Trending Events

العنف الانفصالي في جنوب آسيا: دراسة مقارنة

-

ماثيو ويب ‪Separatist Violence in South Asia: A comparativ­e study‬ ‪By: Matthew J. Web, Routledge Studies in South Asian Politics, 2017,152 pp,‬ ‪123.25$, 9781138926­54-7‬ عرض: هالة الحفناوي، رئيس وحدة تقييم التفاعلات المجتمعية

واجهت دول جنوب آسيا بعد نيل استقلالها، تحديات كبيرة للتغلب على الإرث الاستعماري وتوحيد هذا التنوع السكاني تحت لواء دولة وطنية واحدة، ومن أبرز الصعوبات التي واجهتها صعود الحركات الانفصالية الرافضة لمشروع الدولة الوطنية، والتي حاولت خلق هياكل سياسية تتحدى الوحدة الجغرافية للدولة باستخدام العنف.

ولم تنجح أي من هذه الحركات الانفصالية في تحقيق أهدافها في إقامة دولة مستقلة، سوى تلك التي ظهرت في ولاية باكستان الشرقية، والتي نجحت في الاستقلال عن باكستان، وإقامة دولة بنجلادش في 1971، وكانت التكلفة الإجمالية التي ترتبت على صعود هذه الحركات باهظة للغاية، خاصةً إذا ما تم احتساب عدد القتلى والجرحى، والبنية التحتية التي تم تدميرها، واستنزاف جانب من إيرادات الدولة لمواجهة هذه الحركات، والتي كان يمكن توجيهها للإنفاق على القطاعات التنموية.

وفي هذا الإطار، يحاول الكاتب "ماثيو ويب" فهم أسباب صعود الحركات الانفصالية، وفشل دول جنوب آسيا في الوصول إلى توافق مع المكونات الاجتماعية المختلفة داخل تلك المنطقة الجغرافية لصالح مشروع الدولة الوطنية.

وتعد الإجابة عن سؤال كيف تسببت عملية نشأة وتشكيل الدولة في تمرد بعض الجماعات، ودفعتهم إلى البحث عن بديل؟ في غاية الأهمية إذا أرادت دول جنوب آسيا تجنب حدوث مشكلات مشابهة أثناء قيامها بمشاريع التنمية الاقتصادية، خاصة في ظل الزيادة السكانية الضخمة والدخل المحدود للطبقات المتوسطة، وهو ما قوض من فرص تعزيز الوحدة الوطنية على أساس توفير فرص اقتصادية جديدة.

�أولاً: دو�فع �لانف�سال

ينتقل "ويب" بعد ذلك للإجابة عن سؤال لماذا ترغب الجماعات في الانفصال عن دولها الأم؟ ويرى أن الإجابة عن هذا التساؤل ليست سهلة، خاصة أن بعض المجتمعات كانت ترشحها مظلوميتها، وتهميشها عن محيط الدولة الاقتصادي والأيديولو­جي للمطالبة بالانفصال ولكنها لم تتمرد، وفي المقابل هناك جماعات أخرى لديها أسباب أقل بكثير للتمرد، وقامت بالمطالبة بالانفصال. وتتحدى تلك المفارقة الربط بين تيار الانفصال والحسابات الراشدة للمصالح الشخصية، وتفتح الباب أمام النظر في عوامل أخرى، مثل العوامل الانفعالية، ويثير هذا التساؤل: هل يمكن تحديد عوامل تجعل التعبئة خلف أجندة انفصالية ممكنة؟

ومن أجل الإجابة عن هذه الأسئلة، تبنى هذا الكتاب منهجية مقارنة قام من خلالها بمقارنة كافة الحركات الانفصالية داخل جنوب آسيا منذ الاستقلال للوقوف على الاتجاهات الأساسية والاختلافا­ت والعوامل الأخرى وثيقة الصلة بمسببات ومسارات الصراع، ومن الجدير بالذكر أنه إلى جانب اشتراكها في الهدف ذاته، فإن الحركات الانفصالية في جنوب آسيا لديها خصائص مشتركة، بما يتضمنه ذلك من هوية جمعية مضادة للهوية الوطنية التي تتبناها الدولة، بالإضافة إلى مشاعر المظلومية السياسية والاقتصادي­ة.

وفي هذا الإطار ناقش الكتاب أسباب المطالبة بالانفصال في الهند )بنجاب – كشمير– الشمال الشرقي( وفي باكستان )بولشستان(، ومن هذه الأسباب أن القيم الليبرالية وخطاب المساواة في الحقوق الذي انتشر في مرحلة ما بعد الاحتلال كان مناقض للممارسات الاستبدادي­ة في هذه الدول، والحكم المطلق للحكومات ومضاد لمصالح شبكات الفساد والمحسوبية.

ثانياً: تطور �لحركات �لانف�سالية

يوضح الكتاب في فصله الثالث مراحل تطور الحركات الانفصالية في جنوب آسيا والاستراتي­جيات التي استخدمتها تلك الجماعات لتحقيق مطالبها، والآليات التي اعتمدت عليها دولهم لمواجهة هذا التهديد المحتمل بالانفصال، وعادة ما يتم استخدام تكتيكات متشابهة من الجانبين، يضاف إلى هذا أن الدول قد تلجأ التمييز الاقتصادي السلبي ضد السكان المتضررين من الصراعات من خلال إهمال تنمية مناطقهم السكنية وعدم الاستثمار فيها وهو ما يؤدي لزيادة البطالة.

ومن جانب آخر عادة ما تستهدف الجماعات الانفصالية البنية التحتية الأساسية، وتقوم بعدد من الهجمات المسلحة والتي تتسبب في إصابات وأضرار بالغة لتظهر ضعف الحكومة، كما تؤدي إلى خسائر اقتصادية فادحة مما يزيد الضغط على الحكومة للاستجابة لمطالبهم.

وختاماً، يوضح الكاتب أن الصراع بين الطرفين عادة ما ينتهي إما بانتصار الدولة مثلما حدث في حالتي: سيريلانكا، وبنجاب، أو قد ينتهي بانتصار الحركة الانفصالية على غرار ما حدث في بنجلادش، وفي هذا الصدد أوضح الكاتب الأسباب التي أدت لهذا، كما تطرق في نهاية الكتاب إلى مستقبل "الانفصالية" في جنوب آسيا.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates