرق أوسطياً. وتجلى ذلك في ضلوع مهاجرين من شمال أفريقيا في عمليات إرهابية، مثل تفجيرات باريس في نوفمبر 2015، وبروكسل في مارس 2016 وكذا الهجمات التي شهدتها ألمانيا، وكان أبرزها حالة الدهس التي تورط فيها تونسي يدعى "أنيس العامري" في ديسمبر 2016 ،) وقد مثلت الحالات السابقة مؤشراً على اختلاط محفزات الإرهاب، بتدفقات الهجرة واللاجئين باتجاه أوروبا.

ثالثاً: �عتبار�ت د�خلية و�إقليمية

في ظل الوضع السابق، بات الهم الرئيسي لدول شمال أفريقيا والمناطق المجاورة لها إبعاد تلك التهديدات القادمة من الأزمة الليبية بقدر الإمكان عن التفاعلات الداخلية المأزومة أصلاً لديها. وما أعطي لذلك الخيار أهمية لدى حكومات المنطقة، بروز عوامل أخرى مضافة، من قبيل: 1- تعقد وهشاشة تسوية الصراع الليبي: فالتوقعات بتسوية الصراع ستأخذ وقتاً طويلاً، نظراً لتعدد القوى الإقليمية والدولية المتنافسة على هذا البلد، وتضارب مصالحها وتحالفاتها في الداخل الليبي. فاتفاق الصخيرات لم يزل

مجمداً حتى اللحظة، بسبب معضلة التوافق بين حكومة الوفاق الوطني - المدعومة أممياً وغربياً - ومجلس النواب الليبي الذي لم يمنحها الثقة، على خلفية أزمة ملف المناصب الأمنية المتعلقة بالمشير خليفة حفتر قائد الجيش الوطني الليبي. وقد استطاع الأخير تغيير موازين القوى لصالحه في الشرق الليبي منذ سيطرته على منطقة الهلال النفطي في سبتمبر 2016، وبالتالي صارت مسألة استيعابه أمراً لا يمكن تجاوزه في بنية الشق الأمني باتفاق الصخيرات، خاصة أنه اجتذب حلفاء جدداً مثل روسيا، بخلاف قوى إقليمية أخرى داعمة له بالأساس) .) 2- صعوبة الاعتماد على الخيار الأمني وحده: وهو ما يرتبط بعاملين أساسيين، أولهما بطبيعة الفواعل من غير الدول، كالتنظيمات الدينية والميليشيا­ت وشبكات المافيا المحلية، والتي يصعب القضاء عليها جذرياً، نظراً لمرونتها، وقدرتها على الحركة وإعادة إنتاج نفسها في أشكال جديدة.

ومن ناحية أخرى، فإن تلك التهديدات تبدو أعراضاً لأمراض بنيوية تعانيها دول المنطقة ككل، كأزمة الفقر والبطالة وغياب العدالة، وتراجع التنمية في المناطق الطرفية المهمشة، وهيمنة النموذج المركزي، وهي معضلات تتطلب كلفة عالية لمواجهتها، بات من الصعب توفيرها مع دخول دول شمال أفريقيا في أزمات اقتصادية حادة.

فالجزائر تعاني انحساراً لقدرتها الاقتصادية منذ تراجع أسعار النفط في 2014، وتشهد مصر وتونس، أزمات اقتصادية نتيجة انخفاض إيرادات السياحة بفعل الهجمات الإرهابية التي طالت البلدين. وقد دخلت حكومات البلدان الثلاثة خلال عامي 2015 و2016 في انتهاج سياسات تقشفية قد تحد من الموارد المخصصة لمواجهة التهديدات المتشابكة بالمنطقة، إن لم تكن ستسفر أصلاً عن تهديدات محتملة أخرى داخلية مع تراجع الأوضاع المعيشية للطبقة المتوسطة، والتي طالما لعبت دوراً نسبياً في الاستقرار الداخلي) .) 3- إعادة تصدير التهديد إلى البؤرة الإقليمية المضطربة: إذ صارت الأزمة الليبية بمنزلة "بؤرة استيعابية لعدم الاستقرار والتهديدات في شمال أفريقيا، حيث تجد الفواعل الإقليمية المجاورة لها، ولو بمنطق أمني برجماتي، أن دفع التهديدات عنها باتجاه هذه البؤرة، ربما يكون أقل خطورة وكلفة في المدى القصير، مقارنة بما إذا واجهته مباشرة للقضاء عليه على أراضيها.

ر�بعاً: �أنماط �إبعاد �لتهديد�ت

برزت عدة أنماط لإبعاد التهديدات في شمال أفريقيا يمكن استخلاصها من مجمل التفاعلات الداخلية والخارجية في المنطقة، ومنها: الاتجاه الأول: إبعاد التهديد بفاصل جغرافي كافٍ وراء الحدود؛ بمعنى أن يتمدد الإبعاد من داخل الدولة إلى داخل حدود الدولة المفرزة للتهديد لمنع التشابك العابر للحدود. فمثلاً، عند النظر إلى مسار السياسة المصرية تجاه ليبيا في مرحلة ما بعد 30 يونيو 2013، يتكشف سعيها لإبعاد التهديد القادم من ليبيا، عبر عدة مستويات، أولها، يتعلق بزيادة تأمين الحدود الغربية، وتكثيف التواصل التنموي مع محافظات الحدود، وثانيها، دعم الجيش الوطني الليبي وحلفائه بمجلس النواب في الشرق الليبي من منطلق أنها مؤسسات شرعية ورسمية، وثالثها، مواجهة جماعات الإسلام السياسي والمتشدد في الداخل.

ينطبق الأمر ذاته بالنسبة للجزائر، وإن اختلفت تحالفاتها باتجاه فواعل المناطق الغربية داخل ليبيا. فبخلاف حفاظها على دور داعم لحكومة الوفاق الليبي في طرابلس أو نسج علاقات وثيقة مع إسلاميين مسيسين لتحجيم نظرائهم المسلحين، فإنها شرعت كذلك في بناء أسوار حدودية لعزل التهديد القادم من جارتها ليبيا) ،) وفي الوقت نفسه مارست تشديدات أمنية في الجنوب الجزائري لمكافحة تسريبات المتشددين من شمال مالي، بالتزامن مع ممارسة الوساطة بين فرقاء هذا البلد.

وبنهج قريب نسبياً، سعت تونس إلى بناء حاجز ترابي على حدود ليبيا، خاصة بعد تفاقم المعضلة الأمنية التي أبرزتها أزمة ابن قردان في مارس 2016 حين تسرب داعشيون من داخل ليبيا إلى الجنوب التونسي، وكثفت كذلك التعاون، سواء الإقليمي مع الجزائر لضبط حدوديهما المتلامسة مع ليبيا، أو الدولي مع القوى الأوروبية والولايات المتحدة لمكافحة ارتدادات التهديد الليبي.

الاتجاه الثاني: إبعاد الحد الأدنى من التهديد؛ أي دفعه للتحرك باتجاه مناطق أخرى داخل الدولة خاصة الطرفية، والضغط عليه لمنعه من التمدد إلى القلب الجغرافي المؤثر على الأمن القومي للدولة، وتسهيل قدرة القوات الأمنية على مطاردة المتشددين، وإن كان لذلك مخاطره في الربط بين تهديد الإرهاب، ومعضلة التهميش التنموي للمناطق الطرفية في شمال أفريقيا.

وعلى سبيل المثال، سعت الحكومة المصرية لمنع تمدد جماعات الإرهاب من سيناء إلى الدلتا والقاهرة، ومع ذلك، نجح تنظيم "داعش" الإرهابي في تنفيذ عمليات إرهابية خارجها، كما في تفجير الكنيسة البطرسية في ديسمبر 2016 في القاهرة) ولا يخلو هذا الأمر من تشابه مع تونس والجزائر) .)

الاتجاه الثالث: الإبعاد المبكر للتهديد؛ أي منع دخوله بالأساس إلى الدولة لتحجيم أي تشابكات محتملة مع تهديدات أخرى داخلية. وربما يتجلى ذلك في السعي الإيطالي للحد من تدفق الهجرة غير الشرعية لمنع اختلاطها بالإرهاب. فمثلاً، وقع رئيس الوزراء الإيطالي باولو جنتيلوني، ونظيره الليبي فايز السراج مذكرة تفاهم في فبراير 2017، كان مضمونها تمويل مخيمات المهاجرين في ليبيا مقابل دعم تنموي وتعاون أمني مع حكومة الوفاق الليبي لتدريب خفر السواحل لمواجهة تهريب البشر والجريمة المنظمة) ومن قبل ذلك، أعلنت ألمانيا كلاً من تونس والمغرب والجزائر دولاً آمنة في شمال أفريقيا في يناير 2016، ما يعني صعوبة حصول مواطني هذه الدول على حق اللجوء لهذا البلد الأوروبي) .)

ويبرز في هذا الإطار كذلك النموذج المغربي، سواء لجهة بنائه سياسة أمنية تعمد لتفكيك وإجهاض استباقي لخلايا الإرهاب أو التعاون الأمني مع الأجهزة الأوروبية، يتجلى ذلك مثلاً في إعلان مدير المكتب المركزي للتحقيقات القضائية في المغرب عبدالحق خيام في يناير 2016 أن بلاده أبلغت فرنسا عن صلات منفذي هجمات باريس في نوفمبر 2015 بخلية في بروكسل) .)

خام�ساً: تقييم حدود �لفاعلية

يظل في التحليل الأخير أن خيار إبعاد التهديد الليبي في شمال أفريقيا مشروطاً بعوامل عدة تحدد مدى فاعليته من عدمها. أولها، أن ذلك الخيار يعتمد في إنفاذه، خاصة في بعده التدخلي، على مدى قدرة الفواعل المحلية على التعاون وتنفيذ أهداف الدولة الراغبة في إبعاد التهديد عنها. فمثلاً، فإن مذكرة التفاهم الإيطالية – الليبية حول الهجرة غير الشرعية تراهن على سلطة حكومة الوفاق الليبي في إنفاذه، على الرغم من أن الأخيرة تعاني انحساراً لنفوذها في بقعة محدودة من العاصمة طرابلس، ورفضه أصلاً من الشرق الليبي، وبالتالي فقد لا يتيح ضعف السلطة إنفاذ الاتفاق) .)

ثاني الشروط، أن سياسات الإبعاد للتهديد، بشقيها الدفاعي والهجومي، تستدعي تعاوناً إقليمياً ودولياً، قد لا توفره حالة الاستقطاب الإقليمي والدولي حول الأزمة الليبية، بل إن ذلك قد يجعل هناك ما يمكن تسميته إبعاداً متبادلاً للتهديدات بين المتنافسين، خاصة الإقليميين المجاورين لليبيا عبر وكلاء من الداخل. الأمر ذاته يمكن فهمه بالنسبة لملف الهجرة غير الشرعية، والذي يشهد بدوره خلافات داخلية أوروبية حول طريقة التعامل مع المهاجرين وتوزيع أعبائهم، خاصة بين دول المواجهة المباشرة مع تهديدات الهجرة مثل إيطاليا، وأخرى غير مباشرة مثل ألمانيا وفرنسا) .)

ثالث الأمور، وربما أكثرها أهمية يتعلق بمدى قدرة الدولة على موازاة خيار الإبعاد بخيارات أخرى تعالج الأزمات البنيوية المفرزة بالأساس للتهديدات الداخلية المشتبكة مع الإقليم، طالما أن البيئات الداخلية والإقليمية تعاني الاضطرابات العابرة للحدود القومية. فمثلاً، ما لم تستطع الجزائر أو مصر أو تونس حل أزماتها الاقتصادية الداخلية، فإن قابليتها للتأثر بالتهديدات الإقليمية أكثر احتمالاً، ومن ثم، أقل قدرة على إبعاده.

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates