Trending Events

لماذا يجب التفكير في إعادة الاعتبار لاستراتيجي­ات الردع؟

لماذا يجب التفكير في إعادة الاعتبار لاستراتيجي­ات الردع؟

- د.محمد عبدالسلام

في الوقت الحالي، توجد تطورات شديدة الأهمية ستؤدي إلى "إعادة هيكلة" ثالثة لإقليم الشرق الأوسط، وفي مثل هذه الأوضاع ربما لا يوجد أهم من إعادة التفكير في "القوة" واستخدامات­ها، لأن كل دولة رئيسية في المنطقة ستواجه، عاجلاً أو آجلاً، "لحظة حقيقة" من نوع ما، سيكون عليها خلالها، أن تتخذ قراراً كبيراً، يتعلق بمصلحة حيوية تتعرض للتهديد من طرف لن يرتدع إلا "بالقوة"، فكل دولة يمكنها– من دون جهد كبير– تصور "صراعين ونصف" على الأقل، تمثل إشكاليات لا تحتمل تأجيل التفكير فيها إلى حين وقوعها، وبالتالي يجب التفكير في منعها.

إن البيئة الاستراتيج­ية في الإقليم تشهد تحولات كبيرة في اتجاه صراعات مركبة، وتسلح خاص، ومعادلات أمن تستند إلى تحالفات أقل، بما يجعل الأوضاع القادمة أكثر تعقيداً، أهمها: 1- أن الصراعات قد تزايدت في الإقليم لدرجة غير مسبوقة، وتداخلت ملامحها بمستوى لا توجد معه سياسة فعّالة ل "كيفية إدارتها" من دون أن تخرج الأمور عن السيطرة، فعدد الفاعلين المسلحين قد تضاعف، وتصاعدت حدة المواجهات "القريبة" العنيفة، ودخلت التفاعلات البحرية إلى مسارح العمليات، كما تثير "الاضطرابات الداخلية" في 4 دول إضافية تداعيات غير مقصودة، عبر المواجهات غير المباشرة. 2- أن هناك "موجة عاتية" من أعمال التسلح في الإقليم، فإضافة الى الأسلحة الصغيرة والمتوسطة المنتشرة في كل مكان، خاصة لدى الميليشيات المسلحة وتنظيمات الإرهاب، بدأت نظم دفاع جوي ومقاتلات متطورة وصواريخ "غير محددة" في الدخول الى موازين القوة الإقليمية، لكن الأهم هو أنظمة التسليح ومعدات القتال "المثيرة للارتباك" نسبياً، كالطائرات المسيَّرة Drones(،) ومعدات الحرب السيبرانية. 3- أن التحالفات الخارجية "القابلة للاعتماد عليها" لم تعد مستقرة، فهناك سلسلة من السياسات العشوائية، والحركات الالتفافية، والصفقات المؤقتة، وما هو أسوأ، قد سيطرت على تفاعلات المنطقة، وأدت إلى عدم الثقة في الولايات المتحدة مثلاً، في ظل ألعاب الرئيس ترامب، الذي لا يفكر في استخدام القوة، وبالتالي سيطرت المعادلات وليس التحالفات، على العلاقات الإقليمية، فلم يعد للأكراد– حسب قول شهير– أصدقاء سوى "الجبال".

الفكرة أن هناك إمكانية لحدوث سيناريوهات، تطرح احتمالات حادة تتعلق باستخدام القوة، خاصة بين الأطراف الرئيسية في الإقليم، سواء كان الأمر يتعلق بصراعات

منخفضة الحدة تمثل اختبارات قوة، أو صراعات رئيسية قد يتم الانزلاق إليها، أو لا يمكن تجنبها، والسؤال: هل يمكن أن يساهم اعتماد استراتيجيا­ت ردع "مركبة" في التعامل مع تلك الأوضاع؟

ما هي الم�شكلة؟

عندما يتعلق الأمر باحتمالات الحرب يجب أن يتم تحليل توجهات السياسيين وليس العسكريين، فهم الذين يتسببون فيها، أو يتخذون القرارات الخاصة بها، وعلى الرغم مما يبدو من أن بعض المؤسسات ذات الطابع الخاص، كالحرس الثوري في إيران، تتسم بطابع مختلط، أو أن بعض السياسيين كالرئيس التركي يتصرفون كجنرالات مندفعين، بحيث تتداخل الخطوط، يظل مصدر القلق في الإقليم هو "سياسات دول"، تتسم أحياناً بميول عدوانية، أو غطرسة بالغة، أو "شعور بالتفوق"، أو أوهام قوة، أو ممارسة مستمرة للألعاب الخطرة، فهناك أطراف أكثر مما هو معتاد تشعر حالياً أنها "لحظتهم".

لقد أدى ذلك في الفترة القصيرة الماضية إلى حدوث وقائع عسكرية وصدور تصريحات سياسية "لا يمكن أن تنسى"، حتى لو كان قد تم التعامل معها برؤوس باردة وأساليب عملية، فهي تكاد تكون اعتداءات أو "بلطجة" تمثل تهديدات خطرة، تتجاوز كل القواعد المتصورة، مع تبجح غير مسبوق، لأن الطرف الذي قام بها يستطيع ذلك، فقط. وقد أتى 90 في المائة منها من النطاق الإقليمي المحيط بالعالم العربي.

إذا افترضنا، أن الرد على هذه التوجهات – بالتعبيرات العسكرية – يمكن أن يأتي باستخدام القوة، بنمط الدفاع أو شكل الهجوم، فإن الوضع العام سيكون كما يلي: 1- استراتيجيا­ت الدفاع، إن الهدف من الدفاع هو صد هجمات الخصم، بما لا يمكنه من تحقيق أهدافه. وباختصار فإن هناك عدداً هائلاً من المقولات التي تحذر، ليس أساساً من اتباع استراتيجيا­ت دفاعية، فمفهوم الدفاع قد اتسع ليشمل عمليات هجومية مبكرة، أو مسبقة، ولكن من التفكير بطريقة دفاعية، فلا يوجد دفاع لا يمكن اختراقه من عصر الخنادق إلى "القبب الحديدية"، كما أن القوة المستندة إلى مبادئ الدفاع تكون مكلفة بدرجة لا تحتمل، ولا يمكنها أن تحقق الأمن الكامل لكل مناطق الدولة، وبوضوح، فإن الدفاع هدف غير عملي. 2- استراتيجيا­ت الهجوم، إن الهدف "المعقول" من الهجوم هو تحقيق أهداف الدولة بالقوة في حالة تأكدها من وجود تهديدات لا تحتمل ثمن وصولها إلى حدودها، أو مصالح حيوية

قرر طرف آخر ألا يراعيها، وبالتالي تقرر الدولة أن تتدخل بالقوة المسلحة لتحقيق مصالحها أو منع تهديدها. وهنا تظهر نفس مشكلة الدفاع، فما لم يكن الهجوم )بإجماع عام( يشكل خياراً أخيراً، تبدأ المشاكل في الظهور، فهو يمثل بداية حرب يصعب تصور كيف تنتهي، وهو مكلف للغاية، بصورة يومية، ونتائجه عادة غير مضمونة.

الأمور واضحة، لكن في كل حالة يفضل كثيرون تصور أنه لا توجد خيارات، وليس المهم في واقع الأمر أن الدفاع مرهق، أو أن الهجوم مكلف، فهذه أمور معتادة، القضية الأساسية هي الفعالية، فمن الممكن أن يتم اتباع أية استراتيجيا­ت، إذا تم التأكد من أنها ستكون فعّالة، أما إذا قال "الفريق الأحمر" أنه ستكون لديك مشكلة في الدفاع، وأنه لا مفر من القيام بهجمات محسوبة، أو حتى الذهاب "عبر البحار"، فا توجد مشكلة، فقط يجب التفكير فيما "لا يجب أن نفعله"، وأن تكون هناك Exit( Strategy،) مع إدراك أن الاستراتيج­يات الهجومية كانت تمثل دائماً مشكلة، حتى بالنسبة لدول عظمى، لكن لا توجد فعلياً خيارات أخرى، فالقوة وجدت لكى تستخدم.

لماذا الردع؟

إن الأحوال الاستراتيج­ية هي الأساس، ففي وضع ما يمكن القول إن مفاهيم الدفاع تناسب المرحلة، وفي وقت ما تصبح العمليات الهجومية هي الحل، وكل ذلك صحيح، لكن يبدو من الضروري حالياً أن تتم إعادة التفكير في مفهوم واستراتيجي­ات الردع، التي لم يعد يتم تذكرها كثيراً في ظل سيطرة "منطق الغابة" الذي يدفع تلقائياً باتجاه اتباع استراتيجيا­ت إكراهية أو هجومية، إضافة إلى تقلص أهمية المفهوم نفسه، بسبب سيطرة الاستخداما­ت الفعلية للقوة، في ظل تصاعد الاقتتال الداخلي وتوحش تنظيمات الإرهاب، مع غموض وضع الأسلحة النووية– التي ارتبط الردع بها– عبر العالم.

إن الردع يعني، ببساطة شديدة، منع الطرف الآخر من القيام بشيء يريد )أو يمكن أن يفكر في( القيام به، ليس من خال نشر نظم دفاعية تصده، أو عمليات هجومية تستهدف قدراته قبل أن يقدم عليه، ولكن من خال امتاك قدرة على الرد المضاد، لمعاقبة الخصم، وتكبيده ثمناً فادحاً، أو الثمن نفسه، المقابل لما قام به. ومن المفترض أن إدراك الخصم بأن أي عملية من جانبه ستواجه برد فعل "بالمقدار نفسه"، ستجعله يفكر كثيراً في الثمن الذي سيتكبده هو أيضاً، وبالتالي يمكن أن ينكص عما ينتويه، إلا إذا كان "متخلفاً عقلياً"، فالردع منطقي للغاية، على الرغم من أنه يعتمد على قانون الانتقام، الذي يعد "العين بالعين" أشهر مبادئه، فهكذا سيرتدع الطرف المعادي، غالباً.

المشكلة واضحة، وهذه هي النقطة الأهم، فهناك أطراف في المنطقة يبدو أنها لا ترتدع، وأنها قد تواصل سياساتها مهما تكلف الأمر، تحت تأثير حقائق أو "تقديرات ما" أو أوهام، أو هكذا يصورون الأمر، وهناك أطراف شبه إرهابية في التفكير بأنها لا تهتم بالثمن، حتى لو كان حياتها أو حياة أسرتها التي "ستبعث على نواياها"، فكيف يمكن أن يفهم هؤلاء أن هناك ثمناً مؤلماً سيدفع إذا قاموا بعمل ما، وبالتالي يمتنعون عن القيام به.

إن الشروط التقليدية لامتاك ما يسمى عادة "ردعاً ذا مصداقية" هو امتاك قوة متطورة محمية قادرة على "النجاة" من الهجوم الأول، والرد في أي مكان بأي مدى بعد ذلك، وهناك مشكلة واضحة تتفاعل في المنطقة تتعلق بنظم قتالية أو دفاعية مثل "إف – 35" و"إس – 400"، ثم أن يدرك الطرف الآخر تماماً وجود تلك القوة وخصائصها وقابليتها لاستخدام، لكن ذلك لم يعد كافياً، فعلى هذا الطرف أن "يتأكد" من أنها سوف تستخدم، على الفور وبا تردد أو "حسابات معقدة"، وهنا تأتي أهمية تفاصيل إضافية تتعلق بممارسة الردع، تبدو أحياناً "غير رشيدة"، مثل: 1- اختبارات القوة، فالردع لا يستند حالياً إلى التهديد باستخدام القوة، بقدر ما يرتبط باستخدامها جزئياً، في كل مرة تتعرض فيها مصالح الدولة لمخاطر محدودة، أو يبدو بشكل مؤكد أن ذلك سيحدث، بل أنها يمكن أحياناً أن تستخدم "لأنك تستطيع"، مع عناصر كالتي توجد على أطراف الإقليم حالياً. 2- الخطوط الحمراء، فعلى كل طرف أن يحدد بوضوح شديد الخطوط الحمراء التي يمثل المساس بها "سبباً للحرب"، أي للرد بالقوة، وأن يعلنها، وأن يلزم نفسه بها أمام شعبه قبل الآخرين، على أن تكون حقيقية، متفقاً عليها، من النوع الذي توجد قناعة فعلية بأن المساس بها "لا يغتفر"، ولن يمر. 3- الرد الآلي، فعلى الطرف المعني– وهي مسألة مهمة حالياً– أن يصمم نظاماً أشبه بالرد الآلي السريع، ضد أهداف مماثلة محددة مسبقاً، وتمت أعمال تدريب أو "محاكاة" على استهدافها، لدرجة أنه قد لا يكون قادراً على وقف العد التنازلي إذا بدأ، فإذا لم يبد أي طرف حالياً شديد التهور، فإن الردع لن يعمل. 4- الضربة الرابعة، فقد كان أساس الردع )النووي( هو امتاك قدرات ضربة ثانية، حتى لو كانت الأولى نووية، وفي العالم غير النووي، لا يقتصر الأمر على ضربة ثانية آلية، وانما ضربة رابعة إذا تمت إعادة الضربة، وعلى الفور أيضاً، فا يجب أن تترك للطرف الآخر فرصة تخيل، أنه سيتم التوقف أو التراجع.

قديماً، عندما ظهرت "الأسلحة الهيدروجين­ية"، كانت قوتها التدميرية هائلة لدرجة قيل معها إنها غير قابلة لاستخدام فعلياً، وأنه لا يوجد من يمكنه أن يتخذ قراراً باستخدامها، فنتائج ذلك ستتجاوز الأهداف العقانية المتعلقة بتغيير سلوك الخصم إلى "قتل الخصم"، وكان الرد الوحيد الرشيد، هو أنها يمكن أن تستخدم، كأمر منطقي تماماً، في حالة واحدة، هي محاولة الخصم "قتلك". ومثل هذه الأمور يجب أن تكون شديدة الوضوح حالياً، في إقليم تجيد فيه بعض الدول أساليب الاستفزاز أو الابتزاز، أو تمثل "أدوار المتهورين".

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates