Trending Events

هل تتجاوز المحكمة الجنائية الدولية اختصاصها القضائي؟

- د. محمد لعروسي

إنعملالمحك­مةالجنائية­الدولية وتطبيقبنود”اتفاقروما“تعرضه العديدمنال­إشكالاتوال­صعوبات القانونيةو­العمليةفيم­ايتعلقبصعو­بة إخضاع الدول غير الأعضاء للاختصاص النوعيوالش­خصيوالمكان­ي. تُعتبر المحكمة الجنائية الدولية محكمة مستقلة يتحقق فيها الاختصاص في ماحقة بعض الجرائم بعينها، والتي حددتها المادة 5 من النظام الأساسي للمحكمة في جرائم الإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب، وجريمة العدوان.

مؤخراً، توجهت فاتو بنسودا، المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية، إلى القضاة، بطلب السماح ببدء تحقيق في ارتكاب جرائم في أفغانستان، بما فيها المرتكبة من قبل عسكريين أمريكيين وجهاز المخابرات المركزية الأمريكية CIA(،) بدعوى أن دراسة الأوضاع في أفغانستان حسب قولها أوجدت لادعاء العام أساساً كافياً للحديث عن ارتكاب "أصناف عدة من الجرائم تدخل في اختصاصات المحكمة الجنائية الدولية". فهل تتأتى للمحكمة الجنائية الدولية صاحية ماحقة رعايا بلد غير عضو في المحكمة على أراضي دولة عضو فيها؟ وما التداعيات القانونية والسياسية لقرار التحقيق والماحقة؟

المحكمة الجنائية وال�سرعية القانونية

كان الهدف من توسيع آليات وصاحيات القضاء الجنائي الدولي، هو رد الاعتبار لقواعد القانون الدولي الإنساني، وذلك بتطبيق الجانب الإجرائي منه على مجرمي الحرب ومنتهكي نصوص القانون الدولي الجنائي. وقد استهدفت المحكمة الجنائية الدولية تأمين العدالة الجنائية الدولية من خال محكمة مستقلة قائمة بذاتها بإمكانها توصيف جرائم الأشخاص وماحقتهم بصفة شخصية، بغض النظر عن مواقعهم ومسؤوليتهم السياسية والقانونية في دولهم الأصلية.

يتحقق اختصاص المحكمة، إذن، إذا كان الأفراد موضع الاتهام ينتمون لدولة عضو أم لا، أو إذا قبلت دولهم غير الأعضاء محاكمتهم في المحكمة الجنائية، وكذلك إذا وقع الضرر داخل أرض تنتمي لإحدى الدول الأعضاء، أو إذا سمحت الدولة غير العضو بالمحاكمة في المحكمة الجنائية.

اخت�سا�ض المحكمة وال�سيادة الوطنية

من أهم الإشكالات التي تواجه هذا الاختصاص قدرة المحكمة الجنائية الدولية على ماحقة مواطنين لدولة عضو في المحكمة بشكل مباشر وتلقائي. في هذا السياق لا يمكن لهذه الهيئة القضائية الدولية أن تعوض أنظمة العدالة الداخلية واختصاص المحاكم الوطنية. وفي اعتقادي يصعب الحديث عن شرعية ومشروعية اللجوء إلى آلية الماحقة حسب الاختصاص النوعي، وذلك للأسباب التالية:

• وجود أوضاع سياسية مضطربة يصعب معها تكييف وتوصيف الجرائم على أنها جرائم إبادة، أو جرائم حرب أو عدوان، وذلك نظراً لغياب وجود حكومة مركزية مستقرة ومؤسسات سياسية ونظام قضائي فاعل في أفغانستان.

• اختاف التأويل القانوني والفقهي حول ما يمكن اعتباره جرائم الحرب والعدوان، أو توصيف التطهير العرقي والطائفي في منطقة تعرف صراعاً مسلحاً بين حركة طالبان والحكومة الشرعية. ويختلف التأويل حسب الحالات التي تتميز بوجود قوات مسلحة معادية للسلطة الحاكمة، أو في حالة وجود جماعة أو جماعات تستعمل العنف لتحقيق أهداف سياسية، وفي حالة ما إذا سقطت الحكومة أو كانت غير قادرة أو ترفض تدخل مجموعات مسلحة تواجهها لتكملة برنامجها السياسي أو لتثبيت السيادة.

• عدم تقدُّم السلطات الأفغانية للمحكمة الجنائية الدولية بالتماس ماحقة أشخاص عسكريين أو أفراد ميليشيات أو عسكريين ومدنيين أمريكيين.

• غياب الإحالة القانونية الإجبارية من مجلس الأمن لمنظمة الأمم المتحدة لفائدة المحكمة الجنائية الدولية، بإقرار مجلس الأمن بضرورة ماحقة مواطني أفغانستان من القوات الأمنية وميليشيات طالبان؛ لهذا فالسلطة التقديرية للمحكمة انتقائية وغير مكملة للقرارات الدولية ذات الصلة.

قيود الخت�سا�ض المكاني

فيما يخص الاختصاص المكاني، فإن المحكمة تعتمد في المقام الأول على مبدأ "الاختصاص الجنائي الإقليمي"، والذي يعني أن تُرتكب الجريمة في إقليم دولة طرف في النظام الأساسي للمحكمة أو أن تُرتكب الجريمة من قبل أحد رعاياها، حيث إن الفقرة 2 من المادة 12 تجيز للمحكمة "أن تمارس اختصاصها إذا كانت واحدة أو أكثر من الدول التالية طرفاً في هذا النظام الأساسي". والاستثناء الآخر على مبدأ الاختصاص الاقليمي للمحكمة يتمثل في حالتين؛ الأولى هي قيام المدعي العام بمباشرة التحقيق من تلقاء نفسه ومن دون إحالة من جهة ما. ومن أمثلة ذلك فتح المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية في 22 مايو 2007 تحقيقاً خاصاً بجرائم ارتُكبت في جمهورية أفريقيا الوسطى عامي 2002 و2003.

اما الحالة الثانية، فتتمثل في مباشرة مجلس الأمن حقه في الإحالة وفقاً للفقرة ب من المادة 13، وتنص على التالي: "إذا أحال مجلس الأمن، متصرفاً بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، حالة إلى المدعي العام يبدو فيها أن جريمة أو أكثر من هذه الجرائم قد ارتكبت"، والمثال على ذلك هو إحالة قضية دارفور إلى المدعي العام للمحكمة من قبل مجلس الأمن الدولي.

في حالة أفغانستان فإن ماحقة الجنود الأمريكيين ورجال المخابرات تطرح العديد من الإشكالات القانونية والسياسية، ذلك أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تنضم إلى المحكمة الجنائية الدولية. ومن دون شك، فإن الموقف القانوني للمحكمة يبدو سليماً وله أسس شرعية، لكنه يطرح في المقابل مواجهة بين أولوية ورجحان القانون الوطني على الاتفاقيات الدولية أو العكس، وأكثر من ذلك أن القانون الأمريكي يتبنى موقفاً عدائياً من المحكمة ويخالف أحكامها وقراراتها ويذهب في اتجاه تحرير المعتقلين الأمريكيين في حالة ماحقتهم من طرف المحكمة، الأمر الذي يجعل الماحقة والتحقيق على أرض دولة عضو كأفغانستان أمراً غير ذي موضوع، لاحتكار الدول القوة والسيادة بالمفهوم الضيق، وعدم اتخاد مجلس الأمن الدولي قرارات بهذا الشأن، مما قد يفيد بأن المحكمة تحرص على الدفع بأحقيتها في الماحقة القضائية ولو تعلق الأمر برعايا أمريكيين، وهو في اعتقادي سابقة من نوعها تخلط بين مفهوم الماحقة الشخصية والمهام الرسمية التي يقوم بها هؤلاء الموظفون أو العاملون العسكريون، كما أنها مجرد دعاية وتوظيف سياسي لنزاهة المحكمة ومشروعية تدخلها ومصداقيتها.

تقاطع القانوني وال�سيا�سي

تكرر المحكمة الجنائية الدولية، بفتح تحقيق في أفغانستان، الأخطاء التي ارتكبتها في السودان حينما قررت ماحقة الرئيس السوداني عمر البشير، ضاربة عرض الحائط بمفهوم الحصانة الدولية التي يتمتع بها، وصعوبة تطبيق قرار الاعتقال في حقه، مقابل استقباله من طرف العديد من الدول، مما يعكس قصوراً في الفهم لدى المحكمة، وتوجهها السياسي والانتقائي لدول وقضايا جنائية من دون غيرها.

يعيب العديد من فقهاء القانون الدولي على المحكمة الجنائية الدولية سياسة الكيل بمكيالين؛ وتعاملها مع الجرائم التي تُرتَكب في العالم بانتقائية شديدة، فهي تفتح التحقيقات بكل سهولة في الدول الأفريقية، في حين أن الجيش الأمريكي كان قد ارتكب في العراق منذ عام 2003 جرائم حرب ضد مواطنين عراقيين لا تقل في خطورتها عما حدث في بعض الدول الأفريقية. ومع أن ثاث دول من بين الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي لا تعترف بالمحكمة، وهي: الولايات المتحدة وروسيا والصين، فضاً عن إسرائيل، فإن المحكمة الجنائية تعتبر أن مجال اختصاصها القانوني والإجرائي شامل لجميع الدول عضواً وغير عضو. وفي هذا السياق انسحبت ثاث دول أفريقية من المحكمة، وهذا ما يضعف من مركزها الذي لا تتوفر له صفة الإلزامية، وتظل في الغالب محكمة اختيارية تعاني أزمة الشرعية وضعف إجماع الدول على إلزامية الخضوع لأحكامها وقراراتها.

يعيب العديد من فقهاء القانون الدولي على المحكمة الجنائية الدولية سياسة الكيل بمكيالين؛ وتعاملها مع الجرائم التي تُرتَكب في العالم بانتقائية شديدة، فهي تفتح التحقيقات بكل سهولة في الدول الأفريقية، في حين أن الجيش الأمريكي ارتكب في العراق منذ عام 2003 جرائم حرب لا تقل في خطورتها عما حدث في بعض الدول الأفريقية.

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates