Al-Quds Al-Arabi

لا سامية الـ «بي. دي. أس»!

على اليسار الإسرائيلي فهم الحقيقة وعدم التسليم بحملة التشويه التي تشنها الحكومة

- يولي نوفيك عاموس هرئيل هآرتس 2018/9/18

■ المشــكلة مــع الغيــان هــي أنها طالمــا لا تظهر من تحت الســرير فإنهــا تبقى مخيفة جــدًا. غول الـ بــي.دي.اس هو أحــد المنتوجات الفاخــرة لحكومة إســرائيل. بواســطة جهــاز إعلامــي غنــي بالموارد ورســائل مخيفة، تحولت حركة احتجاج فلسطينية شــرعية غيــر عنيفــة إلــى مؤامــرة لاســامية. كيف حدث أن ســارعنا إلى ابتلاع الطعم الــذي يخدم من يريــد الحفاظ على نظــام الاحتــال والأبرتهاي­د في إسرائيل؟

شــبيهًا بما يحدث في دول أخرى في العالم، فإن حكومة إســرائيل تنفذ تغييرًا فــي نظام الحكم يحل وينهــي الفضــاءات الديمقراطي­ــة ـ المادية والفكرية ـ التــي بواســطتها تســتطيع المعارضــة العمــل من أجل الوصول إلى الســلطة. منــع احتجاج مدني هو أحد ســبل فعل ذلك. فــي الســنوات الأخيرة تصور الحكومة كل مظهر من مظاهر المعارضة لسياســتها كخيانــة. بالضبــط مثلما أن كل تعبيــر تأييد لحركة بــي.دي.اس يتم تصويره على أنه لاســامية. نموذج نضــال حركــة الـــ بــي.دي.اس يرتكز علــى حركة المقاطعــة التي عملت ضد نظام الأبرتهايد في جنوب إفريقيــا، فهناك أيضًا قاد النشــاطات مواطنون من جنوب أفريقيــا، لكنها جرت في أماكــن مختلفة من العالــم وفي مجــالات مختلفــة. وكما في إســرائيل الآن، ففي جنوب إفريقيا التي ســاد فيها الأبرتهايد، فإن الأغلبية الساحقة من المدنيين الأفارقة )البيض( صدقوا أكاذيب حكومتهم، واعتبروا هذه المقاطعات والمجموعات التي قادتها تهديدًا وجوديًا على الدولة وتعبيرًا عن العنصرية تجاه الأفارقة البيض.

لقد كان لحركة المقاطعة ضد جنوب إفريقيا تأثير حاســم على إلغاء الأبرتهايد وتبني دستور مساوي وديمقراطي. الواقع السياســي العالمي تغير بشــكل جذري منذ ذلك الحين، وإســرائيل فــي كل الأحوال ليســت جنوب إفريقيــا. ولكن هناك مثلمــا هو الأمر هنا، حركــة المقاطعة تمثــل صورة مــن النضال غير العنيــف لشــعب موجود تحــت الاضطهــاد، وضد النظام الذي يضطهده.

مجموعــة سياســية واقعــة تحــت الهجــوم مثل المعارضة الإســرائي­لية دفعت إلى وضع من النضال علــى البقاء، الذي يجد صعوبة في أن ينظر ويعترف بالتطورات السياســية ويبلور مواقف حديثة وذات علاقــة بالواقــع، وشــجاعة أيضًا، وعلاقة اليســار الإســرائي­لي مع الـ بي.دي.اس هــي مثال ممتاز على ذلك. عندما يسألون إسرائيليين يعارضون الحكومة والاحتــال ماذا يفكــرون عن بــي.دي.اس يتبين أن هنــاك نجاحًا كبيــرًا لدعاية الحكومــة («هذه حركة لاسامية »، «هم يريدون تصفية إسرائيل .)»

معارضة غســل الأدمغة هذا تبدأ حتــى لو كانت مركبة، والحقيقة بخصوص الـ بي.دي.اس مكتوبة ببســاطة في موقــع الحركة: هــذه حركــة احتجاج أقامتها فــي عــام 2005 منظمات فلســطينية بهدف ممارسة نضال غير عنيف من أجل المساواة والحرية للشــعب الفلســطين­ي. تضع الحركة ثلاثــة مطالب، كلها وضعها الفلســطين­يون على طاولة المفاوضات مع إســرائيل علــى مر الســنين: إنهــاء الاحتلال في المناطق، ومســاواة كاملة لمواطني إســرائيل العرب، وتطبيــق قــرار الأمم المتحــدة 194 بخصــوص حــق العودة للاجئين الفلسطينيي­ن. هذا كل شيء.

ليــس هنــاك تدميــر إســرائيل، وليــس هنــاك لاســامية، بــل موقــف سياســي يرتكز علــى رواية فلســطينية. يصعب ســماع رواية تعرض إســرائيل كدولــة كولونياليـ­ـة وعنصرية وتطالــب بالاعتراف بالمظالــم التي وقعت على الشــعب الفلســطين­ي في الســبعين ســنة الأخيرة. ليس بالإمكان أن نتوقع أن يكون هذا ســهلاً، ولا أحد ملزم بتبنــي هذه الرواية. ولكننا ملزمــون بالتغلب على الخــوف وأن نفهم أن هذه طلبات شرعية لشعب واقع منذ عشرات السنين تحــت القمع العســكري، ويناضل ضــد نظام عنيف وعنصري.

الحكومة الإســرائي­لية لا تريد معارضة أو انتقادًا لسياســة الاحتلال ـ لا من الداخــل ولا من الخارج، لا عنيفة ولا غير عنيفة. الأســلوب الأسهل لمنع تأييد معارضــة كهذه هــو وســم كل انتقاد كــذراع للغول اللاســامي. صحيح، ومثلما هــو الأمر في كل حركة سياسية واســعة، فإنه في بي.دي.اس أيضًا هناك هوامش عنصرية وتصريحات لاسامية.

العقليــة العنصريــة أمر خطــر ليس علــى اليهود فحســب، لكنني لا أعــرف حركة سياســية محصنة ضــد ظواهر هامشــية متطرفة. الســؤال الذي يجب طرحــه هــو: ما هــو الخــط الرســمي للحركــة وإلى أي درجــة تنجــح في الحفــاظ عليه كخــط مركزي، ومعارضــة هذه الظواهر داخلها؟ المواقف الرســمية لـ بي.دي.اس والأغلبية الســاحقة للمواقف العلنية التــي يطلقهــا أعضــاء الحركــة، تعلــن أن المعارضة للعنصرية مهمــا تكن، بما فيها اللاســامي­ة، هي أمر أساســي ومبدئــي وقيمي فــي النضــال. لا أحد من الإســرائي­ليين ملــزم بالموافقــ­ة أو بدعم الـــ بي.دي. اس أو باســتراتي­جيتها التــي اختارتهــا قيادتهــا الفلســطين­ية، ولكن يجب معرفة مــا هي. ومن خلال هــذه المعرفة يجــب أن نفهــم أننا كأشــخاص لدينا وعي ديمقراطي، يحظر علينا بأي شكل من الأشكال الخضــوع للخــط الحكومــي والموافقة علــى إخراج هــذه الحركــة والقيــم التــي تمثلها خــارج الخطاب الشرعي. يجب أن نقف أيضًا للحظة ونسأل أنفسنا ماذا كنا نفضــل أن يفعل الفلســطين­يون: أينضمون للنضال المســلح؟ أو ربما ببساطة يسلمون بالوضع ويســمحون بمواصلــة الاحتــال والســلب والقمع والقتل بدون إزعاج.

 ??  ?? نجحت الحكومة الإسرائيلي­ة إلى حد ما في إلصاق اللاسامية بحركة المقاطعة
نجحت الحكومة الإسرائيلي­ة إلى حد ما في إلصاق اللاسامية بحركة المقاطعة

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom