:Cryptocurrencies
المخاطر المحتملة للاعتماد على العملات الإلكترونية غانم رافع
تصاعدت التهديدات الأمنية المرتبطة بتزايد الاعتماد على العملات الإلكرونية في التعاملات المالية عر الإنرنت، إذ تعد هذه العملات غير قابلة للتتبع، وتتسم باللامركزية والافتقاد لسلطة تنظم تداولها، وتحدد هوية الفاعلين المتعاملين بها، مما يزيد من تهديداتها للأمن والاستقرار العالمي.
تضاعفت القيمة النقدية للعمات الإلكترونية في الآونة الأخيرة عقب اعتماد منفذي هجوم الفدية الخبيثة العالمي "وانا كراي" Wanna( Cry) في 12 أبريل 2017 على "البتكوين" في تلقي الفدية التي اشترطها منفذو الهجوم مقابل إعادة الأجهزة للعمل واستعادة الملفات التي تم تشفيرها، إذ اشترط المهاجمون تلقي فدية بمقدار 300 دولار باستخدام العملة الإلكترونية "بتكوين"، وذلك خال ثاثة أيام، وفي حال عدم الدفع تتم مضاعفة المبلغ مع التهديد بحذف الملفات كلياً حال عدم الدفع خال سبعة أيام.
ويكشف هذا الهجوم مدى الانتشار والثقة اللذين باتت تتمتع بهما العمات الإلكترونية ،)Cryptocurrencies( في المجال الافتراضي في ظل ماءمتها لطبيعة التفاعات الامركزية والعابرة للحدود وعدم تحديد هوية الفاعلين عبر الإنترنت، وعلى الرغم من تصاعد الاعتماد على العمات الإلكترونية، فإن عدم خضوعها لسلطة مركزية تنظيمية وانفصالها عن النظم المصرفية الرسمية يزيد من استخدامها من جانب عصابات الجريمة المنظمة والتنظيمات الإرهابية لتمويل الأنشطة الإجرامية.
اأولاً: تعريف العملات الاإلكترونية
توصف العمات الإلكترونية بأنها عمات وهمية افتراضية، تتكون من أكواد رقمية قابلة للتخزين على الأقراص الصلبة أو الإنترنت، وتخضع قيمتها للعرض والطلب، كما يصعب تتبع عمليات البيع والشراء التي تتم بها أو حتى معرفة مالكي هذه العمات.
وتختلف العمات الإلكترونية عن وسائل الدفع العادية عبر الإنترنت مثل "باي بال" Pay Pal( ،) وبطاقات الائتمان في عدم وجود وسيط لتحويل المعامات، مثل المؤسسات المصرفية، وعدم وجود سلطة عليا تختص بمراقبة المعامات المالية ممثلة في البنوك المركزية، إذ تعتمد التعامات بالعمات الإلكترونية على شبكات التفاعات بين النظراء Peer-to-Peer(،) مما يؤدي لعدم وجود طرف ثالث لمراقبة العامات المالية.
وتعتمد العمات الإلكترونية على تقنية "بلوك تشين" BlockChain(،) والتي تعد بمنزلة سجل رقمي للمعامات المالية بالعملة الإلكترونية، بحيث يتم تسجيل كل تعامل في نموذج آمن وموثوق، وتعد بلوك تشين بمنزلة "جدول بيانات سحابي ضخم يمكن لأي شخص استخدامه لكن لا يمكن لأي أحد حذف أي شيء منه أو تعديله"، وحينما يتم حفظ بيانات في "بلوك تشين: يصبح من المستحيل تعديلها، وهو ما يكسب هذه المعامات قدراً عالياً من الثقة والسرية بين أطرافها)1.)
وفيما يتعلق بكيفية صك العمات الإلكترونية على الرغم من عدم وجود بنوك مركزية مسؤولة عن إصدارها، فإن الأفراد يقومون بعمليات "تعدين" Mining(،) إذ يقوم الأفراد بالتنقيب والبحث عن البتكوين من خال برامج لفك الشيفرات والعمليات الحسابية المعقدة، بالإضافة إلى التعدين السحابي من خال شركات متخصصة تقوم بجمع الاستثمارات من الأفراد والتنقيب عن البتكوين ودفع العوائد للمستثمرين)2.)
ثانياً: دوافع انت�سار العملات الاإلكترونية
تتمثل أهم أسباب استخدام العمات الإلكترونية في عدم وجود أي وسطاء أو أطراف ثالثة للتحقق من مصداقية الصفقات، مما يجعل المعامات سريعة، كما توفر العمات الرقمية، مثل بيتكوين، بدياً أرخص وأسرع بكثير في المعامات النقدية، خاصة بالنسبة للشركات أو للمستهلكين الذين يقومون بنقل الأموال عبر الحدود أو لمتاجر التجزئة التي تقوم بقبول المدفوعات من الزبائن عبر الإنترنت.
عاوة على ذلك، يمكن القيام بالمعامات بسهولة من قبل أي شخص لديه هاتف جوال أو متصل بشبكة الإنترنت. بالإضافة إلى ذلك، فإن رسوم المعامات ضئيلة بالمقارنة مع رسوم معامات بطاقات الائتمان، ويرى العديد من الخبراء أن استخدام العمات الرقمية للمعامات يقلل من المخاطر المرتبطة بطرق الدفع عبر الإنترنت التقليدية التي من المحتمل أن تستعمل من قبل "الهاكرز" لكشف البيانات الشخصية أو تفاصيل الحسابات المصرفية) 3 .)
ويرتبط ذلك بتراجع ثقة المتعاملين في القطاع المصرفي التقليدي خاصةً بعد الأزمة المالية في عام 2007، ففي عام 2009 أكد مؤسس بيتكوين، ساتوشي ناكاموتو أن الثقة التي تأسس عليها القطاع المصرفي التقليدي تعرضت للتراجع بقوة نتيجة انتهاك خصوصية الأفراد، وفي المقابل فإن العمات الإلكترونية باتت بدياً متاحاً للجمهور يتجاوز الثقة العمياء التي يعتمد عليها القطاع المصرفي التقليدي والعمات الورقية) 4 .)
وفي السياق ذاته تتسم العمات الإلكترونية بالعالمية، إذ لا ترتبط هذه العملة بدولة محددة، ويمكن التعامل معها من دون التقيد بالحدود الجغرافية بالإضافة إلى عدم وجود بنوك مركزية مسؤولة عن طباعة الأموال مما يقلل من احتمالات التضخم الناجم عن صك العملة من دون النظر لتوازنات العرض والطلب، وفي المقابل فإن العمات الرقمية تتسم بمحدودية العدد مما زاد من قيمتها السوقية مع ارتفاع الطلب، فبعد أن كان ثمنها يساوي 6 سنتات فقط، ارتفع سعرها إلى ما يقارب 2500 دولار في مايو 2017.
ثالثاً: الاعتراف الدولي بالعملات الافترا�سية
اتجهت العديد من الدول لمناقشة تقنين وضبط العمات الإلكترونية ومحاولة دمجها في نظامها المصرفي بهدف السيطرة على التدفقات النقدية الافتراضية، وتجنب تأثيراتها السلبية على النظام المصرفي، ويركز مؤيدو تصحيح الوضع القانوني للعمات الإلكترونية على ضرورة ضبط التقلبات السريعة لقيمتها ومنع استخدامها في تمويل الأنشطة غير المشروعة، ومراقبة التعامات المالية التي تتم من خالها.
ففي الولايات المتحدة، على سبيل المثال، تصنف دائرة الإيرادات الداخلية العمات الافتراضية باعتبارها ممتلكات تخضع لضرائب الملكية وينبغي تسجيلها من جانب الأفراد، كما أن المكاسب والخسائر الناتجة عن تداول العمات الإلكترونية تخضع لقوانين الضرائب في الولايات المتحدة. بالإضافة إلى ذلك، يسمح النظام المصرفي الأمريكي للشركات والأفراد باستخدام بعض العمات المٌشيفرة كوسيلة من وسائل الدفع)5.)
تتسم العملات الإلكرونية بالعالمية، إذ لا ترتبط هذه العملة بدولة محددة، ويمكن التعامل معها من دون التقيد بالحدود الجغرافية بالإضافة إلى عدم وجود بنوك مركزية مسؤولة عن طباعة الأموال مما يقلل من احتمالات التضخم الناجم عن صك العملة من دون النظر لتوازنات العرض والطلب.
وفي السياق ذاته أنشأ الاتحاد الأوروبي منتدى لمناقشة تنظيم العمات الافتراضية، كما أصدرت محكمة العدل الأوروبية حكماً بإعفاء التعامات بالعمات الإلكترونية من الضرائب على القيمة المضافة والمبيعات)6.)
وتبنت بعض الدول الأوروبية سياسات متفاوتة في التعامل مع العمات الإلكترونية، ففي بريطانيا، على سبيل المثال، يتم التعامل مع البتكوين باعتبارها عملة أجنبية تفرض عليها ضرائب مماثلة للضرائب على رؤوس الأموال، أما في بلجيكا فا يوجد تشريع أو قواعد قانونية تنظم التعامل بالعمات الإلكترونية)7.)
وفي المقابل اتخذت بعض الدول إجراءات أكثر حدة فيما يتعلق بالعمات الإلكترونية من خال فرض مستويات مختلفة من الحظر على تداولها، حيث حظرت روسيا تداول أو استخدام البتكوين تماماً بسبب استخدامها في أنشطة غير
مشروعة مثل الإرهاب وغسيل الأموال والجريمة المنظمة)8.)
وعلى الرغم من أن الصين تعد أكبر سوق للعمات الإلكترونية في العالم، فإن الحكومة الصينية قامت بحظر التعامل بالبيتكوين في المؤسسات المصرفية والبنوك، كما قامت أيسلندا والأكوادور بوضع حظر على تداول البيتكوين لأسباب متعددة من بينها، مخالفة البيتكوين لقوانين تداول العمات الأجنبية في هذه الدول، وسعي دول أخرى لإصدار عمات إلكترونية وطنية تسعى لحمايتها من منافسة البتكوين) 9 .)
رابعاً: العوائد الاقت�سادية للبيتكوين
تعد البيتكوين من أكثر العمات الإلكترونية انتشاراً على المستوى العالمي، إذ تحولت البتكوين التي تم إطاقها من جانب مبرمج أو مجموعة مبرمجين مجهولين تحت الاسم المستعار "ساتوشي ناكاموتو"، إلى اقتصاد افتراضي موازي يتجاوز حجم اقتصادات العديد من الدول الصغيرة.
وتشير التقديرات إلى أن قيمة التعامات المالية بالبيتكوين باتت تتجاوز أكثر من 11 مليار دولار)10(، حيث بدأت العديد من الشركات والمؤسسات المالية لاستفادة من صعود البيتكوين والعمات الإلكترونية من خال قبول الدفع عبر الانترنت بهذه العمات، خاصة شركات البرمجيات وتكنولوجيا المعلومات، وشركات تصنيع الحواسب الآلية مثل شركة ديل DELL()11((، وخدمات حجز الفنادق والطيران عبر الإنترنت، كما بدأ فرع الحزب الجمهوري في ولاية لويزيانا الأميركية في قبول البيتكوين كوسيلة للتبرع)12،) وبالإضافة إلى ذلك، بدأت تظهر أجهزة الصرف الآلي للبيتكوين في العديد من المدن الكبرى مثل لندن وطوكيو ونيويورك.
ويؤكد العديد من الخبراء أن تكنولوجيا البلوكتشين التي تعتمد عليها العمات الإلكترونية سوف تؤدي لتغيير تنفيذ المعامات المالية بصورة جذرية من خال تعزيز الثقة في التعامات المالية عبر الإنترنت التي تتسم بالسرعة، وهو ما يتناسب مع احتياجات القطاع المصرفي والأسواق المالية لتداول الأسهم والسندات)13(، وهو ما دفع بعض البنوك العالمية الكبرى لاستفادة من هذه التكنولوجيا، مثل "بنك أوف أمريكا"، و"بنك باركليز" البريطاني، و"بنك يو بي إس" السويسري"، حيث اعتمدت هذه البنوك على شركة "آر 3" للتكنولوجيا لتطوير استخدام البلوكتشين في القطاع المصرفي) 14 .)
خام�ساً: ت�ساعد التهديدات الاأمنية
تتضمن الأدوات المالية التقليدية إجراءات لحماية المستهلكين، ففي حالة حدوث سرقة لبطاقة ائتمان أو إفاس أحد البنوك، فإن المودعين يستفيدون من تدابير متعددة لضمان حقوق للمستهلك، وفي المقابل فإن العمات الإلكترونية لا تتضمن أية تدابير للحد من الخسائر بسبب الافتقاد لمؤسسة تنظم وتراقب التدفقات المالية، كما أن تهديدات البرمجيات الخبيثة أو فشل القرص الصلب قد يعرضان التعامات المالية عبر الإنترنت لبعض المخاطر، وفي هذا الصدد تتمثل أهم تهديدات تصاعد الاعتماد على العمات الإلكترونية فيما يلي:
1- عدم استقرار القيمة المالية: تتسم العمات الإلكترونية بكونها شديدة التقلب خال فترة زمنية قصيرة، فعلى سبيل المثال في يونيو 2011 انخفضت قيمة البيتكوين من 32 دولاراً إلى 2 دولار خال أيام معدودة، وهو ما تكرر خال الفترة بين أبريل وأكتوبر 2013، عندما انخفضت قيمة البيتكوين من 266 دولاراً إلى ما يقارب 54 دولاراً، ثم استقرت عند 100 دولار) 15 .)
من المرجح أن يؤدي التوسع في الاعتماد على العملات الإلكرونية وتقنية البلوكتشين إلى إحداث تحولات جذرية في النظام النقدي العالمي، بحيث تصبح التدفقات المالية أكثر سرعة من أي وقت مضى، إلا أن هذه التحولات ستقرن بصعود غير مسبوق للتهديدات الأمنية متمثلة في تمويل الأنشطة الإجرامية والتنظيمات الإرهابية، بالإضافة إلى تهديدات القرصنة الإلكرونية ومخاطر انهيار قيمتها السوقية.
2- تهديدات الاختراق الإلكتروني: قد تتعرض بعض العمات الإلكترونية للسرقة نتيجة الاختراق الإلكتروني للأجهزة، ففي عام 2014 أعلنت شركة مونت جوكس Mont Gox( ) إفاسها بسبب خسارة مبلغ بيتكوين يساوي تقريباً 480 مليون دولار أمريكي، حيث ذكرت الشركة أن هناك احتمالاً كبيراً أنها سرقت من قبل هجوم عبر الإنترنت، وأدى ذلك لفقدان استثمارات آلاف المتعاملين وانخفاض حاد في قيمة البيتكوين)16(، وعلى الرغم من تزايد إجراءات تأمين التدفقات المالية الإلكترونية، فإن التطور في تقنيات القرصنة والاختراق الإلكتروني يزيد من التهديدات الأمنية التي تصاحب الاعتماد على العمات الإلكترونية.
3- الارتباط بأنشطة الشبكة المظلمة: تعتمد التنظيمات الإرهابية وعصابات الجريمة المنظمة على العمات الإلكترونية في إطار "الشبكة المظلمة" Dark Web( ،) الذي لا يمكن الوصول إليه من خال محركات البحث التقليدية، ويقوم المستخدمون بالوصول إليه من خال برامج خاصة، مثل "تور"، حيث يتم تمويل الأنشطة غير المشروعة، مثل مواقع المراهنة غير القانونية، ومنصات بيع الخدمات الإجرامية، مثل تأجير القتلة المحترفين، والهاكرز، وتزييف الوثائق، وبيع المخدرات والأسلحة.
ويتم الاعتماد على البيتكوين في دفع مقابل الخدمات
غير المشروعة عبر الإنترنت المظلم بسبب السرية التي تحظى بها المعامات وعدم قابليتها للتعقب، خاصة إذا تم استخدام برامج لإخفاء هوية المستخدمين، وفي هذا الصدد أكدت بعض المصادر الأمنية أن منفذ هجوم ميونخ في يوليو 2016 اشترى الساح الذي استخدمه في تنفيذ الهجمات من خال الشبكة المظلمة وقام بدفع المقابل من خال البيتكوين) 17 .)
وفي أكتوبر 2015، اعتقل مكتب التحقيقات الفيدرالي روس البرشت، مؤسس موقع "طريق الحرير)Silk Road(" وهو سوق افتراضي على الإنترنت يمكن للمستخدمين من خاله شراء المخدرات وغيرها من المنتجات غير القانونية باستخدام البيتكوين، وبعد اعتقاله استولى مكتب التحقيقات الفيدرالي على الموقع، وصادر كمية بيتكوين بقيمة حوالي 28.5 مليون دولار)18.)
4- تمويل التنظيمات الإرهابية: حذرت بعض المؤسسات الأمنية من إمكانية استخدام العمات الإلكترونية لتمويل التنظيمات الإرهابية بسبب إمكانية إخفاء هوية المتعاملين
والتدفقات المالية العابرة للحدود، وقد تكون عمليات تمويل الإرهاب من خال قيام التنظيمات الإرهابية بشراء البيتكوين عبر الإنترنت، والتواصل عبر الكوادر التي ستنفذ العمليات الإرهابية خارج سوريا والعراق، وتحويل مبالغ معينة من العمات الإلكترونية لشراء الأسلحة والمتفجرات عبر الشبكة المظلمة لتنفيذ هجمات إرهابية في الدول الأوروبية أو الولايات المتحدة، وهو ما دفع الاتحاد الأوروبي لاتخاذ إجراءات احترازية لمواجهة هذه التهديدات في فبراير .) 19( 2016
ختاماً، من المرجح أن يؤدي التوسع في الاعتماد على العمات الإلكترونية وتقنية البلوكتشين إلى إحداث تحولات جذرية في النظام النقدي العالمي، بحيث تصبح التدفقات المالية أكثر سرعة من أي وقت مضى، إلا أن هذه التحولات ستقترن بصعود غير مسبوق للتهديدات الأمنية متمثلة في تمويل الأنشطة الإجرامية والتنظيمات الإرهابية، بالإضافة إلى تهديدات القرصنة الإلكترونية ومخاطر انهيار قيمتها السوقية بسبب عدم وجود مؤسسات مركزية لمراقبة وضبط التعامات المالية الافتراضية.