Al-Quds Al-Arabi

الأردن: الدولة والشعب «على الشجرة»

- ٭ إعلامي أردني من أسرة «القدس العربي»

■ مســألتان لا يمكن إســقاطهما من أي حســاب عاقل ومن الصعــب إنكارهما يمكن رصدهمــا عندما يتعلق الأمر بجوهر وطبيعة «الحوار النادر» الذي أصرت عليه الحكومة الأردنيــة الجديدة برئاســة الدكتور عمر الــرزاز مع المدن والمحافظــ­ات والأهالي ووجها لوجه وهــي تحاول «إقناع» الشارع بقانون الضريبة الجديد.

المســألة الأولى تكرس القناعة بضرورة تسجيل هدف لصالح حكومة الرزاز التي ســعت وبوضوح لتثبيت ملامح جديدة للحوار الشــعبي والسياســي بصــرف النظر عن النتائج التي كانت سلبية أحيانا لا بل كارثية أحيانا أخرى.

الثانية تمثل ضرورة الإقرار أن الشــارع الأردني مرهق وتعب ولا يجيد الحوار مع حكومة تحاول إقناعه بضرورة تخطي أزمــة عميقة بمعســول الكلام وأنه يتحــول اليوم لشــارع «عدائي» جدا لا يترك أي فرصة من أي نوع لتوجيه سلسلة رسائل عابرة للحكومة ولا تخصها.

في المســار الأول علينا الاعتــراف أن حكومة الرزاز كان يمكنها أن تســير على طريق التقاليــد المرعية في آلية صنع التشــريعا­ت وتكتفي بالحوار الوطني مع الفعاليات وعبر المنصة الإلكتروني­ة أو تزعــم أن الحوار عبر لجان البرلمان بإعتباره المؤسسة التمثيلية للناس.

الرزاز نفسه قرر خوض التحدي ولم يتراجع لأن القرار ببساطة صعود فوق الشــجرة بحكم الاستحقاق الاقليمي والدولي.

لم يحصل تراجع رغم ضجيج الرأي وصخب الإعتراض لا بل طولب الوزراء في بعــض المدن والمحافظات بالمغادرة وفورا.

هو تقليد عمليا أصــر عليه الرزاز شــخصيا وطلب من طاقمــه الوزاري إكماله والاحتمال على أســاس أن الحوار نفسه ســابقة مثيرة ومهمة وينبغي تكريســها واذا افلتت التفاصيل اليوم قد تقل حدة الكلام مستقبلا.

تلــك خطوة حكومية تســجل لصالح الطاقــم الوزاري الذي سمع معظم عناصره عبارات مؤذية وتشكيكية وتظهر اشــارة قوية على شعور الشــعب برمته بحالة من العبث وصعوبة بناء مصداقية للخطاب الرســمي بعد طول درب التضليل وألاعيب الحكومات المتعاقبة.

ليس منصفــا إطلاقا لحكومة الرزاز أن تطالب بكشــف حساب الماضي برمته.

وليس منصفا بالمقابــل مطالبة أي مواطن أردني بتحمل المزيد من الأعباء دون محاسبة أخطاء الماضي. لذلك المشهد مرتبك ومعقد في الأردن.

ورغــم الإرتباك يمكن القول إن فكــرة الحوار مع الناس والمواطنين والوجهاء «سنة حميدة» بدلا من خيارات أخرى من الطراز المراوغ مثل «تســليك» الأمــور مع مجلس نواب مطواع ومرن للغاية.

ومن بينها كذلك فرض القانون الجديد وإرساله للبرلمان وعدم طرق اي باب له علاقة بالحــوار اصلا وهو ما فعلته طوال عقود سلسلة حكومات متعاقبة لم تسأل أو تستفسر أو حتى تحفل بما يريده الناس.

أعلم أن غالبية ملاحظات المواطنين على قانون الضريبة الجديد لن يؤخذ بها.

لكن يعلم الجميع بالمقابل ان حــوارات قانون الضريبة فــي الواقع لم تناقش المضمون نفســه فقد تحدثت بانفعال بكل شيء باستثناء نصوص القانون الذي تطلب الحكومة الملاحظات عليه.

بمعنى آخر رفض المتحاورون باسم الشارع اي محاولة للنقاش ورفضــوا القانــون جملة وتفصيــا فيما اصرت الحكومة على اســتمرار جولات الحوار اياها وإبلاغ الناس بتصورهــا ومحاولــة الإســتماع اليهم وســط محيط من الصخب والصوت المرتفع والإتهامي.

لعلهــا خطوة ذكية جدا من الحكومة حتى تســمع مراكز الثقل في القرار السياسي والأمني كيف يفكر الأردنيون وما هو ايقاعهم الحقيقي اليوم.

وهنا لابد من الاشــارة لصعوبة الانضمام للمجموعات التي تقترح أن الحوار لم يكن ضروريا اصلا.

بل اضم صوتي مباشــرة لكل من رأى في جرأة الحكومة هنــا وبعض الــوزراء مســارا إيجابيا يمكــن البناء عليه مســتقبلا أو ســنة طيبة ونبيلة لا تخســر الحكومة بعدها الكثير إذا ما صبرت او استمعت.

في المسألة الثانية من الواضح أن الأردني يريد التحدث وإخراج ما فــي قلبه وبكل انفعالات الكــون وبحرقة وهي مسألة تحظى بأولوية المواطنين المحتقنين بصرف النظر عن موضوع الحوار والنقاش.

هنا وبوضوح ايضا شهدت حوارات الحكومة الضريبية مع الأطراف مؤشــرات لا يمكن إنكارها حول سعي المواطن الأردني للتفريغ.

تلك إمــرأة في مدينــة المفرق تصرخ متهمة المســؤولي­ن والسياســي­ين بالســهر على «إفســاد العلاقة» بــن الملك والشعب.

وذلك رجل يظهر الاســتعدا­د لبيــع عباءته من أجــل الوطن.. وآخــر ينتقــد تصرفــات الأمن الوقائــي معــه وثالــث يهاجم الحاكــم الإداري امــام الوزراء ورابع يطالب بــرأس رجل التبغ عوني مطيع وخامس يتحدث عن «إعادة المال المنهوب أولا».

تلك بعض نماذج الآراء التي قالها المواطنون أمام وزراء الحــوار وهم يبتعدون تماما عن الموضوع قيد البحث خلافا لأنهم يعلمــون علم اليقين أنهم يوجهــون الخطاب لوزراء موظفين لا ناقة لهم ولا بعير بكل ما يجري حاليا او سابقا.

اســتغل الأردنيون بكفاءة حــوارات الأطراف لتوجيه رســائل ملغزة ومتعــددة لا علاقة لهــا بالضريبة أو حتى بالحكومة وبصورة تعيد التذكير أن الاستمرار في «الإنكار» بعد الان خيار إســتراتيج­ي قد يرقى إلى مســتوى خيانة الدولة.

تلك الرســائل تقول إن «الشــعب لن يتحمل مسؤولية مجازفات الماضي» في الوقت الذي لا مجال فيه إلا للخضوع لما يريده صندوق النقد الدولي.

ومع وجــود تعقيدات مــن كل صنف وتكلــس المواقف الشــعبية يمكن القول ببســاطة بان الدولة تجاور الشعب نفسه اليوم على أغصان شــجرة الأزمة إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا فينزل الطرفان.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom