التكنولوجيا ونمو الحضارة
Technology and the Growth of Civilization By: Giancarlo Genta, Paolo Riberi, Springer Praxis Books, 267 pp., $29.9, 2019, 9783030255824 عرض: سمر مدحت، باحثة في العلوم السياسية
يعرض كل من جيانكارلو جينتا وباولو ريبري الارتباط الوثيق بين التكنولوجيا وتطور الحضارات، وكيف ترسم التكنولوجيا مسارات المستقبل بالنسبة للبشرية، باعتبارها المحدد الرئيسي لاتجاهات التغيير الحضاري في العالم التي تعيد تشكيل التفاعلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
تاريخ التطور التكنولوجي
يرى الكاتبان أن تاريخ الإنسانية ما هو إلا تراكم لتغييرات عميقة في مجالات التكنولوجيا تؤثر بقوة في الحضارة البشرية.
ويبدو أن العلاقة بين التكنولوجيا والحضارة ليست ذات مسار واحد كما يبدو للوهلة الأولى، وإنما تتضمن تأثيرات متبادلة بين الطرفين، بحيث تطور الإنسانية التكنولوجيا، وتتسبب الأخيرة في تغيير ملامح حياة البشرية.
ويعود الارتباط بين الحضارة والتكنولوجيا إلى عصور ما قبل التاريخ وصنع الإنسان للآلات البدائية التي تساعده على التحكم في الطبيعة، ثم اختراع الكتابة والنقود وتطوير أساليب الزراعة والصيد.
وأدى ذلك لنشأة الحضارات القديمة التي انتجت تراكماً معرفياً في مجالات الفلسفة والطب والهندسة والعمارة ودراسة الكون، بالإضافة لظهور الأديان السماوية التي أسهمت في تغيير طبيعة علاقة الإنسان بالمعرفة والعالم.
محفزات التحول الح�شاري
يشير الكاتبان إلى أن التحولات الحضارية الكبرى ارتبطت بالاكتشافات التكنولوجية، وعلى سبيل المثال، كانت الثورة الصناعية الكبرى هي المحفز الرئيسي للتغيير في المجتمعات والدول وتوازنات القوى العالمية في العصر الحديث، بالإضافة لإعادة تشكيل ملامح الاقتصاد والإعلام والحرب وغيرها من مجالات التفاعل البشري.
ويؤكد الكاتبان أن التكنولوجيا تعد المحفز الأساسي للنمو الاقتصادي والتطور المؤسسي وانتشار الحضرية على المستوى الاجتماعي بالإضافة للتحولات السياسية الكبرى التي شهدتها الدول الغربية مثل نهاية عصر الهيمنة الإقطاعية وتأسيس الإمبراطوريات الكبرى ونشأة الدول القومية ثم وضع الأسس الراهنة للنظام الدولي وإقامة المنظمات الدولية بالنظر إلى أن التعاون الدولي في المجالات الفنية والتقنية والتكنولوجية كان التمهيد الأساسي للتعاون في المجالات السياسية والأمنية في مراحل لاحقة.
وعلى الرغم من العوائد المتعددة للتصنيع، فإن التكنولوجيا كانت لها تأثيرات سلبية تمثلت في التطور السريع في تكنولوجيا التسليح والدمار والخسائر البشرية التي سببتها، خاصةً أسلحة الدمار الشامل وتحفيز السباق الاستعماري والصراعات على الموارد والهيمنة والتحولات القيمية في المجتمع.
ويضاف إلى ذلك أن الانتقال إلى عصر الثورة الصناعية الرابعة ارتبط بتأثيرات مربكة في مختلف المجالات من حيث تغير الطلب على الوظائف وإعادة تشكل العلاقات الاجتماعية والاقتصادات والتفاعلات الدولية، بحيث أصبحت تكنولوجيا المعلومات من أهم القوى المحركة للتطور الحضاري.
م�شتقبل التطور الح�شاري
يناقش الكتاب في الختام مستقبل تأثير التكنولوجيا على الحضارة الإنسانية، حيث يتوقع أن تتسبب الطفرات التكنولوجية السريعة في تحولات هيكلية في الاقتصاد والمجتمع والسياسة والأمن والعلاقات الدولية.
ومن المتوقع أن تتغير اقتصادات الطاقة العالمية مع الانتقال من الاعتماد على النفط إلى المصادر البديلة والمتجددة للطاقة، بالإضافة للتطور السريع في تكنولوجيا الاتصالات واستكشاف الفضاء وتطويع البيئة وانعكاسات التكنولوجيا على القدرات البشرية التي يتوقع أن تشهد تغيرات تؤثر على الطبيعة البشرية ذاتها.
ولا ينفصل ذلك عن استمرار التوجهات غير العقلانية التي يعتبرها الكتاب نقيضاً للتفكير العلمي المسؤول عن تطوير التكنولوجيا.
وتتمثل أبرز نماذج ما سبق في التفكير غير المنطقي والخرافي وبعض المعتقدات غير المادية والاتجاهات المعادية للتنوير والعلم في الدول الغربية. كما يتوقع الكاتب أن ينشأ صدام بين التكنولوجيا والفلسفة نتيجة للخلافات حول الأبعاد القيمية لاستخدام التكنولوجيا الحديثة.