التكنولوجيا والعزلة كليف لاوسون
Technology and Isolation
شهد العالم خلال السنوات الماضية ثورة علمية وتكنولوجية أثرت على مختلف المجالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وفي هذا الإطار، صدر كتاب بعنوان "التكنولوجيا والعزلة"، يتناول مفهوم التكنولوجيا وعلاقته بالعزلة أو الفصل، حيث سادت فكرة أن استخدام التكنولوجيا يؤدي إلى العزلة الاجتماعية، غير أن هذه الفكرة أصبحت في الآونة الأخيرة موضعاً للتساؤل، خاصة مع ظهور التقنيات التكنولوجية التي تسهل التواصل بين الأفراد. وقد قام بتأليف الكتاب "كليف لاوسون" مدير قسم الدراسات الاقتصادية في كلية جيرتون في جامعة كامبريدج.
مفهوم العزل
أشار "لوسون" إلى أن العلم التطبيقي يعني أن العزل هو "العملية التي يمكن من خلالها فهم الآليات المختلفة التي تفسر وقوع أحداث معينة قد تكون منفصلة ومنعزلة عن بعضها البعض".
ومن هذا المنطلق يرى أن مفهوم التكنولوجيا يشير إلى عملية العزل أو الفصل باعتبارها إنتاج أنواع جديدة من المواد لكي تتمتع بقدرات مختلفة، أي أن التكنولوجيا تعني تغيير شكل العلاقة بين المدخلات والمخرجات في العملية الإنتاجية.
ورأي الكتاب أنه لا يجب النظر إلى المنتجات التكنولوجية باعتبارها غاية في حد ذاتها، بل على أنها أدوات لتحقيق أهداف معينة، وفي هذا الإطار حاول "لوسون" الربط بين مفهوم التكنولوجيا وعلم الأنطولوجيا، فأوضح أن عملية توظيف المنتجات التكنولوجية تتم عبر مرحلتين: صناعة الأدوات التكنولوجية، ثم توظيفها في البيئة الاجتماعية بما يسهل على البشر حياتهم.
وتشمل عملية التصنيع إنتاج أدوات أكثر "أنطولوجية" أي أكثر تأثيراً في المجتمع، وهو ما يثير إشكاليات أخرى، حيث تعتبر التكنولوجيا مسؤولة عن حدوث مجموعة من التغيرات الاجتماعية والثقافية والمؤسسية.
تقييمالتداعيات
عرض الكتاب العلاقة بين النظريات النسوية والتكنولوجيا، حيث ظهر مصطلح "التكنولوجيا" - من وجهة نظر المدارس النسوية – من قبل المهندسين الذكور البيض، وأدى ذلك إلى الحد من أهمية بعض الأعمال اليومية التي تفوقت في أدائها النساء، واعتبارها مجالات من السهل إنجازها بالاعتماد على الأدوات التكنولوجية المختلفة، يضاف إلى هذا زيادة الاهتمام الموجه إلى الأنشطة الذكورية المرتبطة بإنتاج الآلات ومعدات الحروب، حتى أصبح إتقان التكنولوجيا يُنظر إليه كمصدر للسلطة الذكورية.
كما قام بعرض رؤية كل من "ماركس" و"هيدجر" لمفهوم التكنولوجيا باعتبارها شرطاً ونتيجة في الوقت نفسه لأي نشاط إنتاجي تقني؛ حيث رأى "هيدجر" أن التكنولوجيا تنطوي على تغييرات سلبية لا مفر منها، وأن الأفراد يشاركون في تحويل العالم وأنفسهم إلى مجرد مواد خام أو "احتياطيات دائمة" قابلة للسيطرة عليها، كما قام بالتركيز على عامل الفصل أو العزل الذي تقوم عليه التكنولوجيا.
أما "ماركس" فيرى أن "التكنولوجيا" تشير إلى مزيج من الوعي بالتقدم، مع الاعتراف بقدرة الابتكارات على تطوير العالم، ولكن غالباً ما يقوم بتطوير الأدوات التكنولوجية أولئك الذين يتمتعون بأكبر قدر من القوة والسيطرة على الموارد والتفاعلات الاجتماعية، وركز على تأثير التكنولوجيا الجديدة في تغيير نظام العلاقات والقواعد الاجتماعية القائمة.
الديمقراطية والتكنولوجيا
ومن ناحية أخرى لفت الكتاب الانتباه إلى العلاقة بين الديمقراطية والتكنولوجيا، حيث أشار إلى أن التكنولوجيا ليست محايدة بل هي عملية موجهة لتحقيق أهداف محددة، وتشير بعض التحليلات إلى أن التكنولوجيا تأتي على رأس الأسباب الرئيسية التي أدت إلى الهيمنة الرأسمالية، والصراع على السلطة، والسعي لبسط مزيد من السيطرة على المجال السياسي.
فتقوم النخبة المسيطرة على عملية صنع السياسات العامة باستخدام المنتجات التكنولوجية في معرفة توجهات المواطنين، ومحاولة التأثير عليها، وهو ما يطرح تساؤلاً حول مدى مشروعية استخدام بعض هذه الأدوات التكنولوجية في مجتمع ديكتاتوري مما يعني مزيداً من التصرفات غير الأخلاقية من قبل النخبة الحاكمة تجاه المواطنين.
وختاماً، طرح "لوسون" رؤيته لدور التكنولوجيا، والتي تتمثل في أنه يجب التعامل مع التكنولوجيا باعتبارها من الظواهر الاجتماعية، مع ضرورة إيجاد حلول للمشكلات المرتبطة بها، ولا يمكن تحقيق هذا من دون الاعتماد على التطورات الحديثة نسبياً في النظريات الاجتماعية، وتحديداً علم الانطولوجيا الاجتماعية.