Trending Events

التضحية بالزعماء:

إعادة إنتاج النظام الحاكم في جنوب أفريقيا وإثيوبيا

- أبوبكر العم “باحث في القانون العام والعلوم السياسية، حاصل على درجة الدكتوراه من جامعة الحسن الأول المغربية”

تشهد أغلب دول القارة السمراء احتقاناً سياسياً مزمناً تغذيه النزاعات العرقية، والفساد المستشري في أنظمة الحكم القائمة، مما جعل تلك البلدان تتعرض باستمرار لهزات سياسية وأمنية من فترة إلى أخرى، يتم علاجها في بعض الأحيان من خلال التضحية بالزعماء السياسيين، لتستمر الأنظمة في إعادة إنتاج نفسها وإن كان بوجوه مختلفة. شهد العام الحالي في القارة الأفريقية تحولات سياسية مهمة، أبرزها استقالة الرئيس الجنوب أفريقي "جاكوب زوما"، ورئيس وزراء إثيوبيا "هايلي مريام ديسالين"، ويعد هذان الحدثان مؤشراً على استمرار أزمة الحكم في بعض الدول الأفريقية. فعلى الرغم من اختاف الأسباب المباشرة لسقوط هذا الرئيس أو ذاك، فإن هناك خيطاً يربط بين مختلف الحالات، هو غياب الحكم الرشيد، وما يترتب على ذلك من تداعيات سلبية على الأوضاع السياسية والاقتصادي­ة والاجتماعي­ة. وسوف يتم التركيز على استقالة الزعيمين، باعتبار أن البلدين معاً يشكان نموذجاً مصغراً لأوضاع القارة الأفريقية، باختافاتها وتعقيداتها ذات الأبعاد الإثنية والدينية.

اأولً: اأزمة مت�سابهة في بلدين

على الرغم من اختاف الأسباب المعلنة، والتي دفعت إلى استقالة كل من رئيس جنوب أفريقيا، جاكوب زوما، ورئيس وزراء إثيوبيا هايلي مريام ديسالين، وتعيين آخرين مكانهما، فإن الأزمتين تتحدان في الجذور، والمتمثلة في غياب الحكم الرشيد، وما تبع ذلك من تنامي السخط لدى فئات مجتمعية عديدة في إثيوبيا، جراء الظلم والتهميش والإقصاء. ولا يختلف الأمر كثيراً بالنسبة لجنوب أفريقيا، إذ تثار ضد زوما منذ فترة طويلة اتهامات بالفساد المالي والأخاقي، وهو ما يمكن توضيحه على النحو التالي: 1- التهميش والإقصاء في إثيوبيا: جاءت استقالة رئيس الوزراء الإثيوبي "هايا مريام ديسالين"، في ال15 من فبراير 2018 على خلفية الاحتجاجات الشعبية المستمرة ضد التهميش والإقصاء الذي يمارسه التحالف السياسي الحاكم للباد منذ أكثر من عشرين عاماً بحق أغلبية السكان، وهو الوضع الذي دفع بعض القوميات للمطالبة بالحصول على حق الحكم الذاتي للأقاليم التي تشكل أغلبية سكانية فيها، وقد برزت هذه المطالب إلى العلن بعد رحيل "ميليس زيناوي"، رئيس الوزراء السابق، في عام 2012، الذي كان يحكم الدولة بقبضة أمنية.

وقد بدأت إثيوبيا تشهد اتساعاً في حجم الاحتجاجات ضد حكومة ديسالين منذ نوفمبر 2015، وقد سعت الحكومة لضبط الوضع من خال إعان حالة الطوارئ لمدة عشرة أشهر، إثر مقتل مئات من المتظاهرين على أيدي قوات الأمن واعتقال آلاف آخرين. وبعد انتهاء حالة الطوارئ أواخر عام 2016، عادت التظاهرات مجدداً إلى الواجهة، خاصة في المدن الواقعة بمناطق قومية الأمهرا، وقومية الأورومو التي تشكل حوالي 40% من إجمالي سكان إثيوبيا) .)

ولم تكن الاحتجاجات سلمية الطابع، بل تخللتها أعمال

عنف، اكتسبت بعداً عرقياً، خاصة مع وقوع أعمال عنف انتقامية ضد قومية التيجراي، التي تهيمن على النظام السياسي الإثيوبي، خاصة أن رئيس الوزراء المستقيل كان ينتمي إليها، وذلك على الرغم من أن هذه القومية لا تشكل أكثر من 6% من سكان الباد. وقد لعب هذا العامل دوراً في دفع ديسالين لترك سدة الحكم. كما تشهد إثيوبيا صراعات عرقية أخرى تندلع من حين لآخر بين الصوماليين والأورومو)2.)

وقد تمحورت مطالب الأمهرا والأورومو في ضرورة إشراكهم في الحياة السياسية والحد من الإقصاء والتهميش المستمر منذ وصول الائتاف الحاكم إلى سدة الحكم عام 1991، بالإضافة إلى المطالبة بمنح صاحيات واسعة للأقاليم التي تُشكل القوميتان أغلبية فيها، من أجل النهوض بالقطاعات الاقتصادية والخدمية، وتقسيم عادل للثروات الطبيعية والإيرادات الحكومية، خاصة مع ارتفاع نسبة النمو الاقتصادي إلى حوالي 8.5% عام 2017، واستمرار معدلات الفقر على ما هو عليه)3 .)

ومن جهة ثانية، دعا المحتجون الحكومة للقيام بإصاحات في النظام السياسي الإثيوبي تمكِّن المعارضة من تقاسم السلطة مع الحزب الفائز في الانتخابات، وذلك من أجل تجاوز الأزمات السياسية التي قد تؤثر سلباً على النمو الاقتصادي الإثيوبي، وتزايد حدة عدم الاستقرار الأمني، بما يفاقم من التدهور الأمني الذي تعيشه منطقة القرن الأفريقي. 2- فساد النظام الحاكم في جنوب أفريقيا: تعود جذور أزمة استقالة الرئيس جاكوب زوما في 14 فبراير 2018، لما قبل توليه سدة الحكم عام 2009، خلفاً للرئيس الأسبق "تابو مبيكي". فقبل وصول زوما إلى الحكم، كانت تاحقه تهم الفساد الأخاقي، غير أنه تمكن من الحصول على أغلبية الأصوات في الحزب الحاكم، مما مكنّه من الوصول إلى أعلى منصب تنفيذي في الدولة.

وقد تمثلت إحدى التهم الموجهة لجاكوب غداة وصوله إلى الحكم في إقامته عاقة غير شرعية مع ابنة أحد رفقائه في النضال، بالإضافة إلى تهم الفساد المالي واستغال السلطة، والتي طالت المقربين منه، حيث أدين مستشاره المالي "شبير شيخ" بالفساد)4 .)

وتتمثل أشهر قضايا الفساد التي طالت جاكوب زوما في التحسينات الأمنية التي أجريت على مسكنه في قريته "انكادلا" بمبلغ مليوني دولار، بالإضافة إلى عاقته المشبوهة بعائلة "قوبتا" الهندية، والتي تتولى إدارة العديد من المشاريع الاقتصادية في الباد، من بينها خدمات استخراج التأشيرات بالإنابة عن وزارة الداخلية، ومع أن القضاء لم يدنه في أي من القضيتين، فإن صورته السياسية تضررت كثيراً. وفي عام 2016، تمكن القضاء من إدانته بإنفاق جانب من الأموال العامة على أراضيه الزراعية، وذلك بالمخالفة للدستور) .)

وقد دفعت العديد من العوامل الحزب الحاكم إلى سحب الثقة عن زوما، والتي يتمثل أبرزها في توالي تهم الفساد المثارة ضده، والحمات الإعامية التي عمدت إلى التركيز عليها، بالإضافة إلى تردي الأوضاع الاقتصادية في الباد. فقد خسرت العملة الوطنية "الراند" حوالي 30% من قيمتها في عام 2016، وحوالي 12% في عام 2017، كما تراجع النمو الاقتصادي بصورة كبيرة مسجاً حوالي 0.3% في عام 2016، بعدما كان حوالي 1.3 في عام 2015، ووصلت البطالة إلى أعلى مستوى لها خال 14 عاماً، إذ بلغت 27،% كما ترتفع النسبة إلى 50% في شريحة الشباب تحت 25 سنة، في حين سجل معدل التضخم حوالي 6.6% في عام ‪.) 6( 2016‬ وقد دفعت هذه العوامل اللجنة التنفيذية ب "حزب المؤتمر الوطني الأفريقي" الحاكم، إلى سحب الثقة عن الرئيس، في فبراير 2018، وهو ما دفع الرئيس لاستقالة، وذلك بعد تيقنه من جدية الحزب في الإطاحة به)7(. ففي ديسمبر 2017، انتخب الحزب رئيسه الجديد، وهو "سيريل رامافوسا"، والذي استطاع أن يفوز في مواجهة مرشح زوما لرئاسة الحزب، في مؤشر على تراجع نفوذه، وعمد رامافوزا منذ ذلك الوقت على الإطاحة بالرئيس. وقد ارتبط ذلك بالمخاوف التي انتابت الحزب بتراجع شعبيته جراء تهم الفساد التي تاحق رئيس الجمهورية، خاصة مع قرب موعد الانتخابات البرلمانية في عام 8( 2019.)

ثانياً: العوامل الدافعة للتغيير

يكشف التحليل العميق للتطورات التي شهدتها أديس أبابا وجوهانسبرج عن كونها مجرد إعادة إنتاج للنظام السياسي ولكن بوجوه مختلفة، وتخلص اضطراري من قادة أصبحوا عبئاً على أنظمتهم، سواء بفعل الاحتجاجات الشعبية المتصاعدة في أديس أبابا، أو بسبب ملفات الفساد المتراكمة في جوهانسبرج، والتي أثرت على شعبية حزب المؤتمر الوطني، وهو ما يمكن تفصيله على النحو التالي: 1- صراع أجنحة الحكم في إثيوبيا: تمثل السبب المعلن لاستقالة رئيس وزراء إثيوبيا هو الاحتجاجات الشعبية المتواصلة، غير أن السبب الرئيسي في استقالة "ديسالين"، هو الصراع داخل التحالف الحاكم في الباد منذ 1991، والذي يتكون من "جبهة تحرير شعب تيغراي"، و"الجبهة الديمقراطي­ة لشعب أورومو"، و"الحركة الديمقراطي­ة لقومية أمهرا"، و"الحركة الديمقراطي­ة لشعوب جنوب إثيوبيا"، والذي شهد مؤخراً تبايناً واضحاً في وجهات النظر حول الأسلوب الأفضل للتعامل مع الاحتجاجات، بين تيار محافظ يفضل القبضة الأمنية، وتيار أكثر انفتاحاً، يرى ضرورة تطبيق بعض الإصاحات من

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates