Trending Events

الفقاعة السعرية:

مخاطر اقتصادية لاعتماد الدول على العملات الافتراضية

- مريم محمود

تعتبرالعمل­ات الافراضية إحدى نتائج تغلغل التكنولوجي­ا في الأنشطةالا­قتصادية والمالية. وقد أثارت هذه العملات جدلاً كبيراً بين الجهات التنظيمية في الدول المختلفة، في مسعى منها لدراسة التداعياتا­لاقتصادية المرتبة على التوسع في الاعتماد عليها، خاصة في ضوء التذبذب الكبير في قيمتها.

يلقي هذا التحليل الضوء على العمات الإلكتروني­ة وطريقة عملها، وما تفرضه من مخاطر اقتصادية، لاسيما في ظل ما يثار من تساؤلات حول إمكانات استقرار قيمتها، وما إذا كان الاستثمار فيها آمناً في الأجل الطويل، وفي ظل المواقف المتباينة للجهات الرسمية في الدول المختلفة من هذه العمات.

اأولً: طبيعة العملات الفترا�سية

العمات الافتراضية هي عبارة عن وحدات مالية مشيفرة تستخدم تكنولوجيا تسمى )Blockchain(1((. وتعد ”بيتكوين“أكثر العمات الافتراضية شهرة وأوسعها استخداماً الآن. وتوجد العشرات من العمات الافتراضية بجانب بيتكوين، مثل ليتكوين )Litecoin( وريبل Ripple() وغيرها. وبشكل عام فإن هذه العمات تتميز بعدد من الخصائص، أهمها: -1 التنظيم اللامركزي للعملات: تخضع العمات الافتراضية لنظام حوكمة لا مركزي، لضمان عدم سيطرة فرد أو كيان واحد عليها. فبيتكوين، على سبيل المثال، تشترط موافقة جميع مستخدميها حول العالم على إدخال أي تغير في نظام التعامل بها. ويتم ضمان عدم استخدام الشخص الوحدة النقدية نفسها في إجراء أكثر من معاملة في الوقت ذاته من خال نظام ”آلية الهاش” ‪Hash Func-(‬ tion) التي يتم التوصل إليها من خال عملية تسمى ”تنقيب البيتكوين“‪)Bitcoin Mining(‬

2( .) 2- محددات خاصة لسعر الصرف: لمحددات سعر صرف العمات الرقمية طبيعة خاصة، إذ يلعب الطلب دوراً أساسياً في تحديد سعرها، أكثر من العرض، نظراً لمحدودية حجم المعروض منها، فكلما ازداد الطلب على العمات زاد سعرها، والعكس بالعكس، كما أن هناك عاماً آخر يؤثر بشكل كبير في سعر صرف هذه العمات، وهو حجم الطاقة المستهلكة لإتمام كل عملية، إذ إن تأمين عملية التداول يتطلب استخداماً كثيفاً للطاقة. وقد وصل حجم الطاقة المستهلكة في نظام بيتكوين الآن إلى ما يعادل استهاك دولة صغيرة. 3- حداثة التنظيم القانوني: على الرغم من أن هناك حكومات أقدمت على إقرار العمات

الافتراضية كوسيلة للدفع، ووفرت لها النظم والبنية التحتية الازمة، فإنه ما زالت هناك هواجس لدى حكومات أخرى تجاهها، خوفاً من إمكانية استخدامها في عمليات التهرب الضريبي عبر إخفاء الأصول في صورة عمات افتراضية وفي مقدمتها بيتكوين، وهو ما قد يدفع بعض الحكومات إلى حظرها) 3 .)

ثانياً: مخاطر اقت�سادية مت�ساعدة

تواجه العمات الافتراضية عدداً من المخاطر الاقتصادية، والتي يمكن إجمالها على النحو التالي: 1- التذبذب الشديد في قيمتها: إذ إن أحد المخاطر الأساسية للعمات الافتراضية هو التذبذب الشديد في قيمتها. ففي نهاية 31 يوليو 2010 كانت قيمة وحدة واحدة من البيتكوين تعادل 0,07 دولار أمريكي)4(، ثم أخذت قيمتها في الارتفاع بعد ذلك حتى وصلت إلى 999 دولاراً أمريكياً/بيتكوين في 1 يناير2017، ثم 8254,1 دولار أمريكي/بيتكوين في 20 نوفمبر 2017، ثم 19203 دولارات أمريكية/ بيتكوين في 16 ديسمبر 5( 2017(. وتعليقاً على ذلك قال جيمي ديمون، الرئيس التنفيذي لبنك ”جي بي مورجان“، إن الأصول غير الخاضعة للتنظيم هي فقاعة مضاربات معرضة لخطر الانفجار بعد زيادة قيمتها بسبعة أضعاف منذ بداية عام 6( 2017(، وهو ما حدث بالفعل، إذ بحلول يوم 22 ديسمبر من العام نفسه، تراجعت قيمة البيتكوين إلى نحو 11 ألف دولار، لتفقد أكثر من ثلث قيمتها في فترة زمنية محدودة)7.)

وقد نتج الارتفاع الكبير السابقة الإشارة إليه في قيمة البيتكوين عن الطلب الكبير من قبل المستثمرين الجدد الراغبين في اللحاق بالسوق وتحقيق مكاسب منها، ونتيجة لهذا التنافس كانت هناك فرص كبيرة للتاعب بأسعار البيتكوين، التي لا تخضع لتنظيم فعلي، ولا يتضمن نظام تداولها أي حماية قانونية لحقوق المستثمرين)8(. وما يزيد الأمر وضوحاً أن التراجع السريع الذي شهدته قيمة البيتكوين بعد ذلك نتج عن أن بعض كبار المستثمرين قاموا ببيع بعض الحصص التي في حوزتهم، وقد يتطور الأمر إلى انفجار فقاعة البيتكوين، لاسيما في حالة قيام صغار المستثمرين ببيع ما لديهم من عمات خوفاً من تحقيق خسائر كبيرة)9.)

ونتيجة لتقلبات قيمة بتكوين، فإن هذا يؤثر سلباً على أدائها كمخزن للقيمة، ما قد يؤثر سلباً على ثقة المستهلكين وأصحاب الأعمال بها، ويدفعهم إلى الإحجام عنها. ويعزز من تلك المخاطر أن الكثير من حائزي البيتكوين يعتبرونها وعاء استثمارياً، وليست وسيلة لتسوية المعامات. ومن جهة ثانية، فإن البيتكوين تعاني قصور عدد المهتمين بها أو الذين لديهم علم بوجودها، وبالتالي لا تتمتع بقبول على نطاق واسع، ويوجد عدد قليل من الشركات في المدن الكبرى فقط تقبلها كوسيلة دفع)10(، وهي عوامل تضع قيوداً على استخدام العمات الافتراضية. 2- تعرضها لدوامات الانكماش المفرط: من المفترض أن يتم الوصول للحد الأقصى لكمية البيتكوين المتداولة والمحدد ب 21 مليون وحدة بحلول عام 2140، وعلى الرغم من ذلك فإن الكمية المتاحة للتداول لن تتخطى 80% منها بحلول فبراير 11( 2018(، وستصل هذه النسبة إلى 84.38% و87.5% بنهاية عامي 2019 و2020 على الترتيب؛ مما يعني أن هناك تباطؤاً سيحدث في النمو في كمية وحدات البيتكوين المتاحة للتداول في السنوات القادمة.

وعلى سبيل المثال، فإنه بافتراض تنفيذ 1% من التعامات في الاقتصاد الأمريكي باستخدام البيتكوين، و99% منها بالدولار، فإن القوة الشرائية للعملتين ستستمر في الزيادة عبر الزمن، إذ إنها ستستأثر بحصة ثابتة من النمو في حجم الناتج المحلي الإجمالي. وبينما سيستطيع الاحتياطي الفيدرالي ضبط قيمة الدولار وتكييفها مع النمو باستخدام أدوات السياسة النقدية ومن بينها طباعة النقود )عرض المزيد من الدولار(، ففي المقابل سيكون المنفذ الوحيد للبيتكوين لمواكبة النمو الاقتصادي هو ارتفاع قيمتها، خاصة مع وصول حجمها إلى الحد الأقصى، وستنجم عن ذلك دوامات انكماش مفرط ‪Hyper Deflation(‬ ،) لاسيما مع اكتناز المتعاملين للبيتكوين وادخارها نتيجة التوقعات بارتفاع قيمتها، وسينجم عن ذلك انخفاض حجم المعامات، وبالتالي تراجع الاهتمام بنظام بالبيتكوين)12.) 3- إمكانية تعرضها للسرقة: تواجه العمات الافتراضية تحديات الهجمات الإلكتروني­ة والقرصنة)13(. وتعد حادثة إفاس ”أم تي جوكس“‪Mt. Gox(‬ ،) وهي شركة صرافة لتبادل بيتكوين عام 2014 عقب تعرضها لسرقة وتاشي 744 ألف بيتكوين )بقيمة اقتربت من 400 مليون دولار أمريكي وحوالي 6% من عمات البيتكوين المتوفرة في العالم آنذاك( مثالاً على ذلك)14(. وكذلك شهد عام 2016 عملية قرصنة لبورصة ”بيتفينكس“Bitfinex() والمتخصصة في البيتكوين في هونج كونج، مما أدى إلى توقف عمليات التداول والسحب والإيداع بها، وتسبب ذلك في خسارة نحو 119,8 ألف بيتكوين )بقيمة 65 مليون دولار أمريكي()15(. وفي ديسمبر 2017 تعرضت 4700 بيتكوين، بقيمة 64 مليون دولار أمريكي، للقرصنة والسرقة من منصة تنقيب ”نايس هاش“‪Nice hash(‬ ،) التي يقع مقرها في سلوفينيا)16.) 4- ظهور عملات رقمية بديلة: تتعرض بيتكوين لمخاطر محتملة أخرى أبرزها نشأة عملة رقمية جديدة أفضل تسحب منها قيادة السوق، ولا يبدو هذا السيناريو مستبعداً في ضوء انهيار عمات افتراضية أخرى مثل ”سوليدكوين“Solidcoin() و”ببكيوكوين“Ppqcoin() و”فيربريكس“Fairbrix() و”جيست جيلد“Geld(‬ ‪Geist)17((، بالإضافة إلى إمكانية حدوث خطأ فني في النظام لم يكتشف سابقاً، إلى جانب احتمالات تحديث بعض عقد الشبكة Network( Nodes) لبرنامج لا تتوافق مع الإصدارات السابقة، وهو قد يتسبب في تقسيم شبكة دفع بيتكوين إلى شبكتين، أو تعرض بيتكوين لهجوم بواسطة منظمة ذات موارد مالية كبيرة )مثل الحكومات() 18 .) 5- ارتفاع استهلاك الطاقة: يعد تأمين عملية تداول العمات

الافتراضية أمراً معقداً للغاية ويستلزم شبكة واسعة من الأجهزة الإلكتروني­ة المترابطة حول العالم، الأمر الذي يستنزف كميات كبيرة من الطاقة في العملية الواحدة، فنظام تداول البيتكوين، على سبيل المثال، يتطلب استخداماً كثيفاً للطاقة، ويعادل استهاكه منها إجمالي استهاك دولة صغيرة.

ثالثاً: اتجاهات تقنين العملات الفترا�سية

انقسمت الدول في موقفها من العمات الافتراضية، فتراوحت بين الحظر الكامل، وقبولها عبر وضع أطر لتنظيم علمها، ويمكن توضيح ذلك على النحو التالي: 1- وضع أطر تنظيمية: من الدول التي تبنت هذا النهج الولايات المتحدة الأمريكية واليابان، فقد شرعت واشنطن في وضع أطر تنظيمية للعمات الافتراضية بدءاً من عام 2013، حين استحوذت الأجهزة الأمنية الأمريكية على ما لا يقل عن 144 ألف عملة بيتكوين عقب إغاقها لشبكة تم استخدامها في المعامات غير المشروعة للبيتكوين عام 2013 أطلق عليها ”طريق حرير“)19.)

وقد اعتبرت مصلحة الضرائب الأمريكية أن العمات الافتراضية تعد من الممتلكات، كما أن تداولها أو استخدامها في شراء السلع والخدمات، تنشأ عنهما التزامات ضريبية. ووضعت ولاية نيويورك لوائح للحصول على تراخيص لأنشطة العمات الافتراضية باسم ‪Bit License(‬ ) في محاولة لحماية المستهلكين ومنع استخدامها في الأنشطة غير المشروعة)20(. وبشكل عام يخضع متداولو ومستخدمو بيتكوين في الولايات المتحدة لقانون ”السرية المصرفية“منذ عام 2013، الذي يلزم متداولي العملة والمشرفين عليها ومقدمي خدمات تحويل الأموال بتسجيل عمليات التبادل والتحويل، بما يتسق مع قواعد وزارة الخزانة الأمريكية، كما تخضع خدمات تحويل الأموال أيضاً إلى قانون مكافحة الإرهاب لعام 21( 2001.)

أما اليابان، فقد منحت البيتكوين قوة إبراء قانونية، نظراً لسعيها لأن تصبح المركز العالمي للتكنولوجي­ا المالية. وأشارت حكومة اليابان إلى أنها ستراقب المعامات التي تتم باستخدام بيتكوين لاحتراز من إمكانية استخدامها في الأنشطة الإجرامية، كما ستجمع المعلومات عن أصحاب الودائع. وعلى الرغم من الإجراءات السابقة، فإنه يمكن للمتهربين من الضرائب في الدول الأخرى الحصول على بيتكوين بصورة سرية من خارج اليابان، ثم القيام بعمليات غسيل أموالهم من خال الحسابات اليابانية. ومن ثم فإن اليابان تخاطر بأن تصبح ماذاً مصرفياً من خال تبنيها التكنولوجي­ا المالية)22.) وتتحرك الولايات المتحدة واليابان بسرعة لإضفاء الشرعية على العمات الافتراضية من خال حماية المستثمرين، وهو الأمر الذي من شأنه أن يساعد الشركات على زيادة تمويل رأس المال من خال أساليب بديلة، وليس عن طريق رأس المال المُخاطر وأسواق الأسهم، مما قد يفتح سوقاً تمويلية جديدة كلياً)23.) 2- تأجيل وضع الأطر التنظيمية لها: لعل أبرز مثال في هذا الإطار هو الاتحاد الأوروبي، ففي حين أصدرت محكمة العدل الأوروبية حكماً باعتبار بيتكوين عملة وليست سلعة في أكتوبر 24( 2015(، فإن ”ماريو دراجي“، محافظ البنك المركزي الأوروبي اعتبر أن تكنولوجيا البيتكوين والعمات الافتراضية غير ناضجة للدرجة التي تتطلب تنظيمها)25.) 3- حظر العملات الافتراضية: ففي نهاية عام 2013، حظر بنك الصين على المؤسسات المالية الموجودة بها استعمال بيتكوين وجميع معاماتها من أي نوع. وأرجعت الصين ذلك إلى أن بيتكوين تشكل مخاطر كثيرة جداً على استقرارها المالي وقطاع التجارة بها إلى جانب مخاوفها بشأن استخدامها في عمليات غسيل الأموال والأنشطة الإرهابية)26.) كما أعلنت السلطات الصينية في سبتمبر 2017 اعتزامها إغاق المنصات التي تساعد الأفراد على تداول البيتكوين في الباد. وأصدر بنك الصين تعليمات بمنع البورصات الصينية من تقديم خدمات تجارة العمات الافتراضية، وذلك في إطار جهود الحد من استخدام العمات الرقمية في غسيل الأموال والأنشطة غير المشروعة. وفي كوريا الجنوبية أعلن وزير العدل الكوري الجنوبي ”بارك سانغ كي“استعداد باده لإصدار قانون يحظر تداول كل العمات الرقمية بسبب المخاوف الكبيرة منها، خاصة فيما يتعلق بتذبذب قيمتها، وإمكانية توظيفها في التهرب الضريبي)27.) 4- التفكير في إصدار عملات افتراضية رسمية: قام بنك

إنجلترا، البنك المركزي للمملكة المتحدة، بإعداد دراسة حول إمكانية إصدار عملة رقمية خاصه به عقب تنامي سوق العمات الرقمية) غير أنه تراجع عن الفكرة، لتخوفه من إمكانية أن تدفع العملة الافتراضية المواطنين إلى سحب أموالهم من البنوك وتحويلها إلى عمات افتراضية، ومن ثم تخسر البنوك الودائع الازمة للقيام بنشاطها الاقتصادي، فضاً عن أنه يقوض قدرة الحكومة على استخدام سعر الفائدة كإحدى أدوات السياسة النقدية لتحقيق الاستقرار الاقتصادي.

وفي حالة قيام البنوك المركزية بإنشاء عماتها الرقمية الخاصة بها فإن ذلك سيؤثر على بيتكوين في الأجل الطويل، خاصة أن التاريخ الطويل لتطور النقود يشير إلى أن ما يبتكره القطاع الخاص تنظمه وتديره الدولة في نهاية المطاف) .)

وختاماً، فقد اتجهت بعض الدول لحظر بيتكوين والعمات الافتراضية وتحذير المستهلكين من مخاطرها المحتملة، واتجهت دول أخرى لوضع أطر تنظيمية لمحاولة تخفيف مخاطرها، وتسعى بعض الدول لأن تكون مركزاً لريادة التكنولوجي­ا المالية واستغال ذلك لتعزيز اقتصاداتها والمشاركة في تشكيل نظم مالية وتمويلية جديدة. وفي كل الأحوال يتطلب سرعة تطور ابتكارات التكنولوجي­ا المالية استجابات من الجهات التنظيمية في الدول المختلفة تعمل على تجنب المخاطر من دون خنق الابتكار، والمرونة في مواجهة تحدياتها والاستفادة منها في تطوير النظم المالية.

ومن الأهمية ألا يقتصر دور الجهات التنظيمية على منع استخدام العمات الافتراضية في الأنشطة غير المشروعة، ولكن من الممكن أن يمتد ليشمل فرض ضوابط ومتطلبات تحقيق السامة المالية على وسطاء تبادل العمات الافتراضية وحماية المستهلكين وتحقيق استقرار نظام المدفوعات. كما يفرض توسع انتشار العمات الافتراضية تحديات وضع أطر تنظيمية لدرجة التكامل بين النظام المالي التقليدي وسوق العمات الافتراضية وتأثير ذلك على مستقبل الوساطة المالية) .)

 ??  ??
 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates