Trending Events

ما بعد "داعش":

تحديات إعادة تأهيل المناطق المحررة من التنظيمات الإرهابية

- د. وليام جريش محاضر بالجامعة الأمريكية بدولة الإمارات العربية المتحدة

تحديات إعادة تأهيل المناطق المحررة من التنظيمات الإرهابية د. وليام جريش

تواجه عمليات إعادة تأهيل المناطق المحررة من ”داعش“في سوريا والعراق تحديات اقتصادية وديمغرافية وطائفية واجتماعية معقدة، يتمثل أهمها في العمليات الانتقامية للتنظيمات الإرهابية، والانقساما­ت القومية والطائفية، وانتشار الميلشيات المسلحة، والتكلفة الضخمة لإعادة الإعمار.

اأولاً: التقييمات المختلفة للتنظيمات الاإرهابية

على الرغم من التاريخ الممتد لإرهاب والذي قد يعود إلى الأحداث التي شهدتها الثورة الفرنسية، فإن النقاش حول التنظيمات الإرهابية في الشرق الأوسط عادة ما يستدعي بعض التنظيمات، مثل حزب الله وحماس ومؤخراً "داعش".

وتتبع وزارة الخارجية الأمريكية نهجاً قانونياً في تحديد التنظيمات الإرهابية باعتبارها الجماعات الأجنبية "التي تمارس نشاطاً إرهابياً" يهدد "أمن المواطنين الأمريكيين أو الأمن القومي")1(. وتشمل القائمة التي تصدرها وزارة الخارجية الأمريكية التنظيمات السابق ذكرها، بالإضافة لجماعات وتنظيمات إرهابية أخرى، مثل بوكو حرام في نيجيريا أو جماعة أبو سياف في الفلبين، ولا تضم هذه القائمة جميع المنظمات، وهي قابلة للتغيير حسب تعريف المصالح الأمريكية.

ولقد وضعت بعض الدول العربية قوائم بالتنظيمات الإرهابية، تضمنت حزب اله وحماس و"داعش" في الشرق الأوسط، وبوكو حرام وأبو سياف في الخارج، وكذلك غيرها من الجماعات الأخرى مثل الإخوان المسلمين والحوثيين في اليمن. وكما هي الحال في الولايات المتحدة، فإن التهديد الذي تمثله هذه الجماعات للدول العربية هو القاسم المشترك بينها. وهو ما يعني أن تعريف الجماعات الإرهابية يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالمصالح القومية) 2 .)

ويمكن في هذا الصدد الإشارة إلى الرؤية المزدوجة للأعمال المتطرفة لحزب اله وحماس، فبعض اللبنانيين والفلسطيني­ين يرفضون الإشارة إلى الطبيعة "الإرهابية" لهذه التنظيمات، ويفضلون التركيز على نشاطها الاجتماعي باعتبارها "مقاومة" ضد القوات الأجنبية، وأنهم يلجؤون إلى العنف كوسيلة ضرورية لتحرير أراضيهم)3.)

وعلى الرغم من اتفاق عدد كبير من دول الشرق الأوسط على ضرورة القضاء على التهديدات الإرهابية، من المستبعد أن يتم القضاء عليها في المدى القصير، ويتطلب وقف أنشطتها تنسيق عمليات مكافحة الإرهاب بين دول المنطقة، أو انهيار هذه الجماعات ذاتياً واندماجها في العمل السياسي)4.)

وعلى الرغم من أن وسائل الإعلام الدولية لم تول حزب اله وحماس اهتماماً كبيراً منذ عملية "الرصاص المصبوب" التي قامت بها إسرائيل في صيف عام 2014، إلا أنهما لن يختفيا عن المشهد السياسي في المنطقة ولا يزال حزب الله يقوم بدور مركزي في دعم نظام الأسد في الحرب الأهلية في سوريا، كما ظلت جماعة الإخوان المسلمين طرفاً مؤثراً في التفاعلات الإقليمية وهو ما اتضح خلال الأزمة القطرية.

ولا يعني انحسار سيطرة تنظيم "داعش" في العراق وسوريا، نهاية التنظيم، إذ إن "داعش" سيختفي باعتباره كياناً سياسياً يهيمن على مساحة مائة ألف كيلو متر مربع في سوريا والعراق لكن التنظيم سيظل ينفذ عمليات إرهابية من خلال كوادره وخلاياه المنتشرة في العراق وسوريا وخارجهما.

ثانياً: تحديات التنبوؤ بمرحلة ما بعد «داع�ص»

يتردد بين أوساط النخب السياسية في فرنسا قول مأثور مفاده أن "الحكم يعني التنبؤ"، إذ يفترض بالسياسي الجيد أن يتخذ قرارات سليمة في الوقت الراهن، مع الأخذ في الحسبان وضع بلاده خلال عشر سنوات قادمة. وتُظهر التطورات الأخيرة للسياسة الدولية أن رؤساء دول مجموعة العشرين قد تخلوا عن الطموح لقيادة بلدانهم إلى المستقبل، واضعين الأولوية لإدارة القضايا الراهنة، وترتبط معضلة التنبؤ في السياسة بعاملين رئيسيين هما إخفاق التحليل الأكاديمي وانتشار وتمدد الفاعلين من غير الدول. 1- إخفاق التحليل الأكاديمي: عجز الأكاديميو­ن عن تقديم تفسيرات مُرضية لواقع السياسة الدولية. ففي مجال الدراسات الأمنية، على سبيل المثال، يشير ستيفن مارين إلى أن المتخصصين في دراسات الاستخبارا­ت يعيدون اختراع "العجلة النظرية كل 15 عاماً" من دون تحقيق أي تقدم نظري في تخصصهم) .)

ولا يزال ما يسمى "الربيع العربي" يستعصي على التفسير والفهم، فعندما أشعل محمد بوعزيزي النار في نفسه، لم يتوقع أي أستاذ جامعي أو خبير في العالم العربي آنذاك اندلاع الثورات وانتشارها السريع، وعندما أعلن أبو بكر البغدادي تأسيس ما أسماه "الخلافة" في الموصل في يونيو 2014، لم يؤكد أي من العلماء أن "داعش" سيصبح القوة التخريبية الرئيسية في الشرق الأوسط، وربما في العالم أجمع خلال سنوات معدودة.

ولم يكن الغرب بمنأى عن التحولات غير المتوقعة، فالرأي العام الفرنسي لم يكن مستعداً لموجة الهجمات الإرهابية في الفترة من 2015 إلى 2016، ولم يتمكن أي أكاديمي من تفسير ما حدث وكيفية مواجهة الإرهاب في الغرب.

وجاء صعود قيادات جديدة إلى الساحة السياسية مثل دونالد ترامب مفاجئاً للمحللين، إذ لم يركز القادمون الجدد للسلطة مثل دوتيرتي في الفلبين على إعداد خطط طويلة الأمد مُعدة مسبقاً تسمح للرأي العام بتقييمهم عند الوصول للسلطة. وفي السياق ذاته، تراجعت هيمنة الأكاديميي­ن على الجدل العام وعملية صنع القرار التي استمرت حتى نهاية القرن العشرين، وتصاعد في المقابل دور المتخصصين في الاتصالات، إذ لم يعد المتخصصون في العلوم السياسية قادرين على صياغة السيناريوه­ات المحتمل حدوثها في المستقبل والتي كانت تساعد الأحزاب السياسية في طرح سياسات لمواجهتها.

وأدى الاهتمام الشديد بالاتصالات والإعلام إلى تراجع مكانة وأهمية الأكاديميي­ن، حيث إن الاتصال الجماهيري الفعال بات المحك الرئيسي للتأثير في الرأي العام والوصول للسلطة وليس البرامج الحزبية التي تركز على طرح سياسات وخطط مسبقة لمعالجة المشكلات.

ونتيجة لذلك، بدا الأكاديميو­ن، خاصةً ممن يحاولون وضع تصور للظواهر المعقدة، أقل كفاءةً من مستشاري الاتصالات، فدورهم في المجتمع لم يعد يختلف في الأساس عن دور الصحفيين، وهو بالتأكيد أقل فعالية من دور جماعات الضغط، خاصة في ظل التحولات السريعة والمفاجئة للتفاعلات الدولية التي عجز تخصص العلاقات الدولية عن متابعتها وتفسيرها. 2- تصاعد أدوار الفاعلين من غير الدول: أدى انتشار الفاعلين من غير الدول على الساحة الدولية إلى تزايد صعوبة تفسير التحولات الدولية، إذ لم تعد الدول هي الوحدات الدولية الأكثر أهمية ضمن العلاقات الدولية مع تعدد الفاعلين من غير الدول وتصاعد أدوارهم، خاصة في منطقة الشرق الأوسط منذ الحرب على العراق) .)

وأدى انتشار الدول الهشة في الشرق الأوسط إلى صعود فاعلين مُسلحين من غير الدول يهدفون للسيطرة على الدولة، مثل الحوثيين في اليمن، كما تصاعد اعتماد الدول على الفاعلين من غير الدول في تحقيق مصالحهم، حيث قامت إيران بدعم تأسيس حزب اله للدفاع عن مصالحها في لبنان عام 1982، وينطبق الأمر ذاته على دعم بعض القوى الإقليمية والدولية لفصائل مسلحة في بؤر الصراعات المسلحة في سوريا والعراق وليبيا.

وتظل الدول فواعل مهمة ولكنها ليست الوحيدة في إدارة التفاعلات في الشرق الأوسط، خاصةً في ظل استناد الفاعلين من غير الدول على دعم قطاعات وطوائف داخل المجتمعات وتمكن بعضها من تطوير قوة عسكرية تضاهي تلك التي تملكها الدول، بالإضافة لتزايد تأثيرات الفاعلين من غير الدول على التفاعلات الدولية.

ثالثاً: نموذج اإعادة التاأهيل الاأمريكي

تمكنت الولايات المتحدة الأمريكية من صياغة نموذج لإعادة تأهيل الدول في مراحل ما بعد الحروب، حيث طبقت الولايات المتحدة هذا النموذج في اليابان بعد الحرب العالمية الثانية من خلال مشروع مارشال، وإعادة بناء النظام السياسي الياباني بعد الحرب.

ووفقاً لما طرحه الحاكم المدني للعراق بول بريمر بعد

عام 2003 كانت السياسة الأمريكية في مرحلة ما بعد الحرب على العراق تهدف إلى إقامة دولة ديمقراطية تراعي حقوق الإنسان، وتركز على التنمية الاقتصادية وهو ما أخفقت الولايات المتحدة في تحقيقه، وتتمثل أهم اشكاليات النموذج الأمريكي في إعادة تأهيل الدول بعد الصراعات فيما يلي: 1- إخفاق التجارب الديمقراطي­ة: يعد الغزو الأمريكي للعراق بمنزلة نقطة تحول في النظرة إلى الديمقراطي­ة كحل في الشرق الأوسط، حيث بدأت الحرب الأهلية في العراق مع انتخابات عام 2005، وبدلاً من أن تعمل تلك الانتخابات على تهدئة البلاد، فإنها أدت إلى تفجير التوترات بين طوائف المجتمع.

وأدت تعقيدات التركيبة السكانية في العراق، وسعي التيارات الشيعية للهيمنة على الدولة إلى احتجاج الطوائف السنية والكردية، وفي ظل هذه التوترات الطائفية والقومية تأسست القاعدة في العراق، و"داعش" في فترة لاحقة.

وأسفرت انتخابات يناير 2006 في فلسطين عن فوز حركة حماس، فرع الإخوان المسلمين، على الرغم من ضآلة احتمالات نجاحهم، فلقد توقع الغرب فوز منظمة التحرير الفلسطينية. ولأن نتائج الاقتراع لم تتناسب مع خطة المجتمع الدولي، فلقد وصلت خطة إقامة دولة فلسطينية إلى طريق مسدود بسبب سعي حركة حماس لاحتكار السلطة في غزة.

وتكرر الأمر ذاته في مراحل ما بعد الثورات العربية بسعي التيارات الدينية للهيمنة السياسية وتوظيف العنف للاستمرار في السطلة، مما أثار تساؤلات وشكوكاً حول الديمقراطي­ة في الشرق الأوسط بأسره، وهو ما ينطبق على تنظيم الانتخابات في المناطق المحررة من "داعش" في ظل الاحتقان الطائفي الذي قد يؤدي إلى تفجر الصراعات الداخلية. 2- تعثر التنمية الاقتصادية: تُعتبر التنمية الاقتصادية أساس نجاح إعادة الإعمار في مراحل ما بعد الحرب، فلقد أعلن الجنرال الأمريكي جون ألين في أكتوبر 2016 أن بلاد الشام بحاجة إلى مشروع مارشال جديد.

وتحتاج التنمية الاقتصادية إلى تحقيق السلام والاستقرار، ومن غير المرجح أن يؤدي تحرير الموصل وتلعفر في العراق والمناطق التي تسيطر عليها "داعش" في سوريا إلى القضاء على العنف، إذ ستستمر المواجهات العسكرية نتيجة الحلقة المفرغة من الهجمات والعمليات الانتقامية.

وسيكون من المستبعد وفي ظل هذه الظروف المعقدة تحقيق الرخاء من خلال اقتصاد البقاء، القائم على الزراعة والخدمات الأساسية، والمساعدات الدولية.

وقد يُثني الوضع الحالي في العراق، وارتفاع مستوى الفساد في المؤسسات الحكومية، المنظمات الدولية والقطاع الخاص عن الاستثمار في المنطقة. خاصة في ظل عدم وجود نظام متوازن لتقاسم عوائد الثروات النفطية بين الحكومة المركزية والأقاليم، مثل إقليم كردستان. 3- إشكاليات العدالة الانتقالية: يؤدي تصدع مؤسسات الدولة لإعاقة تطبيق القانون والنظام، حيث إن بناء السلام في مراحل ما بعد الصراعات يتطلب مصالحة وطنية وعدالة انتقالية، وعادة ما يعمل "المفسدون"، كما عرّفهم ستدمان، على تقويض المفاوضات بسبب خسارتهم للسلطة) .)

وسيظل مؤيدو بشار الأسد أو أبو بكر البغدادي في حالة عداء تجاه أي انتقال للسلطة، مثلما أظهرت مؤتمرات الأستانة. وكما كانت الأوضاع بعد الحرب العالمية الثانية، ستكون مسألة محاكمة الزعماء السابقين قضية شائكة. من سيُحاكم، وفي أي محكمة، وبأي تهمة؟ ويبدو أن المحكمة الجنائية الدولية هي الأكثر تأهيلاً لهذه المهمة، ولكن هناك شكوكاً حول سماح المجتمع الدولي لها بمقاضاة الفاعلين السياسيين بتهم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية.

وقد يكون تأسيس محكمة خاصة للأوضاع في سوريا والعراق خياراً مطروحاً، فهو سيمهد السبيل للمصالحة الوطنية، وسيجمع الطوائف كافة على طاولة المفاوضات، لبحث وقف العنف وإيجاد حل سلمي، وقد تنتهي الحال بهذه المبادرة إلى طريق مسدود، مثلما حدث للمحكمة الخاصة بلبنان، فبعد ثماني سنوات من إنشائها، لم يتم حسم قضية اغتيال رفيق الحريري. ويتمثل الخيار الثاني في تنظيم مؤتمر للسلام على غرار نموذج هلسنكي، ففي الفترة بين عامي 1973 و1975، جمع مؤتمر الأمن والتعاون في أوروبا الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي وتم توقيع وثيقة هلسنكي الختامية، التي كانت خطوة مهمة في تخفيف التوتر المتزايد الناجم عن الحرب الباردة) .)

ولم تتمكن مؤتمرات الأستانة وجنيف إلى الآن من وضع خريطة للانتقال السياسي في سوريا في ظل الافتقاد لقوة رئيسية، مثل الولايات المتحدة بعد نهاية الحرب الباردة قادرة على فرض السلام على أطراف الصراع، واستيعاب وتحجيم أدوار الفاعلين من غير الدول.

وفي المجمل يفتقد النموذج الأمريكي في إعادة تأهيل الدول بعد الصراعات للمقومات الأساسية للنجاح في منطقة الشرق الأوسط، نتيجة عدم قدرته على استيعاب تعقيدات الأوضاع السياسية والمجتمعية والطائفية والديمغراف­ية والاقتصادي­ة في مناطق الصراعات.

عجز الأكاديميو­ن عن تقديم تفسيرات مُرضية لواقع السياسة الدولية. ففي مجال الدراسات الأمنية، على سبيل المثال، يشير ستيفن مارين إلى أن المتخصصين في دراسات الاستخبارا­ت يعيدون اخراع "العجلة النظرية كل 15 عاماً" من دون تحقيق أي تقدم نظري.

رابعاً: اإعادة اإنتاج «الق�ضية الفل�ضطينية»

تتشابه إدارة الصراع في فترة ما بعد الحرب في سوريا

والعراق إلى حد كبير مع القضية الفلسطينية، فسماتها العابرة للحدود الوطنية وتداخل أدوار الأطراف الداخلية والإقليمية، والتأثيرات المتزايدة للفاعلين من غير الدول تزيد من تحديات التوصل لتسوية بسبب تحول المواجهات إلى صراع اجتماعي ممتد، وفي هذا الإطار تتمثل أهم تعقيدات التسوية السلمية في سوريا والعراق فيما يلي: 1- التعقيدات الديمغرافي­ة: يتضح التشابه بين القضية الفلسطينية والأوضاع الراهنة في العراق وسوريا في تعقيدات الأوضاع الديموغراف­ية، فعقب الحرب العالمية الثانية، لم يمثل الفلسطينيو­ن أولوية بالنسبة إلى المنتصرين في الحرب العالمية الثانية، وعقب عام 1967 تزايدت مخيمات الفلسطينيي­ن في دول الجوار، وعلى عكس ما حدث للألمان في الفترة نفسها، على سبيل المثال، لم يتم استيعاب الفلسطينيي­ن في أي دولة، مما أدى لتصاعد الشعور بالاغتراب فيما بينهم.

واجتذبت منظمة التحرير الفلسطينية في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي تأييد ودعم أجيال الفلسطينيي­ن في المخيمات، كما قامت حركة حماس بحشد تأييد الشباب في الأراضي المحتلة بعد عام 1982.

وسيتعرض السكان في المناطق الواقعة تحت سيطرة "داعش" للمعضلة ذاتها بعد انحسار سيطرة التنظيم، إذ سيؤدي الشعور بالاضطهاد وسياسات التهميش إلى تفجر صراعات الهوية ضمن ثلاثة اتجاهات رئيسية: السنة في مواجهة الشيعة، والعرب في مواجهة الأكراد، والمتطرفون دينياً في مواجهة المعتدلين، وسيظل التطرف هو القاسم المشترك بين بعض الجماعات.

وستواجه الدول المجاورة لسوريا والعراق ضغوطاً وتهديدات متعددة عندما يقرر المجتمع الدولي الجغرافيا الجديدة لهما، فإما ستستمر سوريا والعراق بالحدود الحالية ذاتها والتركيبة السكانية المعقدة، أو ستزداد الأوضاع تعقيداً بسبب إقامة دولة كردية جديدة.

وسيؤدي المسار الأول المتمثل في الإبقاء على الدول الحالية لتفجر العداء الطائفي بين السنة والشيعة، والصراع بين المتطرفين والمعتدلين في سوريا والعراق، أما المسار الثاني المتمثل في انفصال الأكراد فسيؤجج العداء القومي بين العرب والأكراد. 2- الانتشار الداعشي: يمكن عقد مقارنة ثانية بين الأوضاع الراهنة في سوريا والعراق ونهاية الحرب في أفغانستان، فمنذ عام 1989، كان السؤال الذي طرحه قادة، مثل أسامة بن لادن هو: كيفية الاستمرار في القتال بعد اختفاء "العدو" ممثلاً في القوات السوفييتية، والحكومة الأفغانية الموالية لهم في كابول، وهو ما دفعهم لتنفيذ عمليات إرهابية خارج أفغانستان.

ولا يتوقع أن ينتهي الإرهاب بانحسار "داعش" في سوريا والعراق، حتى وإن استمرت الضربات الروسية ضد الخلايا الإرهابية المتبقية، حيث ستتشكل خلايا إرهابية جديدة، وسيجد الإرهابيون ملاذات آمنة في ثلاثة أنماط من المناطق تتمثل فيما يلي: أ- الدول الهشة: وتشمل الدول التي تصدعت مؤسساتها وباتت لا تخضع لحكم القانون مثل ليبيا وأفغانستان. ب- حواضن التطرف: وتضم الدول التي توجد بها خلايا متطرفة يمكنها حماية الكوادر التي تغادر سوريا والعراق، وهي تونس وفرنسا وروسيا التي تعد من أكثر الدول التي ينتمي إليها المقاتلون الأجانب بتنظيم "داعش". ج- مسار العودة: من المرجح أن يعود بعض المتطرفين إلى أوطانهم، وسيكون رصد كل منهم حينها أمراً شديد الصعوبة، وقد يشكلون تهديداً داخلياً لهذه الدول، خاصةً الدول العربية، وسيتسبب انتشار الجهاديين، في تأجيج العداء بين المجتمعات الإسلامية وغيرها من المجتمعات، مما سيسفر عن اضطرابات عالمية كبرى.

ختاماً، على الرغم من صعوبة التنبؤ بمرحلة ما بعد "داعش" في سوريا والعراق، فإنه يمكن استخلاص عدة اتجاهات يتمثل أهمها في أن الدول لم تعد الفاعل الأهم في العلاقات الدولية مع صعود التهديدات العابرة للحدود، مثل الإرهاب والتطرف وتمدد أدوار الفاعلين من غير الدول، أما الاتجاه الثاني فيتمثل في انتقال تأثيرات بؤر الصراعات إلى دول الجوار، وهو ما دفع بعض الدول لإقامة حواجز حدودية لمنع انتقال التهديدات إليها مثل إسرائيل.

ويتمثل الاتجاه الثالث في تصاعد احتمالات عدم تأهيل المناطق المحررة من "داعش" بحيث تظل مُقسمة يسودها العنف وعدم الاستقرار بسبب عدم رغبة الأطراف الدولية والإقليمية في التورط في تعقيدات عملية الانتقال السياسي.

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates