Trending Events

عام الكوابيس:

"الحالة المحيرة" لسلسلة الصدمات المتتالية في سنة 2020

- د.محمد عبدالسلام

لا يحتاج إلى وصف، فقد اعتدنا خال العقود الماضية إطاق تعبيرات عن نقاط تحوّل أو مراحل فاصلة، أو أعوام حاسمة، مع إجهاد أنفسنا في إثبات أنها كذلك، استناداً إلى تطورات حادة ذات طابع استراتيجي جرت خالها، وأدت لتحولات كبرى متعددة الأبعاد طويلة المدى، كانهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991، وأحداث 11 سبتمبر 2001، أو غزو العراق 2003، والثورات العربية عام 2011، وكان كثير منها كذلك فعلياً، إلى أن أتى عام 2020، لتصل تأثيرات ما جرى فيه إلى كل بيت تقريباً حول العالم.

إن الاتجاه التقليدي لتحليل الأحداث التي أدت، أو يمكن أن تؤدي، إلى وقوع تحولات عميقة في شكل العالم، كان يركز عادة على نوعية خاصة من التطورات، التي تستحق أن تدرس في كتب التعليم الأساسي، كعلامات فارقة في التاريخ، مثل الحروب العالمية، أو الثورات الشاملة أو الانهيارات الاقتصادية أو الكوارث الطبيعية، وهي عادة تلك الأحداث التي تثير – حتى لو لم يكن ذلك حقيقياً – سيناريوهات مخيفة ل "نهاية العالم"، على الأقل، كما هو قائم وقت وقوعها.

الأمرا�ض الوبائية

في أواخر عام 2019، كانت هناك توقعات مثبتة بأن عام 2020 لن يكون "عاماً جيداً" على الإطلاق، فقد تصاعدت احتمالات حدوث صدامات دولية لدرجة أن تعبير "الحرب العالمية الثالثة" عاد إلى الظهور من دون مراجعات، في ظل الصعود الصيني. وكانت هناك مخاوف بشأن إمكانية تفاقم تلك "الأزمة الاقتصادية" التي يذكر أنها تتكرر كل 10 سنوات، مع عواصف مندفعة في عدة مناطق باتجاه حدوث صراعات مسلحة مباشرة بين قوى إقليمية رئيسية، وهي نوعية من التفاعلات التي تطرح مصطلح ."Geo"

يضاف لذلك، تصدع كيانات كبرى كانت تشكل نماذج لاندماجات الدولية، وموجة جديدة من الثورات التي ضربت دولاً أخرى في المنطقة العربية، وصراعات موارد تتعلق بالمياه والغاز تمس قضايا وجود أو مصالح حيوية لدول رئيسية، مع أشكال حادة من التنافس عبر العالم، من خال مشروعات عماقة، ونمط لا عقاني تماماً في إدارة العاقات الدولية، يعتمد على الاستفزاز والابتزاز و"البلطجة"، وعدم مراعاة أية قواعد من أي نوع، وبدا أن السيطرة أصبحت وهماً، وأن التطاحن قادم.

لكن وقع ما لم يكن من الممكن توقعه، قادماً من وراء أفق ال ‪Unknown Knowns(‬ ،) فعلى الرغم من أن "الأمراض الوبائية" كانت تمثل واحدة من الكوارث الطبيعية الخطرة التي تثير عادة سيناريوهات "نهاية العالم"، فإنها كانت تبدو، وكأنها ظاهرة تاريخية بعيدة عن الذاكرة، وتمت أساساً لقرن مضى، فمن الصحيح أن عدداً منها قد ضرب العالم قبل فترة قصيرة، وتسبب في لوثة عامة، مثل الايبولا و"إتش 1 إن 1" HINI(،) إلا أن "كوفيد – 19" كان صادماً، فعلى الرغم من أنه ليس فيروساً قاتاً، فإنه كان شرساً ومعدياً بدرجة غير مسبوقة، ويمكن أن يقتل، في عالم يحدث أن ينتقل فيه أشخاص من أقصاه إلى أقصاه خال يوم واحد.

العا�صفة الكاملة

لقد كان الانتشار السريع لفيروس كورونا، بداية بدول متقدمة انهار نظامها الصحي في وقت قياسي، وحالة الفزع التي اجتاحت الدول، مع " صور" مدن ومطارات خاوية تحت الحجر، إلى تشكل "العاصفة الكاملة" التي تمثل أهم ملامح العام المذكور، فقد تاقت كل المشكات التي كانت متوقعة الحدوث من قبل، مع التأثيرات الحادة الإضافية لما بدا، وكأنه "موت أسود" قادم، لتدفع نحو إغاق العالم، ثم بدأت سلسلة من الوقائع التالية في الحدوث تباعاً، حرائق، سيول، اغتيالات، اضطرابات، انفجارات، لتقدم المؤثرات الصوتية والمرئية التي اكتملت بها صورة تراجيديا إغريقية أدخلت عام 2020 إلى التاريخ، وأبقت عليه فيه.

كان الأمر بالنسبة للدول والأشخاص أشبه بكابوس، لا يدرك من يعيشه ما إذا كان ما يجرى حقيقياً أم لا. ومرت فترة طويلة من عدم التصديق لما حدث فجأة من دون إنذار، وكأن هناك كائناً خرافياً يتاعب بأزرار ‪Slot Machine(‬ ) يفجر بها مشكلة كل أسبوع، بينما يرتفع صراخ في مكان ما مع كل ضغطة زر، ودعت "كوميكسات" لا تنسى، من يتوقعون كوارث خيالية أسوأ، إلى عدم تقديم أفكار جديدة لعام 2020، فقد تقع، وبدا لفترة أن التمييز بين ما هو حقيقي، وغير حقيقي، قد تاشى، وأن مفهوم ال Reality() تصدع، وأنه يمكن تصديق كل شيء، حتى لو كان غير قابل للتصديق.

استغرقت الحالة شهرين تقريباً بعد بداية العام، حتى بدأت دول العالم تتقبل فكرة أنها تتعرض لمشكلة، تتمثل في جائحة غير مسبوقة من دون وجود "بروتوكول" معروف للتعامل معها، وأن الأمر حقيقى، وأنه لن يتوقف من دون إجراءات حادة تغير الشكل المعتاد للحياة، وتم استدعاء الفترات الصعبة في التاريخ إلى الذاكرة الأمامية، كالإنفلونز­ا الإسبانية عام 1918، والكساد الكبير عام 1929، وكان على معظم سكان العالم أن يلزموا منازلهم، أو يقبلوا بمناعة

القطيع، وكان على الجميع، أن يحتفظوا بمسافات بينهم، وظهر أول مفهوم لعالم كورونا وهو "التباعد" بكل أشكاله بين الدول وبين الأفراد، وبدأ الإغاق.

نقاط متباعدة

هناك فيلم رائع مبني على قصة قصيرة اسمه The( ‪Curious Case of Benjamin Button‬ ،) حول طفل يولد عجوزاً، ثم يبدأ بالتقدم في السن نحو الطفولة، مشكلته أن من يشاهده عليه أن يضبط تفكيره على منطق مختلف للأشياء، وهو أن هناك ساعة تعود عقاربها إلى الوراء في الوقت الذي يتقدم فيه الزمن إلى الأمام، ليفهم ما يدور، وهي ليست بالضبط مشكلة محاولة فهم سلسلة صدمات عام 2020، ولكنها قريبة منها، ومرهقة مثلها ودرامية للغاية، وهنا عدة نقاط متفرقة، أصبحت شائعة، ربما تساهم في تحليل مالا يزال يجري، وغالباً لن ينتهي ببساطة: 1- إن عام 2020 يمت بصلة قوية للتاريخ، وليس للتطورات الجارية، حتى لو كانت حادة أو حاسمة أو فاصلة أو استراتيجية، فما جرى لا يتكرر كل عام، أو كل عقد لكن عدة مرات كل قرن، ويؤدي إلى تغيرات كبيرة، ويذكر فيما بعد، كما تمت الإشارة، في كتب المدارس في مناهج التعليم في معظم دول العالم، مثل نيزك سيبيريا وثورة فرنسا وغرق تيتانك وقنبلة هيروشيما، فنحن أمام حالة لم تتكرر كثيراً، لكنها تحدث، واسمها هذه المرة " فيروس كورونا" والدرس هو أن التاريخ يمكن أن يعود أو يتكرر بأشكال أخرى. 2- إن عام 2020 ببساطة نقطة تحوّل، فعلى الرغم من أننا لانزال "نحلم" بأن تعود المياه إلى ما كانت عليه حين نستيقظ، مع اتجاه يؤكد أنه "ربما" يحدث ذلك مع انحسار الوباء وتأثيراته، هناك توافق على أن العالم لن يعود على ما كان عليه، وأن عالم ما بعد كورونا قضية محسومة، وأن على الجميع أن يعيدوا الاعتبار لمصطلح ال ‪New Normal(‬ ) الذي ظل أكاديمياً أكثر مما ينبغي، إلى أن يتم الاعتياد فيما بعد على الأوضاع "العادية"، فالعالم أصبح معقداً لدرجة لم يكن من الممكن معها إدراك مدى تأثير شيء خاطئ واحد عليه، فمجرد فيروس يمكن أن يعيده إلى الخلف. 3- إن فكرة "الأسئلة الوجودية" تحتاج إلى اهتمام، إذ كانت الثقة في العلم قد تمت المبالغة فيها على ما يبدو، فعلى الرغم من كل ميزانيات البحث العلمي والتقدم الحقيقي في مجال الطب، لم يتم التمكن بسرعة من إنقاذ العالم، بإنتاج سريع لمصل أو لقاح، وترك فراغ زمنى لسيطرة أفكار فلسفية ودينية وخرافية وتآمريه، ومنطقية أيضاً، طرحت أسئلة وجودية داخل المجتمعات ولدى الأشخاص، سيمثل التعامل معها مشكلة، حتى بعد التوصل إلى عاج. 4- إن التفكير فيما لا يمكن التفكير فيه أمر واقعي تماماً في الوقت الحالي، وهي قصة أكاديمية طويلة، تتعلق بتجاوز مجرد تطوير مناهج لتوقع ما لا يمكن توقعه، فكل شيء يمكن أن يحدث، ويمكن أن يوقف الزمن، أو يعيد العالم

بسرعة، ولو لمدة عام واحد، إلى الوراء، في شكل توقف كامل لمعالم الحضارة من التعليم إلى الطيران، وإذا كانت "التوصية" القديمة هي ضرورة التفكير دائماً في إمكانية وجود بجعة سوداء، فإنه سيكون علينا فيما يبدو أن نبحث عن "بجع أبيض"، فالقواعد قد تأثرت.

وقت الأكاديميا

خلال الفترة الماضية، كاد البعض يستخدم مصطلحات لا تستخدم إلا في الجغرافيا وعلوم الفضاء غالباً مثل الكوكب أو الكرة الأرضية، بدلاً من العالم، بفعل التأثيرات الحادة لجائحة كورونا، متوازية مع مشكات عدم الأمن المعتادة، فقد تعرضت الخريطة بسكانها لمشكلة في عام 2020، تماثل أو تقترب مما تعرضت له خال سنوات 1914 و1918 و1929 و1939 و1945 و1962 و2001 و2011 و2016 التي بدا خالها أن العالم– أو قسماً كبيراً منه– في خطر.

هناك منطق لكل ذلك، لكن الأمور ستعود إلى السير نحو أوضاع عادية )حتى لو كانت جديدة(، مع توقع اللا متوقع طوال الوقت، والاستعداد له، فالعلم هو الذي سيحل المشكلة التي لم يتمكن العلم لفترة من حلها، وهناك أفكار فلسفية رواقية حول "المنح" التي تخرج من "المحن" أثبتت رسوخاً، وكما تأثرت قطاعات اقتصادية بما جرى حيث شهدت قطاعات اقتصادية و"تكنولوجية" أخرى أفضل فتراتها، وربما– مجاراة لمسألة الأفكار الوجودية– أصبحت عقول الأشخاص وقيم المجتمعات وحالة البيئة أكثر توازناً، فا توجد خسائر صافية.

الفكرة أن كل شيء قد تغير، وإذا كانت نظم التعليم، أو العمل وغيرها قد تغيرت، فإن الأكاديميا يجب أن تتغير أيضاً، ولحسن الحظ، فإن فريق مركز المستقبل المقيم وغير المقيم، كان يدرك ذلك منذ اللحظة الأولى، وكان لديه استعداد للقيام بما يلزم مهما كان، للتعامل مع "الوضع العادي الجديد"، وقد قام بذلك فعلياً، في القطاع المتعلق بمهمته الأساسية، وفى الفترة القادمة، سيتغير كل شيء في مجال التعامل مع أنشطة "المجال العام"، التي ستختلف شكاً ومضموناً، وقبلها أسلوب تفكير مختلف.

لقد كنا ندرك مبكراً– ولن يصدق أحد ذلك ببساطة– أن هناك شيئاً اسمه عام 2020، وتم الاستعداد للتعامل معه قبلها، وما حدث هو أن "الجائحة" وتأثيراتها قد أتت، لتحول الرياح إلى أعاصير، وتحول الأعاصير إلى "عواصف كاملة"، وسيظهر ذلك في نشاطات المركز في الفترة القادمة، فهناك، ليس فقط– حسب التعبير المعتاد– "عالم جديد جريء"، لكن عالم جديد فظيع، وعلينا أن نتعامل معه، ولدينا تقدير خاص جداً لمفهوم ال ،)Complexity( ونأمل أن تمهلنا التهديدات غير التقليدية للتعامل معه، لكن حتى لو لم يحدث ذلك، عادي، علينا أن نتوقع كل شيء، وقد تعلمنا الدرس.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Arab Emirates