Trending Events

لماذا تضغط الدول الغربية على الإعلام الروسي؟

- أ. برتراند فيالا

اتخذت الولايات المتحدة خطوتين في خريف 2017، تهدفان إلى تحجيم وسيلتي إعلام مملوكتين للحكومة الروسية، هما قناة “روسيا اليوم” و”وكالة سبوتنيك” جزئياً.

جاءت الخطوة الأولى في سبتمبر 2017، عندما طلبت وزارة العدل الأمريكية من "روسيا اليوم"، أن تسجل ذراعها الأمريكية بموجب "قانون تسجيل المنظمات الأجنبية". كما يتم النظر في تسجيل وسائل إعامية أخرى، مثل "سبوتنيك"، إلى جانب وسائل إعام أخرى أصغر حجماً.

وقد سُنّ قانون تسجيل المنظمات الأجنبية عام 1938، ويهدف إلى التمييز بوضوح بين الصحفيين المستقلين، وأولئك الذين يعتبرون وكاء أجانب يمثلون مصالح ووجهات النظر السياسية لحكومة أجنبية.

بيد أن الخطوة الأقوى تتعلق ب"تويتر"، حيث قررت الشركة في أكتوبر 2017 حظر الإعانات على جميع الحسابات التي تمتلكها "روسيا اليوم" و"سبوتنيك"، لكنها لم تحظر الحسابات ذاتها.

اتهامات مبا�سرة

تصوير وسائل الإعام الروسية على أنها متحيزة ومتاعبة ليس جديداً، فالطريقة التي تُصاغ بها الاتهامات الآن حاضرة منذ قرابة عقد من الزمان، ولكن الجديد هو زيادة حدة الاتهامات التي بلغت أوجها خال المعارك الانتخابية في الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة وفرنسا وهولندا وألمانيا عامي 2016 و2017، حيث وُجّهت الاتهامات المباشرة على نطاق واسع بشأن التدخل في هذه الانتخابات عبر جهات مختلفة، رسمية وغير رسمية، سواء من قِبل وسائل الإعام أو رؤساء الدول، مثل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.

ويُعد قرار البرلمان الأوروبي "قرار 23 نوفمبر 2016 بشأن الاتصالات الاستراتيج­ية لاتحاد الأوروبي للتصدي للدعاية الموجهة ضده من قبل أطراف ثالثة" مثالاً للتصورات الغربية حول وسائل الإعام الروسية، على الرغم من أنه لم يذكر وسيلة بعينها. وينص البند 9 من القرار على أن "روسيا تمتلك القدرة والنيّة للقيام بعمليات تهدف إلى زعزعة استقرار الدول الأخرى، وأن هذا غالباً ما يأخذ شكل دعم المتطرفين السياسيين، والتضليل واسع النطاق، والحمات الإعامية". كما ينص البند 14 على أن روسيا "تستغل الافتقار إلى المساءلة في تنظيم وسائل الإعام". والنقطة المثيرة لاهتمام هي أن القرار يستهدف تنظيم "داعش" أيضاً، مساوياً بينه وبين وسائل الإعام الروسية.

تباين اأوروبي - اأمريكي

على الرغم من الاتفاق الغربي على النظرة السلبية إلى النشاط الإعامي الروسي، فإنه لا يوجد توافق في الآراء حول كيفية التصرف مع وسائل الإعام هذه. فقرار البرلمان الأوروبي، الصادر في نوفمبر 2016، يصف هذه الوسائل بأنها جزء من "حملة تخريبية أكبر"، والولايات المتحدة نشرت رؤية مماثلة في تقرير استخباراتي صدر في

يناير 2017، جاء فيه: "آلة الدعاية التي تديرها الدولة الروسية تتألف من جهاز الإعام المحلي، ووسائل الإعام التي تستهدف الجماهير العالمية، مثل روسيا اليوم وسبوتنيك، وشبكة من المتصيدين شبه الحكوميين".

ويتهم التقرير تلك الوسائل بأنها سعت للتأثير على الانتخابات الأمريكية عام 2016، من خال تقديم تغطية موجهة ومتحيّزة. ويبدو أن هذا التقرير قد شكّل الأساس لتبرير رسمي للخطوة التي اتخذتها وزارة العدل وشركة "تويتر".

في المقابل لم يتخذ الاتحاد الأوروبي خطوات مشابهة ضد "روسيا اليوم" أو "سبوتنيك". وفي سبتمبر 2017، وفي الوقت الذي أصدرت فيه وزارة العدل الأمريكية إنذارها النهائي ل"روسيا اليوم"، وافق "المجلس الأعلى للقنوات الإذاعية والتلفزيون­ية في فرنسا"، المنوط به تنظيم وسائل الإعام، على تدشين الفرع الفرنسي ل"روسيا اليوم"، شريطة الالتزام بالشفافية.

وفي مقابلة مع مجلة فرنسية في سبتمبر 2017، قال أوليفيه شرامك، رئيس مجلس إدارة المجلس المذكور: "توخينا الحذر الشديد. عقدنا نقاشاً مستفيضاً حول القناة التي شعرنا تجاهها بكثير من عدم الثقة، وسوف نتابعها عن كثب".

العتبارات الداخلية الأمريكية

تظهر ردود الفعل الأمريكية - الأوروبية أن الخطوة الأمريكية لا تزال معزولة. وربما تكون جزءاً من نهج انتقامي ضد القيود المفروضة في روسيا ضد "إذاعة صوت أمريكا" بعد تولي الرئيس بوتين السلطة. ووفقاً لما ذكره باحث بريطاني، كان هناك أكثر من 30 محطة لإذاعة "صوت أمريكا" عندما أصبح بوتين رئيساً لوزراء روسيا، ولا يوجد حالياً أي منها. ومع ذلك يبدو أن معظم الإجراءات يتعلق بالأوضاع الداخلية الأمريكية. ومن المستحيل الفصل بين هذه الإجراءات وتكثيف التحقيقات حول تواطؤ مُحتمل بين حملة رئاسة ترامب والروس.

أما خطوة "تويتر" فهي تعكس محاولة لمعالجة القلق المتنامي بشأن دور وسائل التواصل الاجتماعي في نشر الأخبار المزيفة وخطاب الكراهية. لقد كان "تويتر" محط اهتمام لفترة طويلة فيما يتصل بالجدل حول الخطاب المتعلق بالإرهاب والمضايقات الجنسية والنازيين الجدد. وقد أظهر بحث أعده أحد أقسام معهد أكسفورد للإنترنت، ونُشر في يونيو 2017، أن 45% من الحسابات النشطة جداً على "تويتر" في روسيا كانت عبارة عن روبوتات، وليست أشخاصاً حقيقيين، وهي تستخدم لخلق إجماع زائف.

وتجدر الإشارة إلى أن النقاش بشأن الأخبار المزيفة لم يقتصر على وسائل الإعام الروسية فقط. إذ تُظهر دعوى قضائية رُفعت ضد شبكة "فوكس نيوز" عام 2017، أن النقاش حول وسائل الإعام والأخبار الزائفة في الولايات المتحدة موجّه في معظمه ضد رئاسة ترامب أكثر من التهديد الجوهري المزعوم من قبل روسيا.

وفيما يتعلق بالقضية، ركزت الاتهامات الموجهة إلى القناة، المعروفة بنشر آراء قوية مؤيدة لترامب، على محاولتها اختاق قصة حول وفاة أحد مستشاري اللجنة الوطنية للحزب الديمقراطي بغية تشتيت الانتباه عن المناقشات الدائرة حول عاقة بعض مستشاري ترامب بروسيا.

مكا�سب رو�سية محتملة

في خضم هذه المناقشات والاتهامات الداخلية الشرسة، يبدو أن وسائل الإعام المملوكة للحكومة الروسية قد لعبت دوراً متنامياً في بث مواد انتقامية لكلٍّ من طرفي المعركة ضد الآخر. وفيما يتعلق بالخطوة التي اتخذت إعمالاً ل"قانون تسجيل المنظمات الأجنبية"، يؤكد مات آرمسترونغ، الباحث في "كينجز كوليدج لندن"، أن هذا قد يعزز مصداقية "روسيا اليوم" ويدعم ادعاءات روسيا بأن الغرب يكيل بمكيالين: "سوف يشكون بشدة من الظلم والتمييز ضدهم باعتبار ذلك هجوماً على حرية التعبير وتدخاً للحكومة في الصحافة. ويحدث هذا في الوقت الذي يلتهم فيه جمهورها ما يقدم له".

وفيما يتعلق بالخطوة التي اتخذها "تويتر"، فإن التوصل إلى إجماع في الآراء بين الخبراء أمر بعيد المنال، إذ يمكن التشكيك بقوة في الأسباب التي دعت إلى استهداف وسائل الإعام المملوكة للحكومة الروسية، بينما يُترك المتصيدون الآخرون غير المحددين يبثون الأفكار المتطرفة والعنصرية والكراهية على وسائل التواصل الاجتماعي. ومن بين العواقب المتوقعة الأكثر سوءاً، استخدام أدوات مماثلة في دول أخرى للتصدي لتأثير وسائل الإعام الغربية، وتعميم الرقابة على وسائل التواصل الاجتماعي، مما يحد من حرية التعبير. وعاوة على ذلك، لا تحقق الخطوة السابقة الهدف المتمثل في اتخاذ إجراءات ضد الحسابات المشبوهة، الأكثر إضراراً وصعوبة في اكتشافها.

وختاماً، فإن جميع وسائل الإعام، روسية أو غير روسية، خاصة أو حكومية، تستخدم وسائل التواصل الاجتماعي على نطاق واسع، ومن ثم فقد يتم النقل عنها من قبل المتصيدين، وتقديم نسخة مشوهة أو غير مشوهة للحقائق والواقع. وهكذا، يبدو أن الجزء القسم الأكبر مما يتعين القيام به يقع على عاتق منصات التواصل الاجتماعي، التي ينبغي تشجيعها على فرض رقابة على خطاب الكراهية والتحقق من الحسابات المجهولة الهوية بدلاً من مهاجمة وسائل الإعام نفسها.

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates