Trending Events

فرص استعادة الاستقرار في كشمير وهونج كونج

فرص استعادة الاستقرار في كشمير وهونج كونج

- محمد سنان

شهدت الأشهر القليلة الماضية تطورين لافتين في آسيا جذبا انتباه المجتمع الدولي، وهما اتجاه الهند والصين إلى انتهاج سياسات للسيطرة على المناطق التي تتمتع بحكم ذاتي داخلهما، وتحديداً كشمير وهونج كونج، وذلك على الرغم من اختلاف طبيعة النظام الحاكم في كلا البلدين، وهما التطوران اللذان ينذران بتفاقم الاضطرابات الداخلية فيهما.

أعلنت الحكومة الهندية إلغاء المادة 370 من الدستور التي تتيح لولاية جامو وكشمير، ذات الأغلبية المسلمة، وضع قوانينها الخاصة، كما كان يمنع الهنود من خارج كشمير من حقوق التملك وشراء العقارات، بينما اندلعت احتجاجات ساخطة في هونج كونج، بسبب إصدار الحكومة هناك مشروع قانون يسمح بتسليم المشتبه بهم المطلوبين في بر الصين الرئيسي إلى الصين، حيث يمثلون للمحاكمة، إذ يبدي المتظاهرون مخاوفهم من أن تفتح هذه الخطوة الباب أمام فقدان استقلال المدينة القانوني.

وعلى الرغم من أن استباق أي محاولات انفصالية كان الدافع الأساسي وراء القرارين، فإنهما قد ينذران بإمكانية دخول كشمير وهونج كونج في حالة من عدم الاستقرار، ويسعى هذا التحليل إلى الوقوف على أوجه الشبه والاختلاف بين الإجراءات الصينية والهندية في هونج كونج وكشمير على التوالي، فضلاً عن استشراف مستقبل الاستقرار السياسي فيهما.

اأولً: الحتلال الديمغرافي لك�شمير

كانت كشمير، ولا تزال، إحدى نقاط الصراع الأساسية بين الهند وباكستان منذ استقلالهما عن بريطانيا في عام 1( 1947.) فقد تأسست دولة باكستان على شرعية دينية، بحيث تكون الموطن الرئيسي للمسلمين في شبه الجزيرة الهندية، وذلك تفادياً لأي اضطهاد ديني يتعرضون له في دولة يسيطر الهندوس على أغلبها. ونتيجة لهذه الخطوة، خيّر الاحتلال البريطاني أكثر من 550 ولاية للانضمام إما للهند أو باكستان في عام 2( 1947.)

وكانت كشمير ولاية ذات أغلبية مسلمة، غير أن ملكها هاري سينج كان هندوسياً، وعلى الرغم من أن قراره بالانضمام إلى أي من الهند أو باكستان كان يجب أن يأخذ في الاعتبار إرادة سكانها ذوي الأغلبية المسلمة، فإنه في الواقع تجاهل ذلك، وعمل على استغلال العلاقات المتوترة بين الهند وباكستان، من أجل ضمان استقلال ولايته، وعندما شعرت باكستان بأنه يخدعها، قامت الحكومة الباكستاني­ة بإرسال قوات لضم كشمير، وحينها ناشد سينج الهند لتساعده في حماية ولايته، مما أدى إلى دخول القوات الهندية إلى كشمير، وخوض أول حرب بين البلدين)3(. واتفق سينج مع الهند على الانضمام لها شريطة احتفاظ كشمير بدستورها وأحكامها الخاصة، وتم النص على ذلك في المادة 370 من الدستور الهندي)4.)

وأصدر مجلس الأمن القرار رقم 47 لعام 1948، وذلك لتسوية الصراع عبر الدعوة إلى وقف إطلاق النار بين القوات الهندية والباكستان­ية في كشمير، وإجراء استفتاء لشعب كشمير

لتقرير مصيره، وذلك إما بالانفصال عن الهند أو الانضمام إلى باكستان، أو الاستقلال، غير أن الهند ماطلت في تطبيق هذا القرار.

ونتيجة لإصرار الهند على إحكام سيطرتها على كشمير الهندية، اندلعت حركة تمرد بدأت منذ عام 1989، وقُتل فيها ما لا يقل عن ثلاثين ألف شخص(5(. وتدخلت باكستان لدعم الجماعات المتمردة الكشميرية في نضالها ضد الهند. واستغلت التنظيمات الإرهابية، خاصة "داعش" والقاعدة، الوضع من أجل تأسيس وجود لهما في شبه الجزيرة الهندية، غير أنهما لم يحققا أي نتائج بارزة في هذا الإطار(6.)

وفي الخامس من أغسطس 2019، أعلنت الحكومة الهندية إلغاء المادة 370، بما يتضمنه ذلك من إلغاء وضع الحكم الذاتي التي كانت تتمتع به في إطار الدولة الهندية(7(، الأمر الذي يعني السماح للهندوس بالإقامة والعمل في كشمير، بما يهدد بتغيير وضعها الديمغرافي لصالح الهندوس، وتحويل المسلمين إلى أقلية، بما يضمن للهند سيطرتها على الإقليم، وإجهاض أي محاولات انفصالية.

وصاحب هذا القرار تكثيف الهند وجودها الأمني والعسكري في كشمير، فضلاً عن إعلان حظر التجوال لفترات محددة، ووضع عدد كبير من السياسيين الكشميريين تحت الإقامة الجبرية، وقطع الاتصالات، وذلك خوفاً من اندلاع احتجاجات أو حركة تمرد جديدة في كشمير(8.)

ثانياً: اإخ�شاع هونج كونج لبكين

احتفظت الصين بنظام حكم الحزب الواحد، وهو الحزب الشيوعي الصيني بقيادة الجنرال ماو تسي تونج، وذلك منذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية في عام 1949 وحتى الآن(9(. وتمكن الحزب من تحقيق تنمية اقتصادية هائلة(10(، وإن ظلت البلاد تحت حكم لا يتسامح مع المعارضة، كما لا يمنح المواطنين سوى القليل من الحقوق الديمقراطي­ة(11(. ونظراً لكبر حجم الدولة، كانت هناك استثناءات قليلة لهذه القاعدة العامة، ومن أهم هذه الاستثناءا­ت هونج كونج.

وتعد هونج كونج جزيرة صغيرة مجاورة للصين، حكمها البريطانيو­ن على مدار 150 عاماً. وفي عام 1897، توصلت السلطتان البريطانية والصينية إلى اتفاق تدير بموجبه بريطانيا هونج كونج لمدة 100 عام. وساهم ذلك في غرس عدد من الممارسات الديمقراطي­ة في الجزيرة، مثل حرية الصحافة وحرية التظاهر وحتى قدرة السلطات في هونج كونج على إصدار جوازات سفر بصورة مستقلة عن الصين(12.)

ونتيجة لهذا الوضع، طورت هونج كونج على مر السنين ممارساتها الثقافية الخاصة بها، والتي تختلف عن نظيرتها في البر الرئيسي للصين. ومن هذه الممارسات تطوير ثقافة مختلفة للطعام، علاوة على التحدث بلغة الكانتونية، وليس لغة الماندرين، الشائعة الاستخدام في البر الرئيسي للصين.

أما النفوذ الرئيسي للصين على حكومة هونج كونج، فيتمثل بالأساس في الأمور المتعلقة بالدفاع والدستور(13،) وذلك وفقاً للقانون الأساسي لهونج كونج، وهو بمنزلة دستور الجزيرة.

واندلعت أزمة في هونج كونج نتيجة لوجود مخاوف من محاولة بكين السيطرة على الجزيرة، خاصة بعد إعلان الرئيسة التنفيذية لهونج كونج كاري لام، طرح مشروع قانون يسمح بتسليم المطلوبين إلى الصين في أوائل عام 14) 2019،) الأمر الذي فجر تظاهرات حاشدة منذ مارس من العام نفسه، خوفاً من زيادة النفوذ الصيني على الجزيرة(15.)

وبالإضافة إلى مطالبة المحتجين السلطات بإلغاء مشروع القانون، وهو ما استجابت له لام في سبتمبر 2019، طالبوا كذلك بتحقيق أربعة مطالب أخرى، وهي: إجراء تحقيق مستقل حول وحشية الشرطة، والإفراج عن المتظاهرين المعتقلين، والتراجع التام عن الوصف الرسمي للتظاهرات بأنها "أعمال شغب"، وإجراء انتخابات جديدة للمجلس التشريعي ومنصب الرئيسة التنفيذية(16(. وتكشف هذه المطالب تخوف سكان هونج كونج من حرمانهم من الحقوق الديمقراطي­ة، إذا ما اتسع الدور

الصيني في الجزيرة(17.)

ثالثاً : �شيا�شات متباينة

تتسم السياستان الهندية والصينية بقواسم مشتركة في محاولتهما الانتقاص من استقلالية المناطق الطرفية، وإن ظلت هناك اختلافات واضحة في كيفية إدارة الأزمة، ويمكن إيجاز أوجه التشابه بين السياسة الهندية في كشمير مع نظيرتها الصينية في هونج كونج في النقاط التالية: 1- الدور السلبي لبريطانيا: يتمثل أحد القواسم المشتركة بين الحالتين في خضوع كشمير وهونج كونج للاستعمار البريطاني، وفي تحمل هذا الاحتلال مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع في الحالتين، خاصة في الحالة الكشميرية( 18 .) 2- السيطرة على الأطراف: تتمتع المنطقتان منذ أمد بعيد بقدر كبير من الاستقلالي­ة في إدارة شؤونهما الداخلية، وهو ما عمدت الحكومتان في الهند والصين إلى الانتقاص منه، وإن بدرجات متفاوتة، وذلك بهدف إحكام سيطرتهما على هذين الإقليمين، وضمان عدم انفصالهما مستقبلاً(19.)

أما فيما يتعلق بنقاط الاختلاف، فيمكن إجمالها في التالي: 1- تفاوت طريقة الإدارة: اتبعت الهند أسلوباً أكثر عنفاً للسيطرة على إقليم كشمير، من خلال إلغاء بنود الاستقلالي­ة التي تتمتع بها بموجب الدستور، فضلاً عن تبني عدد من الإجراءات القمعية، من أجل ضمان عدم وجود أي معارضة سياسية أو مسلحة لهذا الإجراء، بينما اتبعت الصين أسلوباً تدريجياً في التعامل مع هونج كونج، فلم تعمد إلى إلغاء استقلاليته­ا، ولكنها أوعزت إلى رئيستها إلى إصدار قانون يمنح بكين صلاحيات إضافية.

طورت هونج كونج على مر السنين ممارساتها الثقافية الخاصة بها، والتي تختلف عن نظيرتها في الر الرئيسي للصين. ومن هذه الممارسات تطوير ثقافة مختلفة للطعام، علاوة على التحدث بلغة الكانتونية، وليس لغة الماندرين، الشائعة الاستخدام في الر الرئيسي للصين .

2- اختلاف رد الفعل: لم تعمد بكين إلى سحق المتظاهرين على غرار ما حدث في ميدان تيانانمن )السلام السماوي( في عام 1989، كما أنه في مواجهة استمرار الاحتجاجات، عمدت هونج كونج إلى التجاوب مع مطالب المتظاهرين، وذلك عبر تراجع رئيستها عن مشروع القانون، في حين أن الهند عمدت إلى استخدام أساليب قمعية لفرض قرارها، وضمان عدم تعرضها لأي ضغوط تجعلها تتراجع عنه. 3- تباين الدعم الشعبي: اختلفت ردة الفعل تجاه الإجراءات التي اتخذتها نيودلهي وبكين. ففي الهند، انقسم المواطنون ما بين مؤيد )الهندوس( ومعارض )المسلمين( لخطوة إلغاء المادة 370 والإجراءات المصاحبة لها. أما في الصين، فقد التزم أغلب الشعب في البر الرئيسي الصمت أو الحياد، بينما مال أغلب سكان هونج كونج إلى دعم التظاهرات.

رابعاً: فر�س ا�شتعادة ال�شتقرار

يثار تساؤل حول فرص نجاح الهند والصين في استعادة الاستقرار من جديد في كشمير وهونج كونج. ويلاحظ أن الهند تمكنت، حتى الآن، من فرض الاستقرار في كشمير على الرغم من اتباعها أساليب قمعية لمنع الاعتراض على قراراتها على نحو ما جرى تفصيله(20.)

ونظراً لقمع الهند للسياسيين الذين سعوا للتعبير عن احتجاجاتهم سلمياً على قرارات نيودلهي، فمن المحتمل أن تستغل الجماعات الانفصالية والإرهابية هذا الوضع من أجل استقطاب مزيد من الشباب الكشميري الساخط على القمع الهندي(21(، ولذلك يشير البعض إلى احتمال تنامي حركات التمرد هناك، خاصة أن القرار الهندي بات يسمح للهندوس بالتملك والإقامة في كشمير، بما يعنيه ذلك من تحويل المسلمين في كشمير من أغلبية إلى أقلية.

وعلى النقيض، يلاحظ أن هونج كونج لاتزال تشهد استمرار أعمال الاحتجاجات، على الرغم من تراجع السلطات هناك عن مشروع القانون، بل وعمد المتظاهرون إلى تصعيد مطالبهم والانتقال من السلمية إلى العنف(22(، فمنذ سبتمبر 2019، تورط المتظاهرون في أعمال عنف، حيث أشعل عدد منهم النيران في محطة مترو الأنفاق الرئيسية(23(، كما قد يخرج الوضع عن السيطرة، خاصة مع العدد الكبير للمتظاهرين، وإمكانية احتداد المواجهة بينهم وبين الشرطة.

وفي الختام، يمكن القول إن الوضع لايزال قلقاً في كل من كشمير وهونج كونج، وإن كانت فرص تراجع الحكومة الهندية عن إجراءاتها التعسفية لاتزال محدودة، على الرغم من إحداث هذا القرار لاستقطاب مجتمعي حاد بين المسلمين والهندوس. أما بالنسبة للصين، فلا يبدو أن الحكومة على استعداد لتقديم أي تنازلات إضافية للمتظاهرين، على أمل أن تهدأ التظاهرات والاحتجاجا­ت تدريجياً إلى أن تتلاشى تماماً، وأن يقنع المتظاهرون بخطوة التراجع عن مشروع القانون.

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates