Al-Quds Al-Arabi

ساسة ومحللون جزائريون: لا يمكن اعتبار كل الإقالات العسكرية الأخيرة إجراءات اعتيادية ولا يمكن فصلها عن معركة الرئاسة

-

■ القاهرة - دب أ:اســتبعد سياســيون ومحللون جزائريون صحة ما تردده وسائل الإعــام الرســمية من أن الإقالات الواســعة التي شهدتها المؤسسة العسكرية في البلاد خلال الشــهرين الماضيين هي مجرد «حركة اعتيادية» تكرس لمبدأ تداول الســلطة وضخ دماء جديــدة، وأكدوا في المقابل أنه لا يمكن النظــر لهــا بصــورة منفصلة عــن انتخابات الرئاســة المقررة العام المقبــل، والصراعات داخل أجنحة الحكم.

وشــكك ســفيان جيلالــي، رئيــس حزب «جيــل جديــد» (المعــارض(، فــي صحــة ما يتداولــه الإعــام الرســمي، وشــدد على أن «حجــم التغييــرا­ت ووتيرتهــا المتســارع­ة وتوقيتاتهـ­ـا، ومــا أعقبهــا مــن ملاحقــات قضائية لبعــض القيادات المقالــة، يتعارض بقوة مع هذا الطرح».

واســتبعد فــي الوقــت نفســه صحــة ما يتردد فــي بعض دوائر المعارضة ووســائل التواصــل الاجتماعــ­ي مــن أن التغييــرا­ت اســتهدفت قيادات وضباطًا بالصف الأول للجيــش، معروفين بولائهــم لمدير المخابرات الجزائريــ­ة الســابق الفريــق محمــد مديــن )المعــروف باســم الجنــرال توفيــق(، الذي تردد أنه ينوي الترشــح لخوض الانتخابات الرئاسية المقبلة.

وقال جيلالــي: «كل هذا شــائعات.. نعم هنــاك جمعيــة مغمــورة دعت الفريــق مدين إلى الترشــح، ولكن هذا لا يعد دليلًا على أي شيء.. فمدين الذي بسط قبضته على جهاز المخابــرا­ت لمدة تقترب من ربــع قرن لم يتكلم في هذا الشأن بالأســاس، بل لم يسمع أحد أي خبــر عنه منــذ إقالته عــام 2015 الجزائر الآن بها سيل من الشائعات والأسماء تُطرح بشكل عشوائي .»

واعتبــر أن كل مــا يحــدث حاليًــا علــى الســاحة الجزائريــ­ة لا يمكــن وصفــه إلا بأنــه «انعــكاس للصراع الذي أصبــح معلنًا بــن الزمــرة المحيطــة بالرئيس عبــد العزيز بوتفليقة وبين المؤسســة العسكرية ... فكل من الطرفين يسعى لأن يكون الرئيس القادم منــه وأن ينجــح فــي فرضــه علــى الجميع، خاصــة وأن الحديــث عــن عهــدة خامســة للرئيــس صــار مشــكوكًا بــه لدرجــة كبيرة لحرج وضع الرئيس الصحي ... وحتى الآن لا يوجد ما يشــير إلــى تفــوق أي جهة بهذا الصراع على الأخرى.»

ويتفق المحلل السياسي عبد العالي رزاقي مع عدم اســتبعاد ارتباط ملف الرئاســيا­ت بالتغييرات الأخيرة في المؤسسة العسكرية، إلا أنه يشدد على وجود أسباب أخرى تقف وراء هذه التغييرات.

وأوضــح: «هناك بعض القادة أتموا ســن الســتين ومــن حقهــم طبقًــا لقانــون وزارة الدفــاع عــام 2012 طلــب التقاعــد وهــو مــا حــدث ... وهنــاك قــادة آخــرون تم طردهم من المؤسسة العســكرية لانكشاف تورطهم بقضيــة الكوكايين الشــهيرة حين تم ضبط أكثــر مــن 770 كيلوجرامًا من المــادة المخدرة نهايــة أيار/مايــو الماضــي، وهــم الآن قيــد الاســتجوا­ب القضائي.. وهناك قادة كانوا تورطــوا منذ عام 2004 بقضايا فســاد إلا أن المخابــرا­ت حينذاك قامت بإخفــاء ملفاتهم، ولكــن مــع إقالــة الفريــق مدين عــام 2015 وإنهــاء عمل جهاز المخابــرا­ت، ومع المتابعة القانونيــ­ة والسياســي­ة ظهــرت الملفات مرة أخرى وبناء عليه تمت إقالتهم.»

ورجح المحلل السياسي صحة المعلومات التي تداولتها صحف عــن اقتحام وتفتيش منازل بعض القيــادات المقالة مؤخرًا، وربط بــن هــذا وبين ما تــردد عن تســريب بعض القيــادات المقالــة وثائق ســيادية إلى خارج البلاد. وطالب الســلطات بضــرورة «إتاحة قدر كبير من الشفافية حول أسماء القيادات المقالــة، وتحديدًا مــن وُجهت لهــم اتهامات بالفســاد أو غيرها، مع إتاحة بيان تفصيلي للتهم والجهات التي ستتولى محاكمتهم.»

وتوقــع اتضــاح الصــورة فيمــا يتعلــق بترتيب المشــهد السياســي، وتحديــدًا فيما يتعلق باختيار رئيس جديد، خلال الأشــهر القليلــة القادمة. ورأى أن حديث البعض عن «توافق على عهدة خامســة لبوتفليقة مجرد ذر للرماد للتغطية على الانقسام الراهن بين أجنحــة الحكــم ورغبــة كل طــرف منهم في اختطــاف مقعد الرئاســة لصالحه»، وانتقد «تغلغل التفكير الجهوي للذهنية السياسية، حيــث أصبحــت كل جهــة بالجزائــر تتطلع للدفع بمرشح لخلافة الرئيس».

ولــم يبتعد كريم طابو، البرلماني الســابق والأمين الســابق لجبهة القوى الاشــتراك­ية عن الآراء السابقة.

وقــال: «دائــرة الرئيــس مــن أقاربــه والمقربين منه، تمتعت بنفوذ كبير طيلة فترة حكمــه الممتدة لنحو عشــرين عامًــا وتطمح بالاحتفــا­ظ بهذا النفوذ بالمســتقب­ل، ســواء عبــر وجــود بوتفليقــة أو وجــود خليفة له مــن بــن صفوفها، ربمــا يكون هو الســعيد بوتفليقــة، شــقيق الرئيــس، أما مؤسســة الجيــش فتــرى أنها مــن جــاءت ببوتفليقة بالأســاس عبــر دعمــه عــام 1999. وهــذه المؤسســة قد ترضى بوجود الرئيس لعهدة خامســة ولكنها لن ترضى بأن تشاركها أي جهة أخــرى بقــرار اختيار الرئيــس القادم، وذلــك في إطار الســعي للاحتفاظ لنفســها بدور اختيار الرؤســاء منذ استقلال البلاد، دون أن يكون هناك نص دستوري بذلك».

ورفــض طابــو، وهــو عضــو مؤســس لحــزب «الاتحــاد الديمقراطـ­ـي الاجتماعي» )تحت التأســيس(، ما يتردد من أن الشارع الجزائري لــم يعد يتفاعل بمــا يحدث حوله على الســاحة السياســية لانهماكــه بأموره الحياتيــة، خاصــة فــي ظــل الصعوبــات الاقتصادية.

وقال : «الشعب يدرك أن الركود السياسي هو ســبب اســتفحال أزماته، وعندما لا يجد هذا الشــعب ثمــن قوته اليومــي ويطالع في الوقت نفســه أخبارًا متتالية عن تورط كبار المســؤولي­ن بقضايا فســاد بالمليارات، فهذا بلا شــك يولد داخله غضبًا متصاعدًا، ولكن لا أحد يعرف متى سيعبر الشعب عن غضبه، أو ما إذا كان ســيعبر عنــه أم لا، خاصة وأن مصطلح التغييــر عندما طُبــق بالجزائر في تســعينيات القرن الماضي لم يؤد سوى إلى مأســاة حقيقيــة امتــدت لســنوات. كما أن انتكاس أوضاع دول أخرى شــهدت تغييرًا مــن خلال ما عــرف بالربيع العربي ســهلت مهمــة الســلطة الراهنة في تخويــف الناس منه .»

ويرى الناشط الحقوقي والسياسي عمار خبابه أن الحديث عــن حجم التغييرات يظل رهينة للتســريبا­ت الإعلامية فــي ظل غياب أي بيانــات رســمية توضــح عدد وأســماء المقالين. وقــال خبابــه: «إذا صحت الأخبار بوجود ملاحقــات قضائية لبعض القيادات المقالــة، فهذا يعني أن إعصــار التغييرات لن يتوقف قريبًا ».

 ??  ?? الفريق محمد مدين
الفريق محمد مدين
 ??  ?? الرئيس عبد العزيز بوتفليقة
الرئيس عبد العزيز بوتفليقة

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom