Al-Quds Al-Arabi

إخماد النيران في إدلب وإضرامها في اللاذقية

-

■ رغــم أن قمــة طهــران الثلاثية التــي جمعته مع الرئيســن الإيراني حسن روحاني والروسي فلاديميــر بوتين انتهت إلى خــاف جذري معهما حــول وقــف إطــاق النــار فــي محافظــة إدلــب الســورية، فقد نجــح الرئيس التركــي رجب طيب أردوغــان فــي انتــزاع اتفــاق أفضــل مــع نظيره الروسي بعد أيام قليلة، في قمة سوتشي.

اتفــاق الطرفين، حول إنشــاء منطقــة منزوعة الســاح بعمق 15 إلى 20 كم تشمل كامل خطوط التماس بــن فصائل المعارضة الســورية وقوات النظام الســوري، اتخذ صفــة ميدانية فورية حين أعلن وزير الدفاع الروســي ســيرغي شويغو أنه لن تقع عملية عسكرية في إدلب. وبذلك فإن نتائج قمــة سوتشــي تذهب علــى نقيــض التصريحات القاطعة التي صدرت عن بعض مســؤولي النظام السوري وعلى رأسهم بشار الأسد، حول اقتراب معركة «تحرير» المحافظة.

ولــم يكن مفاجئاً أن ترحــب وكالة أنباء النظام بالاتفــاق الروســي ـ التركــي، فالقــرار حــول حاضر ســوريا ومســتقبله­ا لم يعد في يد الأسد، ولكــن المفاجئ فــي المقابــل كان الترحيــب الذي صدر عــن وزارة الخارجية الإيرانيــ­ة، بالنظر إلى أن طهــران كانت فــي طليعــة المطالبــن باجتياح إدلب، وحشــدت قوات «حزب الله» والميليشيا­ت المناصــرة لهــا في الصفــوف الأولى مــن خطوط الاشتباك المحتملة.

والاعتبــا­رات التــي قــادت إلــى انحنــاء إيران، وقبلــه اضطرار موســكو إلــى التنــازل عن رفض سابق لوقف النار وتلميحات إلى عملية في جنوب إدلــب وغربهــا علــى الأقل، نجمــت عــن منظومة متتابعة ومتكاملة من أوراق القوة التي حشــدتها تركيا طيلة الأشهر السابقة، وجعلت أنقرة بمثابة اللاعــب الرئيســي والأهــمّ فــي إدلــب والشــمال السوري عموماً. فإلى جانب نجاحات عملية «درع الفرات» والجمع البارع بين الجهود الدبلوماسـ­ـية وتعزيز الوجود العســكري وزيادة ضخّ الســاح النوعــي إلــى فصائــل المعارضــة، تمتلــك تركيــا خطــوط انتشــار فعالــة ومتينة على الحــدود مع ســوريا، بامتداد 150 كم من عفرين إلى جرابلس. يُضاف إلى هــذا نجاح أردوغان فــي المناورة على حاجة بوتين إلى تعميق الهوة بين تركيا والولايات المتحدة، واســتغلال خلافات البلدين من أجل منح العلاقات التركية ـ الروســية وظائف أعمق تشمل آسيا الوسطى إلى جانب الشرق الأوسط.

ومــن مفارقــات التاريــخ أن بوتــن وأردوغان توصــا إلى إخمــاد النيــران المحتملة فــي إدلب، وإنْ إلى حين وحتى تنضج معطيات أخرى كفيلة بتغيير قواعد اللعبة الراهنة، ولكن دولة الاحتلال الإســرائي­لي تكفلت بإضرام النيران في اللاذقية، جــارة إدلب، حين قصفت مواقع عســكرية واقعة ضمن «الخطوط الحمر» الإســرائي­لية، فتســببت فــي إســقاط طائــرة روســية بمضــادات النظام الســوري. ومن الطريف أن يراقب العالم إن كانت ردة فعل بوتين على إســقاط الطائــرة، ومقتل 16 مــن جنودها، ستشــبه علــى أي نحو مــا اتخذته موســكو مــن إجــراءات انتقاميــة حين أســقطت المقاتــات التركية طائرة «ســو ـ 24» روســية في تشرين الثاني/ نوفمبر 2015.

وتبقــى المفارقــة دليــاً إضافيــاً علــى مــدى التعقيــد الإقليمــي والدولــي الــذي بــات يكتنف الملف الســوري، بحيث أن اللهيب يمكن أن يصيب جميع اللاعبين، صواباً تــارة أو خطأ تارة أخرى، حتــى حين يكــون الفاصــل الزمني بــن التواطؤ والاشتباك دقيقة واحدة لا أكثر!

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom