Al-Quds Al-Arabi

موجة الاستقالات من حزبي السبسي والمرزوقي تعيد الجدل حول عُقدة «الزعيم الأوحد» في تونس

مراقبون يردّون الأمر إلى حداثة التجربة الحزبية وانعدام التسيير الجماعي

- تونس - «القدس العربي» من حسن سلمان:

شــهدت الســاحة السياســية التونســية أخيــرا حدثــن مثيريــن للجدل، تمثل الأول باســتقالة 25 نائبا وعضوا بارزا مــن حزب «نداء تونس» الحاكــم الذي أسســه الرئيس الحالي الباجــي قائد السبســي، فيمــا تجلى الحــدث الثانــي باســنحاب 80 عضوا من حزب «حراك تونــس الإرادة» أحد أبرز أحــزاب المعارضة. الذي أسســه الرئيس السابق منصف المرزوقي

ولئن تعــددت الأســباب التي تقف خلف الاستقالات الجماعية من حزبي قائــد السبســي والمرزوقــ­ي، إلا أنهــا أعــادت الجــدل حــول فكــرة «الزعيم الأوحــد» أو «الأب الروحــي» التــي تطبع أغلب الأحزاب التونسية، بحيث يرتبط الحزب كليا بشــخصية واحدة ويبقــى ملازمــا لظلهــا، ويتحــول إلى مجــرد «جمعية» أو مكتــب مُلحق بها، وينهار بمجرد رحيل هذه الشــخصية أو انشغالها بأمور أخرى.

وإذا كان المقارنة لا تصح - حســب بعــض المراقبــن - بــن شــخصيتي الرئيســن الســابق والحالــي، علــى اعتبــار أن الأول يملــك تاريخا حقوقيا كبيــرا فيمــا يعتبــر الثانــي أحــد أبرز رجال المنظومــة القديمة، فــإن أغلبهم يؤكــدون وجــود تشــابه بــن حزبي قئد السبســي والمرزوقــ­ي على صعيد غياب المؤسســات الفاعلــة التي تؤمن التســيير «الجماعــي» لهــذا الحــزب أو ذاك، وبالتالــي تكفــل الاســتمرا­ر للحزب، بغض النظر عن وجود الزعيم أو غيابه.

وكان تســعة نــواب وســتة عشــر قيــادي وعضــو محلــي أعلنــوا أخيرا انســحابهم مــن الحــزب الحاكــم، بســبب «خيبة أملهم» من طريقة إدارة وتســيير الحزب، فيما أعلن 80 عضوا اســتقالته­م مــن حزب «حــراك تونس الإرادة» مؤكدين مؤكدين «اســتحالة» إصــاح مســار الحــزب سياســيًا وتنظيميًا، واســتمرار «تبعيته» لحركة «النهضة».

ودوّن عمــاد الدائمــي نائــب رئيس حزب «الحراك» معلّقا على الاســتقال­ة الجماعية من الحزب «شــعار المرحلة: قتــل الاب! المحاولــة قد تشــفي غليلا، ولكــن لا تبني مشــروعا»، فيما الوزير والقيادي في حزب المرزوقي الســابق )المؤتمــر من أجــل الجمهورية، ســليم بن حميــدان، انتقادا لاذعــا للقياديين المســتقيل­ين عدنــان منصــر وطــارق الكحــاوي، مشــيرا إلى أنهــا حاولا كســب ورد حركــة «النهضــة» فــي انتخابــات ،2011 قــل أن يلتحقــا بحزب المرزوقي الســابق )المؤتمر من أجــل الجمهوريــ­ة( ليســاهما لاحقــا في «حــل» الحزب، وتأســيس حزب «الحــراك» الــذي «تبــوآ فيــه أعلــى المناصــب القياديــة )الأمانــة العامــة والإشــراف على لجنــة الانتخابات(. غيــر أنهما فشــا في هيكلــة الحزب وفي الانتخابات البلدية فشــا ذريعا رغــم منحهما أوســع الصلاحيات من مؤسســات الحــزب ومــن المرزوقــي نفسه، بل تحولا إلى عنصري احتقان داخلي فتم اســتبعاده­ما بالوســائل الديمقراطي­ة .»

وكتب المؤرخ والباحث السياســي د. عبد اللطيف الحنّاشي على صفحته فــي موقــع «فيســبوك»: «الاســتقال­ة مــن الاحــزاب او الانشــقاق­ات او التشــظيات تبدو طبيعية فــي البلدان التــي تعيــش الانتقــال الديمقراطـ­ـي ومنها تونــس بحكم عدة عوامل منها: محدودية التجربــة الحزبية بالمفهوم الحديــث والدقيــق للحــزب تقنيــا ومضمونا وذلك قبل الاستقلال ومن بعــده نتيجــة طول فتــرة الاســتبدا­د )بورقيبــة وبــن علــي(، وحداثــة الفاعلــن في العمل السياســي داخل تلــك الاحــزاب، وحــدة التجذابــا­ت على اســس غيــر فكرية بــل مصلحية فــي الغالــب )ذاتيــة(، وســيطرة الزعيم المؤســس الفرد الــذي غالبا ما يتميــز بنرجســية تكاد تكــون مطلقة واحيانا مؤذيــة للحزب ومنتســبيه، وانعــدام الرؤية الفكرية والسياســي­ة )استراتيجية- مستقبلية( والاكتفاء ببرامــج سياســية طارئــة ردّا علــى مواقــف الاخريــن، وغياب الممارســة الديمقراطي­ــة، ودور الولاءات الفرعية في تكوين الاحــزاب )الجهة، القرابة، المصلحــة الخاصــة الماديــة غالبــا( والمحاباة .»

وأضــاف الباحــث ســامي براهــم «كلّ الأحــزاب التــي تتمحــور حــول شــخص لا حول برنامج ورؤية وعمل جماعي مآلها التشقّق والاضمحلال. لم يعد من المقبول مــن حيث الجدوى السياسيّة والاستجابة لاستحقاقات الواقــع ورهاناتــه أن ترتهن الأحزاب لأشــخاص ملهمــن مهمــا كانــت مواهبهــم وشــرعيّتهم. هــذا عصــر التّســيير الجماعــي والمؤسّســات الدّيمقراطيّــة وتعــدّد الآراء والتّمكين للشّــباب والنّســاء وأصحــاب الكفــاءات والخبــرات، ينطبــق هــذا علــى كلّ الأحــزاب حتّــى تلــك التــي تبــدو متماســكة وقويّــة وعصيّة عن التفكّك. لا يمكن إدارة مرحلة تأسيس ديمقراطــيّ فــي إطــار مســار ثــوريّ بأحــزاب تقليديّــة تشــتغل بالمناولة لتحقيق طموح شخص، والدّوران في فلك الزّعيم الملهــم والمنقذ من الضّلال والنّاطق الرّسمي والقيادي التّاريخي الذي لا يشقّ له غبار».

وعــادة مــا يــرد المراقبــو­ن ظاهرة «الزعيــم الأوحــد» فــي الأحــزاب التونســية )الحديثــة خصوصا( إلى التصحّــر أو الفــراغ السياســي الذي خلقــه نظــام الرئيــس الســابق زيــن العابدين بن علــي، وهو ما دفع لاحقا عددا كبيرا من رجال الأعمال وسواهم ممــن لا يمتلكــون أية خبرة سياســية لتأســيس أحزاب جديــدة، فضلا عن ســيطرة طبقة سياســية «هرمة» على المشــهد السياســي في ظل عزوف أو إقصاء الشــباب من الفعل السياسي، إضفة إلــى تحكم رأس المال بالمشــهد السياسي والإعلامي في البلاد.

 ??  ?? الباجي قائد السبسي
الباجي قائد السبسي
 ??  ?? منصف المرزوقي
منصف المرزوقي

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom