Trending Events

لماذا تتسلح تركيا؟

- جوليان ريتشاردز

يؤشر تبني أنقرة برنامجاً طموحاً لتطوير قوتها العسكرية، فضلاً عن إعلان الرئيس التركي نواياه امتلاك قنبلة نووية، إلى وجود مساعٍ تركية لتوظيف هذه القوة لتعزيز دورها الإقليمي، وإحياء “النفوذ العثماني” في الجوار المباشر.

انخرطت تركيا في السنوات الأخيرة في مشاريع لتعزيز قدراتها العسكرية. ولم يُخف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان طموحاته في أن يصبح جيش بلاده واحداً من الجيوش العسكرية الرئيسية في الشرق الأوسط، بل وذهب إلى حد قوله مؤخراً إن تركيا "لن تقبل" أية أوامر أو توصيات من القوى الغربية تمنعها من الحصول على أسلحة نووية، وهو ما كشف عن وجود عدد من التحولات المهمة في استراتيجية أنقرة العسكرية.

نوايا اأنقرة ال�شتراتيجية

زادت الميزانية العسكرية السنوية لتركيا بنسبة 60% تقريباً على مدار عشر سنوات حتى عام 2018، حيث وصلت

في هذا العام إلى حوالي 20 مليار دولار، وهو ما يضعها ضمن أعلى 15 دولة من حيث الإنفاق العسكري في العالم، بعد كندا وأستراليا مباشرة.

وجاءت زيادة الإنفاق العسكري التركي في المرتبة الثانية بين هذه الدول، إذ أتت بعد الصين مباشرة خلال الفترة نفسها، كما فاقت الدول المجاورة لها في الإقليم، مثل روسيا والسعودية، من حيث نسبة الزيادة في الإنفاق العسكري. وهكذا يمثل الإنفاق العسكري التركي الآن نحو 1% من إجمالي الإنفاق العسكري العالمي.

ومن حيث حجم قواتها المسلحة، تمتلك تركيا أكبر جيش نظامي في حلف شمال الأطلسي بعد الولايات المتحدة، كما أن لدى أنقرة واحداً من أكبر الأساطيل البحرية في البحر الأبيض المتوسط، فهي تمتلك 14 غواصة ألمانية من طراز 209. أما في المجال الجوي، فتمتلك تركيا أسطولاً يضم حوالي 300 طائرة مقاتلة من طراز "إف – 16". ولكن مستقبل قدرتها الجوية لايزال غامضاً،

نظراً لتعليق واشنطن مشاركة تركيا في برنامج تصنيع المقاتلة الأمريكية "إف – 35" في صيف 2019، فضلاً عن تجميد صفقة بيع هذه الطائرة إلى أنقرة، وذلك بعد إصرار الأخيرة على شراء منظومة الدفاع الجوي الروسية "إس – 400."

ورداً على هذا القرار الأمريكي، تفكر تركيا في الاتجاه إلى موسكو وشراء طائرات روسية، مثل الطائرات المقاتلة من طراز "سو – 27" SU-( 27(، كما تعمل تركيا على تطوير قدرات محلية متمثلة في المقاتلة "تي إف – إكس" TF-X(.) وصرح مسؤولون أتراك بأن هذه الطائرة ستدخل الخدمة بحلول عام 2028.

وتعكس مجمل هذه التطورات أن أنقرة تمتلك هدفاً استراتيجياً يتمثل في التخلص من قيود الاعتماد على الأنظمة والقدرات العسكرية الأجنبية. ولعل ما يكشف صحة هذا التحليل تصريح وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، مؤخراً بأن تركيا تنتج الآن ما يزيد على 70% من معداتها

العسكرية، وإن كان الخبراء يشككون في مصداقية هذا التصريح.

توجهات داخلية ا�شتبدادية

واجهت مسيرة تطوير أنقرة لقدراتها العسكرية بعض العراقيل في عام 2016، عندما أدى الانقلاب العسكري الذي أحبطته حكومة أردوغان إلى إعادة هيكلة واسعة في الجيش، وتسريح الكثير من الضباط، فقد أشارت بعض التقديرات إلى أن ما يقرب من 6 آلاف فرد عسكري، بالإضافة إلى الآلاف من ضباط الشرطة والموظفين المدنيين، فقدوا وظائفهم في عملية التطهير هذه.

ويبدو أن برنامج أنقرة لتحديث جيشها لم يتأثر كثيراً بالإجراءات السابقة، خاصة بعدما نجح الجيش التركي في إقامة منطقة أمنية عازلة في شمال سوريا.

كما أن هذا التدخل ساهم في إظهار أنقرة بمظهر الدولة القادرة على تحقيق أهدافها العسكرية وتحدي المجتمع الدولي، وذلك على الرغم من أنها لم تكن لتتمكن من القيام بما قامت به، لولا موافقة واشنطن الضمنية.

وما يثير القلق من التحديث العسكري التركي أن هذا التطور جاء في الوقت الذي يتبنى فيه أردوغان سياسات داخلية استبدادية، كما في تعديل الدستور التركي في عام 2017، وذلك لكي يمنح نفسه سلطات شبه مطلقة. وأمضى أردوغان 17 عاماً حتى الآن في السلطة، بصفته رئيساً للوزراء في البداية، ثم بصفته أول رئيس منتخب بصورة مباشرة منذ عام .2014

ويخشى الغرب من تحوّل تركيا إلى دكتاتورية استبدادية متطرفة، إذ يتركز الحديث في واشنطن وبروكسل، على ابتعاد تركيا عن النموذج الديمقراطي، بل وتحوّلها إلى دولة مارقة في الإقليم. ووصف البعض أردوغان بلقب "السلطان"، في إشارة إلى محاولته استعادة الهيمنة الإقليمية للإمبراطور­ية العثمانية السابقة.

التلويح بالقدرات النووية

اتسمت التصريحات الأخيرة للرئيس التركي حول امتلاك بلاده قدرات نووية بالتعقيد، فعلى مدى عقود، كانت هناك تلميحات من جانب أنقرة بأنها قد ترغب ذات يوم في امتلاك قنبلة نووية، خاصةً إذا ثبت أن أحد منافسيها الرئيسيين الآخرين في منطقة الشرق الأوسط )إيران( على أعتاب امتلاك هذه القدرة النووية.

ولا تعد أنقرة مهددة حتى في حالة امتلاك إيران للقنبلة النووية، نظراً لوجود صواريخ نووية أمريكية في قاعدة حلف شمال الأطلسي الجوية في إنجرليك، والتي تعود إلى أزمة الصواريخ الكوبية، إذ إن تركيا لن تكون بحاجة إلى أسلحة نووية طالما أن قدرات الحلف تحميها.

وفي الوقت نفسه، سرت شائعات حول تعامل تركيا في الماضي مع عبد القدير خان، رجل الأعمال والعالم النووي الباكستاني، غير أنه لم يكن من الواضح مردود هذه العلاقة، وهل استثمرتها تركيا للحصول على معلومات أو قدرات لامتلاك قنبلة نووية أم لا. وسرت شكوك مماثلة حول أهداف التعاون التركي مع روسيا في السنوات الأخيرة لبناء مفاعلات نووية.

وفي ضوء ما سبق، فإن إعادة حديث أردوغان عن رغبته في امتلاك قدرات نووية في ذلك التوقيت يتناسب حتماً مع توجّهاته الرامية لمحاولة فرض نفوذه على الإقليم.

توجهات وم�شارات مت�شاربة

إن إقامة تركيا علاقات مع روسيا، والتي تعززت نتيجة شراء الأولى منظومة الدفاع الصاروخي "إس

– 400"، وكذلك نتيجة عملياتهما العسكرية المشتركة في شمال سوريا، أظهرت زيادة استعداد تركيا للابتعاد عن الولايات المتحدة وشركائها في حلف شمال الأطلسي في إطار مسعاها لتعزيز نفوذها الإقليمي.

وتنعكس العلاقة العسكرية المتنامية بين أنقرة وروسيا سلباً على قدرات تركيا لتطوير قواتها المسلحة، فهي إن أدارت ظهرها للأنظمة العسكرية الغربية، وأعادت توجيه تحالفاتها بالكامل تجاه روسيا، سوف تواجه عدداً من الصعوبات والتعقيدات، حيث إن هذا الأمر سوف يتطلب منها إعادة هيكلة سلاسل الإمداد والتدريب واللوجستيا­ت الخاصة بجيشها بالكامل.

ومن جهة ثانية، فإن روسيا ليست مورداً عسكرياً يُعتمد عليه مثل أقرانها في الغرب، فهي تواجه تحدياتها الخاصة في مواكبة التطورات التي تشهدها أنظمة الأسلحة من الجيل التالي، كما أنه من غير الواضح كيف ستوازن طلبات الشراء الكبيرة التي تتلقاها من تركيا، بالإضافة إلى دول أخرى مثل الهند، والتي تربطها بروسيا حالياً صفقة أضخم لشراء منظومة "إس – 400"، ومن ثم ربح أعلى.

وعلاوة على ذلك، لا يتوقع أن تتيح روسيا الكثير من قدراتها العسكرية الحساسة لدولة مازالت– على الأقل في الوقت الحالي– عضواً في حلف شمال الأطلسي المناوئ لموسكو. ومن أجل وضع الأمور في نصابها، وعدم المبالغة في تقدير القدرات التركية، يجب الأخذ في الاعتبار أن الإنفاق العسكري لتركيا لايزال أقل بكثير من المملكة العربية السعودية، وهي ثالث أكبر دولة في العالم من حيث الإنفاق العسكري، إذ تبلغ ميزانية الرياض حوالي 68 مليار دولار في عام 2018. وقد يكون لدى أنقرة تطلعات توسعية، لكن لا يزال الطريق أمامها طويلاً حتى تستطيع تحقيق أيٍ من هذه التطلعات.

تسعى تركيا لتقليص اعتمادها على الأنظمة والقدرات العسكرية الأجنبية. يؤكد ذلك تصريح وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، بأن تركيا تنتج الآن ما يزيد على %70 من معداتها العسكرية، وإن كان الخراء يشككون في مصداقية هذا التصريح.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates