Al-Quds Al-Arabi

«نيو ريبابلك»: لا تسوية سياسية في اليمن بدون شرعية على الأرض

-

يرى الباحث في شــؤون الشــرق الأوســط بيتر سالزبري، الزميــل في معهد الشــؤون الدولية في لندن )تشــاتام هاوس( والمستشــا­ر لدى مجموعة الأزمات الدولية في بروكسل أن الكثير من المراقبين للحــرب الأهلية اليمنية الدائرة منــذ أكثر من ثلاثة أعوام لا يعرفــون الكثير عن حقائقها التي تتشــكل على الأرض خاصة عندما يطالبون بتسوية سياسية.

وفي مقاله الذي نشــرته مجلة «نيوريبابلـ­ـك» الأمريكية جاء إن داعمي نظام علــي عبدالله صالح في اليمن بدأوا يشــعرون بالقلق عندما انقسم نظامه الفاســد إلى نصفين واندلعت معارك شــوارع بين مؤيديه ومعارضيه وذلك في أثنــاء الثورة اليمنية التي استلهمت نموذجها من تظاهرات الشوارع في تونس واليمن وليبيا. وخشي الداعمون الغربيون من تحول اليمن إلى صومال جديد تستغله «القاعدة» ولهذا قاموا بالتدخل وإجبار صالح على التنحي ضمن مبادرة ضمنت بقاءه في البلاد وتســليمه السلطة لنائبه عبد ربه منصور هادي.

بعد ثلاثة أعوام من تنحي صالح كان الدبلوماسي­ون الغربيون يحتفلون بنجاحهم في اليمن واقترحوا تبنيه في كل من ســوريا وليبيا لكنهم لم يلاحظوا أن المشــاكل كانــت تتخمر. فرغم تعيين رئيس جديد والاتفاق على كتابة دســتور جديد ومؤتمر الحوار الوطني الذي اســتمر لتسعة أشــهر وحضرته كل أطياف المشهد السياســي اليمني بما فيها حركات المجتمع المدني إلا أن ترتيبات ما بعد الربيع العربي انهارت كلهــا في تموز )يوليو( 2014 وذلك عندما حاولــت الحكومة تخفيض المســاعدا­ت وزيادة أســعار الوقــود. واتهم الحوثيون في الشــمال الرئيــس عبد ربه هادي منصور بالفســاد والضعف. وبنهاية شهر إيلول )سبتمبر( وبعد عدة أيام من القتال سيطر الحوثيون على العاصمة صنعاء، وهو أمر لم يكن ليحدث قبل أشــهر عدة. وفــي الربيع اندلعت الحرب الأهلية حيث أضاف القصف الجوي السعودي إلى المزيج المتفجر في اليمن، خاصة أن الرياض تعاملت مع الحوثيين كجماعة وكيلة عن إيران في الحديقة الخلفية لها- اليمن.

النموذج اليمني

ويعلق سالزبري أن «النموذج اليمني» الذي بنيت حوله هالة من الجلال يبدو بعد أربع ســنوات غارقاً فــي حرب أهلية مدمرة أدت إلى أسوأ كارثة إنســانية يشهدها العالم. وتشير التقديرات المتواضعة إلى أن أكثر من 10.000 مدنــي ماتوا في الحرب مع أن الرغم الحقيقي يصل إلــى 50.000 . وهناك ما يزيد عن 20 مليون نسمة بحاجة للمســاعدة الإنســاني­ة ومليون مصاب بالكوليرا ولا نهاية للحرب في الأفق. ويقول ســالزبري: «عشت وعملت في اليمن خــال المرحلة الإنتقالية التي تبعــت الإطاحة بصالح عام 2011 وبعيداً عن عناويــن الأخبار، فما رأيته هو بلد يعيش حالة انهيار بطيئة».

والغريــب أن الوضع قــد شــجع الإنفصاليي­ن فــي الجنوب والحوثيين في الشــمال على تحقيق مكاسب على الأرض وتقديم أنفســهم كبديل عن النخبــة القديمة مثلما فعــل تنظيم القاعدة مــن قبل. فقد أدت أزمة الشــرعية للنظام السياســي في صنعاء إلى فتح المجال أمام كل جهة لادعاء الشــرعية. وفي هذا الســياق يستحضر سالزبري معنى الشرعية من تعريف الباحث السياسي النيوزلنــ­دي كيفن كليمنتــس بأنها «عن الحقــوق الإجتماعية والإقتصادي­ة والسياسية والتي تحول القدرة الإكراهية والتاثير الشخصي إلى سلطة سياسية دائمة» وهي عن العلاقة التعاقدية بين الدولة والمواطنين وفحص جدواها.

وفي هذا الســياق فإن النظرة تختلف من طرف لآخر فلو كنت دبلوماسيا أو سياســيا لرأيت أن الأولوية هي القانون والنظام. أما إن كنت تبحث عن عمل أو توفير لقمة العيش فالحياة اليومية هي الأهم. ولكــن الحكومة بحاجــة لفحص نظامها السياســي بطريقة تمنع الســكان من الغضب والخروج للشوارع كما فعلوا في انتفاضات الربيع العربي.

وعلى خلاف الحوثيــن وحكومة هادي فقــد اهتمت القاعدة بمسألة الشــرعية، فعندما ســيطرت على المكلا في الجنوب عام 2015 ركــزت جهودهــا على تقــديم الخدمــات وإدارة محاكمها الخاصة وبنجاح نسبي. وكان هذا جزءاً من استراتيجية رسمها زعيم القاعدة في حينه ناصر الوحيشي والتي تبعت استراتيجية رســمها قادة القاعدة الســابقون. فعندما ضرب إعصار تشابالا جنوب اليمن في تشــرين الثاني )نوفمبــر( 2015 كانت القاعدة جاهزة حيث أجلت السكان عن بيوتهم في المكلا وتأكدت من توفر المياه والمواد الأساسية.

أقرب إلى الهوس

وصور التنظيم خدماته في المكلا ونشرها بشكل أقرب للهوس. والســبب على ما يبدو كان صعود تنظيم الدولــة. لكن القاعدة أجبرت على الخروج من المكلا في نيسان )إبريل( 2016 من خلال قوات تدعمها الإمارات. ويرى ســالزبري أن لا طرف في المعادلة اليمنية حصل على الشــرعية أو يملكها وبخلاف مأرب والقاعدة فلا طرف على ما يبدو مهتماً بالحصول عليها.

ويتســاءل عن اهمية هذه القضية ويجيب أن المبعوث الدولي مارتــن غريفيثــز حــاول بداية الشــهر دفع هــادي والحوثيين للقاء بشــأن خطته للتســوية ولكن الحوثيين فشلوا في حضور الإجتمــاع في جنيف. ولكن خطة غريفيثز معروفة وهي تشــكيل حكومة وحدة وطنية ومرحلة انتقال سياســي ثم إشراك البقية لاحقاً. وهناك منطق في محاولة المبعوث الدولي تبسيط العملية السلمية لكن الخطر النابع وهو أن داعمي المبعوث الدولي، الدول الأعضاء في مجلــس الأمن ودول الخليج قــد يحاولون العودة للأشكال القديمة التي جربت ســابقا مثل تنصيب وجوه معروفة في الحكم والبحث عن حلول فنية وتقــديم رؤي جريئة لا توجد إلا على الورق.

وسيشعرون بالدهشة عندما يجدون ان نخبة عام 2018 فشلت في تحقيق ما يريدون منها أي تكــرار نفس الفصل ما بين 2011- 2014. والمشكلة في كل هذا أن الدبلوماسي­ين والمسؤولين الغربيين لم يتقبلوا بعد أن الشرعية هي نفسها التي لا يزال المجتمع الدولي يمنحها لحكومة هادي وهي ليســت نفســها التي تمنح للحكومة المركزية التي فازت بانتخابات. فالشرعية في اليمن هي التي يتم أخذها على المستوى المحلي ومن خلال التشارك والإستماع للناس على الأرض وتقديم الخدمات ويتم الحصول عليها من خلال تقديم اهداف واقعية تدريجية وليس من خلال رؤى جريئة للمســتقبل مع أنها ضرورية. وطالما لم يتوصل المسؤولون إلى حقيقة ما يجب تحقيقه والأولويات في اليمن سيظل بلدا غير مستقر.

 ??  ?? طفل في مستشفى شمال غرب حجة يعاني من سوء تغذية حاد بسبب الحرب الدامية
طفل في مستشفى شمال غرب حجة يعاني من سوء تغذية حاد بسبب الحرب الدامية

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom