Trending Events

هل النظام الإيراني مستقر؟

- د. سلطان النعيمي باحث وأكاديمي متخصص في الشؤون الإيرانية

د. سلطان النعيمي

يثار الجدل من فترة لأخرى حول مدى استقرار النظام الإيراني، خاصة في ضوء بروز عدد من المؤشرات التي تكشف عنوجوداضطر­اباتسياسية­وأمنية، وأزمات اقتصادية تعانيها طهران. تشهد إيران أزمات اقتصادية واجتماعية بصورة دورية، تمكن النظام من تجاوزها والاستمرار في سدة الحكم منذ عام 1979م حتى الآن، الأمر الذي يدفع إلى تحليل التهديدات التي تواجهه، وكذلك عناصر بقائه للإجابة على سؤال "هل النظام الإيراني مستقر؟".

وتكمن المفارقة في أن النظام الإيراني، وإن لم تتوفر له مقومات الاستقرار، فإنه تمكن من الارتكان إلى عدد من العوامل، التي ساهمت في بقائه إلى اليوم، خاصة الأيديولوج­ية الدينية وتوظيف القمع الداخلي.

اإق�ساء �سيا�سي

استندت شرعية النظام الإيراني منذ قيامه في أعقاب ثورة عام 1979 إلى التيار الديني بقيادة آية اله الخميني بعد نجاحه في القضاء على التيارات الأخرى التي شاركت معه في الثورة كالتيارين الليبرالي واليساري.

ولم يقتصر الإقصاء على هذين التيارين، بل امتد ليطول رموزاً من التيار الديني نفسه، والذي أصبح منقسماً على نفسه ولايزال. فقد طالب رجال دين كبار في إيران، مثل آية اله شريعتمداري وآية الله طالقاني بانسحاب الفقهاء من السلطة وأعلنوا رفضهم للدور السياسي لرجال الدين.

وعلى النقيض من هذا التيار، سعى الخميني لتوظيف "نظرية ولاية الفقيه" ليتجاوز المؤسسات الدستورية الأخرى، ويجعل من الولي الفقيه نفسه المرتكز الذي تستقي منه المؤسسات كافة، بل والدستور، مقبوليتها وشرعيتها.

وبهذا النمط من الحكم، باتت الانتخابات الرئاسية في إيران لا قيمة لها حتى يأتي القبول من الولي الفقيه للرئيس المنتخب، بحكم الصلاحيات الواسعة التي يتمتع بها المرشد في وجه الأخير، بالنظر إلى أن الولي الفقيه يعتبر نائب المهدي المنتظر.

ولاتزال شرعية النظام الدينية محل شك، مع استمرار وجود رؤى سياسية ودينية نابعة من مفكرين وفقهاء شيعة تهدف إلى تحجيم صلاحية الولي الفقيه، وهو ما أفضى بدوره إلى زج العديد من الفقهاء والمعارضين في السجون أو وضعهم رهن الإقامة الجبرية.

اأقليات غا�سبة

يعد التنوع الطائفي والعرقي أحد عناصر قوة الدولة، إذا ما نجحت في تحقيق التعايش السلمي بين القوميات والأقليات المختلفة، غير أن قمع الدولة لهم، وتهميشهم سياسياً وتنموياً، يزيد من درجة الاحتقان المجتمعي، ويدفع إلى تحوّل الأقليات إلى مصدر تهديد لأمن الدولة.

ويشكل الفرس 51% من السكان البالغ عددهم قرابة 80 مليون نسمة، وهو ما يعني أن حوالي نصف الشعب الإيراني يتكون من أقليات قومية وعرقية.

وفي حين يستقر الفرس في وسط البلاد، فإن الأقليات تنتشر على أطراف الدولة، إذ يتمركز الأذاريون في الشمال، والعرب في الجنوب والجنوب الغربي، ويستقر البلوش في الجنوب الشرقي،

والأكراد في غرب البلاد. وظلت هذه الأعراق على مدى التاريخ الحديث ذات نزعة انفصالية نتيجة عوامل عدة منها استمرار التمييز والتهميش الاقتصادي، بالإضافة إلى الاستعلاء العرقي، وتكريس ذلك من خلال الأجهزة الإعلامية التابعة للنظام الإيراني.

وتزداد التهديدات النابعة من الأقليات، مع تمركز بعضهم في مناطق تركز النفط، واستمرار تردي أوضاعهم الاجتماعية والإنسانية والاقتصادي­ة، مثل العرب الأحواز، بل وتتجاهل الحكومة الإيرانية النظر في مطالب أهلها المشروعة المتمثلة في مواجهة التلوث البيئي، وتحسين أوضاعهم الاقتصادية، بالإضافة إلى رفع التمييز ضدهم في تولي المناصب العليا والإفراج عن المعتقلين السياسيين.

وتدرك القيادة السياسية الإيرانية مشروعية هذه المطالب، لكنها تقف عاجزة عن تنفيذها، فقد وعد الرئيس الإيراني حسن روحاني، في حملاته الانتخابية، بتحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعي­ة للأقليات، غير أنها لم تنجح في تنفيذ أي من هذه الوعود. وقد ترتب على هذا الوضع القلق نشوب اضطرابات وتظاهرات تعالت فيها مؤخراً شعارات طالت الولي الفقيه نفسه، بالإضافة إلى اندلاع عمليات مسلحة أسفرت عن مقتل عدد من حرس الحدود الإيراني.

�سوء اإدارة اقت�سادي

تحتل إيران المركزين الرابع والثاني من حيث الاحتياطيا­ت المؤكدة من النفط والغاز على التوالي، بالإضافة إلى ما تمتع به من ثروات طبيعية أخرى، وتساعد هذه الموارد على دفع عجلة التنمية الاقتصادية، بما يؤدي في النهاية إلى تحسين الأوضاع المعيشية بالنسبة لقطاعات واسعة من الشعب الإيراني، بما يعزز في النهاية من شرعية النظام السياسي ويدعم استقراره، غير أن النظام الإيراني عمد إلى إهدار موارد البلاد في مغامرات إقليمية.

فقد تبنى النظام سياسات إقليمية تهدف إلى تعزيز نفوذه الإقليمي عبر دعم طيف واسع من الميليشيات الشيعية المسلحة في بلدان الصراعات في لبنان وسوريا والعراق واليمن، وصولاً إلى دعم التنظيمات الإرهابية لمهاجمة النظم المناوئة له كما في الحالة البحرينية.

وبدلاً من أن تستغل إيران الفوائد الاقتصادية للاتفاق النووي الذي أبرمته مع القوى الدولية في عام 2015، والذي ترتب عليه رفع العديد من العقوبات الدولية المفروضة على إيران، وتشرع في تبني خطط تنموية، واصل النظام الإيراني تماديه في سياساته المزعزعة لاستقرار المنطقة، الأمر الذي دفع إدارة ترامب إلى الانسحاب من الاتفاق النووي في مايو 2018، وإعادة فرض عقوبات أحادية الجانب عليه لتنخفض توقعات النمو الاقتصادي، حسب توقع مركز بحوث البرلمان الإيراني لتتراوح خلال العام القادم ما بين مرحلة النمو السلبي بنصف في المائة إلى 2.8.%

وينذر ما سبق بتفاقم تدهور الوضع الاقتصادي في إيران مع تدني دخلها من النفط، ناهيك عن انسحاب مائة شركة عالمية من الاستثمار في السوق الإيراني، فضلاً عن إعلان شركة الاتصالات المالية العالمية )سويفت( توقفها عن التعامل مع البنوك الإيرانية، بالإضافة إلى فقدان العملة الإيرانية أكثر من نصف قيمتها في مقابل الدولار خلال العامين الأخيرين.

وتكشف العوامل سابقة الذكر، عن تراجع شرعية النظام الإيراني سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، ما يدفع إلى القول إن النظام الإيراني بسبب سياساته الداخلية والخارجية نظام غير مستقر، الأمر الذي يثير التساؤل حول أسباب نجاح النظام الإيراني على الرغم من اضطراب مصادر شرعيته، وهو ما يمكن الإجابة عليه من خلال تحليل العوامل التي تحافظ على استمرارية النظام.

عوامل ا�ستمرار النظام

تتعدد عوامل بقاء النظام الإيراني، فمنها ما هو داخلي عن طريق تعبئة الفكر العقائدي والإيمان بولاية الفقيه المطلقة، وتلقينها للنشء وعناصر قوى الأمن والجيش والحرس الثوري، بالإضافة إلى توظيف "الباسيج" أو قوات التعبئة في مختلف المؤسسات والجامعات في قمع التظاهرات بعنف، واعتقال المعارضين، والزج بهم في السجون، بالإضافة إلى تضييق الخناق على وسائل التواصل الاجتماعي.

أما على الجانب الاقتصادي، فإن أحد أهم عوامل استمرار هذا النظام هو مساعيه المستمرة للالتفاف على العقوبات، من خلال خلق كيانات اقتصادية رديفة والسماح للحرس الثوري بخلق شركات وهمية تسعى للالتفاف على العقوبات، فضلاً عن محاولة الاستفادة من معارضة العديد من الدول للعقوبات الأمريكية الأخيرة، بالإضافة إلى اتباع سياسات تقشفية لتخفيف تداعيات العقوبات أملاً في وصول إدارة أمريكية جديدة تتبنى سياسات مختلفة عن الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب.

وعلى مستوى السياسات الإقليمية، تسعى طهران لدعم نفوذها في منطقة الشرق الأوسط عبر خلق المزيد من الميليشيات في الإقليم، فضلاً عن مخاطبة الرأي العام الأوروبي والعالمي، والزعم بأن إيران تلعب دوراً في القضاء على التنظيمات المتطرفة، وأن سقوط النظام ستترتب عليه تبعات أمنية، تؤثر على الأمن الأوروبي، مثل تدفق المهاجرين والمخدرات إلى أوروبا.

وعلى الرغم من العوامل آنفة الذكر، فإن النظام الإيراني، بسبب سياساته الداخلية والخارجية في حالة تخوف دائم من سقوطه، كما يجري التعبير على ألسنة مسؤوليه على الدوام، وبالتالي يظل وضع النظام الإيراني غير مستقراً، طالما عمد إلى التركيز على المضي قدماً في سياساته التصعيدية، من دون الالتفات إلى تحقيق العوامل التي تكفل استقراره على المدى الطويل، مثل التنمية الاقتصادية والرضا المجتمعي.

بدلاً من أن تستغل إيران الفوائد الاقتصادية للاتفاق النووي الذي أبرمته مع القوى الدولية في عام 2015، واصل النظام الإيراني تماديه في سياساته المزعزعة لاستقرار المنطقة، الأمر الذي دفع إدارة ترامب إلى الانسحاب من الاتفاق النووي في مايو 2018.

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates