Trending Events

تأثيرات محدودة:

نمو الطاقة المتجددة في عصر النفط الرخيص

- علي صلاح

تشW كثW من المعطيات إq أن الاستثمار L الطاقة المتجددة أصبح ان أك~ تحرر/ من التأثWات السلبية لتقلبات واضطرابات أسواق الطاقة التقليدية مثلما كان حادث‪L 5‬ الماضي، لاسيما أنها أصبحت صاحبة دور تنموي عالمي، ولها إسهام متزايد L تلبية الطلب على الطاقة، كما أن هذا الدور سيتعاظم L المستقبل.

شهد قطاع الطاقة المتجددة)(1 تطوراً كبيراً خال العقود الماضية، بسبب الاهتمام العالمي به، باعتباره من القطاعات الاقتصادية التي لا يقتصر دورها على دعم النمو الكلي في صورته الكمية، بل يتسع دوره ليشمل تحقيق أهداف تنموية أكثر شمولية وتشابكاً، بالإضافة إلى أهميته في دعم الجهود العالمية لمكافحة ظاهرة التغير المناخي.

وكانعكاس لهذا التطور فقد ارتفع إجمالي الكهرباء المولدة من مصادر الطاقة المتجددة في العالم إلى 5,877 تيراوات ساعة في عام 2016، محققاً بذلك نمواً مضطرداً منذ عام 2004 )راجع الشكل رقم 1(، وقد بلغ متوسط هذا النمو 7% سنوياً. والجدير بالذكر أن هذا النمو ازداد اضطراداً في السنوات الأخيرة، ما ساعد على ارتفاع متوسطه السنوي إلى 8.8% في السنوات الخمس الأخيرة)2(. وقد ساعد ذلك على ازدياد نصيب الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة العالمي إلى 18% في عام 3( 2016.) لكن التراجع الحادث في أسعار النفط العالمية منذ عام 2014 حتى الآن يطرح تساؤلاً حول إمكانية أن يؤدي ذلك إلى تراجع الاستثمار العالمي في الطاقة المتجددة مثلما حدث في مناسبات سابقة كانت مدفوعة بتراجع أسعار النفط في حينه، وهذا التساؤل يعد محور هذا التحليل.

اأولً: ال�سدمات البترولية والطاقة المتجددة

كان للصدمات البترولية السابقة تأثيرات كبيرة على قطاع الطاقة المتجددة حول العالم، وذلك تطبيقاً لنظرية "أثر الإحال"، التي تقول إن انخفاض سعر سلعة معينة يجعلها أرخص من السلع البديلة لها، ويدفع مستهلكي تلك السلعة إلى تفضيلها على السلع البديلة)4(. وبهذا المنطق كان انخفاض أسعار النفط في الماضي يدفع مستهلكيه إلى التوسع في استهاكه وتقليص طلبهم على مصادر الطاقة الأخرى، بما فيها الطاقة المتجددة. وبالتأكيد فإن العكس كان صحيحاً، إذ كان يتراجع الاستهاك العالمي من النفط وقت ارتفاع أسعاره وفي المقابل يزداد الاستهاك من مصادر الطاقة الأخرى. وقد انطبقت هذه النظرية بشكل واضح خال الصدمتين البتروليتي­ن الأولى والثانية في عقدي السبعينيات والثمانيني­ات من القرن العشرين.

وعلى سبيل التفصيل، فإن الصدمة البترولية

الأولى التي بدأت في عام 1974، لعوامل عدة أهمها حرب أكتوبر 1973، والتراجع الحاد في قيمة الدولار بسبب إلغاء قاعدة الذهب، أدت إلى ارتفاع أسعار النفط من 1.8 دولار للبرميل في عام 1970 إلى 11.65 دولار في عام 5( 1974،) ثم إلى 13.54 دولار في عام 1978. وباندلاع الثورة الإيرانية عام 1979 قفزت الأسعار إلى 40 دولاراً، ثم إلى 41 دولاراً مع اشتعال الحرب العراقية – الإيرانية عام 6( 1980.)

وكان ارتفاع أسعار النفط على هذا النحو بمنزلة القوة الدافعة لمستهلكيه للبحث عن موارد بديلة له، فتراجع استهاكهم منه من 55.6 مليون برميل يومياً عام 1973 إلى 54.4 مليون برميل عام 1975. كما تراجع هذا الاستهاك من 64 مليون برميل يومياً في عام 1979 إلى 57.7 مليون برميل يومياً عام 7( 1983(. ولتعويض هذا التراجع في استهاك النفط، حدث توسع في استخدام الغاز الطبيعي والطاقة النووية، واتجهت الدول بشكل أكبر إلى التوسع في استخدام الطاقة المتجددة، التي احتلت مراكز الصدارة في سياسات الطاقة في الكثير من البلدان آنذاك)8(. فازداد حجم الكهرباء المولدة من الطاقة المتجددة في العالم بمعدل 3.9% سنوياً خال الفترة من عام 1974 وحتى 9( 1984(. وظهرت مبادرات تشريعية عدة ترتبط بالطاقة المتجددة، منها تبني الكونجرس الأمريكي قانوناً يحث على الاستثمار في تطوير السيارات الكهربائية والهجينة) 10 .)

أما بالنسبة للصدمة البترولية الثانية، التي وقعت في منتصف عقد الثمانينيا­ت من القرن العشرين، والتي نتجت عن دخول عدد من الاقتصادات الكبرى في حالة من الركود، فإنها أدت إلى تأثيرات معاكسة تماماً على أسعار النفط العالمية، فتراجعت هذه الأسعار إلى 10 دولارات للبرميل بحلول عام 11( 1986(، وأدى ذلك إلى عودة مستهلكي الطاقة الكبار إلى الاعتماد على النفط بكثافة. فقفز الطلب العالمي على النفط من 57.7 مليون برميل يومياً عام 1983 إلى 66.65 مليون برميل عام 12( 1990(. وتطبيقاً لأثر الاحال فقد تراجع الاعتماد على مصادر الطاقة الأخرى، بما فيها الطاقة المتجددة التي تراجع معدل نمو توليد الكهرباء منها إلى 2.1% سنوياً خال الفترة من عام 1985 وحتى عام 13( 1992(، ليقترب من نصف مستواه في أصعب فترات الصدمة البترولية الأولى.

ثانياً: تغير جوهري في العلاقة

تبنت أسعار النفط العالمية اتجاهاً تنازلياً منذ منتصف عام 2014 حتى الآن، انخفضت بمقتضاه من 120 دولاراً للبرميل إلى 55.12 دولار للبرميل حالياً )16 أكتوبر 2017(، بنسبة تراجع 54.1%. وتطبيقاً لنظرية "أثر الاحال" فإن النتيجة المنطقية التي كانت منتظره لهذا الأمر هي تراجع الطلب العالمي على مصادر الطاقة الأخرى، بما فيها الطاقة المتجددة لكن هذا لم يحدث، بما يوحي بأن هذه القاعدة قد طرأ عليها تغير جوهري، وأنها لم تعد كما كانت في الماضي. إذ إن السنوات الخمس الماضية شهدت توسعاً سنوياً بمعدل يصل إلى 8.8% في الطاقة التوليدية للكهرباء من خال مصادر الطاقة المتجددة، كما ارتفع نصيب الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة العالمي إلى 18%. وبجانب ذلك، فإنه بالتزامن مع تراجع أسعار النفط خال السنوات الأخيرة فقد شهد الاستثمار العالمي في الطاقة المتجددة ارتفاعاً متواصاً )شكل رقم 2،) فقفز من 231 مليار دولار عام 2013، إلى 306 مليارات دولار في عام 2015. وعلى الرغم من تراجعه إلى 287 مليار دولار بعام 2016، فإن توقعات وكالة بلومبيرج تذهب إلى أن عام 2017 يشهد نمواً في تلك الاستثمارا­ت بمعدلات تتخطى 3% مقارنة بعام 2016، ما يعني أنها قد تختتم العام عند 296 مليار دولار)14(، ما يدل على استمرار القطاع في التوسع والنمو، وبشكل معاكس لما يُفترض حدوثه وفقاً لنظرية "أثر الإحال".

ثالثاً: مبررات نمو الطاقة المتجددة برغم تراجع اأ�سعار النفط

على الرغم من التراجع الحالي في أسعار النفط العالمية، فمن المرجح أن يكون عصر النفط الرخيص قد أوشك على نهايته، ما يعني أن الانخفاض الحالي في أسعار النفط لن يدوم)15(. والأكثر من ذلك، فإنه ليس من المرجح أن يكون هناك تأثير سلبي لتراجع أسعار النفط – في حال استمراره – على قطاع في الطاقة المتجددة، حتى أنه من المتوقع أن يرفع إسهام القطاع إلى نحو 36% من مزيج الطاقة العالمي بحلول عام 16( 2030(. وهنا يصبح من الأهمية بمكان التساؤل عن الأسباب الكامنة وراء هذا التغير الجوهري في العاقة بين أسعار النفط من ناحية والطاقة المتجددة من ناحية أخرى، أو بمعنى آخر أسباب التوسع في الاعتماد على الطاقة المتجددة عالمياً على الرغم من تراجع أسعار النفط. وبشكل عام فإن

ذلك يعود إلى العوامل التالية: 1- الرغبة العالمية في التوسع في الاعتماد على الطاقة المتجددة: ترى وكالة الطاقة الدولية أن خريطة الطاقة العالمية يعاد رسمها، مع حدوث طفرة جديدة في إنتاج النفط والغاز ببعض المناطق، وتحوّل بعض الدول عن استخدام الطاقة النووية، وأن هذا يحدث بجانب نمو سريع في استخدام تكنولوجيات الطاقة المتجددة)17.) وبينما تشير توقعات الوكالة إلى أن الطلب العالمي على الكهرباء سينمو بمقدار مرتين أسرع من إجمالي الطلب العالمي على الطاقة حتى عام 18( 2035(، وتشير تقديرات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية إلى نمو إجمالي الطلب العالمي على الطاقة بنحو 28% بين عامي 2015 و204019((. فهذا يعني أن الطلب العالمي على الكهرباء سيزداد بنسبة تفوق ال 55% بحلول التاريخ المذكور. وبالنسبة للطاقة المتجددة فإن الرغبة العالمية في التوسع في الاعتماد عليها سيسمح لها بتعزيز دورها في تلبية ذلك الطلب المتزايد على الكهرباء، ومن المرجح أن ترفع مساهمتها إلى نحو ثلث احتياجات العالم من الكهرباء بحلول عام 20( 2035.) 2- توظيف الطاقة المتجددة كآلية للتنمية: أصبح الوفاء بشرط استدامة النمو وتحقيق التنمية العالمية يقوم على ضمان حصول جميع سكان الدول النامية على الطاقة، الأمر الذي يتطلب زيادة قدرات توليد الطاقة بها، لكن هناك ضرورة أيضاً لموازنة هذا الهدف مع هدف آخر يتعلق بخفض انبعاثات الكربون. ولأن الطاقة المتجددة تسهم بفاعلية في إدراك هذا التوازن، فقد تم إدراجها ضمن النظم الوطنية للإمداد بالطاقة في مختلف أنحاء العالم)21.)

بجانب ذلك، ترى دراسة أجراها مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية )الأونكتاد( أن البلدان النامية يمكن أن تجني فوائد متعددة من تكنولوجيا الطاقة المتجددة، فهذه التكنولوجي­ات يمكنها المساهمة في تحقيق مجموعة من الأهداف الإنمائية للألفية، التي يتبناها البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، وعلى وجه الخصوص هدف الحد من فقر الطاقة في البلدان النامية)22(. فالطاقة المتجددة تتيح إمكانية تصميم منشآت لتوليد الطاقة لا تحتاج بالضرورة إلى أن تتصل بالشبكات المركزية لتوزيع الكهرباء. وهذه الخاصية تمكنها من تعزيز فرص سكان المناطق الريفية )النائية( في الحصول على الكهرباء، بقدر أكبر مما توفره المصادر التي تعتمد اعتماداً كلياً على الاتصال بالشبكات المركزية)23(. وتشير تقديرات وكالة الطاقة الدولية إلى أن المحرومين من الحصول على مصدر آمن للطاقة حول العالم يبلغ عددهم 1.2 مليار شخص، أو 17% من سكان العالم، ولأن 80% من هؤلاء يعيشون في مناطق ريفية) فإن الطاقة المتجددة يمكنها بذلك أن تكون وسيلة مهمة لإتاحة حلول فعّالة للقضاء على فقر الطاقة أو التخفيف من حدته لديهم)25.)

وبالإضافة إلى ذلك، فإن تكنولوجيا الطاقة المتجددة تساعد على توفير البنية التحتية الحيوية الازمة لقيام هياكل إنتاج متطورة في البلدان النامية، ما يجعلها وسيلة لخدمة أهداف السياسات الصناعية في هذه الدول، ومساعدة المُصدرِين بها على أن يصبحوا أكثر تنافسية في ظل معايير بيئية دولية متزايدة الصرامة، شريطة أن تقترن الجهود العالمية في هذا الإطار بدعم في المجالين المالي والتكنولوج­ي، لمساعدة تلك البلدان على الانتقال إلى تكنولوجيات الطاقة المتجددة بطريقة استراتيجية ومستدامة)26(. ويرتبط بهذه النقطة أيضاً أن انتشار تكنولوجيا الطاقة المتجددة يعزز الأنشطة الإنتاجية في مختلف القطاعات الاقتصادية، الأمر الذي يساعد في توليد فرص عمل جديدة، وهو أمر مهم للتغلب على البطالة في البلدان النامية)27(. وتشير البيانات إلى أنه من بين إجمالي العاملين في قطاع الطاقة المتجددة في العالم والبالغ عددهم 9.82 مليون عامل، فإن 61% منهم )أي 5.97 مليون عامل( ينتمون إلى الدول النامية)28.) 3- الحد من التغير المناخي: يعتبر التغير المناخي أحد أخطر الظواهر البيئية التي يواجهها العالم الآن. وقد أجرت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية دراسة لتقييم الانعكاسات السلبية لتلك الظاهرة، فوجدت أن الفيضانات الناتجة عنها تسببت في خسائر بلغت 3 تريليونات دولار عام 2005، وذلك نتيجة غمرها مساحات شاسعة من السواحل. وبافتراض استمرار هذا التهديد وتسببه في ارتفاع مستوى سطح البحر بمقدار نصف متر، فإن قيمة الخسائر المترتبة على ذلك حول العالم ستبلغ 28 تريليون دولار بحلول عام 29( 2050(. ولأن هذه الأضرار ليست هي الوحيدة المرتبطة بالتغير المناخي، فقد بذلت دول العالم جهوداً حثيثة خال العقدين الماضيين للحد من هذا الظاهرة الخطرة، وركزت على استخدام عدة آليات، من أهمها الحد من استهاك الطاقة التقليدية والتوسع في استخدام الطاقة المتجددة)30 .)

واكتسبت تلك الجهود زخماً كبيراً خال السنوات الأخيرة، واتجهت المنظمات الدولية إلى حض الدول على تعبئة الموارد لتمويل مشروعات الطاقة المتجددة)31(. وتجلى ذلك بوضوح في بنود اتفاق باريس للمناخ، الذي أقرته 194 دولة في نهاية عام 2015، حيث تم الاتفاق على حصر ارتفاع درجة حرارة الأرض وإبقائها دون درجتين مئويتين، قياساً بعصر ما قبل الثورة الصناعية، ومتابعة وقف هذا الارتفاع عند 1.5 درجة مئوية بنهاية القرن الحالي)32.) 4- أدوات جديدة لاستثمار في الطاقة المتجددة: شهدت السنوات الماضية ظهور العديد من الخيارات الاستثماري­ة الجديدة التي تستهدف قطاع الطاقة المتجددة، ومنها "السندات الخضراء"، وهي سندات مماثلة للسندات التقليدية فيما عدا أن عائداتها تستخدم، على سبيل الحصر، في تمويل المشروعات البيئية، التي تشمل مشروعات الطاقة المتجددة، والنمو الأخضر، والتخفيف من انبعاثات غازات الدفيئة. وقد أصدر البنك الدولي أول السندات الخضراء في عام 2008. وبحلول عام 2020 يتوقع أن يبلغ نصيب السندات الخضراء ما يتراوح بين 10% و15% من إجمالي إصدارات السندات في العالم)33(، ما سيكون له دور مهم في تحفيز الاستثمار العالمي في الطاقة المتجددة.

وفي الختام، فإن النمو الكبير في الطلب العالمي على الطاقة، بسبب النمو الاقتصادي وتحسن مستويات المعيشة، لاسيما في الاقتصادات الصاعدة، يدفع إلى زيادة الطلب على مصادر الطاقة بشكل عام، غير أن تغير مفاهيم التنمية وتزايد الاهتمام العالمي بالبيئة يدفع إلى تغيير سياسات الطاقة العالمية، لكي لا يكون اهتمامها منصباً فقط على توفير الطاقة الازمة لتلبية الطلب المتزايد من الناحية الكمية، ولكن لكي تركز أيضاً على ألا يكون ذلك على حساب البيئة، ما يدفع إلى التوسع باضطراد في استخدام الطاقة المتجددة، التي تمنحها مزاياها الخاصة أيضاً بجانب ذلك قدرات تنافسية كبيرة في مواجهة مصادر الطاقة التقليدية.

 ??  ??
 ??  ?? علي صلاح رئيس وحدة الدراسات الاقتصادية - المستقبل لSبحاث والدراسات المتقدمة، أبوظبي
علي صلاح رئيس وحدة الدراسات الاقتصادية - المستقبل لSبحاث والدراسات المتقدمة، أبوظبي

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates