Trending Events

الحرب المعلوماتي­ة:

دور الإعلام الروسي في مواجهة الغرب

-

عمد بوتين إلى توظيف الإعلام الروسي للترويج لسياساته الجديدة داخلياً، فضلًا عن توظيفها في الدفاع عن السياسة الخارجية الروسية، ومواجهة الحملات الإعلامية الغربية المضادة. وقد امتلكت وسائل الإعلام الروسية الخبرات اللازمة التي تؤهلها لاستغلال المعلومات لنقل الرسائل الإعلامية التي تتوافق مع توجهاتها. ويعد إلقاء الضوء على هذه التجربة أمراً حيوياً من أجل فهم دور وسائل الإعلام الروسية في حرب المعلومات الحالية بين روسيا والغرب.

اأولً: ا�ستعادة ال�سيطرة على الإعلام

شهد الإعام الروسي تقلبات واضحة من كونه إعاماً سوفييتياً تحكمه دولة شيوعية بقبضة من حديد، مروراً بمرحلة "المصارحة والشفافية"، والتي عرفت باسم "الجاسنوست" في أواخر عهد الرئيس السوفييتي "ميخائيل جورباتشوف" 1985( – 1991(، ثم بفترة الاضطرابات التي شهدتها روسيا في التسعينيات من القرن العشرين، وانتهاءً بعصر الرئيس الروسي فاديمير بوتين.

وفقدت الحكومة الروسية سيطرتها على وسائل الإعام خال حقبة التسعينيات من القرن العشرين، مع الانتقال من النظام الشيوعي إلى نظام اقتصاد السوق الحر، وما رافق ذلك من خصخصة وسائل الإعام الحكومية، شأنها في ذلك شأن كافة الشركات والمصانع المملوكة للدولة. وقد ترتب على هذا الوضع تحولها إلى أدوات للتعبير عن مصالح الطبقة الأوليجارك­ية التي نشأت خال هذه الفترة، وذلك في الوقت الذي عجزت فيه حكومة الرئيس الروسي "بوريس يلتسن" 1991( – 1999( عن توظيفها لتوطيد أركان الدولة الروسية.

وقد استمر هذا الوضع حتى تولي الرئيس فاديمير بوتين الحكم في عام 2000، في وقت كانت الباد تمر بأزمة اقتصادية حادة، وعدم استقرار سياسي، ولذلك قرر إحكام

السيطرة على عناصر قوة الدولة الروسية كافة لمواجهة هذه الأزمات، ومن بينها وسائل الإعام.

وقد ساعدت عدة عوامل على ذلك، وتتمثل أولها في تحسن الأوضاع الاقتصادية، خاصة مع ارتفاع أسعار النفط، خال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، فضاً عن نجاح بوتين في دعم سلطته السياسية في أعقاب انتخابات عام 2004، والتي أظهرت بوضوح غياب أي معارضة سياسية قادرة على طرح مرشح بديل لرئاسة الجمهورية يحظى بقبول شعبي. كما تسارعت هذه الجهود مرة أخرى مع تولي دميتري ميدفيديف رئاسة الوزراء في عام 2012.

ثانياً: ادوار و�سائل الإعلام الرو�سية

تتوافق وسائل الإعام الحكومية في الدفاع عن السياسات الروسية داخلياً وخارجياً، وهي بذلك تسعى إلى تحقيق عدد من الأهداف التي يمكن إجمالها فيما يلي: 1- الترويج للنموذج الروسي: سعى بوتين لتوظيف الإعام كأداة لتعزيز الانتماء القومي الروسي، والتأكيد على أن المسار الذي سوف تنتهجه روسيا سوف يغاير الدول الغربية، فموسكو لن تصبح دولة ليبرالية على النموذج الغربي، خاصة أن لديها قيمها المحافظة التي تختلف عن الغرب. ولذلك تم استبدال

النموذج الغربي ب "الوطنية الروسية" تدريجياً. وقد لاقى هذا النموذج دعماً شعبياً، خاصة في ضوء الحنين الذي تشعر به قطاعات مجتمعية تجاه الحقبة السوفييتية.

وقد لعبت وسائل الإعام دوراً محورياً في الترويج لهذه الرؤية الجديدة، وطوال ما يقرب من عقدين من الزمن، نجحت وسائل الإعام الوطنية في الحفاظ على ولاء الشعب للنظام، ونجحت في تشكيل الرأي العام، والذي بات ينظر إلى روسيا باعتبارها آخر حائط صد أمام الغرب ذي التوجه الليبرالي الجديد، كما أنها من جهة ثانية تلعب دوراً في دعم أو انتقاد أي شخصية روسية، بما يدعم مصالح النخبة الروسية الحاكمة. 2- الدفاع عن سياسات موسكو: قام الإعام بالدفاع عن السياسة الخارجية الروسية، منذ منتصف العقد الأول من القرن الواحد والعشرين، حينما تصاعدت المواجهة الإعامية بين موسكو والغرب خال الأزمة الروسية – الجورجية في عام 2008، والتي بدأت بهجوم القوات الجورجية على قاعدة روسية في "أوسيتيا الجنوبية"، وهو الأمر الذي نتجت عنه وفاة عدد من الجنود الروس، ودفع موسكو للرد العسكري الحازم ضد تبليسي، والسيطرة على مساحات واسعة من جورجيا) .)

وقد مثلت التغطية الإعامية لهذه الحرب أول مواجهة واسعة النطاق بين وسائل الإعام الغربية والروسية منذ الحرب الباردة، وهو ما وضح في مهاجمة رؤساء تحرير بعض الصحف الروسية وسائل الإعام الدولية، ومطالبتهم ب "تحري الموضوعية أثناء تغطية العمليات العسكرية في أوسيتيا الجنوبية". وحثوا "وسائل الإعام الدولية على تسليط الضوء بموضوعية على دور القوات الروسية في حفظ السام في أوسيتيا الجنوبية، والتي لولا مشاركتها في مواجهة القوات الجورجية آنذاك، لتعرض جميع سكان أوسيتيا الجنوبية للإبادة") .)

وعندما اندلعت الأزمة الأوكرانية في عام 2014، عمدت وسائل الإعام إلى مهاجمة الغرب عموماً، والولايات المتحدة خصوصاً، نظراً لجهودهم الرامية إلى التمدد في الجوار المباشر لموسكو على غرار أوكرانيا.

وشن الإعام الروسي حملة إعامية، تمثلت في البرامج التلفزيوني­ة والمقالات والتحليات التي هدفت للترويج لأحقية روسيا في ضم شبه جزيرة القرم في مارس 2014 وقام مشاهير التلفزيون والصحافة، مثل "ديميتري كيسيليف"، مقدم برنامج "أخبار الأسبوع"، باتهام الإعام الغربي "بتأويل التاريخ والحاضر والمستقبل" و"الترويج لنظام قيمي زائف ومواقف أيديولوجية منحازة ومحاور سياسية وهمية") .)

وعندما صرح الرئيس الأمريكي باراك أوباما في مؤتمر صحفي في تالين عام 2014 أن "هناك وحدات قتالية روسية مزودة بأسلحة ودبابات في أوكرانيا" بناءً على "حقائق يمكن إثباتها") عمدت قنوات التليفزيون الوطنية الكبرى إلى تقديم برامج تحليلية تدين الرئيس الأمريكي تحت ادعاء قيامه بتشويه صورة روسيا دون تقديم حقائق أو أدلة مثبتة بشأن المزاعم التي أطلقها.

3- مواجهة الحملات الإعلامية المضادة: يركز الخبراء والمحللون الروس في وسائل الإعام المختلفة على "قيام الحكومات الغربية بمضاعفة ميزانيات وسائل إعامها لمهاجمة روسيا، وذلك في الوقت الذي تتهم فيه موسكو با مبرر ولا دليل بنشر دعايتها في جميع أنحاء العالم") وتتوافق هذه الرواية مع الرواية الرسمية، فقد أكد كبار المسؤولين مراراً شن الغرب "حرباً معلوماتية تهدف إلى تشويه سمعة روسيا في كل المجالات") .)

ومثّل التدخل الروسي في سوريا، بناء على طلب حكومتها، تصاعد في وتيرة الحرب الإعامية بين روسيا والغرب. وقد اتهمت موسكو وسائل الإعام الغربية بنشر أخبار كاذبة، والتي تعد أشهرها حادث الصبي السوري الذي يدعى "عمران دقنيش". ففي أغسطس 2016، تناقلت وسائل الإعام الدولية بكثافة صوره وهو مصاب، وزعمت أنه تعرّض لقصف روسي أو سوري في مدينة حلب السورية.

وهاجمت وسائل الإعام الروسية نظيرتها الغربية، واتهمتها بتوظيف هذه المأساة، من أجل إدانة الكرملين ونظام بشار الأسد بارتكاب جرائم حرب في سوريا، وتجاهل الانتهاكات التي ترتكبها قوات المعارضة المسلحة، كما ركز الإعام الروسي على التأكيد على مبالغة الإعام الغربي في تصوير إصابات الطفل، من أجل إدانة المحاولات الروسية لتحرير المدينة من "الإرهابيين" على سند من القول إنها تتسبب في سقوط ضحايا من المدنيين.

واستغلت وسائل الإعام الروسية كلمات والد الطفل الذي زعم أن بعض الصحفيين الأجانب قد "عرضوا عليه أموالاً لادعاء بأن منزله قد تعرض للدمار بفعل الطيران العسكري الروسي أو السوري") ليستخدم ذلك دلياً إضافياً على حجم الدعاية الغربية ضد روسيا.

وألقت وسائل الإعام الروسية باللوم على الغرب لاستغاله بعض المصادر المشبوهة، في مهاجمة روسيا، مثل المنظمات غير الحكومية السورية العاملة في المجال الإنساني. وتبنت وسائل الإعام هذا التوجه في أعقاب اتهام "إيجور كوشينكوف"، أحد المسؤولين في وزارة الدفاع الروسية، المنظمات الإنسانية السورية "بنشر مواد زائفة لضحايا مزعومين للقصف الروسي") وقد ركزت قنوات التليفزيون الوطنية وأكبر المواقع الإلكتروني­ة على مهاجمة "المرصد السوري لحقوق الإنسان". واتهام "أسامة سليمان"، مدير المرصد، "بتلقي أموال مقابل عمله الدعائي لأن جميع أنشطة مركزه تعادي روسيا علناً") .)

سعى بوتين لتوظيف الإعلام كأداة لتعزيز الانتماء القومي الروسي، والتأكيد على أن المسار الذي سوف تنتهجه روسيا سوف يغاير الدول الغربية، فموسكو لن تصبح دولة ليبرالية على النموذج الغربي، خاصة أن لديها قيمها المحافظة التي تختلف عن الغرب.

ويتضح دور الإعام الروسي في الرد على الحمات الغربية من خال مهاجمتها الفيلم الوثائقي الذي أعدته "هيئة الإذاعة البريطانية" BBC() عن مثيري الشغب في كرة القدم الروسية، والذين أطلق عليهم الفيلم لقب "جزارو أورل"، حيث هاجم مشجعي كرة القدم الروس معتبراً إياهم شديدي العنف) وقد نظرت وسائل الإعام الروسية إلى الفيلم باعتباره "دعاية غربية أخرى لزرع المخاوف بين الأوروبيين قبل كأس العالم 2018 والذي تستضيفه روسيا.

وقد تم توظيف هذا الفيلم للتدليل على "استمرار الدول الغربية في تقديم كل أنواع التقارير التي تهدف في الأساس إلى نشر قصص مرعبة حول "روسيا المتعطشة للدماء") .) كما صوّر الإعام الروسي استبعاد روسيا من المشاركة في الألعاب الأولمبية الشتوية عام 2018 بأنها "نتيجة الدعاية الغربية لإذلال بلد عظيم مثل روسيا") .) 4- تعزيز الرواية الرسمية الروسية: يتم ذلك من خال الاستشهاد بمصادر وشخصيات أجنبية بارزة، بغض النظر عما إذا كانوا يعبرون عن أفكار مؤيدة لروسيا أم لا. وهناك موقع مثل Inosmi.ru(،) والذي يترجم المقالات الواردة في وسائل الإعام الأجنبية والغربية إلى اللغة الروسية، ويلعب هذا الموقع دور الإعام المحايد الذي يفرز ويترجم المقالات التي من المفترض أن ترسم صورة صحيحة عن روسيا، وياحظ أن أغلب الشخصيات والخبراء الأجانب الذي يعتمد الموقع على ترجمة مقالاتهم، مثل فاكاف كاوس، يشتركون جميعاً في التأكيد على عداء الغرب الشديد لروسيا) .) 5- التماهي مع السياسات الحكومية: رحب الإعام الروسي في البداية بانتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة في عام 2016، وتوقع أن هذه الفترة ستشهد تراجعاً للخافات بين الجانبين. وأظهر الإعام الروسي ترامب لفترة من الوقت بمظهر "صديق روسيا العزيز وحامي القيم التقليدية") .) ويرجع ذلك إلى تبني ترامب في برنامجه الانتخابي سياسة مهادنة تجاه موسكو.

ومع ذلك، لم يمر نصف عام منذ فوز دونالد ترامب في الانتخابات، حتى تحوّل في نظر الروس من صديق عزيز إلى رئيس أمريكي عادي مثله مثل سابقيه، وذلك بعد أن أطلقت الولايات المتحدة صواريخ توماهوك على قاعدة الشعيرات الجوية في سوريا. ومنذ هذه اللحظة، بدأت وسائل الإعام الروسية وصف دونالد ترامب بالرئيس الأمريكي الذي تراجع عن وعوده الانتخابية بتحسين العاقات مع موسكو. وصوّر الإعام زيارة ترامب لبولندا في يونيو 2017 على أنها "دعاية أمريكية تعيد المشاعر البولندية المناهضة لروسيا" لأن ترامب "مثل سابقيه، سيواصل سياساته الرامية إلى مهاجمة روسيا") .) 6- دعم التيارات الغربية الشعبوية: سمحت وسائل الإعام الروسية، مثل روسيا اليوم أو سبوتنيك، للتيارات الغربية الشعبوية والمتطرف في التعبير عن نفسها، وذلك في الوقت الذي لم تلق تغطية إعامية من جانب الدول الغربية. وسمحت وسائل الإعام الروسية لهذه التيارات بالتعبير عن أجندتها المتطرفة. واستطاعت وسائل الإعام الروسية، بفضل الدعم المالي الكبير الذي تتلقاه من الحكومة، أن تصنع لنفسها مكاناً في الغرب، حتى وإن كانت تنتقد قيمه.

وفي الختام يمكن القول إن محاولة روسيا توظيف وسائل إعامها في مواجهة الحمات الإعامية الغربية، أو دفاعاً عن سياساتها لا يعدو أن يكون أمراً طبيعياً تلجأ إليه كل الدول، بما فيها الدول الغربية، وقد ساعد على ذلك الأمر تصاعد الاحتقان والتوتر في العاقات الروسية – الغربية، ومن غير المتوقع أن يتراجع الإعام الروسي عن مواقفه ما لم يتم التوصل إلى تسوية سياسية تكفل إنهاء المشاكل العالقة في العاقات الروسية – الغربية. ‪1- Georgia 'overrun' by Russian troops as full-scale ground invasion begins, ‪Daily Mail,‬ accessible at: https://dailym.ai/1ofxWC3‬

‪2- Главреды Москвы призывают мировые СМИ к объективно­сти, ‪РИА Новости,‬ 13/8/2008, https://bit.ly/2KYKql6‬ ‪3- The Media War Behind the Ukraine Crisis, ‪The Moscow Times,‬ March 11,2014, accessible at: https://bit.ly/2wDxrCd‬ ‪4- Анастасия Кашеваров, Дмитрий Киселев: »Поведение Запада граничит с шизофрение­й«, 4 апреля 2014, https://iz.ru/news/568611‬ ‪5- Обама назвал присутстви­е российских войск на Украине неоспоримы­м фактом, Interfax, 3 сентября 2014, http://www.interfax.ru/‬

world/394842 ‪6- На Западе не жалеют денег на информацио­нную войну против России, ‪РИА Новости,‬ 23/3/2016, https://bit.ly/2wo9sBU‬ ‪7- Наталья Вальханска­я, Минобороны рассказали об инструмент­ах Запада в информацио­нной войне против России, 18/10/2017, https://‬

bit.ly/2rFOWvV ‪8- Михаил Федотов, Отец Омрана Дакниша рассказал, как пытались использова­ть его сына,‬ Вести.Ru, ‪6 июня 2017, https://www.vesti.ru/‬

doc.html?id=2896360 ‪9- Минобороны РФ может начать публикацию данных о действиях коалиции в Сирии, ТАСС, 15 января 2016, http://tass.ru/politika/2589572‬ ‪10- Алеппо-фейк Из окопов информацио­нной войны новости выстрелива­ют каждый час, ‪Российская газета,‬ 13/10/2016, https://bit.‬

ly/2KjNc37 ‪11- The secret world of Russia football hooligans, BBC, February 16,2017, accessible at: https://bbc.in/2IbUYPT‬ ‪12- Наталья Райбман, BBC сняла фильм об угрозах российских футбольных фанатов,‬ ВЕДОМОСТИ, ‪16 февраля 2017, https://bit.‬

ly/2GckWwH ‪13- Владислав Воробьев, "Двойка" по внешней политик, ‪Российская газета,‬ 30/6/2017, https://bit.ly/2GcKDNM‬ ‪14- Реакция на отстранени­е России от Олимпиады-2018, TACC, 5 декабря 2017, http://tass.ru/sport/4786997‬

‪15- Нил Кларк, Вацлав Клаус: Запад чудовищно врет о России, ИноСМИ, 1/10/2014, https://bit.ly/2IhCfP0‬ ‪16- Жители Рязани хотят переименов­ать улицу Безбожную в честь Трамп, NTV.RU, 14/11/2016, http://www.ntv.ru/novosti/1701796/‬

‪17- Дональд Трамп показал своё истинное лицо, Politikus.ru, 6/7/2017, https://bit.ly/2rCUqsa‬

 ??  ??
 ?? زميل باحث في “معهد الرؤى والأمن في أوروبا” أحمد رحمانوف ??
زميل باحث في “معهد الرؤى والأمن في أوروبا” أحمد رحمانوف

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates