Trending Events

‪The Disrupter-in-Chief‬

تأثيرات "أسلوب ترامب" على تماسك النظام الأمريكي

- كارن أبوالخير

يكاد يتفق غالبية المحللين على اختلاف تخصصاتهم وتوجهاتهم السياسية على أن أسلوب ترامب 6 اXدارة لا يهدف إe تجاوز الخلافات الداخلية أو تقليل احتمالات المواجهات الخارجية، بل يبدو على العكس، عامدi إe تعميقها وتأجيجها، وترتب على ذلك إضعاف متزايد للمؤسسات، 6 مقابل تصاعد دور وهيمنة الرئاسة ا مريكية.

اأولً: ملامح »اأ�سلوب ترامب«

صعد دونالد ترامب إلى الرئاسة في إطار انقسامات عميقة في المجتمع الأمريكي على أسس عرقية وطبقية ومناطقية وجيلية وأيديولوجي­ة، بالإضافة إلى انتشار العنف السياسي ومقاومة السلطات، أعاد ذلك للأذهان ما واجهته الولايات المتحدة في الستينيات وأوائل السبعينيات من القرن الماضي خاصةً بالنظر لاحتمالات تعرض ترامب للمساءلة القانونية أو الإقالة من الكونجرس)1(، وعلى الصعيد الخارجي تواجه الولايات المتحدة عدة أزمات في صدارتها التورط في حرب لا تبدو لها نهاية في أفغانستان، وتصاعد التوترات مع إيران، واحتمالات تفجر مواجهة جديدة في شرق آسيا مع كوريا الشمالية.

وأثارت المقارنات بين الأوضاع الحالية في الولايات المتحدة الأمريكية وفترة الستينيات من القرن الماضي، تساؤلات متعددة حول احتمالات تورط إدارة ترامب في مواجهة كارثية، مثل حرب فيتنام، وترجع هذه التساؤلات إلى أسلوب عمل إدارة ترامب، والتناقض الواضح بين ما يصدر عن مختلف أعضائها فيما يتعلق بقضايا محورية.

ويرتبط ذلك بالإشارات المختلفة الصادرة عن الإدارة فيما يتعلق بالاتفاق النووي مع إيران، حيث لم يعد واضحاً ما إذا كانت تسعى للحفاظ عليه مع تعديله، أو إقرار إضافات عليه، أم تسعى إلى إلغائه، كما تتناقض الإشارات بين اعتماد الدبلوماسي­ة أسلوباً أساسياً في التعامل مع كوريا الشمالية، والتلويح باستخدام القوة.

وتفتقد إدارة ترامب لموقف واضح تجاه الصين، وما إذا كانت تعتبرها العدو الاقتصادي والاستراتي­جي الأول للولايات المتحدة أو الحليف الأساسي في حل أزمة كوريا الشمالية. ويعيد هذا الغياب لاستراتيجي­ة انتقادات هنري كسينجر في كتابه الشهير "الدبلوماسي­ة" لأداء الإدارات الأمريكية التي تعاقبت على التعامل مع أزمة فيتنام، فيما يتعلق بعدم قدرة القيادات على تحديد الأهداف السياسية بدقة، وتقديم استراتيجية واقعية لتحقيق هذه الأهداف، ومن ثم رأى كسينجر أن هذه الإدارات "لا يحق لها أن ترسل أبناء الأمة للقتال في أرض بعيدة، واضعة بذلك مصداقيتها الدولية وتماسكها الداخلي على المحك")2.)

وقد قدم المحلل الأمريكي المعروف توماس فريدمان توصيفاً لأسلوب إدارة ترامب، أو ما أسماه "عقيدة ترامب")3،) والتي تتمثل أهم أركانها في: "التفكيك" العمدي لنظم الإدارة والمؤسسات والسياسات الحاكمة لقطاعات محورية، من دون تقديم بديل واضح أو تقدير التداعيات المترتبة على هذا الاتجاه.

ويرى فريدمان أن ترامب قد "اتخذ قراراته فيما يتعلق بقضايا المناخ، والصحة، والطاقة، والاقتصاد، من دون الرجوع للعلماء، أو دعوة طائفة واسعة من الخبراء إلى البيت الأبيض، كما لم يقدم بدياً واضحاً للسياسات التي يهدمها، أو يجهز

فريقاً من المساعدين أو ائتاف سياسي يمكنه أن ينفذ أي بديل، وافتقدت سياساته كذلك لوجود إطار استراتيجي يجمع كل هذه النقاط المتفرقة")4 .)

وتتمثل السمة الأساسية لأسلوب إدارة ترامب، وأكثر ما يثير الخوف من وجهة نظر فريدمان، في استعداده لتفكيك العديد من السياسات والمؤسسات المستقرة من دون إعداد بديل واضح، وتتضمن هذه السياسات: اتفاقية نافتا لتحرير التجارة مع دول أمريكا الشمالية، ومشروع الرعاية الصحية الذي وضعه أوباما، واتفاقية تغير المناخ ومبادرة الطاقة النظيفة، واتفاقية تحرير التجارة عبر الباسيفيكي والاتفاق النووي مع إيران، على الرغم من أن هذه السياسات كافة لعبت دوراً في تحقيق قدر من الاستقرار في مجالات حيوية واستراتيجي­ة. وتترتب على تفكيك المؤسسات والسياسات في آن واحد من دون خطة واضحة، تداعيات واسعة النطاق وبعيدة الأمد، ربما لم يفكر فيها ترامب على الإطاق)5.)

ويرى بعض المحللين أن هدف ترامب يتمثل في التفكيك في حد ذاته، ويشيرون في هذا الصدد إلى تصريحات ستيف بانون، الأقرب إليه أيديولوجياً من بين أعوانه، والذي أقر علناً أثناء عمله مستشاراً لترامب في البيت الأبيض في فبراير 2017، بأن تفكيك مؤسسات الحكم الفيدرالي هدف أساسي لإدارة ترامب)6 .)

وفي هذا الإطار، تبرز مقارنات بين ترامب وفاعلين شنوا حروباً "غير متماثلة" ‪Asymmetric Wars(‬ ) ضد أعداء أكثر تقليدية وقوة و"نظامية" بالاعتماد على استراتيجية الإرباك والتفكيك Disruption(،) وحققوا نجاحات باهرة، سواءً في ميدان الأعمال أو ساحة القتال. ويقارن المحلل جيف بيرمان، بين أسلوب ترامب في العمل وأسلوب شركة أوبر، وحركة الفيتكونج في فيتنام، حيث إن كاً منهم حقق نجاحات واضحة مقابل خصوم من المفترض أن يكونوا أكثر قوة ورسوخاً)7.)

واعتمد هؤلاء الفاعلون على استراتيجية تقوم على إرباك وتقويض مؤسسات تقليدية باستخدام تكتيكات لم تكن معروفة أو متصورة من قبل الخصوم التقليديين، مما يتيح لفاعل أقل تموياً وقوة تحويل نقاط الضعف إلى مكامن قوة. وعلى سبيل المثال، أطاح صعود شركة أوبر بمؤسسات اقتصادية قامت على نمط تقليدي تم تقويضه بسبب التطور التكنولوجي وظهور أنماط جديدة من التفكير بشأن هياكل العمل.

ويعتبر بيرمان، ترامب أول رئيس أمريكي يشن "حرباً غير مماثلة" على المؤسسات السياسية التقليدية، التي أبدت عجزاً عن التكيف مع البيئة السياسية والاجتماعي­ة المتغيرة، وهو ما يفسر قدرة ترامب على الإطاحة بمنافسيه التقليديين في الحزب الجمهوري، ويفسر أيضاً تهاوي الحزب الديمقراطي.

ولقد أوضحت سياسة ترامب، أن المؤسسات كافة لم تعد بمأمن من الموجات الواسعة من التغيرات الاجتماعية والتكنولوج­ية والسياسية التي تجتاح عالم اليوم، فا يمكن للمؤسسات التقليدية أن تحتفظ بمكانها ومكانتها بينما يتغير الواقع حولها بصورة جذرية)8.)

وتبنى المحلل جيمس هوهمان المقارنة نفسها بين ترامب وشركة أوبر، ليؤكد قدرة ترامب على قراءة واستغال البيئة المتغيرة من حوله. فمثل أوبر، استطاع ترامب فهم واقتناص فرصة التواصل مباشرة مع الرأي العام، متخطياً ومقوضاً "سوق" اتسم بغياب الابتكارية تسيطر عليه مؤسسات فشلت في تحقيق رضاء "المستهلك". وتمكن كل من ترامب وشركة أوبر في تحقيق النجاح عن طريق تجاهل الأعراف والقيم التقليدية، وشن الحرب على المؤسسات السائدة)9.)

وفي حالة ترامب، فقد كان ضعف وترهل المؤسسات التي دعمت تماسك المجتمع الأمريكي لعقود ممتدة هو ما شكل البيئة المواتية، لصعوده وقدرته على النجاح، مثل مؤسسة الزواج على المستوى الاجتماعي، والنقابات العمالية والمهنية على المستوى الاقتصادي، بالإضافة إلى التراجع الشديد في ثقة الرأي العام في الإعام.

وعلى الصعيد السياسي، فقد حدث تراجع كبير في تماسك وقوة الحزبين السياسيين الكبيرين نتيجة لتراجع رضاء الناخبين من ناحية، وتصاعد سطوة المال السياسي من مؤسسات خارج البنية الحزبية من ناحية أخرى، وهو ما انعكس سلباً على الأداء داخل مؤسسة الكونجرس، وغياب القدرة على تحقيق الحد الأدنى من التوافق.

وتزامن ذلك مع التراجع غير المسبوق في ثقة الرأي العام في المؤسسات الحكومية، بما في ذلك الكونجرس والنخب السياسية والاقتصادي­ة، والتي ارتبطت أسماء عديدة منها في العقود الأخيرة بفضائح أخاقية ومالية واستغال للنفوذ، كما عجزت معظم القيادات السياسية عن الوفاء بوعودها تجاه الناخبين، وتفادت اتخاذ قرارات صعبة تتعلق بأوجه الإنفاق الحكومي، خاصة في مجال الضمان الاجتماعي والصحي مما تسبب في تفجر أزمات سياسية واجتماعية واقتصادية متتالية) 10 .)

ثانياً: تقوي�س م�سداقية الإعلام

إذا كان ضعف المؤسسات التقليدية وعدم الرضا الشعبي الواسع عن أدائها هو الذي فتح الباب أمام ترامب للوصول إلى قمة السلطة السياسية بالمخالفة لكافة القيم والأعراف السائدة، فالشاهد أن تفاعله مع هذه المؤسسات بعد وصوله إلى السلطة لم يتغير، فلم يبد أي احترام أو رغبة في صيانتها أو تدعيمها. بل على العكس، أدى أسلوب إدارة ترامب إلى المزيد من إضعاف هذه المؤسسات، وقدرتها على الوفاء بالدور المرسوم لها تقليدياً ودستورياً في النظام الأمريكي.

وقد يكون من أوضح الأمثلة على ذلك، مهاجمة ترامب بقوة الإعام مستخدماً أوصافاً أكثر ماءمة للنظم الديكتاتور­ية، حيث وصف الإعام بأنه "عدو الشعب"، و"ناقل الأخبار الكاذبة"، وهو ما دفع وسائل الإعام لتصعيد الهجوم على ترامب وسياساته.

ويمثل موقف ترامب من الإعام التقليدي دلياً على صدق المقارنة بين أسلوب ترامب وأوبر، حيث يستغل ترامب التطور التكنولوجي في تجاوز وتقويض المؤسسات المُهيمنة،

ويقوم بالتواصل مباشرة مع مايين المُتلقين في اللحظة نفسها عن طريق استخدام تويتر، بحيث يفقد الإعام دوره التقليدي كحلقة الوصل بين المتلقي والأحداث الجارية.

ولقد قام الإعام الأمريكي، في عقود سابقة، بدور المحلل "النزيه"، وساهم في عدة حالات بتحدي السلطة السياسية وكشف قصورها، ومن ذلك دوره في كشف حقيقة ما يدور في فيتنام للمشاهد الأمريكي، وكشف مابسات فضيحة ووترجيت.

وعلى النقيض، فقد الإعام مصداقيته بالتدريج في السنوات الأخيرة تأثراً بحالة الاستقطاب السياسي، والمنافسة مع منصات التواصل الاجتماعي، كما أصبحت معظم وسائل الإعام تحمل توجهاً أيديولوجياً، سواءً بالانحياز إلى اليمين أو اليسار، وأضحت أكثر تعبيراً عن نخبة المدن الكبرى المتمركزة على ساحلي الولايات المتحدة، بحيث فقدت الاتصال بالواقع الذي تعيشه فئات واسعة على امتداد مناطق "الداخل" الأمريكي.

وأدى تجاهل ترامب لأبسط قواعد الخطاب العلني وآداب الحوار، ومحاولة الإعام مجاراة تصريحاته وخطبه وتغريداته المتواصلة، إلى تدني لغة الخطاب الإعامي بشكل غير مسبوق، حيث فقدت العديد من منصاته قواعد الموضوعية في إطار هجومها المضاد المتواصل على ترامب، أو على خصومه، بحيث أصبح هناك تخوف من أن الضرر الذي ألحقه ترامب بالمجال العام سيكون من الصعب تداركه.

ولكن للمفارقة، فقد أدى هجومه المتواصل على بعض الصحف إلى ارتفاع في مستوى الاشتراك فيها، خاصة النيويورك تايمز، وعلى الرغم من ذلك، يظل البحث عن الإعام "الموضوعي" مقتصراً إلى حد كبير على نخبة "معولمة" في المدن الكبرى، بينما تنخرط غالبية الجمهور الأمريكي في حالة الاستقطاب السائدة على منصات التواصل الاجتماعي.

ثالثاً: ت�سيي�س الموؤ�س�سات الق�سائية

أبدى بعض المحللين قلقهم من التأثير السلبي لفترة رئاسة ترامب على مؤسسة القضاء، التي تصدت بقوة لما تراه من إجراءات غير دستورية حاول ترامب تمريرها، خاصة ما يتعلق بمنع أشخاص من دول معينة من دخول الولايات المتحدة، حتى في ظل وجود تأشيرات سارية المفعول.

وقد هاجم ترامب القضاء بشكل غير مسبوق، متهماً أحد القضاة بالتحيز بسبب أصوله الإثنية، ما حدا بأحد القضاة الذين عينهم ترامب في منصب رفيع المستوى داخل المؤسسة للتعبير عن أسفه لهجوم ترامب غير المسبوق على هذه المؤسسة.

وعلى الرغم من الدور القوي الذي قام به القضاء في مقاومة ترامب، يتخوف بعض المحللين الأمريكيين من تأثر هذه المؤسسة سلبياً بالمواجهة مع ترامب بسبب التسييس المتزايد، ويشير بعض المتابعين إلى أن أحكام إبطال القرارات الإدارية لترامب اتسمت بقدر من التسرع، وغياب العمق والدقة، كما يتم تصوير هذه الأحكام كأنها مواقف سياسية في مواجهة إدارة ترامب، أكثر منها دفاعاً عن القانون والدستور، وهو ما يثير الشكوك حول مصداقية ونزاهة المؤسسة)11.)

ويزيد من خطورة الأمر اتجاه الإدارة الأمريكية للإسراع في شغل المناصب القضائية الشاغرة بمرشحين يتبنون توجهات فكرية وأيديولوجي­ة قريبة من ترامب، على الرغم من عدم تعيين مسؤولين لشغل المناصب في مختلف فروع الجهاز الإداري. وليست المحاكم وحدها التي تتعرض لمناخ التسييس وتقويض المصداقية، فمع تصاعد الدعوات لضرورة مقاومة المؤسسات لما يراه المعارضون أسلوباً غير رشيد في الحكم، تورط الهيكل الإداري والتنفيذي في العديد من الممارسات التي تتعارض مع القواعد والقوانين الحاكمة لعملها، وقد يكون أبرزها حركة التسريبات غير المسبوقة لما يجري في البيت الأبيض، وحتى للمعلومات المتاحة للأجهزة الاستخباري­ة.

ولا يهدد ذلك فقط الانضباط داخل هذه المؤسسات، وإنما أيضاً مصداقية الولايات المتحدة أمام العالم، فمن غير المتوقع أن يتحدث زعماء وقادة دول العالم بحرية مع ترامب هاتفياً بعد أن تم تسريب النص الكامل لمكالماته مع زعيمي أستراليا والمكسيك، والتي سببت حرجاً شديداً لكليهما)12.)

رابعاً: تفكيك العلاقات المدنية - الع�سكرية

يُعد تأثير ترامب على العاقات المدنية - العسكرية في الولايات المتحدة الأكثر خطورة بالمقارنة بتداعيات سياساته على المؤسسات الأخرى، فقد ضم إلى إدارته عدداً غير مسبوق من العسكريين، في محاولة لاستغال درجة الثقة العالية التي تتمتع بها المؤسسة العسكرية لدى الشعب الأمريكي، على نقيض المؤسسات الأخرى.

وقد فوض ترامب لوزارة الدفاع صاحيات واسعة وغير مسبوقة لاتخاذ قرارات بشأن الأعمال العسكرية على الأرض من دون الرجوع إلى الرئيس، وهو ما أعطى الانطباع بأن المؤسسة العسكرية أصبحت تلعب دوراً قيادياً في تشكيل السياسة الخارجية الأمريكية.

وفي مقال لافت، تناولت الباحثتان أليس هنت فريند وكاثلين هيكس مخاطر طريقة تعامل إدارة ترامب مع المؤسسة العسكرية، والتداعيات السلبية لتقلص دور الرئيس في الإشراف على قرارات البنتاجون. فبينما قد يساعد تفويض البنتاجون باتخاذ القرارات في التعامل مع التطورات الميدانية على مسرح العمليات، فإن ضعف اهتمام ترامب ومراجعته لهذه القرارات قد يؤدي إلى عدم حصول القادة العسكريين على توجيهات استراتيجية كافية من الرئيس، الذي يتولى منصب

قدم المحلل ا مريكي المعروف توماس فريدمان توصيف سلوب إدارة ترامب، أو ما أسماه "عقيدة ترامب"، والتي تتمثل أهم أركانها 6: "التفكيك" العمدي لنظم اXدارة والمؤسسات والسياسات الحاكمة لقطاعات ‘ورية، من دون تقديم بديل واضح أو تقييم التداعيات بعيدة المدى.

القائد الأعلى للقوات المسلحة)13.)

ويضاف إلى ذلك أن القرارات العسكرية الميدانية تكون بطبيعتها تكتيكية، ولا تعبر عن استراتيجية متكاملة، كما أن التوسع في إعطاء العسكريين صاحيات اتخاذ القرارات فيما يتعلق بالسياسة الخارجية للولايات المتحدة، يضطرهم إلى أخذ قرارات ذات طبيعة سياسية، وهو ما يتعارض مع الطبيعة المهنية والحيادية للقوات المسلحة والدور المنوط بها في النظام الأمريكي، ويتناقض ذلك أيضاً مع مبدأ محوري في هذا النظام، وهو سيطرة المدنيين على المؤسسة العسكرية.

ولا يحقق ذلك، بحسب الباحثتين، مصالح الولايات المتحدة كقوة فاعلة على الساحة الدولية، فالارتكاز على القوة العسكرية يعني إهمال وتآكل الأدوات الأخرى مثل الدبلوماسي­ة والتعاون التنموي، وهو ما يؤدي لإضعاف القوة الأمريكية)14.)

من جانب آخر، تزايدت المخاوف من تسييس المؤسسة العسكرية داخلياً بشكل ينال بقدر كبير من ثقة الأجهزة المدنية فيها، فالتقارب الشديد بين ترامب والمؤسسة العسكرية، وتعيين العسكريين في مناصب قريبة منه يمكن أن يعطي الانطباع بأن قيادات الجيش قد تحولوا إلى "جنرالات ترامب"، وبالتالي عندما يتولى رئيس جديد سدة الحكم، فقد يلجأ إلى تغييرهم لارتباطهم بالإدارة السابقة. أي أن المناصب العسكرية قد ينظر لها على أنها تعيينات سياسية، مما يطيح بحيادية ومهنية المؤسسة العسكرية برمتها)15.)

وعلى الرغم من أن العسكريين المتقاعدين قد تصاعد انخراطهم في السياسة في السنوات الأخيرة، فإن هذه الظاهرة قد وصلت إلى ذروتها عقب الانتخابات الرئاسية في عام 2016، كما أن تعيين ترامب للعسكريين في مناصب مدنية يُعد أيضاً تطور غير مسبوق في النظام الأمريكي، والملحوظ أن مصداقية هذه الشخصيات بدأت في التآكل بسبب ارتباطهم بترامب، وتورطهم في الدفاع عن بعض المواقف التي أثارت جدلاً كبيراً. وهو ما قد يؤثر على حيادية المؤسسة، التي تعد أحد الأعمدة الأساسية للنظام السياسي الأمريكي)16.)

وعلى مستوى آخر، يرى عدد من المحللين عدم وجود مستوى كافٍ من الوعي بالتأثيرات بعيدة المدى لسياسات ترامب، خاصة في ظل الصاحيات واسعة النطاق التي يتمتع بها منصب الرئيس في النظام الأمريكي)17(، ويرتبط ذلك بالمخاوف المتصاعدة من الخصائص الشخصية، والنفسية التي يعكسها سلوك وخطاب ترامب.

وقد خصصت مجلة نيوزويك ملفاً كاماً لهذا الموضوع قام فيه مجموعة من المتخصصين في علم النفس بشرح رؤيتهم وتحليلهم لشخصية ترامب بناءً على سلوكه وخطابه أثناء السنوات الطويلة التي قضاها في المجال العام)18.)

واختارت المجلة عنواناً مثيراً للجدل لهذا الملف وهو: "أخطر رجل في العالم"، وهو مؤشر واضح على مخاوف المتخصصين من أن خصائص شخصية ترامب قد تدفعه في اتجاه اتخاذ مواقف عدائية وهجومية من الخصوم، ورفض التنازل أو حلول الوسط، ما قد يؤدي في ظل بعض الظروف إلى الانزلاق إلى تصعيد الصراعات، وتركزت أكبر المخاوف على احتمالات تصعيد ترامب للأزمة مع كوريا الشمالية)19.)

ختاماً، من المرجح أن تؤدي سياسات ترامب الخاصة بتفكيك المؤسسات والهياكل المستقرة من دون طرح بدائل قابلة للتطبيق، لإحداث تأثيرات سلبية ممتدة وعميقة تصل إلى كافة أركان وقواعد النظام السياسي ودعائم التماسك المجتمعي، وقد تمتد تلك التأثيرات إلى النظام الدولي بحيث تؤدي إلى زعزعة الاستقرار العالمي بصورة عنيفة وغير مسبوقة.

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates