Al-Quds Al-Arabi

اتفاق «سوتشي» بين الروس والأتراك.. من الفائز ومن الخاسر؟

3 أسئلة برسم المستقبل وإمكانية تطبيق «هدنة إدلب»

- )الأناضول(

■ إســطنبول - من ســرهات إركمين: من أهم المواضيع المطروحة على الساحة السورية مؤخراً، قطــع الطريق أمــام العملية العســكرية المحتملة في محافظة إدلب الســورية، الأمــر الذي دفع إلى اجتماع قمة بين تركيا وروســيا فــي نقطة توافق مجــدداً، عبر اتفاق سوتشــي. وبمــا أن تفاصيل الاتفاق غير معلنة حتــى الآن، إلا أنه يمكن الإدلاء ببعض الاســتنتا­جات مــن خــال التركيز على المؤتمر الصحافي المشــترك للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، إلى جانــب التصريحات الصــادرة فيما بعد عن المسؤولين رفيعي المستوى من كلا البلدين.

وتشــير الخطوط العريضة للاتفاق بين تركيا وروسيا إلى اقتراح إنشاء منطقة منزوعة السلاح تفصل بين مناطــق النظام والمعارضــ­ة في إدلب، يتولى فيها كلا البلدين مهمة مراقبة وإحلال الأمن. ومن المخطط أن تكون تلك المنطقة بعمق ‪-20 15‬كم داخل الأراضي السورية، على أن يتم تطهيرها من الأسلحة الثقيلة وإخراج كافة عناصر التنظيمات الإرهابيــ­ة منها، بما فيها هيئة تحرير الشــام. كما تم الإعــان عــن أن الجانبين التركي والروســي ســيجريان دوريات مراقبة مشتركة بهدف إحلال الأمن في المنطقة.

ورغم كون هذه النقاط أساسية جرى التوافق بشــأنها بين البلدين، إلا أنه يمكننا استنتاج بقية البنود غير المعلنة من خلال تصريحات الجانبين، فعلى ســبيل المثــال، أوضحــت أنقــرة أن قوى المعارضة ستظل في المنطقة، بينما سيتم تطهيرها مــن عناصر التنظيمــا­ت المتطرفة فقــط. في حين صرح الجانب الروسي، بأنه سيتم افتتاح الطريق الدولــي الواصل بين حلــب واللاذقيــ­ة، وحلب وحمــاه، بنهاية العــام الجــاري، وبالنظر لهذه التصريحات، تتبادر إلى الأذهان بعض الأسئلة.

السؤال الأول

يتمحور حــول مدى عــرض وعمــق المنطقة المذكورة، إذ تشير الخرائط الموجودة لدى المصادر إلى أن المنطقة منزوعة السلاح ستكون ضيقة في إدلب، يفصل بينها وبين مناطق النظام الســوري نقــاط المراقبة العســكرية التركية والروســية. لكن تصريحات الجانب الروســي تشــير إلى أن مجموعات المعارضة المسلحة لن تتواجد كمراقب علــى طريقي «إم4 »، و»إم5 »، وأنهما ســيُفتتحان بشكل يتيح للنظام السوري استخدامهما.

فإن كان هذا الأمر صحيحاً، فإنه من المتوقع أن يتم طرح موضوع إنشاء خط يمتد على مساحات ســكنية واســعة في منطقة جســر الشــغور في الغرب، ومــورك وريف حلب الغربي في الجنوب، وضمها إلى المنطقة منزوعة الســاح على مراحل. وســيتم التأكد من هذه النقطــة لدى دخول بنود الاتفاق حيز التنفيذ، ولكــن يجب عدم التغاضي عن احتمال بأن المنطقة منزوعة الســاح ستمتد على منطقة أوســع مما هــو منتظر فــي المرحلة الأولى.

الســؤال الثانــي: مــاذا ســيحصل للفصائل المسلحة في المنطقة منزوعة السلاح؟ تصريحات الجانب التركــي أوضحت أن فصائــل المعارضة المعتدلة لن تبــرح مكانها، لكن بالنظر إلى خارطة الوضع في إدلب، فإنه نتيجــة لتواجد الكثير من الفصائــل المعارضة المعتدلة فــي المنطقة منزوعة الســاح، فيمكن القول بأنه ســيتوجب عليها إما ترك هذه المنطقة والانتقال إلى المناطق الداخلية، أو ستضطر للتخلي عن سلاحها الثقيل.

السؤال الثالث: ما مستقبل هيئة تحرير الشام؟ كل مــن تركيــا وروســيا تصنفــان الهيئة ضمن التظيمات الإرهابية، ولذلك فإنهما ســيحاربان­ها، لكن تواجد الهيئة ليس محدودا بالمنطقة منزوعة السلاح، وبالنظر إلى الخط الفاصل المتوقع، فإن الكثير من مناطق سيطرة الهيئة تقع خارج حدود المنطقة منزوعة السلاح.

في هذه الحالة، يجــب مراقبة أنماط تحركات هيئة تحرير الشــام، فكما هو معروف، فإن الهيئة تتضمــن توجهات مختلفــة، لكن عــدد كبير من عناصرها ســواء كانوا من السوريين أو الأجانب، يرفضون تسليم السلاح، أو التراجع، أو التفكك.

وفي حال رفــض الهيئة للتفــكك بنهاية المهلة الروســية حتى الـ 15 من أكتوبر/تشــرين الأول المقبل، فيبدو مــن المرجح أن مهمة إحلال الأمن في المنطقة ســتقع على عاتق تركيا، وشــريكها على الساحة، الجيش السوري الحر، ما قد يدفع تركيا لعملية جديدة بسوريا، شــبيهة بالعمليات التي أجرتها سابقا، وهي درع الفرات، وغصن الزيتون. إن أجوبة هذه الأســئلة ســتتضح خــال الأيام المقبلة لدى البدء بتنفيذ بنود اتفاقية سوتشــي، لكــن مهما أفضت هذه الاتفاقيــ­ة إلى مرحلة مهمة من الارتياح، فإن ظهور ديناميات اشتباك جديدة في المنطقة بناء على المستجدات الأخيرة لن يكون محيرا إطلاقا.

الفائزون

يوجد لاعبان أساســيان فازا في هذا الاتفاق، وهما تركيا وروســيا. ويمكن ترتيب المكتســبا­ت الأساسية لروسيا على الشكل التالي: ضمان أمن كافة قواعدها في سوريا، وتخفيض هجمات قوات المعارضة بواســطة الطائرات بدون طيار وباقي الأسلحة إلى الحد الأدنى.

ثانياً: إتاحة الفرصة لنظام بشــار الأسد ولو بشــكل غير مباشــر في التضييق علــى مناطق سيطرة المعارضة في إدلب، دون تكبد أية خسائر، ولو أن الاتفاق لن يزيد من مساحة سيطرة قوات النظام الســوري، إلا أنه ســيقلص مــن مناطق المعارضــة، الأمر الــذي ســيجبر المعارضة على الرضوخ للتفاوض مع النظام وروسيا على المدى المتوســط. ثالثاً: إبعادها القــوات الإيرانية عن إدلب، وعلاوة عن كل ذلك، فإنها تمكنت من الفوز بهذه المكتســبا­ت دون الدخول فــي حرب طويلة ومتعبة.

الخاسرون

أما بالنســبة لمكتســبات الجانب التركي فهي كالتالــي: أولاً، الوقــوف في وجــه موجة نزوح كبيــرة باتجــاه أراضيهــا، ومناطــق عمليــات درع الفــرات وغصــن الزيتون. ثانيــاً: تقويتها لوجودها العســكري في ســوريا، والوقوف في وجه التهديدات القادمة من إدلب باتجاه عفرين. ثالثــاً: تمتع تركيا بمنطقة نفوذ واســعة بدءًا من غرب الفــرات وحتى إدلب، وذلك لغاية إيجاد حل دائم للأزمة الســورية. رابعاً: زيــادة ثقة أهالي إدلب بتركيا بعد اتفاق سوتشي، حيث نجحت في تجنيب المنطقة دماراً كبيراً.

خامســاً: حققت تركيا كل هذه المكتسبات دون أن تخاطب نظام الأســد، ونجحت في إبعاد إيران عن إدلب، ولكن إلى جانب هذه المكتسبات، يمكن القول إن تركيا ستتحمل مســؤولية كبيرة خلال محاربة هيئــة تحرير الشــام، ما قــد ينتج عنه مشاكل أمنية جديدة.

إن الخاســر الأكبر في الاتفاق هو هيئة تحرير الشــام، حيث تمر بمرحلة حرجة للغاية، إذ تقف علــى مفترق طريقــن، أولها، إمــا أن تتخلى عن الســاح وتحل نفســها، أو الدخول في مواجهة عملية عسكرية ضخمة والاندثار بنتيجتها.

وبالرغــم من عدم صــدور أي قــرار أكيد عن الهيئــة، إلا أن الاحتمــال الأكبــر بــأن مجموعة صغيرة منها ســتحل نفســها، في حين ســتلجأ النســبة الأكبر من عناصرها للحــرب والمواجهة، الأمر الذي سيجلب معه احتمال نشوب صراعات جديدة في المنطقة. وتعتبر إيران الخاســر الثاني في الاتفــاق، إذ رفضته نتيجة لتضارب مصالحها مع كل من تركيا وروســيا، حيث شــهدت خسائر مشــابهة خلال عملية غصن الزيتــون. وتُصنف الولايات المتحدة و»ب ي د» ضمن الخاسرين في الاتفاق، حيث وقفت تركيا وروسيا في وجه أزمة كبرى كانت محتملــة في إدلب، ففــي حال كانت تحققــت العملية العســكرية على إدلــب، لكانت الولايات المتحدة قد نجحت بســهولة في إنشــاء منطقة خاصة لـ «بي د.»

 ??  ?? أطفال إدلب هم الخاسرون في حرب الكبار
أطفال إدلب هم الخاسرون في حرب الكبار

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom