Al-Quds Al-Arabi

تبني إدارة ترامب تعريفا جديدا للاسامية

- كاتب فلسطيني

المتتبع لخطوات الرئيس ترامب العدائيــة للقضيــة الفلســطين­ية، يلاحظ وبلا أدنى شـّـك، أنه خاض معركة الرئاســة، خصيصا لتصفية القضية الفلسطينية. إذْ لا يمضي أســبوع واحد، من دون اتخــاذ قرار أمريكي جديــد ضد مصالح شــعبنا، وآخــر هذه السلســلة من القرارات، إغلاق مكتب منظمة التحرير الفلســطين­ية في واشــنطن، وســحب حتى التأشــيرا­ت من ممثل المنظمة والعاملين فيه وعائلاتهم.

نتساءل بموضوعية، هل وصل الحقد بالرئيس ترامب وإدارته المتصهينة بدءًا منــه، وصولا إلى مندوبة أمريكا فــي الأمم المتحدة، إلى هذه الدرجة على الفلســطين­يين؟ يريــدون جميعا طمــس الحقوق المشــروعة للشــعب الفلسطيني بكل الوسائل والســبل! إنهم يزايدون حتى على أحزاب اليمين الديني الأكثــر تطرفا في دولة الكيان الصهيوني. حتى أن بعض الصحف الإســرائي­لية، تكتب ضد هذا الســيل الجارف من خطــوات الرئيس الأمريكي ضد المشروع الوطني الفلســطين­ي، وتوضح، أن قرارات هرم الإدارة ستلحق أكبر الأذى بإســرائيل، وتحذّر بأن هذه السياسة ســتضع دولة إسرائيل على طريق نهايتها وانعدام وجودها كدولة، ذلك أن هذه السياســات ستزيد من حالة العداء الشعبي الفلســطين­ي والعربي، وبعض دول العالم لإسرائيل.

إن آخر ما تفتقــت عنه الذهنية الرســمية الأمريكية، هو تبني إدارة ترامب تعريفا جديدا لـ»العداء للســامية» )اللاســامي­ة( بحيث أصبح يشــكل تهديــدا لأي عملية احتجاج فــي أمريكا، خاصة في الأحــرام الجامعية، ضد السياسات الإســرائي­لية، فبحســب «نيويوك تايمز» أن رئيس دائرة حقوق الإنسان في وزارة التعليم الأمريكية كنت ماركوس، بعث برسالة في 27 أغسطس/آب الماضي، إلى وزارة الخارجية الأمريكية، تتناول ادعاءات بشــأن التمييز في جامعة «روتغرز» في نيوجيرسي. ولذا يقترح في رســالته تغيير مفهوم « العداء للســامية»، وإطلاق كلمة «لاسامي» على كل من ينتقد السياسات الإسرائيلي­ة الحالية، الرسالة وجدت لها صدى في الخارجية ووقعها ترامب. لذا، من المتوقع مثلما يقول مراقبون، أن تؤثر هذه الخطوة على الطريقة التي ســتحقق فيها وزارة التعليم الأمريكية في ادعاءات بالتمييز ضد طلاب يهود، كما تشير الرســالة إلى أهمية إبراز التعبير عن المساندة للمنظمات الداعمة لإســرائيل. وبالنتيجة، فإن الناشــطين من أجل حقوق الإنســان، والداعمين لنضال الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال، على الساحة الأمريكية، باتوا يخشون من أن تغيير التعريف، قد يــؤدي إلى فرض قيود على حرية التعبيــر في الأحرام الجامعية. للعلــم، فإن ماركوس هو معاد بارز للنضال من أجل حقوق الفلسطينيي­ن.

وبحســب التعريــف الجديد، فــإن أي «ادعاءات بأن إســرائيل هي مشــروع عنصري» أو حتــى «الطلب من إسرائيل أن تتصرف بشــكل ديمقراطي»، فإن ذلك يعتبر «منعــا لحق تقرير المصيــر لليهود». ونقل عن ناشــطين أمريكيــن مــن أصــول فلســطينية قولهــم: إن الإدارة الأمريكيــ­ة تعلن عمليا بهذا التعريف، أن نضال الشــعب الفلســطين­ي من أجل نيــل حقوقه الوطنيــة هو نضال «لاسامي». ونقلت الصحيفة ذاتها عن محامية في منظمة «فلســطين القانونية» الناشــطة من أجل الدفع بحقوق الفلســطين­يين قدما، تعقيبها على ماركوس بالقول «هذا ما كنا نخشــاه. فلديه تاريخ طويل في ممارسة الضغوط على الجامعات والهيئات الحكومية من أجل الدوس على حرية التعبير». من جانبها، قالت المتحدثة باســم جامعة «روتغرز» إن الجامعة ستتعاون مع الوزارة إذا قررت أن تفتح مجددا الملف من عام 2011. وكانت الشكوى الأصلية قد قدمت في إبريل/نيسان عام 2011، وفي حينه حاولت الجامعــة معالجــة توتر متصاعد بشــأن نشــاط حركة المقاطعة )فيالأحراما­لجامعيةالأ­مريكية.وقامت إدارة بــاراك أوباما حينها بإغلاق الملــف عام 2014، بعد أن قررت أنه لا توجد أدلة على «لاســامية»، والآن يجري فتح القضية من جديد. وبحســب صحيفــة «بوليتيكو»، فإن رسالة ماركوس تتضمن أن الوزارة ستفحص مجددا الأدلة «على ضوء التعريف الجديد للاسامية». من جانبها اعتبرت المنظمة الصهيونية الأمريكية القرار بإعادة فتح الملف بأنه «فاتحة طريــق». وقال رئيس المنظمة مورتون كلاين، إنه «كانت هنــاك حاجة لقائد مثل كنت ماركوس، من أجل إجبار وزارة حماية الحقوق الدستورية والمدنية على اســتخدام «تعريف منطقي للاسامية» بحيث يعكس كيف تكتســب اللاســامي­ة معنى في أوقات ملحة اليوم، وخاصة في الجامعات»، على حد تعبيره. كما ادعى كلاين أن «الناشــطين الذين يدفعون بالكراهيــ­ة، مثل الطلاب من أجل العدل في فلســطين، يحاولون إقناع آخرين بأن هجومهم على الصهيونية وإسرائيل هو جزء من النقاش السياسي المشروع. ولكن بحسب التعريف الجديد لوزارة الخارجية ، «للاســامية» فإن هذا الهجوم في الغالب ليس أكثر من قناع لكراهية اليهود».

للعلم، فــإن مفهوم «العــداء للســامية» تهمة جاهزة لإلصاقها بكل من ينتقد سياســات الكيان، والأســاطي­ر والأضاليل الصهيونيــ­ة! لإحساســهم الداخلي بحقيقة تزويــر مقولاتهــم، فتراهــم يخافون، بــل يرتعبون من مواجهتهم بالحقائق الساطعة والواضحة. إنهم يحاولون بكل الوسائل، منع الحقائق حتى بسن القوانين في الدول الحليفة. أوروبا ســنّت قانون «غيســو» لمنع التشــكيك بـ»الرواية الصهيونية عن اليهود» تحت طائلة الســجن! وها هي الولايات المتحدة تتبنــى تعريفا جديدا لموضوع «العداء لليهود» انتصارا لحليفتها الإسرائيلي­ة.

الســاميون: هم من ينتسبون لســام بن نوح، وعادة فإن لفظة الســامية تنطبق وفقاً لعلماء اللغة على القبائل التي سكنت في شبه الجزيرة العربية، وفي بلاد الرافدين )العراق( وفي المنطقة الســورية )التــي أصبحت في ما بعد ســوريا ولبنان وفلســطين والأردن(، وأطلق كذلك على سكان المنطقة الأخيرة اســم «الكنعانيين». «العداء للســامية» هي فكــرة حديثة نســبياً، اخترعهــا اليهود الأوروبيون رســمياً في القرن التاســع عشــر، وأول من كتب حــول المفهوم، وفقاً للمؤرخ برنــارد لازار في كتابه المعنون بـ»اللاســامي­ة، تاريخها وأســبابها»، الصحافي الألماني ولهلم مــاد في كتابه المعنون بـ»انتصار اليهودية علــى الجرمانية» وكان ذلك عــام 1873. يخلص لازار في اســتعراضه لهذا المفهوم إلى نتيجة تقــول: «إن خاصية المماحكــة لدى الطوائــف اليهودية أعطت ذرائع ســهلة للعداء لليهــود. لقد توارت تلك الطوائف خلف ســياج، اعتقــد أفرادها أنهــم مشــربون بخاصية اســتثنائي­ة، فاليهــودي يفخر بامتياز توراته، حتى إنه يعتبر نفســه فوق وخارج بقية الشــعوب. لقد اعتبر اليهود أنفســهم «الشــعب المختــار» الــذي يعلــو كل الشــعوب، وتلك خاصية شــوفينية» (روجيه غارودي، قضية إســرائيل والصهيونية السياسية، دمشــق 1984(. يتقاطع مع هذا التفســير أيضاً المؤرخ اليهودي آرثر كوســتلر في كتابه القيّم «مملكة الخزر وميراثها، القبيلة الثالثة عشرة».

استغل المفكرون الصهاينة هذا المفهوم أبشع استغلال! فقد حــاول ليو بنســكر تصويرها على هــواه: «اليهود غريبون عــن كل الشــعوب التي يعيشــون بينها، إنهم مطاردون في كل مكان، انسجامهم مع الشعوب يستحيل تحقيقه، الــخ». ثم جاء مــن بعده هرتــزل ليوظف هذا المفهــوم من أجــل خدمة الهــدف الذي رســمته الحركة الصهيونيــ­ة وهو: إنشــاء الوطــن القومــي لليهود في فلسطين. بالتالي يمكن الاستنتاج: حرص هؤلاء المفكرين على تعميق هذا المفهــوم، كخطة مهيأة للطرح الابتزازي: بضرورة مساعدة أوروبا والعالم لليهود لإنشاء دولتهم في فلســطين، وكان مؤتمر كامبل بنرمان، خطة سايكس بيكو ومن ثــم وعد بلفور.هــذه الفكرة/الهــدف )إقامة الدولــة( تفاعلــت في أوروبــا بين رفض مــن جماعات يهودية أوروبية وأمريكية كثيرة لها وللخطة الصهيونية بإنشــاء «دولة لليهود». تفاعلت الفكرة أيضاً بين مفكري العصر من اليهود: يقــول اليهودي الديانــة المفكر كارل ماركــس: «اليهودية اســتمرت بفضل التاريــخ، لا رغماً عنه، ولذا فــإن تحرير اليهود يعني تحرير المجتمعات من اليهودية». مظاهر تفاعــل الفكرة تمثلت أيضاً في دعوات يهودية كثيــرة، للاندماج في المجتمعــا­ت، ودعوات من بعض مفكري العصر من غيــر اليهود، فقد اعتبر كثيرون منهم، «أنّ حلّ المســألة اليهودية يتمثل في اندماج اليهود في المجتمعات التي يعيشــون بين ظهرانيها». أيضا طرح 12 خيارا جغرافيا لإقامــة الدولة اليهودية. كل ذلك ينفي الارتباط الروحي لليهود بفلســطين، ويبين التضليل في الأســاطير الصهيونية مثل «أرض الميعــاد» و»أرض بلا شعب لشــعب بلا أرض» وغيرها، فـ»الحاخامات اليهود خافوا من التاريخ اليهودي أكثــر من خوفهم من التاريخ العام، حتى عندما ظهر أول كتاب عن هذا التاريخ - تاريخ ملوك فرنســا والملوك العثمانيين - في القرن الســادس عشــر، جرى منعه، وحظرته السلطات الحاخامية العليا في شــرق أوروبا، ولم يظهر ثانية إلا في القرن التاســع عشــر» (إســرائيل شــاحاك، التاريخ اليهودي، الديانة اليهودية، وطأة ثلاثة آلاف سنة(. لقد حاولت الصهيونية إسقاط مفهوم كانت هي من اخترعته، وحرصت وتحرص على ترويجــه لثلاثة أهــداف، الأول: إلصاق الســامية باليهود عنوة بمــا يعنيه ذلك من تثبيــت مفاهيم زائفة وتضليلية أخــرى مثل «القومية» و»الأمة» و»الشــعب» اليهــودي. الثاني: تثبيــت «العداء» لليهــود من خلال «العداء للســامية». الثالث: إذا تم اعتبار اليهود «قومية» فمــن الطبيعي والحالة هذه «عدالة مطالبتهم» بـــإيجاد «وطن قومي» لهم في فلســطين، لذلك ضغطت إســرائيل على أعوانها في أمريكا، لإيجاد تعريف جديد «للاسامية».

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom