Al-Quds Al-Arabi

اتفاق «سوتشي»... آمال تركية في تحويل النظام السوري قواته من إدلب إلى شرقي الفرات لمحاربة الوحدات الكردية

- إسطنبول – «القدس العربي» من إسماعيل جمال:

تــرى الأوســاط التركية في اتفاق سوتشــي بين الرئيســن التركــي رجب طيب أردوغان والروســي فلاديمير بوتين على إقامة «منطقة منزوعة السلاح» تجنــب محافظــة إدلــب الســورية عملية عســكرية واســعة تراه نجاحاً كبيــراً لأنقرة علــى الصعيدين السياسي والعســكري، فيما ذهب آخرون لاعتباره نجاحــاً بأبعاد اســتراتيج­ية تتعلــق بالأمن القومي التركي.

ولكن في المقابل، يبدو أن تطبيق هذا الاتفاق عملياً على الأرض يحمل الكثير من التحديات والصعوبات التي يمكن أن تؤدي إلى نسفه وإعادة شبح الهجوم العســكري الكبيــر على إدلب، لا ســيما فيمــا يتعلق بموقف هيئة تحرير الشــام ومدى إمكانية تجاوبها للمطالب التركية بوقف الهجمات بشكل نهائي على القواعد الروسية وتسليم أسلحتها الثقيلة.

وفي حــن يصعب الحديث عــن ضمانات قطعية بمنع الهجوم وتطبيق الاتفــاق على المدى البعيد، إلا أن مبــدأ «تأجيل الهجوم» ولو لأشــهر يعتبر بمثابة نجــاح لتركيــا فــي الكثير مــن الجوانــب، ويعطيها فرصة لترتيب ملفاتها في إدلب سياســياً وعسكرياً ممــا يحســن موقفهــا فــي أي تطــورات مقبلــة قــد تشهدها المحافظة.

وبشــكل عام، يعتبر تمكن تركيا من الضغط على روســيا واقناعها بإلغــاء فكرة الهجوم العســكري الواســع على إدلــب - بموجــب الاتفــاق - نجاحاً كبيراً للدبلوماسـ­ـية والقوة التركية على حد سواء، لا ســيما وأن ذلك جاء عقب أشهر من الاستعدادا­ت العسكرية الفعلية للنظام السوري وروسيا من أجل تنفيذ قرار «نهائي» هجوم واسع على المحافظة.

نجاح تركي

ونجحت تركيــا من خلال هذا الاتفــاق في إظهار قوتهــا كدولة مؤثــرة في الملــف الســوري، وحجم تأثير وجودها العســكري على الأرض في ســوريا، حيث مارســت ضغوطاً سياسية كبيرة على روسيا بالتزامــن مــع إرســال تعزيــزات ضخمــة للجيش التركــي إلــى داخل إدلب والشــريط الحــدودي مع سوريا.

ورأت وســائل إعــام تركيــة أن الاتفــاق الــذي يضمن استمرار احتفاظ المعارضة السورية بمناطق انتشــارها ويزيل شــبح الحرب والمجازر عن سكان إدلب، ســاهم بشــكل كبير جداً في تعزيز مصداقية أنقــرة لدى أهالي شــمالي ســوريا وعند الشــعوب العربية بشكل عام.

لكن الأهم بالنســبة لصناع القرار في أنقرة هو أن الاتفاق يمنع ســيطرة النظام على المحافظة وبالتالي ينهي ســيناريو وصول النظام إلــى الحدود التركية ومعــه تشــكيلة متنوعــة مــن الميليشــي­ات الإيرانية والشــيعية التــي ترى فيهــا أنقرة خطــراً على أمنها القومــي. كما رأى محللــون أتراك أن أنقرة كســبت نقطة على حســاب طهران التــي كانت الغائب الأبرز عــن قمــة سوتشــي رغم أنهــا أحــد أطــراف اتفاق أســتانة. ويتيح الاتفــاق لتركيــا مزيداً مــن الوقت لتعزيــز نفوذهــا السياســي والعســكري وحتــى الاجتماعــ­ي في إدلــب، كمــا يضمن لهــا تأجيل أي ضغط لروسيا والنظام عليها من أجل سحب قواتها مــن مناطــق انتشــارها في شــمالي ســوريا، حيث كان يعتبر دخول النظــام لإدلب بمثابة الخطوة قبل الأخيرة التي تســبق اجبار تركيا على سحب قواتها من عفرين ومناطــق درع الفرات. أما الآن فيتوقع أن يزج الجيــش التركي بمزيــد من القــوات إلى داخل إدلب لتطبيق الاتفاق. وبينما كانت الخشية التركية الأكبــر أن يؤدي هجــوم على إدلب إلــى عودة تمدد الوحــدات الكرديــة في مناطــق غربي نهــر الفرات، تأمــل تركيا من الاتفاق الحالــي أن يؤدي إلى نتائج عكســية، حيث يجري الحديث عــن إمكانية أن يلجأ النظام السوري إلى توجيه قواته التي حشدها حول إدلب إلى مناطق شرقي نهر الفرات في محاولة لبدء عمليات لاســتعادة مناطق ســيطرة وحدات حماية الشــعب الكرديــة وهــو ما تــرى فيها أنقــرة خطوة استراتيجية لا يفوق أهميتها أي شيء.

وتربط تركيا بشــكل مباشــر بين ســحب قواتها من شــمالي ســوريا، وبين انتهاء خطــر التنظيمات الإرهابية، وتقصد هنا بشــكل مباشــر انتهاء خطر إمكانيــة تمدد وحدات حماية الشــعب الكردية التي تســعى إلى إقامــة كيان منفصل شــمالي ســوريا، وبالتالــي فــإن أنقرة تــرى في إمكانية الانســحاب لاحقاً من شمالي ســوريا وحتى ولو لصالح النظام خطــوة ممكنة في حال تراجع خطــر تمدد الوحدات الكردية.

النتيجة الأهم

وبينما ترى تركيا أنهــا نجحت من خلال التهديد بفتــح الباب أمــام اللاجئين من إدلــب للوصول إلى أوروبــا -في حال وقــوع الهجــوم- بالضغط على الــدول الأوروبيــ­ة ودفعتها للتحــرك والضغط على روسيا مما ساهم في الوصول إلى اتفاق سوتشي، إلا أن النتيجة الأهم بالنســبة لأنقرة هو تجنبها هي موجــة نزوح ضخمة كانت ســتوقعها في مشــاكل أمنية واقتصادية واجتماعية عميقة.

وكان أردوغــان يخشــى مــن أن تــؤدي موجــة النزوح الجديد -حال حدوثهــا- إلى تعميق الأزمة الاقتصاديـ­ـة التي تمر بها، إلى جانب خلق مشــاكل اجتماعيــة تنعكــس ســلباً علــى حظــوظ حزبه في الانتخابــ­ات المحلية/البلديــة المقــررة بدايــة العــام المقبل، بالإضافة إلى إمكانيــة عودة خطر الهجمات الإرهابية عبر تســرب إرهابيين مــع اللاجئين الذين كانوا سيدخلون الأراضي التركية بأعداد كبيرة.

ورغــم احتفــاء الإعــام والسياســي­ين الأتــراك بـ»النجاحــات» الســابقة، إلا أن الحديــث بــدأ بقوة عــن مدى فرص نجاح الاتفــاق وتطبيقه على المديين المتوسط والبعيد، لا سيم أن الكثير من بنوده وآليات تطبيقه ما زالت غير معلنة بشكل نهائي وتفصيلي.

وفي المرحلــة الأولى التي تنص على إقامة منطقة منزوعة الســاح علــى طول مناطق ســيطرة النظام والمعارضــ­ة، لا يعرف حتى الآن مــا إن كانت المنطقة التــي يتراوح عمقهــا ما بين 15 إلــى 20 كيلومتراً من مناطق المعارضــة فقط، أم أنها ســتكون من مناطق الطرفــن. وبينمــا يتوقــع ان تعانــي تركيــا بعــض الصعوبــات في فــرض الاتفاق علــى بعض فصائل المعارضة واقناعها بتســليم أســلحتها بالكامل في المنطقــة منزوعة الســاح مــا يعني إزالــة خطوطها الأمامية وتحصيناتها العسكرية، إلا أن فرص نجاح هذه المرحلة تبدو كبيرة.

شرط غامض

أما الشرط الغامض حتى الآن والذي يتحدث عن سحب جميع الأسلحة الثقيلة من عموم إدلب، فيبقى المعضلــة الأكبر والمهدد الأساســي للاتفــاق، حيث يتوقــع أن ترفض هيئة تحرير الشــام الرضوخ لهذا الطلب، إلا في حال تقديم تركيا ضمانات قوية بعدم هجــوم النظام لاحقاً على المحافظة، وســط شــكوك بقدرة تركيا على تقديم هذا النوع من الضمانات.

وفــي وقــت لاحــق، بــدا مــن تصريحــات وزيــر الخارجيــة التركي مولود جاووش أوغلو أن شــرط نــزع الأســلحة الثقيلــة مرتبــط بالمنطقــة منزوعــة الســاح فقط، وليس عموم إدلب، وبالتالي فإن كان الاتفاق ينص على ذلك فعلياً، فإن أنقرة ستتمكن من تنفيذ الاتفاق بسهولة.

وبانتظــار الإعــان عن باقــي التفاصيــل التقنية المتعلقــة بحــدود المنطقــة والمناطــق التي تشــملها واســتطلاع مواقــف التنظيمات المســلحة في إدلب مــن آليــات تطبيــق الاتفــاق، يبقــى الســؤال الأبرز فــي المرحلة الحاليــة ما إن كانت تركيا ســتنفذ هذه الاســتحقا­قات عبــر التوافقــا­ت الســلمية مــع هذه الفصائل أم انها سوف تضطر للاصطدام مبكراً مع هيئة تحرير الشــام والدخول في مواجهة عسكرية معها ســعت أنقــرة إلى تجنبها كثيراً طوال الأشــهر الماضيــة وتبدو الآن مضطرة للحســم أكثــر من أي وقت مضى.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom