Trending Events

اختلال التوازن:

تأثير التحولات العالمية على منطقة الشرق الأوسط

- مصطفى شفيق علام

تصاعدت تداعيات التحولات العالمية على منطقة الشرق الأوسط، خاصة بعد تولي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مهام منصبه واتخاذه قرارات فيما يتعلق بالهجرة والحرب على الإرهاب وتسوية الصراعات، أثرت على النظام الإقليمي وخريطة التحالفات الإقليمية. وفي هذا الإطار شغلت هذه التحولات بمنطقة الشرق الأوسط حيزاً كبيراً من اهتمام المراكز البحثية العالمية، التي طرحت تقييمات وتوصيات متعددة حول تداعيات التغير في السياسة الخارجية الأمريكية وسياسات الدول الأوروبية على منطقة الشرق الأوسط.

�أولاً: تفكيك �لتحالف �لرو�سي- �لاإير�ني

تعتمد الاستراتيج­ية الروسية في الشرق الأوسط على نمط من التحالفات الصلبة مع عدد من الفاعلين الإقليميين الذين تتعارض مصالحهم مع الولايات المتحدة الأمريكية وسياساتها في الشرق الأوسط، ولهذا اتجهت روسيا إلى التحالف مع إيران ونظام الأسد في سوريا، إضافة إلى الميليشيات الشيعية المسلحة بالمنطقة، وعلى رأسها حزب اله اللبناني. ووفقاً لدراسات وتحليلات غربية عدة، فإن العمل، أمريكياً، على تفكيك هذه التحالفات، سيكون نقطة بدء جيدة للإدارة الأمريكية الجديدة لإعادة الاعتبار للاستراتيج­ية الأمريكية في الشرق الأوسط.

ومن المنطقي أن تكون إيران هي نقطة الانطلاق لتفكيك المحور الروسي في الشرق الأوسط، الأمر الذي دفع "آنا بورشفسكايا" ‪Anna Borshchevs­kaya(‬ ) من "معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى" ‪The Washington(‬ ‪Institute for Near East Policy‬ ،) إلى التساؤل حول ما إذا كان ترامب يستطيع تفكيك التحالف الروسي - الإيراني؟، وتنطلق الباحثة من فرضية مفادها أن التعاون الروسي - الإيراني الراهن في الشرق الأوسط على صلابته إلا أنه "قصير الأمد"، بالنظر إلى انعدام الثقة التاريخي بين البلدين من جهة، وتصادم أهدافهما الغائية في المنطقة من جهة أخرى، بيد أنه وعلى الرغم من ذلك فإنه سيكون من الصعب، وفقاً للباحثة، إحداث وقيعة بين روسيا وإيران على المدى القريب.

لكن ثمة بعض الأمور التي يمكن لإدارة الرئيس ترامب أن تضطلع بها لتحقيق هذه الغاية، تتمحور حول العمل على إقناع الإدارة الأمريكية لبوتين بأن المصالح الروسية والإيرانية في سوريا، التي تعد مرتكز التعاون الحالي بين الطرفين، لابد أن تتصادم في المستقبل، ومن ثم فلا يمكن لأي تحالف روسي - إيراني أن يحرز مزيداً من التقدم، الأمر الذي قد يحفز موسكو نحو إعادة النظر في تحالفها مع إيران بالنظر إلى التباين الواضح في الأهداف الاستراتيج­ية لكلا البلدين.

بيد أن الاكتفاء بهذه الاستراتيج­ية لإضعاف التحالف الروسي الإيراني لن يكون مجدياً وفقاً لدراسة بعنوان "تعزيز دور العقوبات في تقييد إيران"؛ حيث أكدت الدراسة أهمية دور العقوبات لتقويض القوة الإيرانية، لاسيما بعد اضطلاع إيران بتجربة إطلاق صاروخ باليستي متوسط المدى نهاية

يناير 2017، الأمر الذي من شأنه أن يكبح جماح التحالف الروسي الإيراني بشكل مؤثر) .)

ويرى الباحثون أن النهج الذي اعتمدته إدارة أوباما تجاه طهران في أعقاب الاتفاق النووي الإيراني صب في مصلحة إيران بشكل أدى إلى توسيع نطاق تحركاتها على المستوى الإقليمي والدولي وتقوية تحالفاتها الخارجية، ومن ثم فإن أولوية الإدارة الأمريكية الجديدة في هذا السياق يجب أن تعتمد نهج "تفكيك الاتفاق النووي" بمقاربة جديدة تتجه إلى التشدد في تطبيق بنوده بشكل جدي، ومحاسبة إيران بشدة على أي انتهاكات لبنود الاتفاق، إضافة إلى معاقبتها على أي سلوك عدائي آخر.

وهناك مخاوف أوروبية من توجهات ترامب المناهضة لطهران على طول الخط، وهو ما رصده "أشيش كومار سين‪)Ashish Kumar Sen("‬ في تحليل نشره على موقع "أتلانتك كاونسيل" ‪)The Atlantic Council(‬ حيث ذهب فيه إلى أن الاتحاد الأوروبي الذي كان شريكاً أساسياً في مفاوضات الاتفاق النووي الإيراني، "يسعى للحفاظ على الاتفاق النووي مع إيران") .)

كما رصد مقال نُشر بمركز كارنيجي للسلام الدولي ‪)Carnegie Endowment for Internatio­nal Peace(‬ بأوروبا تحت عنوان "ترامب والاتحاد الأوروبي والسياسة الإيرانية: مسارات المضي قدماً"، الاحتمالات المتوقعة كافة لتعامل إدارة ترامب مع إيران بشأن ملفها النووي، والتي حصرها في أربعة سيناريوهات، هي إنهاء الاتفاق بشكل نهائي، أو إعادة التفاوض مجدداً، أو إنفاذ الاتفاق بالقوة، وأخيراً قبوله شريطة استفادة الشركات الأمريكية بشكل مباشر من الصفقة، داعياً الأوروبيين في كل الأحوال إلى "أن يحافظوا على ما توصلوا إليه بعد نحو 10 سنوات من المفاوضات مع طهران، وأن يكونوا على استعداد لمنع إي مساعٍ أمريكية للمساس بجوهر الاتفاق") .)

ثانياً: ��ستر�تيجية �لانخر�ط �لن�سط

قدمت دراسات وتحليلات بحثية عدة، ما يمكن اعتباره خريطة تحركات مقترحة للولايات المتحدة يمكن من خلالها إزاحة المنافس الروسي عن دائرة النفوذ والفاعلية في الشرق الأوسط، والعودة به إلى أجواء ما قبل الحقبة البوتينية، وإعادة الاعتبار للسياسة الأمريكية في إقليم لطالما كان منطقة نفوذ للولايات المتحدة، تتمحور تلك الخريطة حول ما يمكن تسميته ب"اقتحام النقاط الساخنة" في الشرق الأوسط، وذلك من خلال ثلاث خطوات: تحالف الأعداء، وعسكرة السلام، والقضاء على داعش، ويمكن توضيح ذلك فيما يلي: 1- تحالف الأعداء: يطرح "جورج فريدمان" George( Friedman) في مقال له رؤيته لما يجب أن تكون عليه استراتيجية الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وتتمثل هذه الاستراتيج­ية من وجهة نظره في العودة بالسياسة الأمريكية إلى ما أطلق عليه "الأسس الاستراتيج­ية للجمهورية"، والتي تتمثل في "الاستعداد للتحالف مع عدو لهزيمة آخر"، إذ لا يمكن هزيمة عدوين معاً في وقت واحد، وتتطلب تلك الاستراتيج­ية "التحالف مع عدو واحد من أجل منحه الشيء الذي يريده ... وهو هزيمة الآخر".

ويدلل فريدمان على رؤيته بتأكيده أنه "منذ بداية التاريخ الأمريكي، استخدمت الولايات المتحدة الانقسامات في العالم لتحقيق غاياتها، حيث نجحت الثورة الأمريكية في توظيف التوترات القائمة بين بريطانيا وفرنسا لإقناع الفرنسيين بالتدخل والانحياز للثورة، وفي الحرب العالمية الثانية، كسبت الولايات المتحدة الحرب من خلال تزويد الاتحاد السوفييتي بالمال والوسائل اللازمة لاستنزاف الجيش الألماني وتجفيف مصادر قوته، الأمر الذي فتح الباب على مصراعيه أمام النفوذ الأمريكي في القارة العجوز بالتشارك مع بريطانيا". وبناءً على ما ذهب إليه فريدمان فإن مجابهة النفوذ الروسي المتزايد في الشرق الأوسط، تتطلب التحالف مع "عدو"، لتفكيك المحور الروسي في المنطقة، ولكن يبقى السؤال من هو ذلك "العدو/الحليف" الذي يمكن لواشنطن الاعتماد عليه لتفكيك تحالفات موسكو الشرق أوسطية؟

وفي حالة الشرق الأوسط، يشدد فريدمان على ضرورة الاستفادة من الانقسام المذهبي بين الشيعة والسنة، بالانحياز إلى أحدهما في مجابهة الآخر، فإذا كانت إيران الشيعية هي الحليف الأبرز لروسيا في المنطقة، فإنه يمكن إضعاف المحور الروسي الإيراني من خلال التحالف مع الدول السنية المناوئة لإيران، فالسنة من وجهة نظره "أكثر وزناً من الناحية العددية، وهم يغطون رقعة واسعة من الأرض على الصعيد الجغرافي، كما أنهم أكثر طاقة من إيران".

وإذ كانت إيران في الوقت الحالي، تبدو أكثر قوة، فإنها يمكن، أيضاً، أن تكون خياراً تحالفياً للولايات المتحدة، ليس لأنها الأفضل، ولكن باعتبارها "الخيار الأكثر ملاءمة"، كما أنه على المدى البعيد وفقاً لفريدمان فإن "السنة هم الأكثر خطورة من إيران"، ومن ثم فإن كلا الخيارين متاحان أمام الإدارة الأمريكية الجديدة للمفاضلة بينهما، لكن الذي لا خيار فيه هو الانسحاب من المنطقة لصالح روسيا لما يمثله ذلك من مخاطر كبيرة على المدى البعيد) .) 2- عسكرة السلام: ميدانياً، تبدو الأزمة السورية بتطوراتها

أن القيادة الروسية تسعى قدم لتوثيق التحالف مع تركيا بالنظر إلى كونهما دولتين مرفوضتين أوروبي ،ً على المستوى الاستراتيج­ي وحتى على المستوى الثقافي والقيمي، ومتشابهتين كذلك على مستوى القيادة السياسية، فبوتين وأردوغان دائم ما يتم اتهامهما في وسائل الإعلام الغربية بانتهاك الحريات وتقويض الديمقراطي­ة.

ربما تعول عليها واشنطن كثيراً حال اضطلاعها بدور فاعل لإنهاء الأزمة السورية، ومحاربة تنظيم "داعش" في سوريا والعراق، من جهة أخرى.

وفي هذا الإطار يشير مقال نشر بمركز "ويلسون" تحت عنوان "لماذا ينجرف كل من روسيا وتركيا إلى بعضهما البعض؟" إلى أن القيادة الروسية تسعى قدماً لتوثيق التحالف مع تركيا بالنظر إلى كونهما دولتين مرفوضتين أوروبياً، على المستوى الاستراتيج­ي وحتى على المستوى الثقافي والقيمي، ومتشابهتين كذلك على مستوى القيادة السياسية، فبوتين وأردوغان دائماً ما يتم اتهامهما في وسائل الإعلام الغربية بانتهاك الحريات وتقويض الديمقراطي­ة، كما تلعب موسكو على وتر الرفض الأوروبي لعضوية أنقرة في الاتحاد الأوروبي كمدخل استقطابي لتركيا ينأى بها بعيداً عن القارة الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية) .)

وفي هذا السياق تم نشر مقال في "معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى" في يناير 2017 تحت عنوان "هل أردوغان حليف لروسيا أم دمية لبوتين؟"، وتوصل التحليل إلى أن ثمة علاقة ابتزاز من نوع خاص تجمع بين بوتين وأردوغان، اللذين يبدوان حالياً أكثر قرباً من أي وقت مضى، وتميل هذه العلاقة لصالح بوتين بالأساس، وتحاول موسكو فيها التأثير على أنقرة من خلال الورقة الكردية، التي تشكل أزمة كبرى دائمة لتركيا.

ويرى المقال أن بوتين يمتلك القدرة على التأثير على أردوغان من خلال علاقته مع الأكراد، وتحديداً مع حزب العمال الكردستاني، حيث تعود علاقات موسكو العميقة مع الأكراد إلى ما يزيد على مائتي عام، فدائماً ما وظفهم الروس ومن قبلهم السوفييت ضد تركيا، ولا تنسى الباحثة أن تؤكد على كون حزب العمال الكردستاني نفسه قد نشأ إبان حقبة الحرب الباردة برعاية الكرملين.

ومن خلال التلاعب بقضية الأكراد استطاع بوتين وفقاً للتحليل أن يغير موقف أردوغان المتشدد إزاء نظام الأسد، بسبب مخاوفه من القومية الكردية في سوريا، التي هي امتداد ثقافي وجغرافي لأكراد تركيا، ومن ثم بات أردوغان أقرب لقبول موقف بوتين من الأسد، فمع اختتام جولة "مباحثات الآستانة" برعاية موسكو في يناير 2017، أصبح كل من بوتين وأردوغان أكثر تقارباً، بل لقد استطاعت موسكو ضم أنقرة إلى تحالفها مع إيران للقيام على نحو مشترك بمحاربة "داعش" وجبهة فتح الشام القريبة من القاعدة) .)

كما تطرح المقالة التحليلية التي نشرها "المجلس الروسي للشؤون الدولية" تحت عنوان: "ترامب وبوتين يصلان إلى الشرق الأوسط"، ما هو أبعد من مجرد استقطاب استباقي روسي لتركيا، بتأكيده على أنه ليس هناك وقت أفضل في التاريخ الحديث يمكن فيه لروسيا والولايات المتحدة توظيف نفوذهما معاً في الشرق الأوسط من الوقت الراهن.

إجمالاً، تتجه غالبية التحليلات للتأكيد أن التغييرات العالمية الحالية وعلى رأسها تغير الإدارة الأمريكية سوف تؤدي لزيادة حدة التنافس الروسي الأمريكي على منطقة الشرق الأوسط، وتصاعد محاولاتهم التدخلية لتسوية صراعات الشرق الأوسط الممتدة بما في ذلك عملية السلام بين الفلسطينيي­ن والإسرائيل­يين والتي تراوح مكانها منذ سبعة عقود، ووفقاً لما وصفته بعض التحليلات ب "حقبة ترامب - بوتين" فإن الفاعلين الشرق الأوسطيين سرعان ما سيدركون أن هذه الحقبة ستحمل بين طياتها آليات جديدة مبتكرة تختلف بشكل كامل عما كانت عليه خلال حقبة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما وإدارته) .)

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates