Al-Quds Al-Arabi

الجسد الأنثوي... بين الصيانة والتدمير

- ٭ كاتب عراقي

تعددت أســاليب التعامل مع الجســد الأنثــوي، بتعدد الوعي بأهميته، والمرتكزة أساسا على ثقافة الجسد. شأنها شأن البنى الأُخرى، حيث شكّلت مجمل رؤى الكتّاب في النص السردي.

يشــمل هذا الكتّاب والكاتبات، فكل طرف تعامل بما يتناســب مع رؤيته الجنســاني­ة، ووفق وعيه لوظائف الجسد. ولعل أحلام مستغانمي، ونوال الســعداوي، سميحة خريس، بسمة النسور، تعاليّن بقيمة الجسد، ومنحنه وظائف لا تقل عن وظائف الجسد الذكــوري. حيــث عملــن على ترســيخ وجــوده من بــن الأصرة الجمعية. بينما منحه د.هـ . لورنس قيمة انتقائية تتعلق بالعلاقة الجنســية المتعادلــ­ة والجالبــة للتوافق بــن الذكــورة والأنوثة. فالجديد من هــذا الاعتبار هو القيمة العليا، يُنظــر إليها اجتماعيا وعبــر التاريخ بنظرات تتضارب خلالها الــرؤى، ابتداء من نزول حوّاء مع آدم وُأســطورة قابيل وهابيل وصولا إلى شــهرزاد في كتاب الليالي.

سقنا هذه المقدمة، للبدء بقراءة رواية أحمد الجنديل الموسومة «إمبراطوريـ­ـة الثعابــن» لأنهــا تناولت الجســد من بــاب القيمة الماديــة، أي التــداول الوظيفــي الاقتصــاد­ي. بمعنى أن الجســد في النص ســلعة تــدر أرباحا عبر فعــل الزنا. والأنثى لا تشــكل مركــز الانحراف الاجتماعي والجنســان­ي، بل هي قوانين الحياة المنحرفــة من دفــع المرأة إلى جعل ممارســة الفعل ســبيلا للغنى والاســتحو­اذ. وكان مثل هذا الفعل تأكيدا على موقف الأنثى من الانتقام، كحجة تبريرية لمثل هذه الممارســة الشــاذة. إن التفاوت في مســتوى المعيشــة، والعوّز المســتدام الذي أنتجته السياسة الماليــة في البلــد، أنتجت هــذه الظاهرة من بين مجمــوع الظواهر التي فتكت بالمجتمعات الصغيرة، وصولا إلى المجتمع الأكبر وهو الوطن، لذا فالرواية خطاب سياسي مباشر بلبوس جنساني.

إن التحــوّلات في أنماط الحياة لــدى جماعات تأثرت بالثروة، بدون مســوّغ قانونــي وأخلاقــي، تحكمت في أســلوب الحياة، ووفــرت بيئة خصبــة لتوفر جملــة انحرافات اجتماعيــة، تعتبر دخيلة علــى الواقع. ومؤلــف الرواية عالجها بلغة متشــنجة في كثير من المواقع، تلبية لروح الانتقام والتنكيل بالخصم المختلف، فشخصية )ســاجدة البركان( صحيح إن وجودها في النص هو من صنــع خيال الكاتب، غير أن هذا التعامــل، وكما هو معروف، هو نتاج حراك أنثروبولوج­ي ارتدى لباسا سياسيا. فهو مقطوع الجذور عــن طبيعة المجتمع، وشــيوعه ناتج عن شــيوع مجموعة أخطــاء يمكــن أن نقــول عنها متعمــدة، لذا نجد فــي رؤى المؤلف وفي مســألة الانغماس في الرذيلة، جزء من الموقف الذاتي الذي يثــأر للجماعة، فالزنا هنــا ردة فعل على الانحــراف العام، ولعل اختيــار الكاتــب هذا المــن من الحيــاة، كان له مبــرر ذاتي أيضا، بمعنى وضع الرؤية الذاتية موضع التطبيق، فرؤيته من بين رؤى كثيرة تحددت في انحراف الجســدين الذكوري والأنوثي. ولعل انحراف الثاني جاء ردة فعل على انحراف الأول.

ولعل رؤيــة الكاتب القائلــة، إن الصراع الدائر فــي البلد اتخذ لــه طريقــا شــرعيا للكســب والاســتحو­اذ، وهــذا صحيــح مــن الناحيــة الأخلاقية والبنية الاقتصاديـ­ـة، لكنه غير مبرر في صنع الانحــراف، على الرغم من أن الســبب والنتيجــة واحدة، لا يمكن الفصــل بينهما، أمــا ردة فعل جســد الأنثى، فإنــه محكوم بفعل الفقر والعوّز، ومن ثم الانتقام الذي هو راســب نفسي عند المرأة. فجريمة الزنا الأولى قادتها إلى تعدد نوع الجســد الذي مارست معه الفعل من أجل الكســب والاستحواذ، لقد سعى الكاتب بقوة نظرتــه الفاحصــة للظاهرة مــن جهــة، والضغط النفســي الذي يُعانيه جرّاء ثقل الظاهرة عليه من جهة أخرى، دفعته إلى الولوج إلــى المفاصــل الدقيقة في ظاهــرة الانحراف، ســواء عند الرجل أو المرأة. فالرجل هنا مســلوب الارادة، بفعل شــبقه أو شــذوذه الجنســي، والمرأة مدفوعة بــرؤى الانتقام من الجســد الذكوري والحط من قيمتــه، لأنها بالمفهــوم الأنثروبول­وجي والاقتصادي المنتج للسياســي مركز إنتــاج الانحراف بالظواهــر الاجتماعية. فالمؤلف رســم بدقة وحرفية عالية مســار الأفعال مــن التراكمي إلى النوّعي مســتخدما في هذا العيّنات وتصاعد الأفعال بحبكة. بمعنى جاهد على أن يجري تحبيكا على مســار جزء من المجتمع، لكنه الجــزء الأهم والمؤثر في بناء الحياة. فــكل الأطراف والبنى في البلد مؤدية إلى تراكم الخطأ، فكيف بها لا تنتج الخطأ الأكبر.

إن النص وكما نراه وظّف الجســد الأنثوي لأســباب سياسية تتضمــن رؤى اقتصادية واجتماعية ونفســية . وبهذا اســتطاع المؤلــف أن يــوازن بين أطــراف المعادلــة من أجل تماســك النص وتــرّاص وحداته، كبناء الشــخصية، وســريان الزمــن، وحبكة الحوار وجلال الوصف، على الرغم من أنه لم يتخلص من تأثيرات المنــاخ والفضاء العام، فقد تماهت شــخصيته بين أن يكون كاتبا خــارج النص، وســاردا من خارجه، يمنح الســارد كيفيــة ذاتية. أرى أن الأمــر اختلط لدى الكاتب، فجاءت خطاباته متوّترة، تُمثل وجهة نظر المؤلف لا الشــخصية، وهي مســألة معقدة في السرد العراقــي حصرا، حيث تطغي الأنا من خــارج النص على الأنا في داخله، فتُملي عليه وظائف لا تتكافأ مع وجوده المادي والمعنوي. فعبــارات مثل «أيها الرب الذي لا رب لي غيره. أنشــر في رأســي بذور الإيمــان.. أقم ميثاق ســام ووئام بين رأســي وما يحدث» على لسان )ساجدة( أمر مبالغ فيه قياسا إلى ما ينبغي أن تكون عليــه الأنثى، رغم تحصيلها العلمي، نحــن هنا نحتج بمنطق بناء النص فقط. ثم عبارة «أحس أن رجولته سحبها راس الثور القابع بين ســاقيه وترك رأســه خاويا»، كذلك «أطعمته اللهب فاحترق بــه. أرضعته النار فشــهق مــن ســعيرها، تركته يدخــل دائرتي وعندما جن جنونه، أســرعت إلى تسديد رماحي إليه». كان يمكن أن تُكتب هذه العبارات بصيّغ أخرى مناسبة للبناء السردي.

 ??  ?? جاسم عاصي٭
جاسم عاصي٭
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom