الاحتكارات السي4انية:
توسع الاستحواذات على شركات التكنولوجيا الناشئة
توسعت الشركات التكنولوجية الك4ى عمليات الاستحواذ على الشركات الناشئة؛ بهدف تحجيم المنافسة واKسراع تطوير منتجاتها وخدماتها، وخفض ميزانيات البحوث والتطوير من خلال تملك ا فكار والابتكارات الناجحة، والتي تنال قبول جمهور المستهلكين، باKضافة إV التوسع Yالات أخرى لتنويع الاستثمارات وتقليل اﻟﻤﺨاطر.
اأولً: انت�سار ال�ستحواذات في القت�ساد العالمي
تعددت عمليات الاستحواذ خال العام الحالي نتيجة لحالة الاستقرار النسبي لاقتصاد العالمي، وتباطؤ إقرار سياسات الإصاح الضريبي في الولايات المتحدة والدول الأوروبية، وهو ما دفع الشركات الكبرى لتعزيز قدراتها التنافسية وخفض تكاليف عمليات التطوير، بالإضافة إلى التوسع في أنشطتها الاقتصادية من خال الاستحواذ على شركات تعمل في نشاطها نفسه أو قطاعات أخرى وثيقة الصلة بنشاطها الرئيسي.
ولقد شهد عام 2017 صعوداً كبيراً في صفقات الاستحواذ من جانب الشركات الكبرى، حيث أكدت بيانات تومسون رويترز زيادة صفقات الاستحواذ التي تتجاوز قيمتها 10 مليارات دولار في الربع الثالث من عام 2017، حيث وصلت قيمتها الإجمالية حوالي 2.4 تريليون دولار، وهو ما يمثل زيادة قدرها حوالي 2% عن الفترة ذاتها خال عام 1( 2016.)
وشملت قائمة صفقات الاستحواذ الكبرى هذا العام قيام شركة "فورتوم" الفنلندية للطاقة بعقد صفقة لاستحواذ على شركة "يونيبر" الألمانية لإدارة وصيانة المنشآت بقيمة بلغت حوالي 8 مليارات يورو. كذلك استحوذت شركة هيلمان آند فريدمان المتخصصة في المبيعات العقارية على شركة "نتس" Net() الاسكندنافية المختصة في معامات المدفوعات في سبتمبر 2017 في صفقة قيمتها 5.3 مليار دولار)2.)
وقامت شركة "تكسترون" للصناعات العسكرية بالاستحواذ على شركة "آركتيك كات" Arctic Cat( ) المتخصصة في صناعة القطارات ومركبات الجليد في يناير 2017 في صفقة قيمتها 247 مليون دولار)3(، كما استحوذت "الشركة البريطانية الأمريكية للتبغ" على شركة "ريونولدز أمريكان" المتخصصة في صناعة التبغ في صفقة ضخمة بلغت قيمتها 49.4 مليار دولار)4.)
واستكملت شركة "جونسون آند جونسون" لمستحضرات التجميل استحواذها على شركة "آكتليون" للصناعات الدوائية في صفقة تجاوزت قيمتها 31.3 مليار دولار في يونيو 5( 2017.) واستحوذت أيضاً شركة "سافران" الفرنسية لصناعة محركات الطائرات والصواريخ على شركة "زودياك" الفرنسية لصناعة الطائرات بحوالي 10.3 مليار دولار)6.)
ووفقاً لبيانات "معهد الاندماجات والاستحواذات والتحالفات" IMAA(،) من المتوقع أن ترتفع القيمة الإجمالية لعمليات الاندماج والاستحواذ في العالم إلى 4 تريليونات دولار لتتجاوز ما يقارب 40 ألف صفقة بنهاية عام 2017.
وتصدر القطاع الصناعي قائمة صفقات الاستحواذ التي تمت بين عامي 1985 و2017، حيث وصلت حوالي 125 ألف صفقة بقيمة 6 تريليونات دولار، وفي المرتبة الثانية جاءت صفقات الاستحواذ في المجال التكنولوجي التي تجاوزت 118 ألف صفقة بقيمة تقدر بنحو 5 تريليونات دولار. فيما يأتي القطاع المالي في المرتبة الثالثة من حيث عدد الصفقات التي بلغت أكثر من 111 ألف صفقة بقيمة 10.8 تريليون دولار)7.) وفي منطقة الشرق الأوسط، كشف تقرير أصدرته مؤسسة ماكنزي في أكتوبر 2017 عن ارتفاع صفقات الاستحواذ في منطقة الشرق الأوسط لمستويات قياسية في عام 2017، حيث مثلت صفقات الاستحواذ حوالي 70% من الصفقات التي تم عقدها في الربع الثالث من عام 2017، وارتفعت قيمتها بنسبة 517% عن الربع الثاني من العام نفسه مدفوعة باستحواذ شركة "المملكة القابضة" على البنك السعودي الفرنسي بقيمة 1,54 مليار دولار أمريكي.
وارتفعت قيمة الاستحواذات في المنطقة أيضاً بفضل صفقة استحواذ شركة "ترونكس" الأميركية الناشطة في قطاع إنتاج "ثاني أكسيد التيتانيوم" على شركة "كريستال" السعودية مقابل 2,2 مليار دولار)8.)
أما فيما يتعلق بعدد الصفقات في منطقة الشرق الأوسط في الربع الثالث من عام 2017 فقد بلغ حوالي 35 صفقة، وتصدرت الإمارات العربية المتحدة دول المنطقة من حيث عدد الصفقات بحوالي 18 صفقة، وجاءت في المرتبة الثانية البحرين بتسع صفقات استحواذ)9.)
ثانياً: تزايد عمليات ال�ستحواذ في قطاع التكنولوجيا
كثفت شركات التكنولوجيا من عمليات الاستحواذ بصورة غير مسبوقة للتكيف مع ضغوط تقلب الأسواق واحتدام المنافسة، بالإضافة إلى تلبية الطلب المتصاعد من جانب المستهلكين على المنتجات والخدمات التكنولوجية غير التقليدية وهو ما دفع شركات التكنولوجيا الضخمة مثل آبل ومايكروسوفت وسيسكو وأمازون للتوسع في شراء الشركات الناشئة )Start Ups( التي تقدم منتجات وخدمات تحظى بقبول جماهيري وانتشار واسع النطاق لتعزيز قدراتها التنافسية.
وتجاوزت قيمة الاستحواذات في قطاع التكنولوجيا من يناير حتى سبتمبر 2017 حوالي 83 مليار دولار وبلغ عدد صفقات الاستحواذ حوالي 644 صفقة ركزت على الشركات في مجالات الطباعة ثاثية الأبعاد والذكاء الاصطناعي والنظم ذاتية الحركة، والربوتات والدرونز وتطبيقات الواقع الافتراضي والواقع المعزز)10 .)
وعلى سبيل المثال، قامت شركة "آبل" بالاستحواذ على عدد كبير من الشركات الناشئة في عام 2017 لتطوير منتجاتها من دون تحمل تكلفة إضافية لاستثمار في قطاع البحوث والتطوير، حيث قامت بالاستحواذ على شركات "لاتيس داتا" المتخصصة في تطبيقات الذكاء الاصطناعي لتطوير المساعد الشخصي "سيري" SIRI() المثبت على هواتفها)11(، وشركة "سينسوموتوريك" المتخصصة في تطبيقات وتقنيات مسح بصمة العين)12(، وشركة "ريجايند" المتخصصة في الرؤية الحاسوبية)13(، وشركة "باورباي بروكسي" المتخصصة في الشحن الاسلكي للهواتف الذكية)14.)
وقامت شركة "ألفابت" Alphabet() التي تدير شركة جوجل بالاستحواذ على قطاع الهواتف الذكية التابع لشركة "إتش تي سي" لإنتاج هاتفها المحمول "بيكسل" في سبتمبر 2017 بقيمة 1.1 مليار دولار)15(، كما شملت قائمة الاستحواذات شراء شركة مايكروسوفت لشركة كاريتي Clarity() لبرمجيات الاستشارات وتطبيقات الحوسبة السحابية في يونيو 2017، واستحواذ شركة زيروكس على شركة "إم تي تكنولوجي" MT Technologies( ) المتخصصة في توزيع الأدوات المكتبية لتعزيز شبكة توزيعها في الولايات المتحدة.
كما قامت شركة "بالو آلتو" Palo Alto( ،) بالاستحواذ على شركة "لايت سيبر" LightCyber() في فبراير 2017 لتعزيز إنتاجها في مجالات تعلم الآلات Machine learning( ) والنظم ذاتية التوجية، واستحوذت شركة أمازون على شركة "سوق" لتجارة التجزئة الإلكترونية ضمن استحواذات أخرى قامت بها لتعزيز أنشطتها التجارية والتكنولوجية)16.)
وسجلت شركة "سيسكو" أرقاماً قياسية في عدد الاستحواذات التي نفذتها في عام 2017، حيث قامت بالاستحواذ على شركة "مايندمليد" MindMeld() المتخصصة في الذكاء الاصطناعي، وشركة "فيبتيا" Viptela() المتخصصة في تطوير البرمجيات وشركة "آب ديناميكس" AppDynamics() المتخصصة في تحليل وتقييم التطبيقات، وبلغت قيمة الصفقة الأخيرة حوالي 3.7 مليار دولار)17(، كما قامت شركة سيسكو بشراء شركة
"بيرسبيكا" المتخصصة في الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلات والرصد، وهي عملية الاستحواذ رقم 200 التي تقوم بها الشركة خال تاريخها البالغ 33 عاماً) .)
ثالثاً:دوافعال�ستحواذاتالتكنولوجية
تسعى شركات التكنولوجيا الكبرى من خال عمليات الاستحواذ لتكوين تكتات اقتصادية ضخمة تهيمن على أكبر نصيب من سوق التكنولوجيا من خال تعزيز القدرة على المنافسة بالتوازي مع خفض تكلفة المنتجات والخدمات وزيادة الأرباح، وتتمثل أهم دوافع الاستحواذات التكنولوجية فيما يلي: 1- تعزيز القدرة على المنافسة: رأى موردخاي كورز أستاذ الاقتصاد بجامعة ستانفورد أن الشركات التكنولوجية الكثيفة تحولت إلى كيانات احتكارية عماقة مطلقاً عليهم مُسمى "المحتكرين الجدد" New Monopolists( ) وهو ما يفسره بعمليات الاستحواذ الضخمة التي تقوم بها هذه الشركات لتعزيز قدرتها على النمو السريع من خال السيطرة على كامل مراحل العملية الإنتاجية والاستحواذ على الشركات الصاعدة التي قد تنافس الشركة في المستقبل) .) 2- توسيع قاعدة المستهلكين: تتسابق الشركات الكبرى على الاستحواذ على الشركات التي تتمكن من تحقيق رضاء المستهلكين عن منتجاتها وخدماتها في فترة زمنية قصيرة بهدف توسيع قاعدة المستهلكين لمنتجات وخدمات الشركة مثل استحواذ شركة فيس بوك على تطبيقات متعددة ذات جماهيرية واسعة النطاق، مثل تطبيق واتس آب للمحادثات، وتطبيق إنستجرام لتبادل الصور، واحتفظ التطبيقان باسميهما التجاري كي تتمكن فيس بوك من الاستفادة من انتشارهما العالمي، وهو ما ينطبق على استحواذ ميكروسوفت على تطبيق "سكايب" للمحادثات وموقع "لينكد إن") .) 3- امتاك التكنولوجيا الجديدة: تهدف شركات التكنولوجيا الكبرى لاستحواذ على أي تكنولوجيا جديدة تتصل بمجالات عملها لتعزيز قدراتها التنافسية، فبدلاً من تخصيص موارد ضخمة لقطاعات البحوث والتطوير، تقوم الشركات الكبرى بشراء الشركات الناشئة التي تتوصل لتقنيات فريدة من نوعها، مما يسهم في تطوير منتجاتها بصورة سريعة على غرار استحواذات شركة آبل على شركات ناشئة أسهمت في تطوير هواتف "آي فون" مثل تطبيق "سيري" وخاصية "الشحن الاسلكي" وإمكانية إغاق الهاتف ببصمة العين) .) 4- خفض تكلفة الإنتاج: تلجأ بعض الشركات الكبرى لاستحواذ على شركات صغرى خارج دولها لاستفادة من الإعفاءات الضريبية في الخارج، وتقليل حجم الضرائب التي تقوم بدفعها داخل الدولة، كما يمكن للشركات التكنولوجية الكبرى خفض تكلفة الإنتاج من خال نقل بعض عمليات الإنتاج والخدمات الوسيطة إلى شركات خارج الدولة تقوم بشرائها للقيام بمهام، مثل تطوير منتجات جديدة أو تصنيع المنتجات وتقديم خدمات الدعم الفني والتواصل مع العماء)22.) 5- تنويع الأصول والأنشطة: قد تتجه الشركات لاستحواذ على شركات في قطاعات أخرى بهدف تنويع الأصول والأنشطة واستثمار الفوائض الرأسمالية في شركات ناجحة من أجل توسيع أنشطة الشركة، وتعد شركة أمازون نموذجاً على هذا النوع من الاستحواذات، حيث قامت خال الفترة بين عامي 2008 و2017 بتنفيذ عدد من الاستحواذات الضخمة في قطاعات مختلفة من بينها شراء شركة "أوديوبيل" المتخصصة في برامج الصوت والترفية، وشركة "كويدسي" المتخصصة في إدارة منصات التجارة الإلكترونية، وشركة "كيفا سيستمز" المتخصصة في صناعة روبوتات التخزين، وشركة "تويتش إنترآكتيف" المتخصصة في تصميم ألعاب الفيديو، وفي يونيو 2017 عقدت أمازون صفقة ضخمة بالاستحواذ على سلسلة متاجر "هول فودز" لتجارة الأغذية، وبلغت قيمتها حوالي 13.7 مليار دولار)23 .)
رابعاً:التاأثيراتالقت�ساديةللا�ستحواذات
تتفاوت تأثيرات الاستحواذات في قطاع التكنولوجيا وفقاً لعدة معايير من بينها حجم وقوة الشركة التي يتم الاستحواذ عليها، فالشركات الناشئة صغيرة الحجم أكثر قابلية للخضوع للشركات الكبرى، بحيث تتماهي في كيانها بسرعة كبيرة، بينما تستعصي الشركات الكبرى، من حيث الحجم ورؤوس الأموال والخبرات المتراكمة وعدد الموظفين، على عمليات الاستحواذ بسبب المقاومة المؤسسية، وهو ما يتطلب مراحل انتقالية ممتدة تتم خالها عملية تفكيك الشركة تدريجياً مع تصفية القطاعات الأكثر مقاومة لاستحواذ.
وقد يترتب على الاستحواذات إضعاف بعض القطاعات داخل الشركات المستحوذة، مثل قطاعات البحوث والتطوير التي يتم تقليص مواردها المالية لأن الاستحواذ السريع على الشركات الناشئة يسهم في تطوير المنتجات والخدمات وامتاك تكنولوجيا جديدة من دون تحمل تكلفة التطوير التكنولوجي التدريجي، إلا أن ذلك يؤثر على قدرة الشركة على المنافسة على المدى البعيد مع تزايد اعتمادها على شراء التكنولوجيا الجديدة.
وفي المقابل، تؤكد بعض المصادر أن عمليات الاستحواذ تسهم في تعزيز معدلات الابتكار داخل الشركات التكنولوجية وهو ما يمكن قياسه من خال رصد عدد براءات الاختراع التي يتم تسجيلها عقب الاستحواذ على شركات أخرى، كما تسهم الاستحواذات وفقاً لهم في التكيف مع التغيرات التكنولوجية السريعة وتلبية الطلب المتزايد على التقنيات غير التقليدية بالإضافة إلى نقل المعرفة من الشركات التي يتم الاستحواذ عليها إلى الشركة القائمة بالاستحواذ) .)
وتتسبب عمليات الاستحواذ في تصاعد الاحتكارات وضعف التنافسية نتيجة تقاسم الشركات الكبرى للأسواق والتوافق فيما بينها على مستويات الأسعار والتحكم في حجم الإنتاج والعرض والطلب والاتجاه لرفع أسعار المنتجات والخدمات، مما يزيد الضغوط على المستهلكين ويقلص قدرة الشركات الناشئة على النمو والمنافسة في هذه البيئة الاحتكارية)25.)
ويترتب على الاستحواذات في قطاع التكنولوجيا، إعادة هيكلة الكيانات التي يتم الاستحواذ عليها من خال تصفية القطاعات الخدمية التي لا تتصل بالتكنولوجيا، مثل الخدمات المعاونة واللوجستية مما يؤدي لارتفاع مستويات البطالة، خاصة بين العمالة منخفضة المهارات وكذلك في حالة نقل بعض القطاعات الإنتاجية والخدمية إلى الخارج لخفض التكاليف.
وتتحمل الشركات الكبرى التي تعتمد على الاستحواذ على الشركات الناشئة تكلفة ضخمة نتيجة القيام بعمليات إعادة تأهيل لموظفي الشركات التي يتم الاستحواذ عليها لدمجهم داخل الشركة، بالإضافة إلى عملية إعادة الهيكلة التي تتعرض لها الشركة القائمة بالاستحواذ لاستحداث قطاعات جديدة وتطوير قطاعات قائمة، فضاً عن تزايد المنافسة الداخلية والاحتكاكات بين الموظفين القدامى ونظرائهم الجدد القادمين من الشركات التي يتم الاستحواذ عليها)26.)
وتواجه الشركات الكبرى أيضاً مخاطر ظاهرة "فائض العمل" التي تحدث حينما تزيد كثافة الموظفين والعاملين في بعض القطاعات عقب الاستحواذ، بالإضافة إلى "ازدواجية الإنتاج" التي قد تحدث في حالة وجود قطاعات متطابقة في مهامها وأنشطتها داخل الشركة التي تقوم بالاستحواذ والشركة التي يتم شراؤها مما يتسبب في إرباك عمليات الإنتاج ويزيد من التكاليف خال المراحل الانتقالية قبل أن تقوم الشركة بإعادة هيكلة شاملة)27 .)
ختاماً، على الرغم من المخاطر التي قد تترتب على الاستحواذات في قطاع التكنولوجيا، فمن المرجح أن تتزايد عمليات الاستحواذ في هذا القطاع بسبب ضغوط المنافسة وسرعة التغيرات التكنولوجية والطلب الضخم على الابتكار والتطوير، والسعي لخفض تكلفة الإنتاج والهيمنة على الأسواق، وهو ما يزيد من أهمية الشركات الناشئة التي باتت تعتبر بمنزلة الشريان الرئيسي لابتكار بالشركات التكنولوجية الكبرى.