Trending Events

أبعاد وتحديات منهج "البنية التحتية للسلام"..

أبعاد وتحديات اقتراب “البنية التحتية للسلام”

-

أبوظبي، 30 أكتوبر 2019

نظم مركز "المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة"، حلقة نقاشية، استضاف خلالها الدكتور خالد حنفي، الخبير في الشؤون الأفريقية، وذلك بحضور خبراء وباحثي المركز، للحديث عن مفهوم "البنية التحتية للسلام" في مناطق النزاع، باعتباره واحداً من الأطر الصاعدة في مجال بناء السلام وإعادة الإعمار، مع توضيح أبعاد هذا المفهوم، وعوامل ظهوره، ونماذج له، فضلاً عن التحديات التي تواجهه.

اأولً: عوام��ل ظه��ور مفه��وم "البني��ة التحتي�ة لل�ش�لام"

عرَّف د. خالد حنفي مفهوم "البنية التحتية للسلام" بأنه يعبر عن شبكة تفاعلية واعتمادية من الهياكل والآليات والموارد والمهارات والقيم التي تسهم في بناء العلاقات الاجتماعية والسياسية والاقتصادي­ة، بما يوفر المرونة المستدامة للمجتمعات لمنع العنف وبناء السلام.

وبرز هذا المفهوم على يد "ليدراتش"، وهو أحد خبراء تحويل الصراعات، وتم وضعه في عام 2010 خلال اجتماع بين الحكومات والمجتمع المدني والأحزاب السياسية والأمم المتحدة في كينيا. وبدأ يتم تداوله أكثر من قِبل الأمم المتحدة في عام 2015، ثم في الدراسات والمنظمات غير الحكومية.

وتتضمن "البنية التحتية للسلام" 4 أبعاد أساسية، وهي على النحو الآتي: 1- كيانات وهياكل: مثل مؤسسات وصناديق السلام.

2- آليات وأدوات: حوار، ووساطة، وتعليم السلام، وإنذار مبكر، وإدارة أزمات، ومصالحات. 3- موارد السلام: قيم ومهارات وقدرات مجتمعية )رأس المال المجتمعي للسلام(. 4- اقترابات البناء: تحويل الصراع، وتعزيز المرونة، وصُنع السلام.

وأشار المتحدث الرئيسي في الحلقة النقاشية إلى أسباب التفكير في تحديد "البنية التحتية للسلام"، ومنها ما يلي: 1- يتضح من الخبرات السابقة أنه لا يوجد مجتمع يمكن أن يحدث فيه سلام مستدام، إلا إذا كان ينطوي على مجموعة من الهياكل التي تمنع الصراع، أو المرونة الكافية لمواجهة الصراع. -2 ارتبط مفهوم "البنية التحتية للسلام" بمحاولات تطوير مفاهيم إدارة الصراع، والتوصل لتسوية، والتفكير في آليات لمنع الصراع ثم آليات حل الصراع. وانتقل المفكرون نحو فكرة بناء السلام، وقد ارتبط ذلك بنمط الصراعات الموجودة في المجتمعات الأفريقية، التي أوضحت عدم ارتباط الصراع بالسلطة بالضرورة، بل هناك صراعات داخل المجتمعات.

وفي هذا الإطار، يرتكز إطار بناء السلام على كيفية تحويل الخلافات من حالة العنف إلى حالة التعايش والسلام في إطار آليات سلمية، وهو ما يُعرف بمفهوم "تحويل الصراع"، خاصة مع عدم تأثر المجتمعات في حالات كثيرة باتفاقيات السلام على المستوى السياسي. وبناءً عليه، ظهرت مفاهيم "القابلية للسلام"، و"السلام من أسفل لأعلى"، ومن ثم يمكن تحقيق بؤر للسلام المحلي، مثل منطقة الشمال الشرقي لنيجيريا، حيث يتم عمل بؤر سلام تكون حواضن للتخلص من جماعة "بوكو حرام".

وأكد د. خالد حنفي أن هذا الاقتراب يتعدى الأُطر التقليدية، خاصة فيما يرتبط بالفاعلين وهرم قضايا السلام، وذلك على النحو التالي: 1- فاعلون جدد: لم يعد فاعلو السلام قاصرين فقط على الأمم المتحدة أو الحكومات، بل إنه يمكن تحققه أيضاً من خلال المجتمع المدني أو الأُطر التقليدية. 2- هرم السلام: بمعنى أن السلام من أسفل يبدأ من الناس العادية، ومن الأعلى يبدأ من العسكريين والسياسيين. 3- قضايا السلام: عادة ما ترتبط النزاعات بثلاث قضايا أساسية هي قضية الأمن؛ وهي مركزية واحتياج مجتمعي، ثم قضية العدالة للناس وللنخب الوسيطة وعلى مستويات

مختلفة، وقضية المصالحة؛ حيث يخلق النزاع جروحاً لا تذهب بسهولة وبالتالي تحتاج لجهود لتهدئة الخواطر واستعادة السلم الاجتماعي. وترتبط هذه القضايا الثلاث ببعضها البعض، فلا يمكن تحقيق مصالحة من دون أمن؛ فهي الضامن لاستمرار المصالحة وتحقيق العدالة.

ثانياً: اأبعاد "البنية التحتية لل�شلام"

أوضح د. خالد حنفي أبعاد "البنية التحتية للسلام"، كالتالي: 1- بنى تحتية مختلطة: أي أنها تشمل التفاعلات بين مؤسسات رسمية وغير رسمية، كما تشمل تفاعلات من أعلى وأسفل هرم الصراع. وقد تكون في شكل وزارات حكومية للسلام، أو لجان محلية لمنع النزاعات في المجتمعات وتطوير التعايش المشترك وغيرها.

وتوفر "البنية التحتية للسلام" وظائف قصيرة الأمد في معالجة العنف الفوري، وأخرى طويلة الأمد في التعامل مع مسببات العنف الصادرة عن الهياكل الاجتماعية والسياسية. وبالتالي فإن البنية التحتية للسلام تشمل مراحل دورة الصراع وما بعده، وصولاً إلى مرحلة التعافي. 2- الملكية المحلية: أي أن السلام لن يتحقق، إلا إذا قرره وصنعه الناس أنفسهم، كي يعكس احتياجاتهم السياقية، وهو أمر ينبغي أن تدعمه التدخلات الخارجية. 3- شمولية المشاركة: خاصة في مجتمعات النزاع التي تميل لاستبعاد الشباب أو المرأة بسبب غلبة نمط السلطة الأبوية. 4- محركو الشبكات: بمعنى الكيانات، سواء كانت منظمات أم أفراداً والذين يمكنهم الربط بين الشبكات، والتنسيق والعمل كجسور للتفاعلات بين مكونات "البنية التحتية للسلام"، مثل وسطاء السلام.

ثالثاً: نماذج رائدة

أشار د. خالد حنفي إلى عدد من النماذج الرائدة في مجال "البنية التحتية للسلام"، ومن أهمها ما يلي: 1- مركز "بيرهوف": لعب هذا المركز دوراً في أنشطة الوساطة والحوار والتدريب على التفاوض لدعم المسار الرسمي للمفاوضات في اليمن. وتعاون المركز في هذا الشأن مع مبعوثي الأمم المتحدة في اليمن، حيث ناقش آليات بناء الثقة والتدابير الأمنية وتقسيم السلطات، وآليات إدماج الميليشيات.

وكان المركز أيضاً جسراً بين الحكومة وجماعات المعارضة في أفغانستان، عبر مساعدة الأطراف على توفير إطار تفاوضي فعّال، ومهارات التفاوض، وتحليل الصراع في الفترة بين عامي 2016 و2018.

كما لعب مركز "بيرهوف" دوراً في نزاعات الصومال، عبر وبناء علاقات ثقة بين الحكومة الاتحادية والأقاليم. 2- مركز "الحوار الإنساني": برز هذا المركز في عام 1999، وهو أحد منظمات الدبلوماسي­ة الخاصة التي تعمل في "البنية التحتية للسلام" حول العالم عبر تيسير الحوار والوساطة وتمكين أطراف النزاع من مهارات التفاوض، كما يتدخل لعقد اتفاقات وقف إطلاق النار لتسهيل العمليات الإنسانية، وذلك كجزء من تحقيق "البنية التحتية للسلام".

وخلال أكثر من عشرين عاماً، دعم مركز "الحوار الإنساني" أكثر من 40 اتفاقية سلام محلي في ليبيا وسوريا ومنطقة الساحل الأفريقي والسودان وإندونيسيا وغيرها.

ويملك المركز قدرة على تشبيك العلاقات بين الفاعلين المحليين والدوليين، وصياغة أجندات التفاوض الأممية، خاصة أنه يعقد سنوياً "منتدى أوسلو" الذي يجمع كل مسؤولي الأمم المتحدة والعديد من ممثلي الدول وأطراف الصراعات حول العالم، وذلك بهدف تبادل الخبرات في هذا المجال في مختلف المناطق والبلدان.

كما يوفر مركز "الحوار الإنساني" قنوات سرية بين المتنازعين للتفاوض، ولا يعلن عنها إلا بعد التوصل إلى اتفاق سلام محلي.

ويملك المركز مجموعة من الخبراء العاملين في السلك الدبلوماسي في الأمم المتحدة أو بلادهم ومن سبق لهم العمل في مناطق النزاعات.

ويتلقى المركز تمويلات من وزارات الخارجية في الدول الأوروبية والقوى الكبرى، مثل سويسرا وبريطانيا وفرنسا وإسبانيا والولايات المتحدة، وتصل ميزانيته السنوية إلى قرابة 30 مليون فرنك سويسري، بحسب التقرير السنوي له.

رابعاً: تحديات القتراب

ناقش المشاركون في الحلقة النقاشية أهم التحديات التي تواجه اقتراب "البنية التحتية للسلام"، وحددها المتحدث الرئيسي في التالي:

1- إن كل سياق له خصوصية واحتياجات مختلفة ل "البنية التحتية للسلام" من حيث الأولويات.

2- إن "البنى التحتية للسلام" لا تزال تعتمد على التمويلات الخارجية في معظم أنشطتها، وبالتالي لا يمكن فصل التمويلات عن أجندة ورؤية اتفاقات السلام ذاتها.

3- وجود قضايا رئيسية في قمة هرم النزاع ترتبط بفاعلية "البنية التحتية للسلام"، مثل إصلاح قطاع الأمن.

4- حساسية الأفارقة ودول الشرق الأوسط تجاه التدخلات الغربية، ويشكل هذا التحدي دافعاً للمنظمات غير الحكومية لتكون أكثر حساسية في أنشطة البنية التحتية للنزاع، أي أنها تمارس دوراً داعماً ومسهلاً، وليس فارضاً لحلول أو اتفاق، كما في حالات ليبيا ونيجيريا.

5- صعوبة قياس تأثير أنشطة "البنية التحتية للسلام"، مثل مساعدة أطراف النزاع على الحوار، وبناء قدراتهم التفاوضية، وتأسيس أرضية مشتركة، إذ يستلزم ذلك مراقبة لسلوك أطراف النزاع لمدة طويلة للحكم على مدى تأثيراتها في اتجاه تحّول النزاع وبناء السلام.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates