Trending Events

أدوات تعزيز نفوذ الكرملين في القارة الأفريقية

أدوات تعزيز نفوذ الكرملين في القارة الأفريقية

- أبوبكر العم

تتعدد المؤشرات على صعود الدور الروسي في أفريقيا، وعدم اقتصاره على الأبعاد العسكرية وحدها، إذ باتت تتضمن أبعاداً سياسية واقتصادية، على نحو ينذر بتهديد النفوذ الغربي في دول القارة، وعلى سعي موسكو لتوظيف هذا الدور لتأكيد مكانتها كإحدى القوى الدولية المؤثرة في القارة.

يتمثل أحد التداعيات المترتبة على انحسار الأحادية القطبية بزعامة الولايات المتحدة في سعي موسكو لاستعادة نفوذها في الدوائر التقليدية للنفوذ السوفييتي، وتحديداً القارة الأفريقية.

ويسعى هذا التحليل إلى تسليط الضوء على مؤشرات عودة موسكو إلى واجهة صراع النفوذ الدولي على القارة الأفريقية، وذلك من خلال توضيح أهداف هذا التدخل، وأدواته، بالإضافة إلى تقييم فرص نجاحه.

اأولً: اأهداف مو�شكو الأفريقية

تتأثر نظرة روسيا الجيوسياسي­ة وتحركاتها في أفريقيا، بإرث الحرب الباردة وتجربتها، التي انتهت بانهيار الاتحاد السوفييتي السابق، وعلى ضوء ذلك يتحرك قادة موسكو اليوم بحذر ربما تقتضيه قوة المنافسين، سواء الأعداء، مثل الولايات المتحدة والقوى الغربية الأخرى، أو الأصدقاء المنافسين مثل الصين.

ويبدو إن الكرملين بدأ في وضع خطة لاستعادة نفوذه في القارة الأفريقية، خاصة بعدما افتقدت موسكو خطة واضحة المعالم تحكم توجهاتها في القارة السمراء، بعد تفكك الاتحاد السوفييتي، وتتمثل أهم دوافع العودة الروسية للقارة في التالي: 1- الاعتبارات العسكرية: لم تحتل أفريقيا حيزاً كبيراً في

وثيقة "مفهوم السياسة الخارجية لروسيا الاتحادية"، التي أقرها فلاديمير بوتين عام 2016، وكذلك في وثيقة "الأمن القومي الروسي حتى سنة 2020" التي تم التوقيع عليها عام 2009، غير أن التحركات الميدانية لروسيا تشي بأن الاعتبارات العسكرية تأتي في مقدمة الدوافع التي تجعل الكرملين يعيد التحرك نحو القارة السمراء، والتي تأخذ عدة أشكال تتراوح بين مبيعات الأسلحة وتقديم الاستشارات العسكرية، بل وتصل أحياناً إلى التدخل العسكري المباشر.

ويبدو هذا التوجه الأمني منطقياً في ضوء المكاسب الاستراتيج­ية التي يمكن أن تحققها موسكو من توظيف هذه الورقة، خاصة في ظل التنافس الدولي المحتدم بين القوى الدولية والإقليمية على القارة، فضلاً عن انتشار الصراعات الداخلية) 1 .) 2- الدوافع الاقتصادية: يستصحب البعد الأمني اعتبارات اقتصادية، لا يمكن لصانع القرار الروسي أن يتجاهلها، وهو يضع الخطوط العريضة لسياسة بلاده الأفريقية، نظراً لما تتيحه من فرص تتصارع عليها القوى الدولية، إذ تدفع اعتبارات مثل وفرة الثورات الطبيعية في القارة، بالإضافة إلى ارتفاع دخل الفرد في بعض دولها وما ترتب على ذلك من تصاعد معدلات الاستهلاك، إلى تكالب العديد من

القوى الدولية لاستغلال هذه الفرص، خاصة الصين والقوى الأوروبية والولايات المتحدة)2.)

وتسعى موسكو، هي الأخرى، للبحث عن الفرص الاستثماري­ة في أفريقيا، سواء من خلال إيجاد سوق جديد لصناعاتها العسكرية، أو من خلال اتجاه شركات الطاقة الروسية للعمل في بعض دول القارة، بما يعزز من دور موسكو في سوق الطاقة، ويوفر لها فرصاً لتقليص تأثيرات العقوبات الغربية المفروضة على موسكو بسبب تدخلها في أوكرانيا منذ 3( 2014.)

ثانياً: اأدوات تحرك الكرملين

تسعى موسكو لتعزيز وجودها في القارة الأفريقية، وتوظف مجموعة من الأدوات السياسية والعسكرية والاقتصادي­ة، والتي يمكن إيجازها على النحو التالي: 1- الأدوات السياسية: تتهم الدول الغربية روسيا بمحاولة تعزيز نفوذها في حوالي 13 دولة أفريقية، باتباع أساليب متعددة، والتي تتراوح بين إبرام صفقات أسلحة، وصولاً إلى إعداد جيل جديد من القادة الأفارقة، بل ومحاولة التخلص من السياسيين الموالين للغرب.

وفي هذا الإطار، ترتبط موسكو بعلاقات قوية مع كل من جمهورية أفريقيا الوسطى والسودان ومدغشقر، في حين أن العلاقات مع زيمبابوي وليبيا وجنوب أفريقيا تحتل المرتبة التالية من حيث الأهمية بالنسبة للكرملين، وتليها دولة جنوب السودان، وأخيراً، الكونجو الديمقراطي­ة وتشاد وزمبابوي)4(. وليس أدل على حجم الاهتمام من زيارات المسؤولين الأفارقة إلى روسيا، فقد زار 12 قائداً أفريقياً موسكو منذ عام 2015، وشهد عام 2018 وحده ست زيارات) 5 .)

وتتهم الدول الغربية موسكو بأنها تسعى للتخلص من السياسيين الأفارقة الموالين لفرنسا في بعض الدول الأفريقية مثل الكونجو الديمقراطي­ة، وتموّل لهذا الغرض إنشاء محطات إذاعة وجرائد ناطقة باللغات المحلية، كما يتهم الكرملين بدعم رئيس مدغشقر "أندريه راجولينا" للفوز بالانتخابا­ت الرئاسية التي أجريت في يناير 6( 2019.)

ووفقاً للمصادر الغربية، يعد مواقع التواصل الاجتماعي أحد أدوات روسيا للتأثير على القارة الأفريقية، فقد أعلنت إدارة الفيس بوك إزالة ثلاثة حسابات مدعومة من شركة يمتلكها رجل الأعمال الروسي "يفغيني بريغوجين"، والذي يوصف بأنه رجل بوتين في أفريقيا، وأحد أدوات الكرملين لتعزيز النفوذ الروسي في أفريقيا، كما تتهمه واشنطن بالارتباط ب 12 موقعاً إخبارياً، بما في ذلك "وكالة بحوث الإنترنت"، الذي يتهمه مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي بالتدخل في الانتخابات الأمريكية لصالح الرئيس دونالد ترامب في 2016.

وتركز هذه المواقع على انتقاد السياستين الفرنسية

والأمريكية في القارة الأفريقية، وتسعى موسكو لإخفاء دورها من خلال توظيف أفراد محليين من الدول المستهدفة، وفي بعض الأحيان، شركات لنشر هذه الدعاية الموجهة)7.) 2- الأدوات العسكرية: اتخذت روسيا عدة مسارات لزيادة نفوذها العسكري في أفريقيا، بعضها يتعلق بإبرام اتفاقيات عسكرية وأمنية وعمليات تدريب وتعاون استخباراتي وصفقات سلاح، فضلاً عن الاحتفاظ بوجود عسكري في بعض المناطق، تحت شعار محاربة "الإرهاب" والقرصنة واحتواء الصراعات الداخلية.

وأبرمت موسكو اتفاقيات تعاون علنية مع حوالي 20 دولة أفريقية. وبلغ حجم صادرات روسيا من السلاح إلى أفريقيا، باستثناء مصر، بين عامي 2014 و2018، حوالي 17% من إجمالي الصادرات الروسية، بحسب معهد ستوكهولم لأبحاث السلام الدولي. ولا يقتصر الدور الروسي على الأنشطة العسكرية المعلنة، بل تنخرط في أنشطة غير معلنة، من خلال شركة عسكرية خاصة، تتمتع بعلاقات وطيدة بالكرملين. وتتصدر جمهورية أفريقيا الوسطى الاهتمام الروسي بالقارة السمراء، وهو ما يتضح في حجم التعاون معها، والتي لا تقتصر على إبرام صفقات أسلحة وتقديم التدريب والاستشارا­ت لجيشها، ولكنها تمتد إلى إقامة محطات إذاعة محلية، فضلاً عن تقديم قناة للوساطة بين النظام الحاكم والمتمردين.

ويضاف إلى ما سبق توظيف موسكو شركات عسكرية خاصة هي شركة "فاجنر"، المدعومة من يفغيني بريغوجين، لتوفير الحماية لرئيس جمهورية أفريقيا الوسطى فوستن آرشينج تواديرا، بينما يتهم الغرب الشركة بتقديم الدعم للمتمردين المناوئين له في الوقت نفسه، ما يثير علامات استفهام، في حالة صحة هذه الاتهامات، حول أهداف الدور الروسي، وإن كان الكرملين نفى تورط موسكو في دعم الحكومة والمتمردين في الوقت ذاته)8.) 3- الأدوات الاقتصادية: تستخدم روسيا نفوذها العسكري من أجل الحصول على منافع ومزايا اقتصادية، والتي تتركز بصورة أساسية في الحصول على صفقات في قطاعات التعدين، والطاقة، والطاقة النووية، كما هي الحال على سبيل المثال مع أفريقيا الوسطى والسودان.

ووقعت روسيا على مدى السنوات الماضية اتفاقيات اقتصادية وتنموية ومذكرات تفاهم مع العديد من الدول الأفريقية، في مجالات عدة، أبرزها اتفاقيات التعدين والطاقة، كما أنها سعت للتعاون مع التكتلات الإقليمية، مثل الجماعة الإنمائية للجنوب الأفريقي، ومنظمة دول الساحل والصحراء.

فقد أبرمت الوكالة الروسية للطاقة الذرية "روساتوم"، عقداً مع دولة جنوب أفريقيا عام 2014، لإنشاء ثمانية مفاعلات نووية بحلول 2023، من أجل إنتاج الطاقة، والاستخدام­ات

إن روسيا قد تصطدم بالنفوذ الصيني المتصاعد في أفريقيا، خاصة مع ارتكازه على نفس الأدوات تقريباً، خاصة فيما يتعلق بالاعتماد على مبيعات السلاح والشركات العسكرية الخاصة، والاستثمار­ات، وإن كان من الملاحظ أن بكين تتفوق على موسكو في النقطة الأخيرة تحديداً.

المدنية الأخرى، وفي السودان أشرف رئيس الوزراء الروسي ديمتري ميدفيديف عام 2017 على توقيع عقد للتنقيب عن الذهب بين وزارة المعادن السودانية وشركة روسية تدعى "إم إنفيست"، وفي العام نفسه حصلت شركة روسية أخرى تدعى "ميرو جولد" على امتياز للتعدين عن الذهب من الحكومة السودانية.

ومُنحت شركات روسية في يونيو 2018 تراخيص للتنقيب عن الذهب والألماس في أفريقيا الوسطى، كما تقوم شركة "سيوا" للخدمات الأمنية الروسية بتوفير الحماية لمناجم الألماس هناك)9(، وهو مؤشر على مدى أهمية قطاع التعدين في حسابات موسكو الأفريقية.

ويتمثل المؤشر الثاني على تنامي الوجود الروسي في أفريقيا في القمة الروسية – الأفريقية، والتي تعد الأولى من نوعها، وأعلن عنها الكرملين بين روسيا والدول الأفريقية في أكتوبر 2019 بمنتجع سوتشي، والتي حضرها حوالي 50 من القادة الأفارقة، بهدف تعزيز التعاون السياسي والاقتصادي والثقافي.

ثالثاً: م�شتقبل الدور الرو�شي

يحكم النفوذ الروسي في القارة الأفريقية عدداً من المتغيرات، التي يمكن تفصيلها على النحو التالي: 1- إغراء النموذج الروسي: تسعى موسكو من إقامة علاقات مع الدول الأفريقية إلى تأكيد أنها دولة يمكن لحلفائها الوثوق بوقوفها إلى جانبهم حتى النهاية، سواء باستخدام ترسانتها العسكرية المتطورة، أو من خلال استخدام حقها في الاعتراض على قرارات مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة، لمنع إدانتهم دبلوماسياً، خاصة بعدما ساند الكرملين النظام السوري في وجه المعارضة المسلحة، كما قاوم الضغوط الغربية لإدانته في مجلس الأمن.

وتمثل جمهورية أفريقيا الوسطى نموذجاً للعلاقات مع روسيا على المستوى الأفريقي، فقد استفاد جيشها من السلاح والتدريبات الروسية)10(، خاصة أن أفريقيا الوسطى كانت تدور في فلك النفوذ الفرنسي، ومن ثم فقد نجحت موسكو في تقديم بديل يمكن الاعتماد عليه في مواجهة باريس.

ومن جهة ثانية، يوفر الكرملين متنفساً للدول الأفريقية التي تعاني من العقوبات الغربية، وهو وضع يناسب معظم النظم السياسية في أفريقيا، كما أن الدول الغربية تتذرع أحياناً باعتبارات مثل حقوق الإنسان، والديمقراط­ية، وحرية وسائل الإعلام، وذلك لممارسة ضغوط على بعض الدول الأفريقية. 2- موقف الدول الغربية: تعود جذور النفوذ الروسي في أفريقيا إلى حقبة الحرب الباردة، حيث كانت تتنافس مع واشنطن على النفوذ في القارة، وتمثل أحد محفزات العودة الروسية إلى القارة في انحسار التأثير الغربي في بعض المناطق، وفشله في مناطق أخرى، ومع ذلك لا يزال هذا الوجود يواجه مخاطر التحجيم من قبل واشنطن.

ولعل مخاوف واشنطن من الدور الروسي قد ترجمتها وزارة الخارجية الأمريكية عندما أشارت في بيان رسمي في نوفمبر 2019 تأكيدها على دعمها "لسيادة ليبيا وسلامة أراضيها في مواجهة محاولات روسيا لاستغلال الصراع ضد إرادة الشعب الليبي")11.)

ومن جانب ثانٍ، فإن روسيا قد تصطدم بالنفوذ الصيني المتصاعد في أفريقيا، خاصة مع ارتكازه على الأدوات نفسها تقريباً، خاصة فيما يتعلق بالاعتماد على مبيعات السلاح والشركات العسكرية الخاصة، والاستثمار­ات، وإن كان من الملحوظ أن بكين تتفوق على موسكو في النقطة الأخيرة تحديداً.

ومن العرض السابق، يمكن القول إن موسكو باتت لاعباً محورياً في القارة الأفريقية، وتتمتع بمقومات تمكنها من منافسة دور القوى الغربية، ومع ذلك، فإن نفوذ موسكو قد شهد تحدياً من الدول الغربية، إذا ما عمدت إلى تبني سياسات لتحجيمه، كما أن الكرملين في حاجة إلى إدارة علاقاته مع الصين الساعية هي الأخرى لتوطيد نفوذها باستخدام الأدوات نفسها تقريباً.

أما أفريقيا، فإن تعدد القوى الدولية المؤثرة في أفريقيا يساهم في تعزيز هامش الحركة لدول القارة، وإمكانية تبديل تحالفاتها بين هذه القوى بما يتناسب في النهاية مع مصالحها الوطنية.

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates