Al-Quds Al-Arabi

عبد الله السلايمة: حالة مزمنة من سوء الفهم بين بدو سيناء والسلطة

الروائي المصري عبدالله السلايمة:

- اجرى الحوار: أشرف قاسم ٭

يعد القاص والروائي عبدالله الســايمة أحد أدباء شــمال ســيناء المتميزين، ومن خلال كتاباته يحاول تقديم الإبداع الســينائي بشــكل يليق بمكانة وأهمية ســيناء. وحول رؤيته للأدب، خاصة أدب هذه المنطقة المهمة التي يسكنها ويعبّر من خلالها.. كان هذا الحوار

■ ماذا عن البدايات ومن ثم تجربتك الإبداعية؟

□ حتى عــام 1994 لــم يتعدَ هدفي مــن قراءاتي الســابقة أكثر من ثقافة أتحصن بهــا، وبحث دؤوب عن متعة ما زلت أسعى لبلوغها، ولم أكن أعرف شيئا عن ذاتي المبدعة، حتى اكتشــفتها بانضمامي لنادي أدب «رفــح»، ومن خلاله بدأت أخطو خطوتي الأولى في طريق الكتابة، بدأته بنشــر خواطر شــعرية في صحيفة «سيناء المســتقبل»، ما عزز ثقتي بكتاباتي، وشَــكَّل لي في ما بعــد دافعا للاســتمرا­رية في عالم ســردٍ أدركتني غوايته، فاستجبت له بكتابة روايتي الأولى «بركان الصمت»، وعــزّز صدورها عام 2000 عــن الهيئة العامة لقصور الثقافــة من ثقتي ـ ككاتب ـ بنفســي. أما تجربتي الإبداعية فاعتقد أنها تستمد خصوصيتهــا من كونــي أكتب عن الصحــراء، هذا العالم الغامــض الذي لم يحاول ســبر أغواره وفك شــيفرته إلا قلة من الكُتّاب العرب، أشهرهم ابراهيم الكوني، وعبدالرحمن منيف.

■ كيف يبدو لك المشــهد الثقافي في شــمال سيناء، خاصة وأنت أحد أصواته؟

□ عند الحديث عن المشــهد الثقافي في ســيناء لا بد من الأخــذ في الاعتبار أمورا مهمــة، من بينها، أن ســيناء مرت بظروف سياســية فرضت عليها عزلة إجباريــة حرمتها من مواكبة انفتــاح مصر الأم على أوروبا، واكتشــاف كُتّابها فن القصة والرواية، لهذا ظل الشــعر الشعبي الشــفهي )بادية وحضرا( سيد الموقف خلال فتــرة ما قبل تحرير ســيناء وعودتها لمصرها عــام 1997، ليمثل هذا العــام بداية لانطلاقة جديدة، أخذ أدباء شــمال سيناء على عاتقهم جانبها الثقافــي والإبداعي. فقد اســتطعنا خــال الأربعة عقود الماضية رســم خريطة الأدب في شمال سيناء، وملئها بأجناس أخرى غير الشعر، الذي يعد الشاعر حسونة فتحي من فرسان عاميته، وتراوحت كتابات حاتم عبدالهادي وسمير محســن بين شعر التفعيلة والنثر، أما أحمد ســواركة، أشــرف العناني، سامي ســعد، صلاح فاروق، فقد جاءوا مختلفين «نثريا» إلا مع ذاوتهم. وهنــاك من تصدى لعصف رياح الحداثة مدفوعــا بقناعات لها قوة إيمانهم، بأن لا شــعر غير الفصيح منه، مثــل: المرحوم الشــاعر محمد عايش عبيد، زكريا الرطيل، محمود فخــر الدين. أما المنجز السردي، فهناك أسماء اســتطاعت أن تقدم عددا من الإبداعات الســردية القصصية مثل: حســن غريب أحمد، وزين العابدين الشريف، وهناك من توقف عن الكتابة بعد إصــداره لمجموعته الأولى، مثل: محمود طبل، ومصطفى آدم. وهناك البعض من الشعراء ممن حاول خلع عباءة الشــعر ولجأ إلــى النص الحكائي الأكثر قــدرة على اســتيعاب ما يرغب فــي التعبير عنه، مثل: حاتم عبدالهادي، كريم ســامي، وســامي ســعد. ولكي تكتمل ملامح خريطة الإبداع السينائي، لا بد من الإشــارة إلى الفن التشكيلي، فقد استطاعت نخبة من فناني شــمال ســيناء التشــكيلي­ين، على رأســهم الفنان المعروف مصطفى بكير، الوصول بهذا الفن إلى مســتوى الاحتراف، حيث حاز عدة جوائز محلية، إضافة إلى جائزة مهرجان الفنون التشكيلية لفناني العالم في موسكو عن لوحته «الصمود». ومن المفتــرض أن يكــون هذا حال المسرح، إلا أن تردي حال المؤسســة الثقافية، وســوء الأوضاع الأمنية، إنعكسا بالسلب على هذا الفــن الراقي، فاتســعت الفجوة بينــه وبين حلم الشــارع الســينائي في حركة مسرحية تتماس مع واقعه وهمومه وتطلعاته.

■ كيف قمــت بتوظيف الموروث الفكــري والثقافي لســيناء، كما في «صحراء مضادة » مثلا؟

□ بحكم نشأتي تغذيت منــذ صغري علــى ثقافة الصحــراء، تلــك التــي شــكّلت خلفية وجداني، ومنحنــي التعليم فرصة لتقليب مبادئها في رأسي، والنظــر إليهــا بحيادية مكنتنــي بمــرور الوقت مــن اكتشــاف حقيقة أن ثقافــة مجتمــع الباديــة لا تخلــو مــن ســلبيات، كمــا هــو حــال ثقافات المجتمعــا­ت الأخــرى، فلم أتــردد في الإشــارة إلى تلك الســلبيات علنا وكتابة، ليــس «انقلابا» على مجتمعــي، كما ذهب البعــض فــي تفســيره لكتاباتي، بل حرصا مني على تأدية رســالتي نحو هذا المجتمع بإخلاص، وســوف أظل أعد صمتي ـ لو حدث وفعلت ـ خيانة إبداعية لا تُغتَفر.

■ ربما ما يحدث في ســيناء الآن يكون مادة صالحة لأعمال إبداعية، كيف قرأت هذه الأحداث؟

□ قرأته كمــا قرأه العامة، ومثلهــم حمّلت الدولة المســؤولي­ة كاملة عما يحدث الآن على أرض سيناء، بســبب إهمالها لها أرضا وبشرا في ما مضى، ومثلهم لا أســتطيع منع نفســي من التســاؤل في حيرة: لِمَ لم تتنبــه الدولة لأهمية وضرورة تنمية ســيناء إلا الآن؟ وهل ســتهتم الدولة )كما تعلن الآن( بضرورة تنميــة ســيناء، لو لــم تظهر هذه الجماعات الُمســلحة على أرضها بشــكل يهدد أمن مصر عامــة وســامة مواطنيهــا؟ أســئلة تدفع بي للتأكيد على إنه مع غيــاب التنمية وظهور التنظيمــا­ت الإرهابية وتفاقم خطرهــا زادت معانــاة أبناء ســيناء، وأصبحــوا ضحية أقدارهم، آملين في أن تحســم الدولــة هذه الحــرب الدائرة التــى يكون أهل ســيناء أكثر ضحاياهــا. وحتــى لا تكون سيناء )أرضا وشعبا( قابلين للضياع مــرة أخرى، لابد على الدولة من العمــل على إيجاد حلــول جذريــة ومدروســة لمشــكلات أبنــاء ســيناء من مظالــم تاريخية على رأســها أحقيتهــم فى تملــك أرضهم، وإزاحــة الغبار عن ســجلات بطولاتهم الوطنيــة، ليعرف المصريون عامة مــا قدمه أهل ســيناء مــن تضحيــات في مختلف الحروب التي خاضتها مصر، ومازالت تخوضها، من أجل الحفاظ على تراب مصرنا العزيــزة. أعتقــد أن ســيناء ســوف تظل بجغرافيتها بيئة مغرية لاســتيطان الإســام الراديكالـ­ـي، وصالحــة على الدوام لممارسة عنف وإرهاب الجماعــات المســلحة، ومطمعــا لأطــراف خارجية معروفة، لــن تتوقف عن محاولــة تمرير مخططاتها لزعزعة استقرار وأمن مصر، وتوهمها بإمكانية فصل سيناء عن جسد مصرها في يوم ما نتمنى ألا يجيء.

■ أشاد يوســف الشــاروني بمجموعتك القصصية «أشــياء لا تجلــب البهجــة»، قائــا: إنها تنبهنــا إلى أن التطــور الحضاري الذي غزا الصحــراء، أثار صراعا في لحظــات التحول بــن الأجيال. كيف اســتطعت تصوير هذا الصراع؟

□ ببساطة، لأنني ابن هذه البيئة، وأعرف حقيقة أن مجتمــع الباديــة ربما يكون من أكثــر المجتمعات انغلاقا على نفســه، وأقلها اســتعدادا للانفتاح على الآخر، هــذه الطبيعة «الانكفائية» كان يعتبرها أبناء هــذا المجتمــع بمثابة حِصــن منيع ضــد كل ما يهدد شــخصيتهم وثقافتهم ووجودهم، وظل هذا الاعتقاد ســائدا حتى أصبح الكون قرية صغيــرة، وأغرقهم بطوفــان من المســتجدا­ت والمتغيــر­ات، التي هدمت حصنهــم القديم بقوة، وأجبرتهــم على التعايش مع هذه المســتجدا­ت، ومع غضبهم الكامن في دواخلهم وهم يرون كل شــيء يســير بقوة تجاه المدنية، وأن ليس بمقدورهــم مواجهة مســتجداته­ا التي جرفت الكثير مــن قيمهم وعاداتهم وتقاليدهــ­م، ما ترك في دواخلهم إحساســا قاتلا بالضيــاع، وبجور الزمن عليهــم، ولم تزل في نفوســهم جــروح غائرة، ولن تندمل ـ وفق تصورهم ـ إلا باســتعادة كل ما أخذته المدينة منهم عنوة، ومــازال بعضهم يعتقد واهما أن هذه الفرصة ســوف تجيء في يوم ما. وحتى تجيء ســيظل الصراع الخفي محتدما بــن الطرفين، رغم إدراك البدو لحقيقة أن نتيجة هذا الصراع محسومة لصالــح )خصمهــم( المدينة الطرف الأقــوى في هذا الصراع الحضاري.

■ صــدّرت مجموعتــك القصصية الأخيــرة «أوضاع محرّمة» بعدة مآزق عشتها ولم تزل. فما هي؟

□ بدايــة، لا خــاف أن الكتابة بحــد ذاتها تمثل مأزقــا للكاتب العربي بشــكل عام، فمــا بالك بكاتب مثلي يعيش فى مكان كســيناء، ويجد دياره تتحول فجأة إلى ســاحة حرب مفتوحة ومروعــة، لا يُفرّق سعيرها بين مُذنبٍ وبريء، فالكُل مُشتبه فيه، والكُل عُرضة للقصاص، إن لم يكن على يد جماعات إرهابية تواصل قتلها اليومي لأهله باسم الله والدين، فسوف يكون للأســف على يد طرف يطارد هذه الجماعات، ومعها يلاحق أناســه الأبرياء وهو مشحون بأحكام مســبقة، تدفع به للتعامل معــــــهم كمــا لو كانوا وباء يجب التخلص منه! أمر مربك ويُمثّـــــل مأزقا بالنســبة إليك ككاتب، يُدرك الفارق بين معنى الدولة والوطن، وعلى العكس من أناســه، على اســتعداد لتجاوز كل الأخطاء التي ارتكبها ساسة الدولة الذين تعاقبوا على حكمهــا، مقابل الاحتفاظ بالوطن، لكنه لا يســتطيع تجاوز آلام أهله جــراء ما يتعرضون له الآن من تهجير وتشريد وإذلال، وكأن لا يكفي الدولة ما سببته لأهل ســيناء من معاناة، بســبب نظرتها العوراء إليهم.

■ ومــاذا عن «شــعرة معاويــة» روايتــك المقبلة التي نشرت بعض فصولها؟

□ هي محاولتي تفســير إشكالية سوء الفهم الذي مازال قائما بين البدو والســلطة، تلك الإشكالية التي أراها مســألة ثقافية بحتة، فكل مــن الطرفين يتبنى موقفــا ذهنيا تجــاه الآخــر ويؤمن بــه، ويتقمص )بجهــل( دور المدافع عن وجهة نظــره، بغض النظر عن صحتها من عدمها، بــدون أن يكون لدى أحدهما الاســتعدا­د لتفهم طبيعة وثقافــة الآخر. ولا أتحرّج هنا من القول، إن تاريخ العلاقة بين الطرفين، أثبت أن السلطة أكثر تعنتا في هذا الشأن، ولم تسع في يوم ما لإظهار حسن نيتها تجاه البدو، ورغبتها في التوصل إلى حل حقيقي، يأخذ بعين الاعتبار حقوق وواجبات كل منهما تجاه الآخر.

 ??  ??
 ??  ??
 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom