Trending Events

Sinophobia

أنماط توظيف العداء للصين في دول جنوب آسيا

- د. امتياز أحمد

تشترك دول جنوب آسيا في شعور "الخوف من الصين" Sinophobia(،) غير أن نشأة وتطور هذا الشعور يختلف من دولة لأخرى، كما تتباين أسبابه بين أسباب ترتبط بعوامل خارجية، أو بعوامل داخلية؛ سياسية أو اجتماعية، أو اقتصادية. وفي هذا الإطار تتناول المقالة الحالية هذه الظاهرة، مع توضيح الفروق في كل حالة، من حيث السياق الذي تسبب في هذا الشعور، ومدى انتشاره، وانعكاساته على العلاقات الصينية بتلك الدول.

�أولاً: م�ساعر مت�سابهة و�سياقات مختلفة

في ظل تنامي الصعود الصيني، كإحدى القوى الدولية والمؤثرة، تنامت المخاوف من هذا الصعود، خاصة بين الدول المجاورة لها، خاصة الهند وباكستان، وبنجلاديش وسريلانكا، وذلك على النحو التالي:

1- الهند: شهدت العلاقات التجارية بين الهند والصين تطوراً كبيراً وملحوظاً، فقد ارتفع حجم التبادل التجاري بين البلدين من حوالي 2,92 مليار دولار في عام 1( 2000(، إلى حوالي 70,73 مليار في عامي 2015 و20162((، وأصبحت الصين أهم شريك تجاري للهند.

وعلى الرغم من قوة العلاقات التجارية بين البلدين، فإن الرأي العام الهندي لايزال يحمل وجهة نظر سلبية تجاه الصين، فقد كشف استطلاع للرأي أجرته "بي بي سي وورلد سيرفيس" في عام 2014 أن 35% من الهنود لديهم وجهة نظر سلبية عن الصين، في حين أن 27% من الهنود فقط ينظرون إليها بشكل إيجابي)3(، وتعد هذه النسبة معتدلة مقارنة بما كانت عليه الحال في السنوات الماضية، ويمكن إرجاع العداء للصين للعوامل التالية: • النزاعات الإقليمية والحدودية بين البلدين: فقد قامت

الصين في عام 1962، باجتياح الحدود الهندية، وسيطرت على منطقة "أروناتشال براديش" أو "التبت الجنوبية" كما تسميها الصين، ولكنها لم تلبث أن انسحبت وعادت إلى "خط مكماهون"، والذي رسمته السلطات الاستعماري­ة البريطانية في عام 1914. وقد استمرت الحكومات الصينية المتعاقبة في ادعاء أحقية الصين في السيطرة على الإقليم، وهو ما تسبب في توتر العلاقات بين البلدين. • دعم الحركات الانفصالية: إذ استقبلت الهند "الدالاي لاما الرابع عشر" وكذلك عدداً كبيراً من اللاجئين من إقليم التبت، وذلك بعدما نجحت في السيطرة عليه، وتحويله إلى منطقة حكم ذاتي تتبع الدولة الصينية في 1950. • العلاقات الصينية – الباكستاني­ة الوثيقة: فقد قامت الصين تاريخياً بدعم باكستان اقتصادياً وعسكرياً في مواجهة الهند، وقامت مؤخراً بالاستثمار في بناء ميناء جوادر الباكستاني على شواطئ بحر العرب، وهو الأمر الذي يقلق الهند مع الأخذ في الاعتبار الطابع الصراعي للعلاقات الهندية – الباكستاني­ة. 2- حالة باكستان: يشار عادة إلى الصين على أنها صديقة باكستان في السراء والضراء، حيث تجمع الدولتين علاقات قوية استمرت على مدار عقود. ويبدو أن عمق العلاقات بينهما لم ينعكس على المستوى الشعبي بالدرجة ذاتها، وقد

وضح هذا بصورة أساسية العام الماضي، حينما خرجت تظاهرات شعبية حاشدة ضمت المجتمعات المحلية والجماعات العرقية وقادة المحافظات الصغيرة في باكستان، خاصة في منطقة جيلجيت – بالتستان وغرب بلوشستان ومحافظات السند الجنوبية، للتظاهر ضد إقامة "الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان"، الذي سيربط ميناء جوادر الباكستاني بإقليم "شينجيانج الغربية" الصيني.

ويمكن إرجاع الاحتجاجات إلى وجود عداء للصين، بالإضافة إلى عوامل آخرى هي تغيير مسار "الممر الاقتصادي"، حتى يصب في مصلحة إقليم "البنجاب" الباكستاني، والذي سيستفيد اقتصادياً من المشروع، في حين أن المحافظات الأخرى، والتي كان من المخطط أن يمر بها المشروع في البداية، سوف تفقد الفرص الاقتصادية المنبثقة عنه.

ومن جهة ثانية، فإن إقامة الممر الاقتصادي، غذى من التوترات العرقية، إذ إن الأقليات العرقية في محافظتي بلوشستان والسند، تتخوف من أن يعزز الجيش الباكستاني وجوده في مناطقهم تحت ذريعة تأمين الشركات الصينية العاملة في المشروع. ومن ثم، تتداخل مشاعر العداء للصين مع شبكة المصالح التي يؤثر عليها التعاون الثنائي بين الدولتين سلباً أو إيجاباً. 3- بنجلاديش: منذ عام 1971 لم تستقر العلاقات بين الصين وبنجلاديش على نمط واحد، بل تأرجحت بين معاداة الصين وموالاتها، فقد تنامت المشاعر المعادية للصين في بنجلاديش في عام 1971، بسبب وقوف الصين إلى جانب باكستان، ورفضها انفصال بنجلاديش عن باكستان، بل واستخدمت بكين أول فيتو لها في مجلس الأمن لعرقلة انضمام بنجلاديش للأمم المتحدة في عام 1972، بحجة أن القوات الهندية مازالت على أرض بنجلاديش، وبالتالي فإنها لا تُعد دولة مستقلة بالكامل.

في مقابل ذلك، أدى تغيير النظام الحاكم في بنجلاديش من خلال انقلاب عسكري في عام 1975، إلى تحول نمط العلاقات إلى التعاون، خاصة بعدما بادرت الصين بالاعتراف بالنظام الجديد. ومنذ ذلك الحين سعت الحكومات العسكرية المتعاقبة في بنجلاديش إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية والأمنية مع الصين، ليس بغرض تعزيز التنمية الاقتصادية في البلاد فحسب، ولكن أيضاً لمواجهة النفوذ الهندي في بنجلاديش.

ومع تولي الحكم نظام منتخب ديمقراطياً في عام 1991، ارتبط الاتجاه نحو الصين بالخلفية الحزبية لكل نظام. فقد عزز الحزب القومي البنجالي )الذي وصل إلى الحكم في عام 1991 ومرة أخرى في عام 2001( العلاقات التعاونية مع الصين، بسبب مواقف الحزب المناهضة للهند، بينما كان حزب "رابطة عوامي" )الذي فاز في الانتخابات الوطنية في عامي 1996 و2008( يكن مشاعر معادية للصين سراً، نظراً لموالاته للهند.

وقد وضح حجم التأييد الهندي للحزب في أعقاب الانتخابات التشريعية التي جرت في عام 2014، والتي فاز فيها حزب "رابطة عوامي"، ودعمته الهند صراحة. وقد شهدت الانتخابات اندلاع أعمال عنف، كما قاطعتها أحزاب المعارضة، واعترضت على نتائجها، كما دعت إلى إجراء انتخابات جديدة، واستمرت الأزمة قائمة من دون حل.

وقد سارعت حكومة حزب "رابطة عوامي" إلى تحسين علاقتها بالصين، وهو ما وضح عقب زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى بنجلاديش في أكتوبر 2016، والتي أسفرت عن توقيع 27 صفقة ومذكرة تفاهم بلغ إجمالي قيمتها 13.6 مليار دولار أمريكي)4.) 4- سريلانكا: شهدت الانتخابات الرئاسية في سريلانكا في يناير 2015، توظيفاً للخوف من الصين، من خلال التأكيد على "موالاة" ماهيندا راجاباكسا، الرئيس المنتهية ولايته، إلى بكين، وقدم منافسه في الانتخابات مايتريبالا سيريسينا نفسه باعتباره مناهضاً للصين وأكثر ميلاً لتطبيع العلاقات مع الهند، خاصة أنه أسس حملته الانتخابية على وعد تحرير سريلانكا من فخ الديون الصينية، وتعليق العمل في عدة مشاريع صينية ضخمة. وقد نجح الأخير في الفوز بالانتخابا­ت، وهو ما ولّد انطباعاً بأن العلاقات السريلانكي­ة – الهندية سوف تشهد تحسناً خلال فترة حكمه.

غير أن الحكومة الجديدة لم تمتلك خيارات عديدة، خاصة أنها كانت على حافة التخلّف عن السداد، ونظراً لحاجتها إلى مزيد من الوقت لسداد الديون القديمة، فضلاً عن الحصول على قروض جديدة، فلقد رضخ للمطالب الصينية، والتي من بينها إعادة تفعيل بعض المبادرات المُعلّقة، مثل مبادرة ميناء مدينة كولومبو بقيمة 1.4 مليار دولار ومنح الصين مشاريعَ جديدة، فضلاً عن بيع الحكومة السريلانكي­ة 80% من حصص ميناء هامبنتوتا للصين بمبلغ قدره 1.1 مليار دولار.

وقد دفعت هذه الأحداث إلى تنامي الشعور بالعداء للصين، خاصة في منطقة ميناء هامبانتوتا، حيث خرجت تظاهرات تطالب بوقف تسليم الميناء للصين، وقد شارك في هذه التظاهرات أيضاً "الموظفون المؤقتون" لشركة إدارة الميناء الذين طالبوا الحكومة "بتعيينهم بصفة دائمة" بهيئة الموانئ المملوكة للدولة بسريلانكا)5(. وفي أثناء تلك التظاهرات، منع هؤلاء الموظفون سفينة يابانية حاملة للسيارات وسفينة تجارية سنغافورية من مغادرة الميناء، مما أسفر عن تكبد غرامات تأخير زادت قيمتها الإجمالية على نصف مليون دولار)6.)

ثانياً: �أنماط �لعد�ء لل�سين

لا تناصب كل دول جنوب آسيا الصين العداء، بل إن مشاعر العداء تلك ليست ثابتة، حيث تتغير من فترة لأخرى، وفي هذا الإطار يمكن التمييز بين الأنماط التالية من العداء للصين في جنوب آسيا:

1- الحصول على الدعم الشعبي: المشاعر المعادية للصين تنبع في بعض الأحيان من الأنظمة الحاكمة، ففي الهند، على سبيل المثال، نجد أن المشاعر المعادية للهند، ظهرت في الفترة التالية للعام 1962، فقبل ذلك التاريخ، وتحديداً مع الثورة الصينية في عام 1949، أيد النظام الهندي الحاكم مبدأ الأخوة الصينية – الهندية، بل وكانت الهند من أولى الدول التي اعترفت بالصين الشيوعية في عام 1950، وذلك قبل الاعتراف الباكستاني بالهند بحوالي عام.

ويلاحظ أن التخويف من الصين يستخدم أحياناً في النظم الديمقراطي­ة من أجل كسب أكبر قدر من التأييد الشعبي في فترة الانتخابات، غير أنه بعد نجاح الحزب نفسه في الانتخابات، فإن الخطاب المعادي للصين، عادة ما يتم تغييره لصالح خطاب آخر يركز على العلاقات التعاونية، ومن ذلك مصطلح INCH(،) وهي تضم أول حرفين من اسم البلدين، والذي اقترحه رئيس الوزراء الهندي الحالي ناريندرا مودي للتعبير عن حجم التعاون بين البلدين)7.) 2-تحقيق مصالح اقتصادية: يمكن التمييز بين الرأسمالية التجارية والرأسمالي­ة الصناعية، ففي حين أن الفئة الأولى تنفتح على الدول الأجنبية، باعتبار أن أرباحها تعتمد على استيراد سلع إما أقل سعراً، أو ذات جودة عالية، من هذه الدول، فإن الرأسمالية الصناعية، تفضل وضع قيود على التجارة الخارجية، حتى تتمكن من ترويج منتجاتها وتحقيق أرباح من دون أن تتعرض لمنافسة من منتجات أجنبية أقل سعراً. وهنا فإن العداء للصين يتركز في الرأسمالية الصناعية التي قد تتعرض سلعها لمنافسة من نظيراتها الصينية الأقل ثمناً.

وهناك اتجاه يرى أن هذا العداء للصين من قبل الرأسمالية الصناعية، سوف يتراجع خاصة مع عولمة الإنتاج الصناعي، ودخول الشركات الصناعية المحلية في شراكات مع دول أجنبية لإنتاج السلع والخدمات. 3- الدعاية المساندة للنظام الحاكم: يرى أنطونيو جرامشي، الفيلسوف الإيطالي، أن وسائل الإعلام تتشابه مع الأحزاب السياسية)8(، من حيث سعيها لتحقيق الإجماع الشعبي حيال قضية معينة. وبالتالي فهي تؤثر في اتجاهات الرأي العام، ونظراً لارتباط الإعلام، إما بالحكومات أو الرأسمالية الصناعية، فإنها تتأثر بتوجهاتهم حيال الصين، وفي حال كانت هذه التوجهات سلبية، فإنها سوف تبث مشاعر الكراهية والعداء للصين، أما إذا كانت المصالح السياسية والاقتصادي­ة متوافقة مع الصين، فإنها سوف تؤكد على العلاقات التعاونية. وتقوم وسائل الإعلام في جنوب آسيا بالترويج السلبي أو الإيجابي للصين بناء على شبكة المصالح السياسية والاقتصادي­ة. 4- دعم مصالح الطبقة المهيمنة: ويتم ذلك من خلال "المثقف العضوي"، ويقصد به وفقاً لجرامشي، المثقف الذي ينتمي إلى الطبقة الاجتماعية المهيمنة، ويسعى لتحقيق وظيفة محددة، وهي مساعدة تلك الطبقة على مد نفوذها على بقية المجتمع)9.) ونظراً للعلاقة القوية التي تربط "المثقفين العضويين" بالفئة الاجتماعية المهيمنة سياسياً واقتصادياً، فإنهم يقومون بإنتاج العداء للصين فكرياً وثقافياً، وغالباً ما يمتد تأثير هؤلاء لفترة أطول من تأثير الإعلام، وذلك لأنه بمجرد انتشار "نظرياتهم"، فإنها تنطبع في العقول، ويصبح من الصعب تغييرها.

ويعد من أهم الأمثلة على ذلك الاستدلال بما ورد في كتاب Arthashast­ra(،) والذي ألّفه "تشانكيا كوتيليا" في القرن الرابع قبل الميلاد، لتأجيج مشاعر العداء للصين: "من يحيط بالملك من كل الجهات، بأراضٍ ملاصقة لأراضيه، هو العدو. وعلى المنوال نفسه، من تفصل أرضه عن أراضي الملك أراضٍ أخرى هو الحليف")10(. وفي ضوء ذلك، نجد أن الصين، شأنها في ذلك شأن باكستان، تُصوّر على أنها عدو للهند، في حين أن روسيا تُصوّر على أنها حليف للهند. لذا صار تغيير هذه العقلية مهمة حيوية، لاسيما عندما يتطلب تغيير طبيعة الأشياء نظرة جديدة.

وختاماً، يمكن القول إن الجدل حول مشاعر العداء للصين سيستمر في التأثير على جنوب آسيا لبعض الوقت، والسبب الرئيسي لذلك هو أن دول جنوب آسيا، مثل بقية دول العالم، تشعر بالرهبة تجاه "نهوض الصين من جديد". وتجدر الإشارة هنا إلى أن الصين في القرن الثامن عشر كانت أكبر اقتصاد في العالم، أما شبه الجزيرة الهندية أو جنوب آسيا، فكانت في المركز الثاني)11(. أما وقد أصبح نهوض الصين من جديد أمراً واقعاً، فإن السؤال هو: هل بمقدور جنوب آسيا أن تنهض مجدداً هي الأخرى؟

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates