Trending Events

مناورات زاباد:

لماذا أثارت التدريبات العسكرية الروسية مخاوف الغرب؟

- أندريه باكليتسكي

عُقد آخر اجتماع ﻟﻤﺠلس روسيا - الناتو، وهي قناة الاتصال ا ساسية بين الجانبين، ‪26 1‬ أكتوبر 2017، وقد عكس هذا الاجتماع استمرار توتر العلاقات بين الجانبين، وهو ما لا يرجع إb استمرار الخلافات التقليدية حول أوكرانيا وأفغانستان وحسب، ولكن كذلك إb التدريبات العسكرية التي أجرتها موسكو مؤخرf، وحملت اسم "زاباد" (أي "الغرب" باللغة الروسية)، والتي أجريت 1 الفlة من 14 وحتى 20 سبتم% 2017. وفي هذا الإطار عبّر الأمين العام للناتو "ينز ستولتنبرج" عن استيائه من تلك المناورات موضحاً أن حجم القوات المشاركة والمدى الجغرافي للمناورات قد تجاوز كثيراً ما كانت روسيا أعلنته في السابق)1(، وهو الأمر الذي نفاه الممثل الدائم لروسيا لدى الناتو "ألكسندر جروشكو" مؤكداً أن احتجاجات الحلف حول المناورات تدخل في إطار الدعاية السياسية ضد الاتحاد الروسي، وأن على دول الحلف أن تتجنب التقييمات السياسية حتى لا يؤثر ذلك على استمرار تبادل المعلومات بين روسيا والحلف حول المناورات العسكرية)2.)

وياحظ أن مجلس روسيا – الناتو لديه تقليد سيئ يتمثل في تعليق الاتصالات بين الجانبين في لحظات التوتر، أي في اللحظات التي تكون هناك حاجة ماسة لاستمرار التواصل بين الجانبين، ففي عامي 2008 و2014، جمد الحلف عمل المجلس كأداة ل "معاقبة" موسكو على تصرفاتها في جورجيا وأوكرانيا) 3 .)

اأولً: احتجاجات غربية

من وجهة النظر الروسية، لم تكن المناورات سوى تدريبات عسكرية روتينية، فإقليم الدولة الروسية يتم تقسيمه إلى أربع مناطق عسكرية، ويتم إجراء مناورات في إحداها كل عام. فقد سبق مناورات "زاباد 2017" مناورات حملت اسم "كافكاز ‪Kavkaz-2016() 2016"‬ (المنطقة الجنوبية(، و"تسينتر ‪Tsentr-2015() 2015"‬ (المنطقة الوسطى(، و"فوستوك ‪Vostok-2014() 2014"‬ (المنطقة الشرقية( وهكذا.

وعاوة على ذلك، فإن سيناريو التدريبات العسكرية التي أجريت في عام 2017 لم تختلف عن مثيلتها التي أجريت سابقاً، كما في "زاباد 2013"، " زاباد 2009"، ففي كل هذه التدريبات العسكرية كان السيناريو واحداً، يقوم على الدفاع ضد عدوان موجه لروسيا قادم من الغرب، ويستتبعه هجوم مضاد من جانب القوات الروسية، كما أن حجم القوات المشاركة ظل تقريباً ثابتاً في المناورات الثاث.

ومن جهة ثانية، أعلنت روسيا رسمياً أن عدد القوات المشاركة يقدر بحوالي 12٫700 جندي)4(، وهو عدد محدود بالمقارنة بالتدريبات العسكرية متعددة الجنسيات بقيادة الولايات المتحدة في أوروبا، مثل "السيف الحامي 2017" Saber( (Guardian5((، والتي شارك فيها حوالي 25 ألف جندي، أو "أناكوندا 2016"، والتي شارك فيها حوالي 31 ألف جندي)6(، كما أنه بالتوازي مع التدريبات الروسية، أجرت السويد تدريبات "أورورا 17" ‪Aurora 17(‬ ) شملت 19 ألف

جندي من بينهم جنود من الولايات المتحدة وفرنسا والنرويج ودول الناتو الأخرى.

وعلى الرغم من كل ما سبق، فإن الغرب لم ينظر أبداً إلى "زاباد 2017" باعتبارها مناورات روتينية. وقد يرجع ذلك إلى أن المناورات الروسية هي أول مناورة تجريها روسيا على حدودها الغربية في أعقاب الأزمة الأوكرانية، وبالتالي نظر إليها باعتبارها تهديداً محتماً أو حتى تحضيراً روسياً لاعتداء على جيرانها.

وفي هذا الإطار، جاءت التصريحات المشككة في المناورات، ومن ذلك تصريح الرئيس الأوكراني "بترو بوروشينكو" أن "هناك المزيد والمزيد من الأدلة على استعدادات )روسيا( لحرب هجومية قارية" )أي في أوروبا()7.) وأشارت وزيرة الدفاع الألمانية "أورسولا فون دير لين" إلى أن عدد القوات المشاركة في عملية زاباد يزيد على المعلن رسمياً، ليصل إلى أكثر من مائة ألف جندي")8(، أي حوالي عُشر إجمالي حجم القوات العسكرية الروسية. وعلق الجنرال "توني توماس"، قائد القوات الخاصة الأمريكية قائاً: "إن القلق الكبير هو أنهم )الروس( لن يغادروا )بياروسيا(، وهذه ليست بارانويا")9(. كما أثارت حكومات إستونيا ولاتفيا، وليتوانيا، وبولندا مخاوف مماثلة.

ولم يقتصر موقف دول حلف شمال الأطلسي على التصريحات الرسمية، بل قامت الولايات المتحدة بنقل حوالي 600 من المظليين إلى منطقة بحر البلطيق خال هذه العملية، وقامت بتولي إدارة المجال الجوي لدول البلطيق الثاث: ليتوانيا ولاتفيا وإستونيا)10.)

ثانياً: هواج�س غير مبررة

يمكن إجمال أبرز المخاوف التي أثيرت في الغرب تجاه المناورات الروسية الأخيرة "زاباد" فيما يلي: 1- تفوق القوة العسكرية الروسية: وذلك في مواجهة جيرانها المباشرين، بما في ذلك الدول الأعضاء في حلف الناتو. وقد خلصت مؤسسة راند في عام 2016 إلى أن أطول مدى زمني يمكن أن ستستغرقه القوات الروسية للوصول إلى ضواحي عاصمة إستونيا و / أو لاتفيا، هو 60 ساعة)11.) 2- إخفاء التحضيرات العسكرية: فقد استخدمت السلطات الروسية التدريبات العسكرية، وفقاً للغرب، لإخفاء تحرك وحداتها العسكرية تجاه الدول المجاورة، ومن ذلك التدريبات الاستراتيج­ية "كافكاز 2008"، والتي سبقت اندلاع الحرب الروسية – الجورجية في أغسطس عام 12( 2008.) 3- غياب الشفافية: خاصة فيما يتعلق بإعان موسكو مشاركة حوالي 12700 جندي فقط، وهو ما يقل بحوالي 300 جندي عن عدد القوات، الذي كان سيتطلب من موسكو تقديم تدابير إضافية لدول الحلف، وذلك بموجب "وثيقة فيينا" بين الدول الأعضاء في "منظمة الأمن والتعاون في أوروبا")13.)

وبالنظر إلى هذه المزاعم والادعاءات الغربية، فإنه يمكن القول إنها بالغت كثيراً في تقدير التهديدات الروسية من التدريبات العسكرية، وهو ما يتضح فيما يلي: 1- تفوق الناتو على روسيا: فمع التسليم بتفوق روسيا العسكري على جيرانها المباشرين، فإن دول حلف شمال الأطلسي مجتمعة، بما تضمه من جيوش كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، تتمتع بتفوق عسكري في مواجهة القوات الروسية، سواء من حيث حجم القوات، أو من حيث المعدات العسكرية. 2- طبيعة التدخل العسكري: فبغض النظر عن الأسباب التي دفعت روسيا إلى التدخل عسكرياً في البلدان السابقة، فإنه من المتفق عليه أن هذا التدخل جاء في ضوء أزمة سياسية و / أو عسكرية استوجبت تدخاً روسياً، وليس هناك أزمة بين روسيا وأي من الدول الأوروبية حالياً تبرر المخاوف الغربية من توظيف التدريبات العسكرية لاعتداء المسلح على أي دولة. 3- عدم وجود ارتباط بين التدريبات والعمليات العسكرية الاحقة: فقد انتهت التدريبات العسكرية "كافكاز 2008" قبل أسبوعين من اندلاع الحرب الروسية – الجورجية، وهو ما دفع موسكو إلى سحب قواتها وإعادة نشرها مرة أخرى في أغسطس 2008. 4- استغال ثغرات "وثيقة فيينا": فقد استغرقت التدريبات العسكرية الرسمية أسبوعاً فقط، ولكن هذه التدريبات جرت بالتوازي مع تدريبات أخرى أجرتها القوات المسلحة الروسية، إلى جانب القيام بعدة تجارب صاروخية، وهو ما يجعل من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، أن يتم تحديد متى توقفت تدريبات "زاباد 2017"، ومتى بدأت التدريبات الأخرى. ولا يمثل ما سبق انتهاكاً ل "وثيقة فيينا"، بل وسيلة من جانب الأركان العامة الروسية للتحايل على الالتزامات المفروضة على روسيا بموجب الوثيقة)14(، والتي كانت تطلب اتخاذ روسيا تدابير إضافية في حال زادت عدد القوات المشتركة في التدريبات عن 30 ألف جندي، وخضعوا لقيادة عسكرية واحدة)15(، ولذلك قامت موسكو بإجراء عدة تدريبات موازية، من القطب الشمالي إلى المنطقة العسكرية الجنوبية، ولكنها لم تخضع لقيادة واحدة، أو يتم إجراؤها في إطار "زاباد 2017." وعلى الجانب الآخر، فإن بياروسيا، والتي أجريت على أراضيها أغلب تدريبات زاباد، أظهرت درجة كبيرة من الشفافية على الرغم من كونها غير مخاطبة بأحكام "وثيقة فيينا". فقد دعت مينسك حوالي 80 مراقباً دولياً من الأمم المتحدة ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا واللجنة الدولية للصليب الأحمر ومنظمة معاهدة الأمن الجماعي ورابطة

إن الغرب Y ينظر أبدf إb "زاباد 2017" باعتبارها مناورات روتينية. وقد يرجع ذلك إb أن المناورات الروسية هي أول مناورة تجريها روسيا على حدودها الغربية 1 أعقاب ا زمة ا وكرانية، وبالتاu نظر إليها باعتبارها تهديدf yتملًا أو حتى تحضf5 روسيv للاعتداء على ج5انها.

الدول المستقلة، وللمرة الأولى الناتو. كما تم التوصل إلى اتفاقات ثنائية لدعوة وفود مراقبة من النرويج والسويد وإستونيا)16(. وبطبيعة الحال، فإن مينسك لا يمكن أن تقدم على هذه الإجراءات بدون موافقة موسكو.

وفي النهاية، انسحبت كافة القوات والمعدات العسكرية الروسية على عكس تشكيك الولايات المتحدة. ومن جهة ثانية، فإن أي محاولات روسية لإخفاء قوات عسكرية هناك سوف تكون غير مجدية، لأنه يمكن رصدها من خال طائرات الاستطاع الجوية، والتي غالباً ما تقوم بها الدول الأعضاء في الناتو بصورة دورية في الأجواء البياروسية، إعمالاً لاتفاقية "السماوات المفتوحة"، بل وأكد ينس ستولتنبرج، عدم وجود أي قوات روسية هناك، وذلك بعد مضي ثاث أسابيع من انتهاء التدريب العسكري)17.)

ثالثاً: حاجة ما�سة للحوار

نظراً لأنه من المستبعد اندلاع مواجهة عسكرية شاملة بين روسيا ودول حلف شمال الأطلسي، بالإضافة إلى المساحات الجغرافية الواسعة المشتركة بينهما، خاصة في أوروبا الشرقية، فإن الجانبين سيدركان حتماً حتمية التعايش المشترك. فمن شأن التهويل من أي تدريب عسكري تجريه روسيا أن يؤثر سلباً على العاقات ما بين موسكو وبروكسل، ويضر بجاهزية الحلف في مواجهة التهديدات الحقيقية.

وعلى الجانب الآخر، فإن روسيا وحلف الناتو لديهما مصلحة مشتركة في إدارة الأزمات من الشرق الأوسط إلى شمال شرق آسيا، وهو ما عبّر عنه عدد من المسؤولين الغربيين، فقد أكد ينز ستولتنبرج أن "روسيا هي جارة لكوريا الشمالية، وبالتالي يقع على عاتقها دور في التأكد من تنفيذ كافة العقوبات المفروضة على كوريا الشمالية")18(، الأمر الذي يجعل موسكو لاعباً مهماً للغرب في هذه القضية، كما اتسق موقف الأمين العام للناتو مع موقف الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، الذي أدلى بتصريحات مماثلة)19.)

وقال رئيس اللجنة العسكرية للناتو بيتر بافل أنه قبل نهاية العام سيعقد اجتماع بين "فاليري جيراسيموف"، رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية، و"كورتيس سكاباروتي"، قائد قوات الناتو في أوروبا)20(. وهناك احتمالات أن تستمر الاتصالات العسكرية. وفي المقابل، وردت الأنباء في 31 أكتوبر أن "أندري كيلين"، مدير إدارة التعاون الأوروبي بوزارة الخارجية الروسية، قد يصبح الممثل الدائم التالي لدى حلف الناتو)21(، وهو مؤشر، إن صحت هذه الأنباء، على إصرار موسكو على الحفاظ على مستوى العاقات مع الحلف.

ومع التسليم بأن العاقات الحالية بين الناتو وروسيا في أدنى مستوى لها، ولكن هناك إدراكاً متبادلاً، فيما يبدو، بأهمية الإبقاء على خطوط الاتصال، نظراً لأن ذلك يساعد على منع الحروب وحماية المصالح القومية لكا الطرفين. ويجب أن تعمل كل من بروكسل وموسكو على ضمان الشفافية والوضوح في عاقاتهما. وإذا ما نجح الجانبين في بناء الثقة بينهما، فإن "زاباد 2021" قد تعقد في مناخ أفضل، وسوف ينظر إليها ببساطة على أنها مجرد تدريبات عسكرية دون تهويل أو مبالغة.

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates