Trending Events

ما هو مستقبل منظمة التجارة العالمية؟

- د. يوسف بن حمد البلوشي

في ظل تنامي دعوات الحمائية في أكبر الاقتصادات الرأسمالية ممثلة في الولايات المتحدة، يثار التساؤل حول مستقبل منظمة التجارة العالمية.

ياحظ المتابع لأداء منظمة التجارة العالمية )WTO( تباطؤ فاعليتها في السنوات الأخيرة، ويعزى هذا إلى اهتمام عدد من الدول بتطبيق سياسات حمائية محلية بغرض حماية صناعاتها الناشئة، ومخالفة العديد من الدول الكبرى القواعد المتفق عليها في المنظمة، والتمازج الكبير بين البعدين السياسي والاقتصادي لعمل المنظمة.

ويظهر تأثير المنظمة على الشؤون السياسية من خال سعي الدول الرأسمالية الكبرى، بما لها من نفوذ على العالم، إلى فرض نموذج معين من النمو والمفاهيم، مثل الديمقراطي­ة، واعتبارها شرطاً في التعامل مع الدول الأخرى، إضافة إلى ظهور العديد من التكتات الاقتصادية والاتفاقيا­ت الثنائية التي غطت على الفوائد التي تحققت من قيام المنظمة. وعليه، فإن من الصعب التنبؤ بمستقبل المنظمة وفاعليتها، وإن كانت ستظل موجودة لفترة طويلة من الزمن، نتيجة لارتباط العوامل والمؤثرات السياسية بالعوامل والمؤثرات الاقتصادية.

�سلاح ذو حدين

مضى قرابة عقدين من الزمان على تأسيس منظمة التجارة العالمية )1995(، التي تهدف إلى إزالة العوائق التي تعترض الانسياب السلس للتجارة الخارجية للدول الأعضاء التي بلغ عددها 153 دولة، تمثل أكثر من 90% من التجارة العالمية.

وتشير إحصاءات المنظمة إلى أن إزالة العوائق في التجارة والصناعة والخدمات بنحو الثلث يمكن أن تدعم الاقتصاد العالمي بنحو 613 مليار دولار، في حين أن إزالة كل العوائق أمام التجارة العالمية ستؤدي إلى زيادة الناتج المحلي العالمي بنحو3.1 تريليون دولار، ومعظم هذه الفوائد ستتجه إلى الدول النامية على شكل ارتفاع في معدل النمو.

إن الغرض من الدخول في الاتفاقيات التجارية هو تشجيع وتسهيل انسياب والسلع والخدمات بين الدول )تفعيل العولمة(، إلا أن هذه الاتفاقيات ساح ذو حدين، حيث يمكن أن تخدم الاقتصادات الوطنية، وقد تضرّ بها وتغلق بعض المصانع التي لا تعمل بكفاءة.

وعلى الرغم من أنه قد ينجم عن الدخول في هذه الاتفاقيات تخفيض أسعار السلع والخدمات للمستهلك الأخير، نظراً لإلغاء الرسوم الجمركية المفروضة عليها، فإن هذا لا يخدم الاتجاه التنموي لاقتصادات في الدول النامية التي لم تنضج شركاتها بشكل يساعدها على المنافسة ومازالت تحتاج إلى الحماية، وإنما يزيد من حجم واردات هذه الدول، مما يؤثر سلبياً في الحساب الجاري من موازين مدفوعات واستنزاف احتياطيات النقد الأجنبي.

ولابد هنا من التأكيد على أن دور المؤسسات الحكومية يتضمن تجهيز الأطر الازمة لانضمام إلى مثل هذه الاتفاقيات، ولكن هذه المؤسسات غير قادرة على تعظيم الاستفادة منها كونها ليست الاعب الأساسي في القطاعات الإنتاجية، وإنما

القطاع الخاص )الشركات( الذي يجب أن يرتب أوراقه بالأسلوب الذي يمكنه من الاستفادة من الفرص المتاحة، وإيجاد قنوات تسويقية جديدة، ولن يحدث ذلك إلا إذا راجعت مؤسسات القطاع الخاص استراتيجيا­تها التسويقية والترويجية والبحثية.

الدول ال�سناعية هي الم�ستفيد الأكبر

وبالنسبة إلى دول الخليج، يُعتبر الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية عاماً مساعداً لجذب الاستثمار الأجنبي الذي من شأنه تعظيم الاستفادة من الاستثمارا­ت الضخمة التي قامت بها الحكومات في مجال البنية الأساسية في تحقيق معدلات نمو كبيرة.

وفي الجانب الآخر، فإن الاقتصادات المتقدمة تمرّ بمرحلة غير مستقرة، تدفع رؤوس الأموال الوطنية إلى البحث عن محطات جديدة لاستثمار خارج أوطانها، والتي قد تكون من بينها الاقتصادات الخليجية.

والجدير بالذكر أن النفط، وهو المصدر الرئيسي للدخل في اقتصادات دول مجلس التعاون، ومازالت وارداته تخضع لرسوم جمركية مرتفعة في الدول الصناعية. وبينما نجد أن الاندماج الإيجابي يهدف إلى توحيد القوانين الاقتصادية بين الدول التي تطبق النظم الاقتصادية نفسها، فإن الإندماج / التكامل السلبي قاصر على إلغاء الحواجز التجارية أو الحمائية، مثل الرسوم الجمركية والحصص Quota( ‪.)Syst em‬

ولا شك أن الدول المتقدمة اقتصادياً تتمتع في كثير من الأحيان بفوائد منظمة التجارة العالمية، فيما تتكبد البلدان التي هي أفقر منها تكاليفها. ومن شأن ذلك أن يؤثر تأثيراً سلبياً على حقوق عديدة لهذه الدول، بما في ذلك الحق في التنمية، لأنه يعرقل عمليات التنمية الاقتصادية فيها. وإضافة إلى ذلك، فكثيراً ما تُستبعَد البلدان النامية من القرارات الاقتصادية التي تؤثر عليها.

والجدير بالذكر أنه في عالم اليوم أصبحت المعرفة هي مصدر القوة. فمن خال اقتسام المعرفة عبر الحدود، أصبح الاقتصاد العالمي أكثر تكاماً واندماجاً وأصبحت الدول غير قادرة على عزل نفسها لمدة طويلة. ولقد أدت إزالة الحواجز أمام التجارة والاندماج والتكامل السياسي إلى قيام العولمة بتمهيد الطريق لبزوغ فجر عالم جديد، وأتاحت الفرصة لجميع دول العالم.

ثلاث موؤ�س�سات تر�سم م�سار العولمة

وحتى يمكن التنبؤ بمستقبل منظمة التجارة العالمية، فإنه يتعين أن يتم النظر إليها وربطها مع مستقبل صندوق النقد الدولي IMF(،) والبنك الدولي WB(.) حيث تعمل هذه المؤسسات الدولية الثاث على رسم مسار العولمة.

فصندوق النقد الدولي هو مركز النظام المالي الدولي، ولديه القدرة على أن يلعب دوراً رئيسياً في إدارة المخاطر التي تواجهها الاقتصادات. أما البنك الدولي فهو مؤسسة مالية عالمية تقوم بمنح قروض للدول النامية لتمويل برامجها الرأسمالية وتخفيض مستوى الفقر، وجميع قراراته يتعين أن تكون مرتبطة بتعهده بتطوير/ تنمية الاستثمار الأجنبي والتجارة الدولية وتسهيل استثمار رأس المال.

وهذه المؤسسات الثاث معاً لديها القدرة على صياغة قوانين التجارة العالمية وتعبئة الموارد الضرورية لتمويل برامج التنمية للدول النامية، ومن ثم إتاحة فرص أفضل للنمو، وفي الوقت نفسه المحافظة على استقرار الاقتصاد العالمي.

وعلى الرغم من أن منظمة التجارة العالمية حققت الكثير، فايزال هناك الكثير الذي يمكن إنجازه من خال حُسن إدارة السياسات المناسبة بما يسمح بمزيد من الشفافية وتوفير المعلومات الصحيحة للدول وإعامها بهذه السياسات، والسماح لهؤلاء الذين يتأثرون بمثل هذه السياسات بأن يكون لهم رأي فيها. ولعل السؤال المطروح الآن هو: لماذا أصبحت المنظمة، وهي القوة التي جلبت العديد من الفوائد، مثيرة للجدل؟

�سوؤال الم�ستقبل

ستبقى المنظمة لفترة طويلة على الأرجح، على الرغم من صعوبة التنبؤ بمستقبلها ومدى فاعليتها.

ويجادل بعض المختصين بأن دور المنظمة قد صار في سبيله إلى التراجع أو الاختفاء، استناداً إلى أن الاقتصاد العالمي يتجه بدرجة متزايدة نحو اقتصاد المعرفة الذي يعتمد اعتماداً أساسياً على تنمية الموارد البشرية التي أصبحت محرّكاً للإنتاج والنمو الاقتصادي، كما أصبح مبدأ التركيز على المعلومات والتقنيات الحديثة من العوامل الأساسية في الاقتصاد.

وهنا نؤكد أن جوهر الرأسمالية هو عملية التدمير الخاقة ( Creative

‪،)Dest ruct ion Proces‬ فهي تتخلص من المنتج الأقل كفاءة وتتيح الفرصة للمنتج الأكثر كفاءة لكي يظهر، وقد تكون التكتات الإقليمية والثنائية أكثر قبولاً في المرحلة القادمة.

وأيّاً ما كان مستقبل المنظمة، فإنه لنهوض الاقتصادات لابد من فتح الأسواق بطريقة مدروسة والعمل على تغيير الأطر التشريعية والاقتصادي­ة لتتواءم مع متطلبات الاقتصاد الحر، الأمر الذي يتطلب صياغة قوانين جديدة وإيجاد تشريعات تائم المتغيرات والتطورات الإقليمية والعالمية.

ومن وجهة نظرنا، فإن الاقتصاد العالمي في حاجة متزايدة لقيام الدول المختلفة بالمشاركة في موارد العالم الطبيعية والبشرية والثقافية والتكنولوج­ية. بمعنى أن تعتمد جميع دول العالم على بعضها البعض، وأن تعمل معاً لتنمية وتطوير اقتصاداتها.

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates