Al-Quds Al-Arabi

من يعيد الأمل إلى التونسيين؟

- ٭ كاتب وإعلامي تونسي

*■ لا أحد يســأل عن التونسيين أو يهتم بهم!!

في خضم الأزمة السياسية الخانقة التي تعيشــها تونــس حاليا وتصاعــد المناكفات السياســية، المعلن منها والمكتوم، إلى مســتوى غير مســبوق داخل حزب «نداء تونس»، وبينه وبين أحزاب أخرى، وبين حركة «النهضة» وغرمائها التقليديين من اليســار، وبين هذه الأحزاب فيما بينها، وبين بعضها ونقابة العمال «الاتحاد العام التونســي للشغل»... لا أحد فعلا فعلا يسأل عن التونسيين أو يهتم بهم.

لا جديد إذا ما خضنا في تفصيل ما يعانيه التونســيو­ن حاليا من استمرار غلاء الأســعار وتراجع القدرة الشــرائية للمواطن وارتفاع معدلات البطالــة وتدهور قيمة الدينــار أمام العمــات الأجنبية وما تعانيه الدولة من ارتفاع مســتوى الدين الخارجي وتراجع احتياطي النقد وازدياد معدلات الفســاد وســوء الادارة وغياب الحوكمة وغير ذلك كثير، لكن من المفيد التوقف عند مســألة في غاية الأهمية رغم أنها من الصعب أن تخضع لقياس دقيق وأرقام محددة: خيبة الأمل الكبرى لدى التونسيين.

لا أحد يســأل عن التونســيي­ن أو يهتم بهم... لأنه يبدو أن لا أحد من القيادات السياسية، الحاكمة أو المعارضة، وكذلك الأحزاب الوازنة، يمينها ويسارها ووسطها، والنقابات العمالية، العريق منها والجديد، اســتوقفته ضرورة البحث عن كيفية تجاوز هذا الشــعور المدمر الذي تفشى الآن بين أغلب قطاعات التونسيين. إنه خيبة الأمل المريرة من كل الطبقة السياسية ونفض اليد تقريبا من أي أمل في إصلاحها.

الأرقام المخيفة للأحــوال الاقتصادية والاجتماعي­ة يمكن أن تتغير ولو تدريجيا وبصعوبة خاصة إذا جاء من يبعث في التونســيي­ن روح التحدي بالقدرة على تجاوزها عبر خطاب سياســي يحمل مشــروع تغيير صادقا قادرا على تعبئة الناس لتحمل صعوبات مرحلة انتقالية عصيبة مع اقناع كل الطبقات بضرورة تقاسم أعبائها بعدل وإنصاف. لكن الخطير والمدمر الآن في تونس هو هذا الشــعور الشعبي المتنامي بالاحباط من الجميع، هو كذلك هذا التســاؤل المحير عن المستقبل بعد اتضــاح عجز مجمــل الطبقة السياســية ليس فقط فــي أن تكون في مســتوى الحد الأدنى الملبي لتطلعات الناس بل كذلك في أن تعطي أية إشارة تفاؤل بالمستقبل. لقد «نجحت» هذه الطبقة في شيء واحد فقط هو إطفاء شــعلة الطموح الجارف بعيد اســقاط بن علي في أن يكون مستقبل تونس أكثر اشراقا.

الأزمة السياسية الخانقة التي تعيشها تونس منذ أشهر وأساسا، منذ هذه المعركة الســخيفة بين رئيس الوزراء يوسف الشاهد والمدير التنفيذي لحزب «نداء تونس» حافظ قائد السبســي، ليســت وليدة اليوم بل هي احدى آخر حلقات ترهل الحياة السياســية نتيجة جملة من العوامل ســاهمت، بدرجات متفاوتة، في ما وصلت إليه البلاد من انســداد كامل تقريبا، رغم بارقة الأمل المحدودة التي جاءت بها مجمل الاصلاحات السياسية وتعدد الانتخابات وآخرها الانتخابات البلدية الأخيرة في مايو آيار الماضي.

خيبة آمال التونســي العادي، وليس الحزبي المبرمج، جاءت من أكثر من جهة:

خيبــة أمل كبيرة من الرئيس الباجي قايد السبســي الذي توســم فيه التونسيون خيرا فإذا به يســقط تدريجيا في ما سقط فيه زعيمه الحبيب بورقيبة فــي آخر عهده، وقد تقدم بــه العمر، من وقوع تحت تأثيــر دائرة ضيقة من العائلــة باتت تتدخل في شــؤون لا علاقة لها بها. أكثر من ذلك، تورط قائد السبســي فــي ما لم يتورط فيه بورقيبة وهــو محاولة فرض ابنه في زعامة حــزب، وفي ما هو أكثر من ذلك في المســتقبل، مع أن لا أحد ذكر كلمة خير واحدة في حافظ قائد السبسي لا كماض سياســي ولا حاضر ولا خصال شخصية تؤهله لأي شيء من ذلك على الإطلاق. خيبة أمل من حزب «نداء تونس» الذي ولد في وقته ليعيد بعض التوازن للمشــهد السياســي بعد هيمنة حركة «النهضة» وبروز نوازع دينية متطرفة لدى بعض قادتها ولدى حركات أخرى على يمينها، فإذا بها الحزب لا يعدو أن يكون فقاعة ســارع إليها، بانتهازية شــديدة، خليط من الاتجاهات ســرعان ما تفرقت بهم السبل لأهواء شــخصية في الغالب. خيبة أمل من حركة «النهضــة» التي وإن كانت مرونتها ســاهمت في تجنيب تونس الســيناري­و الأسوأ إلا أن الإفراط في البراغماتي­ة لا يمكن أن يقود في النهاية إلا إلى مهالك مختلفة. خيبة أمل من «الاتحاد العام التونســي للشغل» الذي يحتاج ربما إلى إعادة صياغة هويته ودوره لا سيما وأنه لم يجد بعد السبيل الأمثل للتوفيق بين الدفاع عن حقوق العمال والموظفين ومراعاة جوانب أخرى تتعلق بامكانيات البلاد ومستقبلها. خيبة أمل كبيرة أخرى من وسائل الاعلام الذي تحولت في معظمها إلى دكاكين مشبوهة التمويل والحسابات.

خيبــات الأمل عندما تتعدد، مع غياب القيادة السياســية القادرة على اخراج الناس من هذا المزاج السلبي المحبط، لا يمكن سوى أن تزرع الخوف من المســتقبل، لهذا يكثر التونسيين هذه الأيام من القول «الله يستر»!!

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom