Al-Quds Al-Arabi

بادية بلادي حسب ضيوف البرامج

-

تراث بــادي... ألوان بــادي، البادية... كنــوز الجزائر... كلها برامج ثقافيــة تراثية، وبلغات مختلفة لا يهــم الخلط والجلط، ولا يهم رأي المتخصص، الذي يؤتى به خضرة فوق عشــاء غير دســم، وضيوف البرنامج وما أدراك ما الضيوف يلوكون الكلام نفســه في المبالغات نفسها عن الجمال والخصوصية والثراء والتنوع، ورؤية الباقي أقلّ قيمة... دون معرفة حقيقية لما هو موجود وماهي مشــاكل الفاعلين والجماعات وما يعانونه، المهم هو الاســتعرا­ض للحظات تحت وقع الانفعالات الهوياتية... ينجر الجميع ليعبّر عن غايات في «نفس يعقوب»، ولا يســمح أي خطاب مختلف وإن كان ذا مصداقية مــن حيث التفكيــر والفهم والنظرة والدراســة... لا تهم الدراســة والتفكير ما يهم هــو جعل المنظر مثيرا، راقصا، على نوتات مختلفة، مهما كانت درجة النشاز.

أيمكن أن نتخيل برامج عن الصحراء والبوادي وشــظف العيش وانتقال النســوة مئات الأمتار لجلب الحطب والميــاه، ثم يصورن يقــدن نيران القــرى، بأبهى الأزيــاء وحليهن تتماوج وتســبقهن للأثافي...هكذا تصور لنا المحطات والقنــوات الحياة التقليدية في الأرياف والبوادي من وجهة نظر الثقافة الإيجابية والتراث العريق الجميل...لا بــد أن تكون الهويّة مرتبطة بالجمال، وجمال النســاء تحديدا... نتنكر للحياة اليومية وننســاها من ذاكرة متاحفنا ومن برامجنا، وندخل على المواسم والعروض الزاهية المناسباتي­ة... إنها رغبة القضاء على حركية الثقافة والتراث بكل ابعادهما وسياقاتهما والتركيز على القيم الايجابية لتكتمل صناعة الهوية في شكلها الأبله المتعنت.

هكذا هــو برنامج البادية، الذي يتعرض في كل مرة لقيمة من قيم البداوة من خلال خيمة وحيدة نصبت للغرض يحاول نحت الوجوه والأزياء والبادية في حدّ ذاتهــا، فما زالت الفضائيات العامّة تدجّن كل ما له علاقة بالتراث والتاريخ... في زمن يحاول الكون الامســاك بالطبيعة الأولى وإن كانت في أبشع صورها.

في كل مناسبة تسأل الأسئلة نفسها في البرامج ويتكرر الضيوف ويكرروا انتاج نظرتهم المحصورة في الجمال والهوية لكل الفعاليات الســنوية... يبعد المثقف الحامل لوعي وهدف، لأنه يفسد الديكور، يفســد الذوق ويفســد المخططات، وكلما أبعد كلما تفاقمت المشاكل، فلطالما جذبته طواحين الهواء فحاكى دورانها، فغرق في المشهد ولم يســتطع الحراك... وعندما لم يجد رياحا ولا طواحين أفاق مشــكلا زوبعة، أشــبه بزوبعة فــي فنجان، وهل يمكنه أن يؤثر في مشــهد تراكم لســنوات وتكرس من خلال مؤسسات... لقد بقيت أيها المثقف الحر خارج اللعبة وخارج المشهد، مجرد كومبارس في ملهاة لا نهاية لها... فلطالما ســرقت منك المشــاريع الكبيرة وبقيت تتحرك، حسب اتجاهات الرياح، بلا هدف وبلا موقف.

الثقافــة في مأزق فــي الجزائر، رغــم الاعترافــ­ات التي جاءت لتكريــس الأمازيغية ودســترتها كلغة وطنية وترتيبــات كل ذلك بتحويل هذه السنة 2018 إلى ســنة ترمز للانجازات السياسية في حســم هذه الاشــكالي­ة التاريخية الثقافية، وكأنّها حل سحري لكل المجتمع، بينما هي إبعاد بعبع المطالبات القوية، على حســاب الباقي من الانشــغال­ات التي تعصف بالحياة الثقافية والتي لا تناقش على القنوات مهما كانت إلا نادرا.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom